رغم حصول جميع الدول الإفريقية على استقلالها من الاستعمار الفرنسي، إلا أن ذلك لم يساهم بشكل جدي في رفع الهيمنة الفرنسية على خيرات الدول الإفريقية، بتعبير آخر فرنسا خرجت من الباب وعادت من النافذة، عبر وصفة la francafrique أو إفريقيا الفرنسية، ويعتبر شار ديغول و جاك فوكاغ، عرابا هذا المخطط الاستعماري الحديث، الذي جعل الشعوب الإفريقية تعيش في ويلات الحروب الأهلية والمجاعات، والأوبئة وغيرها من المآسي، لما يفوق لعقود، أي منذ حصول أغلب هذه الدول على استقلالها من الاستعمار الفرنسي. مخطط مكن فرنسا من استنزاف خيرات الدول الإفريقية من معادن نفيسة وبترول وغاز وكاكاو ومواد أولية كثيرة، وثروة سمكية هائلة ومتنوعة لعقود طويلة، بمقابل هذا الاستنزاف الاقتصادي، كانت فرنسا تفرمل تطور الدول الإفريقية أو نهضتها، وتكرس هيمنتها عليها بفرض تبعية كاملة لها، في النظام التعليمي،والإداري، والقانوني والسياسي، والثقافي وغيره في عملية استلاب كلي لهوية الشعب الإفريقي المتعدد والمتفرع والمتجدد. وساهمت النخبة الفرونكوفونية المتواجدة في الدول الأفريقية من تكريس تبعية إفريقيا لفرنسا، خدام الاليزيه الأوفياء، بتعبير اخر، الساهرون على مصالح ماما فرنسا في إفريقيا، وفي هذا الإطار العام، عانت بلادنا منذ عقود طويلة من هذه الهيمنة الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولازلت تعاني بالرغم من أن أوجه الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا، التي صارت واضحة للعيان بعد قرارات البرلمان الأوروبي الأخيرة حول المغرب، إلا أن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش، تصر على استفزاز مشاعر المغاربة في ظل واقع يطبعه الاحتقان الاجتماعي بفعل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. كيف يمكننا مثلا أن نفسر إقدام شكيب بن موسى رئيس لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد على تقديم تفاصيله إلى السفيرة الفرنسية بالرباط آنذاك، قبل أن يتوصل به جلالة الملك، وهو المشرف حاليا على قطاع التعليم، الذي يعيش بدوره حالة احتقان غير مسبوقة، تجسدت في عجز وزارته على حل أزمة أساتذة التعاقد، إلى جانب العديد من المعضلات يعاني منها القطاع. أو كيف نستوعب إقبار مشروع الباكالوريس Bachelor، المعترف به من طرف جميع الدول، عكس النظام الحالي، المعترف به فقط في فرنسا، وتعطيل جميع المشاريع المتعلقة بتدريس المواد العلمية بالانجليزية، وتوقيف مشاريع بناء مجموعة من الكليات في العديد من المدن، كل ذلك تم بجرت قلم من طرف وزير التعليم العالي الحالي، عبد اللطيف الميراوي، الذي يترأس الوكالة الجامعية الفرانكفونية، وكالة تتخفى تحت جلباب البحث العلمي، بينما هي في الواقع سرطان ينخر البحث العلمي في إفريقيا. وكيف يمكن أن يستوعب المواطن المغربي إقدام وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي على تمرير صفقة التواصل الخاصة بوزارتها لشركة فرنسية بمبلغ يفوق ثلاثة ملايين درهم، وبغض النظر عن تفضيل الشركات الأجنبية وبالأخص الفرنسية من قبل الوزيرة بنعلي، إلا أن وضع أسرار الأمن الطاقي لبلادنا في أيادي الفرنسيين، أمر يدعو إلى الريبة، في الوقت الذي تشن فيه فرنسا حربا ضروسا على بلادنا ومصالح بلادنا، وضبابية موقفها من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، تمنح السيدة الوزيرة الحق للفرنسيين في الاطلاع على المخططات الإستراتيجية للمغرب في مجال الطاقة، هل نسيت الوزيرة أنها في الرباط وليست في باريس، أم أن الحنين إلى Science Po قد غالب السيدة الوزيرة. ألا تطالع السيدة الوزيرة الجرائد الفرنسية، التي لا تكف عن نشر مقالات، تكيل فيها للمغرب، كافة الشتائم، وتلبسه لباس المتهم، والمغتصب، وغيرها، إلى جانب صفقة التواصل، حصل فرع لشركة فرنسية في الاستشارة والدراسات على صفقة بما يقارب سبعة ملايين درهم من وزارة ليلى بنعلي، وهنا لم تمنح الوزيرة أسرار البلاد فيما يتعلق بالطاقة، وإنما جادت على الفرنسيين كذلك، برسم معالم سياستنا ومنحتهم حق التدخل في شؤوننا الطاقية، تحت يافطة الاستشارة، مع العلم أن وزارتها تتوفر على دراسات عديدة جاهزة، أنجزتها حكومات سابقة. يحدث هذا في بلادنا في الوقت، الذي انتفضت فيه كافة الشعوب الإفريقية في وجه فرنسا، في إطار حراك إفريقي سلمي، ضد الوجود الفرنسي في المنطقة، وضد استنزاف الثروات الوطنية وتهريبها، وفي ظل أزمة سياسية غير مسبوقة بين المغرب وفرنسا، بلغت مستويات عالية جدا، يحاول المغرب من خلالها تجاوز العائق الفرنسي على الساحة الدولية، كما حدث مع اسبانيا وألمانيا، يصر بعض أعضاء حكومة أخنوش إلى جانب مخاطبتهم للمغاربة بلغة موليير، يصرون كذلك على منح الشركات الفرنسيين صفقات بالملايين، ولا يتعلق الوجود الفرنسي فقط بوزارة بنعلي وإنما كذلك يشمل مجموعة من القطاعات. ومنه يظهر أن هذه الحكومة، لا تقدم شيئا للبلاد، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الدولي ، حكومة تجرع معها المغاربة علقم العيش وشظفه، بسبب الغلاء المفرط، واضعاف للقدرة الشرائية، ما ولد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق، وها هي ذات الحكومة تنقل تجربتها في الفشل إلى محور الأزمة المغربية الفرنسية وبدل الدفاع عن مصالح المغرب، تمنح الفرنسيين حق التدخل في شؤوننا الداخلية، ومنه يمكن تأويل قرارات الحكومة وتفاعلاتها مع أزمة الغلاء بنوع من الفتور ولا مبالاة، بأكثر من صورة، خاصة أن معطيات السوق الدولي، تؤكد بامكانية خفض أسعار المحروقات، وبالتالي التحكم في أسعار المواد الأساسية في الحد الذي يلائم القدرة الشرائية للمواطنين.