عندما كان يهئ نفسه للزعامة, قال أن الاتحاد بحاجة لكل كفاءاته. لكن بمجرد ان أصبح زعيما قال ان الاتحاد ليس بحاجة لا للكفاءات و لا للمثقفين و إنما لعساكر معسكرون يكتفون بتنفيذ أوامره. هو هكذا... يحمل قناعات قصيرة المدى لا تتجاوز مدة صلاحيتها مدة علبة السردين... و هذا بالضبط ما يحول دون ان يصبح صاحبنا زعيما بالمعنى الدقيق للكلمة. فالزعامة السياسيةتكون مرتبطة بمشروع مجتمعي يتجاوز اللحظة ويتجه صوب المستقبل.والزعيم حتى وإن كان فاشيا و متسلطا يستمد قوته و مشروعيته من النخبة التي تشكل محيطه و سنده الفكري و الأخلاقي. هذا شرط لامحيذ عنه. ان التاريخ يذكرنا أن التغيير كيفما كانت طبيعته هو اولا و قبل كل شيء مسألة نخب سياسية و اقتصادية و فكرية. و عندما يتم تهميش هاته النخب و إقصاؤها, فان أبواب التطرف والفوضى و العنف تفتح على مصراعيها. كما أن استقرار المجتمع و الدولة يصبح في كف عفريت. ولأنهلم يكن في يوم من الأيام رجل فكر و تفكير. ولأنه يحتقر رجال الفكر, فانه استعمل صناديق التصويت, بعد أن جيش لها كما هائلا من الأتباع والمأجورين,لإقصاء النخبة الاتحادية من تدبير شؤون الاتحاد. لقد ملأ أجهزة الحزب بالعامة و الأعيان و عوض النقاش السياسي و الفكري بمآدب الأكل و الشراب و المديح و الوعود بالتوظيف و الترشيح في الانتخابات و الترقية الاجتماعية مما سيحول الحزب إلى مركز للتربية على الانتهازية. لم يسبق لأحد قادة الاتحاد أن جعل من بيته مطعما مفتوحا وخاطب الناس من خلال بطونهم. كما لم يسبق لهؤلاء القادة أن أقحم معجم "العرجات" في النقاش السياسي كما فعل صاحبنا حينما تحدث عن "السكيطة" و "المقدة" عندما حل ضيفا على وكالة المغرب العربي للأنباء. لقد كانت بيوت كتاب الاتحاد الأولون فضاءا للنقاش السياسي الراقي و مختبرا حقيقيا لإنتاج الأفكار وانتقاء النخب الشابة و مرافقتها ووضعها في خدمة الوطن و قضاياه. عندما أتأمل هدا الوضع, ينتابني نوع من الخجل تجاه كل الذين كانت رمزيتهم سببا رئيسيا في انتمائي لهذا الحزب. ولا أسمح لنفسي بالمزايدة حول الشهداء اللذين نجهل الى يومنا هذا الحقيقة و التفاصيل المرتبطة باغتيالهم و لا المكان الذي يأوي جثمانهم الطاهرة. ولكن يمكن لي الجزم أن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لا يتوفر على رقم هاتف البشير بن بركة مثلا و أنه يكره علي بوعبيد.ان مايقوله في الجلسات الخاصة يعطي الانطباع أنه يبخس تضحيات أجيال عريضة من المناضلين و يعتبرهم غاية في البلادة لأنهم لم يفهموا بأن السياسة هي فقط وسيلة للارتقاء الاجتماعي على حساب التاريخ و المبادئ و الالتزام مع المغاربة. من المؤكد ان الاتحاد الاشتراكي تحت قيادة الزعيم الضرورة يعيش الان قطيعة نهائية مع ذاته ويتحول بشكل لا رجعة فيه الى هولدينغ للاتجار في السياسة و في الشأن العام.فمن الناحية الأخلاقية لم يعد هناك شيء يربطنا بشعب اليسار. كما أننا لسنا حزبا يمينيا. لقد صرنا عصيين على التصنيف الإيديولوجي. بدون هوية و بدون خط سياسي وبدون عاطفين. ونحن نعلم أن الأمر يتعلق بمرحلة متقدمة في تطبيق خطة تخريب الاتحاد الاشتراكي التي تمت صياغتها أيام حكومة التناوب و لا داعي لبسط التفاصيل لأنها معروفة من طرف الجميع. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بهذا الصدد هو هل من مصلحة الحكم أن يصير هذا الحزب العريق مجرد هولدينغ سياسي كما سلف الذكر؟ وهل من مصلحة الحكم, من زاوية النظر الاستراتيجي, أن يفرض على الأحزاب قيادات شعبوية بدون أدنى مصداقية وكل أوراقها محروقة؟ ثم هل يمكن, من نفس زاوية النظر, أن نبني مستقبل المغرب مع نخب متسولة و ليست لها الشجاعة في لعب الدور الطبيعي لنخبة تحترم نفسها؟ بصدق و لأنني لا أتمنى أن ندخل في متاهات نحن في غنى عنها كمجتمع و كدولة, أعتقد أن مصلحة هاته الأخيرة, وهي مصلحتنا جميعا, تقتضي أن تكون في المغرب أحزاب حقيقية لها امتدادات اجتماعية حقيقية و تقودها نخب حقيقية. أما ما يحدث اليوم فيسير في اتجاه توفيركل شروط عدم الاستقرار.