تحولت وجهة الغضب الشعبي من مضمون العفوالملكي وإهانة شرف المغاربة والتمثيل بغضبهم وجراحهم وأجسادهم ووعيهم ؛ إلى سؤال المسؤولية وأحقية تضميد جرح الكرامة بالإعتذار ؛ فمن سيعتذر من الشعب المغربي ؟؟ أو بلغة أخرى من يستحق أن ينال شرف الإعتذار من هذا الشعب الذي أراد الحياة ؟؟ عرت طبيعة التعامل مع طلب الإعتذار هذا هشاشة الوعي بالتحولات التي تعتمل داخلنا والتي غيرت سيكولوجية تفاعل الشعب المغربي مع السلطة وممارستها وقراراتها؛ ومستوى الوعي المدني الذي احتل الساحة على الهيئات السياسية والمدنية المنظمة ؛ولم يتوقع أحد أن يغلي الدم في عروق المغاربة بالشكل الذي يحتل عليهم يومهم وتعبيراتهم ويعيث الغضب في محادثاتهم وقهوتهم وكسرة خبزهم ؛ وينغص ثقتهم في أمانهم وسلامتهم ؛ وأن يمتد جرحهم إلى طلب جبر الضرر الجمعي الذي خلفه تمتيع شيطان بالعفو والذي تجاوز مبدأ تكريس عدم الإفلات من العقاب إلى عدم الإفلات من المسؤولية ؛ فماهي الرسائل التي يمكن فضها في بريد مؤسسات الدولة وبدءاً بالمؤسسة الملكية ؟؟؟ 1- أعتقد أن توجه الشعب مباشرة إلى الملك كضامن للإستقرار ورئيس للدولة ؛ توجه مسؤول ومواطن وتقدمي إذ يظهر جلياً أن الأمر يتعلق بوعي يرتكز أساساً على إعمال مبدأ مؤسس للديمقراطية والمتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة والذي يجد أسباب نزوله في ممارسة الملك لمجموعة من السلط والصلاحيات التي تجعله في قلب المنظومة التنفيذية والتنفيذية جداً ؛ والتي تتداخل فيها السلط بين الرؤية الملكية والتنفيذ الحكومي ؛ الأمران اللذان يصعب فصلهما أوضبط الحدود بينهما ؛ أو حتى بلورة منطق أو بوصلة تنظيرية يمكن الاحتكام إليها ؛ ومن هذا المنطلق ؛ يجد سؤال المسؤولية والمحاسبة الكثير من مناسبات النزول ؛ عن دور الحكومات وأسباب محاسبتها ومدى مسؤوليتها في تحديد أولويات يحددها المجلس الوزاري وسياسات عامة تفوق في تراتبيتها السياسات العمومية ؛ واستناداً عليه فهم المغاربة أن المؤسسة الملكية هي وجهتهم في هذا الموضوع . 2- نصبت مجموعة من الجهات نفسها هيئات دفاع عن ملك البلاد ؛ ودبجت مرافعاتهاأن من يدفعون بمسألة الاعتذار محترفي ركوب أمواج ؛ يترصدون الفرص ويتحينون المناسبات ليمارسوا سياسيوية مقيتة ؛ وانخرطت مجموعة من المنابر الإعلامية ؛ وكالة المغرب العربي للأنباء وقنواتنا العمومية والخاصة ؛ في حشد متدخلين على المقاس ؛ يرمون المسؤولية في كل الاتجاهات والقراءات ؛ وبعشوائية يفهم منها حجم وطبيعة الارتباك وقصر النظر ؛ فما معنى أن نحمل الطبيب النفسي الذي واكب بعض الحالات المغتصبة ليقول أمام البحر أنه لا يجب تسييس هذه القضية وأي معنى لملأ الفضاء التلفزي والإذاعي بأدلة اهتمام الملك بالشأن الاجتماعي للفئات الهشة التي يمثل الأطفال جزءها الاكبر ؛ وما معنى أن تولول القناة الثانية بعد الفاجعة بأيام ؛ وماهي الرسائل الذكية التي تتدافع هذه الجهات لرميها في وجه المغاربة ؛ لا أعتقد أن من الذكاء تنصيب جبهة للدفاع عن ملك المغاربة ؛ لأن مايطلبه المواطنون ليس أكثر من ختم لائق لخطوات متفاعلة مستجيبة جسدتها بيانات الديوان الملكي والتي عالجت المضمون بتواترها وتوقيتها إلا أنها بقيت في شكلها محافظة لا تعكس حجم المنعطف التي تتقدم فيه الملكية في ولادة جديدة تكتب أولى ملامح ملكية شعبية .