إن السياق العام الذي تم فيه إنجاز هذا البحث يندرج في إطار التحولات التي تعرفها البلاد، وقد اشتغلت فيه على رهانات تهتم بسوسيولوجيا تقوم على أسس تنظيمية تعمل على تحليل ظهور الأحزاب بالمغرب باعتبارها ظاهرة يمكن دراستها من خلال ارتباطها العضوي حسب الواقع الموضوعي بطبيعة العمل السياسي والفاعلين فيه. مع طرح إشكالية الترويج لعبارة''الحكامة الجيدة" التي تلغي أحيانا التمثيلية الحزبية وتعطي المشروعية لتقنوقراط ينفذون خيارات القصر حيث تفضي هذه التصورات إلى غياب سياسة عمومية تساهم في تنمية شاملة.وذلك في ظل منع الأحزاب من مواقع إستراتيجية كسلطة تنفيذية حقيقية. ''الملكية والأحزاب في المغرب''. هو إلى ذلك، كتاب يقف عند حجم المفارقات التي تنتجها الخطابات الرسمية وغير الرسمية مقارنة بما ينتجه أصحاب تلك الخطابات في ميدان الواقع. ومن خلال نقد عقلاني أتوقف عند أوهام خطابات التقدم والحداثة تلك متسائلا عن برامج الأطراف الفاعلة في السياسي، مفككا وكاشفا عن هشاشتها، متسائلا عن غياب برامج تكون على قدر من المعقولية، وبالأساس أتساءل عن جدوى تلك البرامج المعلنة وتلك الشعارات المرفوعة. ففي غياب المنهج، لا يمكن إفساح الطريق أمام مجتمع ينتظر العبور على الطريق المؤدي إلى الحداثة والتنمية الحقيقية. ليتضح غياب الوعي السياسي بالقضايا الكبرى للمغرب، وبانتظارات مواطنيه. (المواطنون في المغرب الذي ينتظرون أن يكونوا مواطنين). التناقضات السياسية وبروز الصراع على الحكم إذا كانت التجربة الديمقراطية بالوطن العربي تتميز بحداثتها، من حيث بناء المؤسسات التمثيلية الحقيقية للشعب، رغم الركام النظري المحقق من قبل المفكرين العرب في هذا الميدان، فإن تجربة غرب الوطن العربي لا تشذ عن القاعدة. وهذا الغرب العربي تتمايز تجاربه وتختلف من بلد إلى آخر، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الطابع العام له، أما الحالة المغربية فقد اكتسبت التجربة الديمقراطية فيها منحى أساسيا: سياسة خطوة، تراجع، فخطوة. في يوم 7 دجنبر من سنة 1955م،تم تشكيل أول حكومة مغربية ترأس مجلسها البكاي بن مبارك لهبيل وقد عدلت مرتين في ظروف سنتين إلى أن جاءت حكومة أحمد بلا فريج التي لم تعمر سوى ستة أشهر، إثر ذلك ، كلف عبد الله إبراهيم برئاسة الحكومة المغربية الخامسة حيث " استطاعت أن تلتقط أحلام المغاربة المتطلعين إلى أن يصبح الاستقلال واقعا حقيقيا، فما كان منها إلا أن اتخذت قرارات حاسمة، خططها لها وشجع عليها عبد الله إبراهيم- عبد الرحيم بوعبيد وزير الاقتصاد والمالية، فخرج المغرب من منطقة "الفرنك"، وسك عملته الخاصة، أي الدرهم رمز السيادة المغربية، ودخلت في مفاوضات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي كان يرأسها إيزنهاور آنذاك، وانتهت بإزالة القواعد الأمريكية من المغرب، وأحدثت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأطلقت سياسة صناعية طموحة كبناء مصفاة تكرير البترول '' سامير" ومعمل الصلب بالناضور، ووضعت أسس العديد من البنية التحتية، غير أن النقطة السوداء في سجل هذه الحكومة إصدارها قرارا لحظر الحزب الشيوعي المغربي. أقيلت هذه الحكومة في 16 ماي 1961م، فأخلف المغرب موعدا هاما مع التاريخ، ويعود عبد الله إبراهيم مناضلا في صفوف الجماهير داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي أسسه بمعية المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، بعد الانشقاق عن حزب الاستقلال، مذكرا بالمبادئ الأولى للحركة الوطنية، كلما اشتد الخناق بين رفاق الدرب غير مستسلم لإغراءات الراديكالية، وحتى عندما انشق الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة1974م" 1. في ظل هذه الأحداث اشتد التناقض الذي شكل صراعا سياسيا '' حول طبيعة وسلطة الحكم مما أتاح للجماهير أن تقتنع جازما أنه يستحيل بصفة موضوعية متابعة سياسية هادئة في التحرر الوطني وإصلاح الأنظمة الاقتصادية داخل حكم عتيق فاقد لكل امتداد شعبي وفي نطاق إدارة متحجرة غير مسؤولة ومتعفنة. على خلفية فساد الحكم برز الاختيار الثوري للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبالنظر لهذا المعطى عملت الدولة على تسهيل ولادة الإتحاد العام لطلبة المغرب الذي أسسه طلبة حزب الاستقلال بحجة القهر الذي مورس عليهم من طرف اليسار طلبة '' الأوقش" وطلبة التحرر والاشتراكية في حين كانت غاية الدولة في كل هذا تشتيت الحركة الطلابية وضرب وحدتها، وبالنظر لعدم قدرة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب تصريف خطاباته السياسية داخل الشارع العام وموازاة مع قناعته الإيديولوجية ستتحرك الآلة الحزبية لوضع الإطار الطلابي في فوه التوجهات والمواقف المتخذة لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية تجاه السلطة الحاكمة في نفس الاتجاه تمت الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الممنوح من ملك البلاد سنة 1962م، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد عبر الخط الثوري" أنه لا سبيل إلى إصلاح النظام القائم وعلاجه وتزكيته، وأن الإتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يرى دواء له إلا بزواله". وقد دعت نقابة الأوطم إلى الإطاحة بالنظام باعتباره '' نظاما ضعيفا يستمد قوته من الإمبريالية" وهي في الحقيقة مواقف من الأوقش الذي عجز عن التغيير خارج أسوار الجامعة حيث صرح عبد الحميد برادة في المؤتمر الثامن لأوطم الذي انتخب فيه رئيسا بأن العقبة الوحيدة في إقرار الديمقراطية هي طبيعة السلطة الحاكمة وبالطبع في ظل هذا الصراع السياسي الملتهب حول طبيعة وسلطة الحكم وبحث قوى التحالف عن التوازن المفقود في ظل وضع اقتصادي واجتماعي متأزم ومتدهور، إزاء ذلك ستعمل الدولة على تشتيت الحركة الطلابية وضرب وحدتها بالإضافة إلى العديد من الاعتقالات التي طالت مناضلي '' أوطم" وإرسال بعضهم للتجنيد الإجباري، أمام هذا الواقع الذي يثبت دوران المنظمة الطلابية في فلك حسابات سياسية صراعية بين فاعل حزبي عجز عن الارتباط بواقع الجماهير المغربية والتعبير عن مطامحها في قضايا التحرر اعتبارا لتوجهاته واختياراته المبكرة نحو الاشتراكية وأيضا لموقعها الاجتماعي البورجوازي المديني وبين نظام صاغته مفاوضات ( إيكس- ليبان) على التبعية والذليلية التامة ''2 فعندما جاء دستور بداية الستينات، تم الاعتراف للحزب السياسي بدوره في تأطير المواطنين، ( وهذا ما حافظت عليه كل الدساتير، بما فيها الدستور الحالي) تم الإعلان عن الانتخابات التشريعية لسنة 1963، والتي جاءت بأول برلمان إلى المغرب. لكنه لم يعمر طويلا، إذ تم إلغاؤه بعد أحداث الدارالبيضاء ( مارس 65) مباشرة، وإعلان حالة الاستثناء، في نفس السنة شهد العالم اختطاف واغتيال أحد منظري الاشتراكية الأهمية المهدي بنبركة في العاصمة الفرنسية باريس وقد اعتبرت جريمة اختلفت عليها الروايات وساهمت في ازدياد شدة المعارضة داخل البلاد نظرا لقيمة بنبركة في المعسكر الشرقي.