قال أستاذ السيميائيات سعيد بنكراد إن العالم يعيش اجتياحا كليا لشبكات التواصل الاجتماعي التي أفرغت الكائن البشري من كينونته، لفائدة "المستهلك المحتج". وأضاف بنكراد الذي شارك في ندوة بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، بعنوان " الرقمي الأوجه الجديدة للاستيلاب"، أنه لا أحد يمكن أن يقف في وجه التقدم، وهو شخصيا ليس ضد شبكات التواصل لأنها قدمت للبشرية خدمات لا تتصور في أمور كثيرة، لكن طبيعة استعمالها هي من تخلق المشاكل.
وأشار بنكراد الذي ترجم كتبا عديدة مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي من بينها "شبكات التواصل الاجتماعي – حرب التنانين" أنه يمكن لمهندس رقمي أن يتحدث لساعات عن مزايا شبكات التواصل وعن الذكاء الصناعي، وربما سيقنعنا بخدماتها، لكن يجب أن نتساءل عن ما ربحنا وخسرنا منها. وتحدث بنكراد عن فكرة الشفافية وعلاقتها بشبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت تعني في مرحلة من المراحل الصدق ولكنها تحولت اليوم إلى استعراض يتخلص فيه الإنسان من أسراره. أداة طيعة في أيدي الطغاة وتابع " الكائن البشري مع هذه الوسائل لم يعد يحمي حميميته أو يتمتع بها، وكل شيء أصبحنا نعرضه على الآخر ونتقاسمه معه". وسجل أنه في مرحلة من المراحل كانت مخابرات الطغاة تستطيع أن تعرف عن المناضل والمواطنين بشكل عام أشياء كثيرة، لكن جزء كبيرا من كينونته ظل عصيا على هؤلاء، والآن العكس تماما شبكات التواصل هي بمثابة جواسيس يعرفون عنا ما لا نعرفه عن أنفسنا. ولفت إلى أن العلاقات الإنسانية كانت حاضرة بقوة قبل هذه الشبكات، حيث كان الوجه هو النداء الأخلاقي الذي يمكننا من التعرف على الآخر، والآن نتواصل في مكان لا نعرفه وفي زمان لا نعرفه، والآخر الذي نتواصل معه لساعات لكننا لا نعرفه، بمعنى أن حتى علاقتنا بالزمن تغيرت، وأصبحنا نعيش زمنا بدون زمنية، والاتصال أصبح انفصالا، وأن أتصل يعني أن أنفصل عن محيطي. الصمت المفقود وزاد " الإنسان مع هذه الوسائل فقد صمته، لأنه في مرحلة من المراحل كان الصمت ثقيلا ورهيبا، يضع في الأديرة والكنائس المهجورة، والصمت معناه العودة إلى النفس، والآن نحن مع الإنسان المتكلم وكل الإشهارات التلفزيونية تصب في اتجاه ذلك". وأكد بنكراد أن لحظات الصمت في حياتنا لم تعد لها قيمة على الإطلاق، واليوم في المقاهي لا يمكن أن نجد إنسانا صامتا، الكل يتحدث أو يتصفح فيديو أو يتكلم عبر الهاتف. واسترسل بالقول "علاقتنا بالواقع الخارجي اليوم تقريبا انتهت وما نراه الآن وما نشتريه هو مجموعة من الصور، والإنسان لم يعد ينتج سلوكا في الفعل اليومي وإنما يستعير مجمل السلوكات التي يتبناها من فرجة تتحقق أمامه". صانع محتوى..بديلا عن المفكر ومضى بنكراد بالقول " في فترة من الفترات كنا نتحدث عن المفكرين والباحثين، واليوم نحن أمام صانعي المحتوى، وكنا نتحدث عن المناضل كأفق سياسي وكحقيقة وجودية وواقعية واليوم نحن أمام المؤثر". وشدد على أن الثقافة نفسها حل محلها التواصل، واليوم لم نعد أمام فكرة إنتاج معرفة بل أن ننتج أفكار سهلة التداول في مجتمع سائل لا يؤمن بالحقيقة، لأن كل الحقائق أمام تشظت لدرجة أنه لا أحد أصبح يؤمن بحقيقة ما. وسجل بنكراد أن شبكات التواصل الاجتماعي قضت على الرأي العام، مشيرا أنه بحلول عشر سنوات من الآن لن يعود للسياسة أي معنى على الإطلاق والانتخابات أيضا، لأن الرأي العام أصبح يصنع صناعة ليس فيها أي نقاش.