مع استمرار الجفاف في المغرب، تتوالى المطالب بالحفاظ على الثروة المائية من الاستعمالات التي تستنزفها وعلى رأسها الزراعات التصديرية والخوصصة، والعمل على الاستثمار في تحلية مياه البحر، ووقف القمع الذي تقابل به احتجاجات الساكنة ضد العطش. وحذرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بيان لها حول "أزمة الماء" مما آلت إليه وضعية السدود والفرشة المائية وانعكاساتها السلبية على السكان، حيث تشير آخر المعطيات الصادرة من وزارة التجهيز والماء إلى استمرار تدهور حقينة السدود بشكل مخيف، ينذر بتفاقم الأزمة، فضلا عما تعرفه المياه الجوفية من نقص مهول. وقالت الجمعية إن الأزمة المائية في المغرب لا ترجع أسبابها فقط لتوالي سنوات الجفاف وضعف التساقطات المطرية، بل إن الدولة لم تتحمل مسؤوليتها في تدبير هذا القطاع الحيوي الذي تتوقف عليه شروط الحياة، وجرى تدبيره بطريقة سيئة وغير عقلانية. وفي هذا الصدد، سجل البيان أن ما يقرب من 35 % من المياه الصالحة للشرب يضيع في شبكات التوزيع، وحوالي 500 مليون متر مكعب من حقينة السدود تضيع بسبب التوحل وانعدام الصيانة، وعدم ترشيد حقينتها والحفاظ عليها حين تكون السنوات ممطرة وغزيرة. كما أصبحت بعض الموارد المائية في العديد من المدن والقرى غير صالحة للاستعمال بسبب التلوث الناتج عن عدم معالجة النفايات والمقذوفات الصناعية والمنزلية التي يتم تفريغها في مطارح عشوائية، أو بالاستعمال المفرط للمبيدات والأسمدة. ونبهت أكبر جمعية حقوقية إلى أن بعض أنواع الزراعات، الموجهة للتصدير، باتت تستنزف الثروة المائية بشكل خطير، من حيث حاجتها لكمية كبيرة من الماء، فإنتاج كيلوغرام من الخيار يحتاج ل 353 لترا من الماء، وإنتاج كيلو غرام من الفراولة يتطلب 347 لترا من الماء، بينما يحتاج إنتاج كيلوغرام من البطيخ إلى 235 لترا من الماء، ويتطلب إنتاج كيلو غرام من الأفوكاتو حوالي 1000 لتر من الماء. ومن جملة مسالك تبذير المياه الصالحة للشرب، استعمالها في سقي ملاعب الگولف والحدائق العمومية والخاصة، يضيف البيان. كما سجلت الجمعية احتكار منابع المياه وخوصصتها في العديد من المناطق واستغلالها بدون أي مراقبة لا على مستوى كمية الإنتاج ولا على مستوى أثمنة البيع التي تفوق سعر التكلفة بما قد يتعدى عشرة أضعاف، فشركات المياه تذر أرباحا خيالية على مستغلي مياه المنابع والمياه الجوفية، حيث استطاعت بعض العائلات من خلالها أن تبني إمبراطوريات مالية شملت أنشطتها الاقتصادية كل المجالات، فيما يعيش أصحاب الأرض من السكان الأصليين مآسي الفقر والجوع والعطش. كما رصدت الجمعية عددا من الاختلالات في القانون الجديد رقم 15- 36 الخاص بالماء، معتبرة أنه قانون تراجعي نسبة إلى القوانين الاستعمارية التي جعلت من الماء قطاعا عموميا غير قابل للخوصصة والتفويت. ولفتت إلى أن استفحال الوضع، سواء بسبب قلة التساقطات المائية أو بسبب سوء التدبير وغياب إرادة سياسية واستراتيجية تعنى بالسياسة المائية وغياب عقلنة سياسة الري وخوصصة منابع المياه وتسليعها، رافقته العديد من التحذيرات المبكرة التي تلقتها الدولة دون أن تعيرها الاهتمام الواجب. وانتقد حقوقيو الجمعية جعل الدولة القمع وسيلة لإخراس الأصوات التي تخرج للتظاهر مطالبة بالحق في إطفاء الظمأ الشديد، عوض أن تنظر في جوهر المشكل وتنصت لشكاوى المواطنين ونداءات المجتمع المدني. واستنكرت الجمعية خوصصة وتفويت وتسليع منابع المياه، منددة بالسياسة الفلاحية المتبعة التي تعطي الأولوية للزراعة التصديرية التي تستنزف الفرشة المائية على حساب الحاجيات الملحة للمواطنين والمواطنات من المياه والاكتفاء الذاتي من الحبوب والقطاني والخضر المستهلكة محليا. وأكدت على ضرورة الاستثمار في محطات تحلية مياه البحر واستغلال هذه الثروة المائية التي تتوفر عليها بلادنا، وعلى أهمية تصفية المياه العادمة لاستعمالها في سقي المناطق الخضراء والملاعب الرياضية والمواقع السياحية. ودعت الجمعية الدولة إلى الكف عن سياسة القمع والتضييق على الحق في التظاهر السلمي، والاستجابة للمطالب المشروعة للسكان وإلى حقهم في الماء الضروري والكافي لحياتهم، وإلى الاستثمار في كل ما يخدم الإنسان وفي مقدمته حاجته للماء، والتخلي عن الاستثمار في التسلح والمقاربة الأمنية لصالح الأمن المائي والغذائي.