وستظل القضية غامضة بسبب تعقيد وتداخل الأحداث. بعد تعطيل البرلمان واغتيال المهدي بنبركة فإن ذلك أسس داخل الرأي العام فكرة قوامها أن مغربا بدون مؤسسات لا يمكن أن يكون مغربا طبيعيا، بل هو مغرب استثنائي. وهذا ما جعل مجموعة من الأحزاب السياسية تواصل مطالبتها بالانتخابات من أجل إفراز مؤسسة تمثل السلطة التشريعية في البلاد.هذه المطالبة التي أثمرت انتخابات 1977م. قبل هذه الفترة بخمس سنوات كان الملك الحسن الثاني قد تعرض لمحاولتين انقلابيتين أربكتا علاقات الدول المغاربية حسب تقرير الاستخبارات البريطانية التي حملها ملف رقم: 884-39FCO . في سياق هذه الأوضاع جاءت الانتخابات، فمن الناحية السياسية والاقتصادية كانت انتخابات 1977 جرت في مغرب قد تجاوز عهد ما بعد الاستقلال بكثير. وفي السياق ذاته، كان قد تم ترسيم الأحزاب السياسية داخل المجتمع، بل أصبحت أكثر تأطيرا في علاقتها بذاتها، وفي علاقتها بالمواطنين الناخبين. وبالتالي، بات في إمكان المتتبع أن يضع كلا في خانته، وبإمكانه أن يقول : هذا اشتراكي، هذا يميني...هذا إسلامي...إلخ. في هذه الفترة وقبلها بسنوات تميز في العمل الحزبي السري منظمة"إلى الأمام" التي اعتبرت حزب العمال والفلاحين والفقراء والمثقفين الثوريين المبني على الإيديولوجيا الماركسية- اللينينية المندمجة في الواقع الملموس للبلاد والثورة العربية بتنظيم المناضلين الثوريين الذين نجوا من قبضة البورجوازية المنافقة أو الذين يبرزون من خلال معارك البروليتاريا الصناعية والمنجمية ومعارك البروليتاريا للمدن والبوادي كأحسن المناضلين. هذا و في 20 غشت من صيف 1970 صدر بيان عن منظمة إلى الأمام. حيث استطرد البيان في سرد الحالة الاجتماعية المتردية للمواطنين وللسياسة العمومية في البلاد، حيث جاء كالتالي: 1- "إعادة تكتل الأحزاب البورجوازية الوطنية(الاستقلال والإتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها بعد أن سقطت أقنعتها، بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم، عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية، ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية، مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي، بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته. ولعل محاولة حزب التحرر والاشتراكية الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة " الكتلة " على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير والخوف من نضالاتها. 