في الديمقراطيات الغربية عندما ينهزم حزب رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة حسب النظام الدستوري المعمول به ، يسارع هذا الأخير إلى تقديم استقالته من زعامة الحزب ، ويدعو إلى مؤتمر عادي أو استثنائي لتجديد قيادة الحزب ، وانتخاب رئيس جديد لتدبير المرحلة المقبلة ، التي يعود فيها إلى صفوف المعارضة ، وهي عملية ديمقراطية الهدف من ورائها فتح المجال أمام تناوب النخب للإستفاذة من تجارب المعارضة داخل الحزب ، وتقييم أسباب فشل تجربة الأغلبية . في المغرب لم نتعود على هذه الممارسة الديمقراطية ، فزعيم الحزب سواء كان ليبراليا أو ديمقراطيا أو حتى يساريا واشتراكيا يتمسك بأهداب الحزب ، وبالمسؤولية الحكومية التي تصبح لديه امتيازا وليست التزاما ، حتى لو كانت وزارة بدون حقيبة ، فهو لن يخرج من الحزب إلا محمولا على الأكتاف في نعشه ، أو بعد انقلاب ينفذه أصدقاؤه الذين ذاقوا ذرعا منه ، والأمثلة في تاريخ المغرب السياسي كثيرة ومتعددة. هذه الحقيقة المرة التي تضرر منها المغاربة، وانعكست سلبا على الممارسة السياسية ، هي التي جعلتنا نسمع مقولات عن دور الأحزاب السياسية في المجتمع ، وموت الممارسة الحزبية ، وغيابها عن الساحة ، وعدم قدرة هذه الأحزاب على تجديد نفسها ، وهي وضعية راجعة بالأساس ، إلى مجموعة من الممارسات العقيمة التي ابتلي بها المشهد السياسي، لدرجة أننا عاينا مناضلين يتمسحون في ثوب زعيم الحزب لنيل بركته ، خصوصا في موسم الانتخابات. إن المشهد الحزبي ، فشل فشلا ذريعا في خلق النخب الحزبية المتجددة ، والشابة ، لأن القيادات المخضرمة ترى في هذه النخب تهديدا لمصالحها الخاصة ، ومنافسا لها ، ومن هنا تعتبرها قاصرة ، وغير قادرة على تحمل المسؤولية ، وكأن هذه الزعامات ولدت وفي فمها ملعقة المسؤولية، بل الأخطر من ذلك أن بعض القيادات الحزبية تهيمن حتى على التنظيمات الشبابية ، وكأنها تريد قطع الطريق على هؤلاء الشباب الذين يجب أن يقتصر دورهم على ملئ القاعات خلال التجمعات الخطابية والتصفيق لهاته الزعامات الورقية. إن المغرب اليوم، وهو يصوت على دستور 2011، قرر القطع نهائيا مع دستور 1996 الذي استنفذ أسباب وجوده ، فهذا الدستور الذي يعتبر ثورة حقيقية في كافة المجالات ، بني على إرادة ملكية وشعبية ، وعلى حاجة مجتمعية إلى التغيير، وهو نتاج تراكمات امتدت على مدى ستة عقود ، تراكمات مكنت المغرب من إنجاب كثير من الكفاءات ، اضطر أغلبها للرحيل نحو الخارج. لذلك فإننا نعتقد أن أي محاولة تقوم بها النخب السياسية التقليدية التي استنفذت أسباب وجودها ، للسيطرة على المشهد السياسي ، هي من قبيل صب الزيت فوق النار، ووضع العصا في عجلة الإصلاح الدستوري الجديد ، من خلال إقصاء النخب الشابة والمكونة تكوينا علميا وأكاديميا، وهو ما يتعارض مع إرادة الشعب التي عبر عنها بكثافة خلال الاستفتاء على الدستور الجديد. وإذا كنا اليوم نتأهل لإنجاز مدونة الانتخابات ، بمعايير مضامين الدستور الجديد ، فإن هذه المدونة التي نريدها شفافة ، لا بد أن تقطع مع ممارسات البيع والشراء، والإنزالات التي كانت تلجأ إليها الأحزاب السياسية، مدونة تدبر عملية التقطيع الانتخابي في إطار مصلحة الوطن، وليس نزولا عند رغبة هذا الحزب أو داك، وأساسا مدونة بإمكانها مسايرة متطلبات المرحلة القادمة، خصوصا ما يتعلق بإقحام النخب الشابة في تحمل المسؤولية السياسية، نخب مؤهلة علميا وسياسيا وثقافيا لمواكبة هذه الإصلاحات الدستورية. لقد دخل المغرب مع الدستور الجديد في خضم الجهوية الموسعة، حيث أن رئيس الحكومة له صلاحيات الحكم والتنفيذ، وتدبير شؤون الحكومة وفق مشروع الأغلبية، رئيس حكومة له صلاحيات التعيين والإقالة ، كما سيدخل المرحلة المقبلة ببرلمان له مؤهلات المراقبة التشريعية والمسطرية، وله صلاحية حجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها إذا لزم الأمر. وإذا كانت كل الأحزاب السياسية تتغنى اليوم بالدستور الجديد وبمضامينه ، فإن مضامين هذا الدستور ليست كلمات للدندنة الخطابية ، ولا للتأثير الجماهيري ، ولكنها بنود لتجديد النخب , وإشراك كافة المواطنين في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، لأن المغرب في حاجة إلى نخبته الشابة القادرة على التفكير في المستقبل برؤية مغايرة ، نخب بإمكانها قيادة الشعب ليس إلى الإستهلاك ولكن إلى البناء والعمل ، في أوراش التنمية التي أطلقها العهد الجديد.