أتمنى أن تلتزم القيّادة الجزائرية بالجدِّية المطلوبة في قيادة سياسية، وأن تتعامل مع رفض مجموعة بريكس لطلبها بالانضمام إليها باعتباره قرارًا لقادة تلك المجموعة، وقرارٌ سيادي لها وليست مناورة مغربية بضغط من ناصر بوريطة أو من فوزي لقجع، كما عوّدتنا في سوابق فشل أو سقطات لسياساتها في مجالات متعددة أو في كوارث طبيعية. الموضوع، وبالدِّقَّة، ذلك الرفض لا يحتمل التندّر به أو التفكّه به من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون ولا من الإعلام الجزائري، أمام القيادة الجزائرية فرصة تاريخية، ولنقُل مدْخل تاريخي لتقويم مَسلكها السياسي ومنطلقاته، لأنه وحده الذي قادها للارْتِطام بذلك الرفض. مسلُكها القائم أساسا على معاداة المغرب وعلى اعتباره مشغلتها الأولى ضدًّا على حقائق التاريخ والجغرافيا، أدخلها في مسار مُكابرة مَرضية، أعدمت فيها المقوِّم الأساسي للسياسة وهو "الواقعية". اخْتلقت "مُزحة" أنها قوة ضاربة، وأدْمنت استهلاكها، حتى صدّقتها هي دون الموجهة ضده. وها هي مجموعة بريكس، وفي جنوب أفريقيا ومع مناورات حكومتها، أنها لا هي قوة ولا هي ضاربة، إنها فقط مسكونة بضرب من الوهم، وبعد أن تستفيق من ذهول ضرب الأخماس في الأسداس عليْها أن تضرب لها موعدا مع تجديدٍ عميقٍ في سياساتها، أساسُه الواقعية، في النظر إلى الذّات الجزائرية وفي تعامُلها مع علاقاتها الخارجية، ومع المغرب في المقام الأول. في ذلك فرصة تاريخية لتتخلص من ذهولها وتؤسّس لصحوة مرجوّة لها. كنتُ قد كتبت في مقال نُشر يوم 15 يوليو 2023 بجريدة "العرب" أن بريكس رفضت عضوية الجزائر، خلال اجتماع تمهيدي تقني لقمة جنوب أفريقيا، لعدم تلبيتها لمقوِّمات الانضمام، من حيث المناعة والمقدرة الاقتصادية، والكثيرون غيري كتبوا في الموضوع نفسه. وكان واضحا أن القيادة الجزائرية كانت تُغالط نفسها وتُكابر فقط، ولم تكن مجموعة بريكس في حاجة إلى دراسات متخصصين في العلوم السياسية والاقتصادية لاسْتِبْعاد الجزائر عن الانضمام إليها، يكفيهم أن تنقل لهم الصحافة عن الطّوابير في المحلات التجارية للحصول على المواد الغذائية في المدن الجزائرية، وعن تدخُّلات السلطات في تقنين توزيع الحليب والسّكر على الجهات والأقاليم، لأن ذلك المعيش اليومي في الجزائر، وحده، دليل على قصورٍ اقتصاديٍ واجتماعيٍ وسياسيٍ مهول، ولا علاقة له بنشيد "القوة الضاربة" الذي تتغنى به القيادة الجزائرية. هذا المسار المحزن كشف انْفصال تلك القيادة عن واقع ما "تقوده"، وكشف أن رئيس الجمهورية يُلقَّن لأحاديثه، مع رؤساء دول مُحترمة وعُظمى، ما يُمكنُه فقط من تِبيان خلوّه من الجدية، وأنه فقط يحاول التسلية. وإلا ما معنى أن يلتمس رئيس الجمهورية علانية وأمام صحافة العالم، الانضمام للمجموعة رسميا من الرئيس الروسي والصيني خلال زيارتيه الرّسميتين إلى البلدين. وقد هز الرئيسان رأسيهما لتبون، وسيتبين