2- كما أن المواقف الغامضة والملتوية التي عبر عنها جميع السياسيين البرجوازيين، في الوقت الذي كان واجب الوطنيين العرب هو تنظيم الجماهير و تعبئتها ضد مشروع "روجزر" تشكل خيانة شاملة من طرف تلك الشرذمة من محترفي السياسية وتجعل منهم صورا معلبة طبق الأصل لحسنين هيكل منظر الهزائم والإستسلامات، وأن دموع التماسيح التي يذرفونها الآن حسرة على السفك والتقتيل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني( وثورته الجبارة،) لا يمكنها أن تنسينا الحملات التضليلية التي غمرنا بها بعضهم، ولا السكوت المتواطئ الذي التزمه البعض الآخر، إذ التحقوا جميعا في هذه المرحلة الحاسمة من الثورة العربية بمعسكر أعداء الثورة. كل هذا يفرض الحقيقة التالية: إن طريق المستقبل الوحيد بالنسبة للمغرب، الطريق الثوري، قد انفتح وواجب كل المناضلين المخلصين هو المساهمة في التوضيح الأيديولوجي حول هذا الطريق، وفي هيكلة الأداة الحاسمة ''الحزب الماركسي- اللينيني''، وهذا ما سيتناوله المشروع الأولى للأطروحة الثورية"3. هذا وعلى إثر هذا البيان تم شن اعتقالات واسعة طالت منتسبي منظمة "إلى الأمام". إلى ذلك، حتى الأحزاب التي ظل الكثيرون مراهنين على إمكان انقراضها ازداد حضورها ووجودها السياسي رسوخا، كالحركة الشعبية التي قادها وزير البريد سابقا المحجوبي أحرضان، وغيرها من الأحزاب الصغيرة، التي استطاعت الحفاظ على بقائها. لكن كل هذه الأحزاب لم تتسع لكل من كانت لديهم الرغبة في الوصول إلى المؤسسة التشريعية(البرلمان)، وهكذا، كان من بين المرشحين من الذين فازوا بمقاعد مهمة، أعضاء غير منتمين، كانوا يسمون بالأحرار، وهم الذين سيشكلون " التجمع الوطني للأحرار". أما بخصوص الحالة الاقتصادية، فإن سياسة التقشف المنتهجة باسم سياسة التقويم الهيكلي فكان لها انعكاسا جليا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة مما تزايدت معه تجليات السخط الشعبي. وهكذا كانت المغربة عنوان المرحلة، حيث كان يجري تحول المؤسسات الاقتصادية التي كانت متبقية في أيدي استعمارية، إلى الدولة المغربية. وهذا ما جعل المؤسسة التشريعية (البرلمان) تكتسب أهميتها الكبرى، حيث أصبح من واجبها السهر على ملفات ذات طابع حاسم، إذ أنها صارت تتحكم في دواليب البنيات الاقتصادية المغربية. إذا كان هناك من عنصر إضافي في رسم ملامح هذه التجربة، وما ميزها عن التجربة السابقة، فهو يتمثل أساسا في استمرارية المؤسسة التشريعية رغم الأحداث العاصفة التي شهدتها البلاد، كأحداث يونيو التي كانت البيضاء مسرحا لها أولا، وثانيا، اكتسبت التعددية طابعها الجديد بميلاد حزب التجمع الوطني للأحرار سنة 1978 م.إذ ساهم في تأطير فئات عريضة (ضمنها كل اللامنتمين في برلمان 1977م) والتي لم تجد لها من مكان في الأحزاب السياسية المرسم وجودها في مغرب بعد الاستقلال. سنة 1980م، ثم تأسيس جماعة''العدل والإحسان'' بواسطة مرشدها العام عبد السلام ياسين وكان ينتمي للزاوية البودشيشية ثم فارقها وصار مع الحركة الإسلامية وبدأ في السعي لجمع شتات الجماعات الإسلامية تحت مضلة واحدة ومن أبرز أهداف جماعته تطبيق المنهاج النبوي( أي ممارسات النبي) في الحكم والتدبير، غير أن ذلك سيلقى رفضا من الدولة وعموم العلمانيين المغاربة، حيث ستشدد السلطات الأمنية الحصار على عبد السلام ياسين ويتم التضييق على جماعته بالاعتقالات والمراقبة والاختراق خوفا من زحف الجماعة لإقامة الدولة الإسلامية، وتعتبر هذه الجماعة بمثابة إعادة إحياء للزاوية ومنطق الشيخ والمريد. "وقد تبنت السلطة بدلا من سياسة الاحتواء، ومنذ حوالي عقدين سياسة تقوم على الرفض الكامل للإعتراف بالإسلاميين، أو التعامل معهم، منتهجة سياسة''اللاتسامح'' (Zero