فهل بالفعل تستطيع الملكية أن تغير ثوبها وتحدث آلياتها التي كشف ملف العفو هذا بعض اختلالاتها ؟ 3- آراء أخرى تدفع بأن حادثة السير هذه لا تحتمل اعتذارا للدولة في شخص رئيسها لأن التاريخ لم يكتب من الاعتذارات إلا المرتبطة بالضرر الممنهج الذي تستهدف عبره الدولة أفرادها ؛ والذي شكل موضوع العدالة الانتقالية وإعمال مبدأتكريس عدم الإفلات من العقاب وتحمل المسؤولية إشكاليتها ونقطة ضعفها وصمام الثقة في المصالحة ؛ ورغم أهميتها لم تنجح هيأة الإنصاف والمصالحة ولا النقاش الذي بعثته في انتزاع اعتذار للدولة المغربية عن ماض أسود في انتهاكات حقوق الانسان ومصادرة كافة أشكال الحقوق ؛ ولكن الأمر هذه المرة مختلف بشكل عميق ؛ تقوده دينامية سياق ثوري شعبي وفورة منقطعة النظير للوسائل التواصلية وتبادل الآراء وخلق الجبهات الورقية التي تتحول إلى وقفات وسلوكات نضالية مختلفة ؛ لم يعد الأمر يتعلق بنخبة تقدمية خاضت صراعاً مريراً ورضيت بالمصالحة كفاتحة تعامل مختلف مع الدولة ؛ بل يأخذ منحى أكثر عمومية واستشراءاًفي المجتمع ويخترق كل الطبقات والفئات ويستحث موقفاً في كل تجمع أسري مهني أو فئوي في محيط مضطرب مفتوح على كل شئ . 4- يصعب في هذه اللحظة أن لا يقفز إلى القناعة حل الملكية البرلمانية كمخرج دستوري وقانوني يحفظ تساكن النظام الملكي وأسس البناء الديمقراطي وإعمال مبدأ المسؤولية السياسية في التدبير والولوج السهل إلى منظومة المحاسبة دون ارتباك ولا تلعثم ولا قراءات مغرقة في الازدواجية والغموض ؛ يضمن أن نحاسب دستوريا وقانونيا كل من يملك سلطة في هذا الوطن ؛ وددت صادقة لوأن الشعب توجه إلى مسؤول اسمه رئيس الحكومة لا يسائله من باب ترؤس وزير العدل والحريات للجنة العفو والتي استسلم فيها دون مقاومة إلى الحل السهل وهو نفض اليد وعدم تحمل مسؤولية الإشراف الفعلي ؛ تمنيت لو يتوجه إليه الشعب المغربي باسم المنتخب الشعبي الطازج الذي حملته رياح التغيير والذي نصرته الصناديق وملأ جيوب الممكن في السياسة وبعث أملا معينا في إنعاش الثقة في الفعل السياسي ؛ لم يثق المغاربة بأن رئيس الحكومة يملك سلطة ؛أو صلاحيات أو دوراً ؛ لم يقتنعوا أن رئيس الحكومة قادر على أن يطبق القانون كاملا وأن يقطع مع الانبطاحية التي قفلت لوائح الأسماء المتمتعة بالعفو الملكي أمام الافتحاص والتدقيق الذي يدخل في صلاحيات وزير العدل والحريات فقط . أعتقد أن تقديم الاعتذار اليوم الى الشعب المغربي لحظة بناء فاعلة وذكاء سياسي عال ؛ يستثمر في النازلة إيجاباً ويختصر الزمن الذي يفصلنا عن تحول حقيقي في طبيعة المنظومة برمتها ؛و يستدرك بسلاسة هذه التراجعات التي تخنق أفق الإصلاح والتي حولت الملكية من تنفيذية إلى تنفيذية جداً ؛ تقديم الاعتذار إلى المغاربة تشريف وتوشيح حب وثقة ....فمن ينال شرف الإعتذار منهم..؟؟؟