اليوم أن تلك كانت إشارةَ مجاملة لمتحدث عن فراغ ولمجرد تجزية الوقت. إنها أكبر فضيحة، لا بل هي دالة على موقع الرئيس في القيادة، ولعل هناك من يتعمد أن يكشف حقيقة أن الرئيس ليس هو الرئيس، ذلك ما يفسر أنه يمعن في الثرثرة والقفشات إذ لا تُطعمه القيادة، كما تفرض الجِدية السياسية، بالعمق والمفيد من المعطيات والمعقول من الكلام، خاصة وهو لا يملك المؤهلات السياسية الذاتية والنباهة الفطرية لرئاسة الدولة... وها قد انْقشع وهْم الانْضمام لمجموعة بريكس. ذلك الانْضمام الذي بدا كما لو أنه تحصيل حاصل خاصة والقمّة انعقدت في جوهانسبرغ، وبرئاسة حليف "قوي"، الحليف الذي رفضت المجموعة شفاعتَه للجزائر. الواقعية السياسة كانت أقْوى وأهم من كل التوسُّلات أو المناورات، ليقول القادة المحترمون الجزائر غير مؤهلة وستة دول أخرى مؤهلة، بلا مجاملة وبلا محاباة. عدا عن قصور المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية في بنيات الجزائر والتي أبعدتها عن الانضمام لمجموعة بريكس لا شك سيكون من بين قيادة الجزائر من سيلتقط رسالة من منطلق جيوسياسي تبلغها المجموعة للجزائر. لا يمكنها تفضيل الجزائر على المغرب، وليس المغرب من ناور أو أوحى بذلك.. المغرب وازنٌ في حسابات كل من الصين وروسيا والهند وفي علاقاتها وفي تطلعاتها، والمغرب واعدٌ في مُستقبل الوضع العالمي قيْد التشكل، اقتصاديا وسياسيا. هو لم يطلب الانضمام للمجموعة، وأعلن ذلك، وضدًّا على مناورات جنوب أفريقيا، وأوضح ذلك للهند خاصة، علما أن ذلك واضح لروسيا والصين، ولكن المجموعة تعرف موقعه، وأبعدت عن نفسها إمكانية استغلال العضوية فيها للإضرار بعلاقاتها مع المغرب. إنها الواقعية السياسية الدولية التي تزن قيمة المغرب، وهي نفسها الواقعية السياسية التي ينهجها المغرب في علاقاته الخارجية مع قوى العالم وصراعاته... ومن منطلق تلك الواقعية التي يقود بها العاهل المغربي الملك محمد السادس المنجز الدبلوماسي المغربي، فلم يكَل وهو يُوجّه نداءات الحوار ونداءات الأخوة إلى قيادة الجزائر، وآخرها نداء خطاب العرش الأخير، ما يُغلّب كفّته في التقدير الدولي على قيادة الجزائر التي تصر على قطائعها معه وتُغذِّي عدوانيتها إزاءه. افتقار السياسة الجزائرية للمنطلق الواقعي يُعجزها ويُضعف حسابها في التفاعلات الجيوستراتيجية، لأنه دون ذلك المنطلق لن تكون قادرة على الفعل الإيجابي في الوضع العالمي وفي محيطها القريب خاصة... وستبقى الواقعية السياسية الدولية المغربية أعلى في الاعتبار الدولي، ترفع مكانة المغرب وتُفشل المطامع العدوانية الجزائرية وتحدُّ من مساحات مناوراتها. الأمل أن تصحو القيادة الجزائرية من أوهامها، وها قد بدّدها رفض مجموعة بريكس، فتُعيد تعريف ذاتها وسياساتها وتعيد توجيه علاقاتها مع المغرب، لأنها تخسر في معاداته، وتربح كثيرا معه وسويا إذا هي اقتدت بآماله وواقعيته.