tolerence) مع أي محاولة منهم لاستئناف نشاطاتهم، حتى تلك الأنشطة التي تبدو ضمن العمل الخيري"4. في خضم ذلك، وبعد تمديد عمر البرلمان، وتحويله من أربع ست سنوات، داهمته نهاية سنة1983م، فأعلن تأجيل الانتخابات التشريعية إلى غاية 1984م. في شتاء 1984م، أصبحت الأوضاع التي تعيش عليها فئات عريضة من الشعب المغربي أوضاعا مأسويا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستوى دخل تلك الفئات وأجورها مع مستوى المعيشة التي رفعت من زياداتها المواد الاستهلاكية، قرار اتخذته الحكومة يتعلق بإلغاء دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية، هذا الإلغاء أحدث ارتفاعا مهولا في أثمنة القمح اللين والزيت والسكر وغاز البوتان، الحكومة تستفز الشعب لتعيش مأزقا خطيرا. وفي السياق ذاته، عرفت مدن : تطوان وفاس والدارالبيضاء والناضور والحسيمة ووجدة وطنجة ومراكش مظاهرات احتجاجية تحولت لانتفاضة شعبية تم إخمادها بعد قتل العشرات واعتقال المئات واختفاء من لم يظهر إلى اليوم. سنة 1984م، كذلك كان المشهد السياسي المغربي قد تخصب بميلاد إطارات سياسية أخرى أبرزها منظمة العمل الديمقراطي ( يسار) والإتحاد الدستوري ( ليبرالي ). وإذا كان أطر الحزب الأول قد انحدروا في أغلبهم من المنافي والمعتقلات بقيادة أمينهم العام محمد آيت يدر بنسعيد المحكوم سابقا بعقوبة الإعدام، فإن الحزب الثاني قد ضم رجال حكومة سابقين أو رجال أعمال أو ملاكين كبارا من درجة ( المعطي بوعبيد رئيس حزب ووزير عدل سابق وزير أول سابق). إلى ذلك، في أكتوبر 1986. انعقد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الذي أقال المحجوبي أحرضان من منصبه ليصبح الكاتب العام للحركة الشعبية هو محند العنصر وليؤسس المحجوبي حزبا جديدا عام 1991م ولم يمر على هذا الحزب سوى أربع سنوات حتى انشقت عليه طائفة جديدة أسست الحركة الديمقراطية الاجتماعية بقيادة محمود عرشان، طابع هذه المرحلة وميزتها هي أنها كانت أطول تجربة برلمانية في المغرب( ثمان سنوات) بعد أن تم تمديدها باستفتاء شعبي، عندما أشرفت الست سنوات هذه على مشارف نهايتها، وتجربة الثمان سنوات هذه لم تخل من حيوية سياسية. كان أبرز ما حدث فيها تقديم أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان ملتمس رقابة ( ملتمس حجب الثقة) يقر الدستور، إن صادق عليه البرلمان، أن يعاد تشكيل الحكومة. إلا أنه ورغم النقاشات الصاخبة، فقد تم رفض الملتمس المذكور، بعد رجة سياسية أجمع المراقبون على أهميتها وإيجابيتها.إذ انشغل المغاربة بالشأن السياسي من خلال متابعة ما كان يجري من نقاش تحت قبة البرلمان. كانوا يتابعون ذلك على شاشة التلفزة بشكل مباشر. عندما جاء موعد الانتخابات التشريعية الموالية سنة 1995م. كان المشهد السياسي المغربي قد تغير كثيرا،توحد حزب الاستقلال مع الإتحاد الاشتراكي في الحملة الانتخابية، وانضم إليهما حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي) ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي لتشكيل رباعي ما سمي ب( الكتلة). أما حزب التجمع الوطني للأحرار فقد أظهر أمام الجميع أنه حزب متكامل مكتمل الذات، مصمم على البقاء داخل التربة السياسية المغربية، رغم أنه خالف آلية تشكيل الأحزاب في كثير من التجارب، حيث جاء قادته من السلطة إلى الشارع، ولم ينطلقوا من الشارع إلى السلطة، وأصبحوا يعلنون انتماءهم إلى الوسط. وعلى المستوى الدستوري تم إقرار أن تتشكل الحكومة من أغلبية. سيعيش المغرب بعدها تحولا مهما، هذا التحول تمثل في تجربة الانتقال الديمقراطي في مسلسل ما عرف بالتناوب التوافقي، فاهتم الرأي العام المغرب كثير اهتمام بحكومة'' عبد الرحمان اليوسفي" اهتماما لم يوليه للحكومات السابقة، بحكم أنها الحكومات السابقة لم تكن تحمل عناصر الإثارة الكافية، ولم تكن تتشكل في سياق متغيرات واضحة. بينما جاء الإعلان عن حكومة عبد الرحمان اليوسفي مثيرا بحكم نقل المعارضة إلى سدة الحكم، داخل توافق جماعي للأحزاب من أجل تشكيل حكومة قوية تتماشى وأفق التغيير الذي يشهده العالم. علق الناس آمالا كثيرة على التناوب التوافقي، وانتظروا جديدا منه في مختلف المجالات، دون أن ينتبهوا إلى أنه كان مجرد ائتلاف شكلي، حيث إن أعضاء الحكومة لم تكن لهم سلطة القرار الكافية. ولذلك لا يمكن أن يظهر إلا التناقض، لأنه يكون بسبب تضارب في القرارات التي تتخذها الأطراف المشكلة للحكومة بحكم اختلاف مرجعياتها وتمثلاتها في تدبير القطاعات التي تشرف عليها وزارة هذا الحزب أو ذاك. فمع الإعلان عن الحكومة الجديدة، سنجد أنفسنا أمام معادلة صعبة الحل، إذا ما اعتبرنا المتراجحة الأكثر تعقيدا هي ما يجمع حزب الاستقلال،الذي طالما اعتبر نفسه وريث السلفية وأمينا على تحقيق العدالة الاجتماعية، والإتحاد الاشتراكي أقدم المعارضين المنادين بتطبيق الاشتراكية. هذا الحزب سيضحي بإطاره النقابي العتيد'' الكونفدرالية الديمقراطية للشغل'' ورجالاتها، ليعلن أصدقاء الأموي عن الانسحاب وتشكيل المؤتمر الوطني الاتحادي: حزب سيظل يشتغل بمنطق نقابي متحكم في تكوين أعضائه، وهو ما يفسر فشل مشاركته في انتخابات 2002م، بينما أصبح الإتحاد الاشتراكي في غنى عن القناة النقابية التي كانت صوته في زمن المعارضة. ولكن حزب الإتحاد الاشتراكي سيتخلى أيضا عن القاعدة الشبيبية المتمثلة في أصدقاء الساسي الذي عارضوا مقررات المؤتمر السادس،والقبول بالدستور الممنوح والتناوب الممنوح أيضا.لكن اليوسفي أخبر الساسي بأن أرض الله واسعة، إذا ما أراد مغادرة الإتحاد، بينما هو يريد أن لا يمشي فوق الأرض، وإنما على زرابي القصر، مهما كانت التنازلات ليقوم الساسي رفقة محمد حفيظ خلفه في رئاسة الشبيبة الاتحادية والسفياني وعدد كبير من المناضلين وخبراء الحزب الاقتصاديين بتأسيس''جمعية الوفاء الديمقراطية"التي خلفت الإتحاد الاشتراكي في موقع المعارضة داخل المشهد السياسي المغربي، ولكنها ستظل مرفوضة على مستوى الدولة، لأن شروط انتقال الحكم '' العرش '' بسلاسة في المغرب بات يفرض إخلاء الساحة السياسية من جبهة المعارضة والرفض، وعيا بأن الإتحاد الدستوري لم ولن يكون معارضة في السياسة.دون الانتباه إلى أن السياسة مثل الطبيعة تأبى الفراغ، ولابد من وجود حكومة ومن معارضة سيشغل حيزها الحضور والمد القوي لحزب العدالة والتنمية. ومع ذلك سيظهر كيف أن المعارضة الحقيقية في المغرب لا تكمن في الأحزاب الممثلة داخل البرلمان، ولا في الطوائف الإسلامية المتمركزة سرا في الجامعات والمنازل، وإنما تتمثل في الاتجاهات المختلفة مع الأحزاب والجماعات الإسلامية، ومع الأحزاب التي انتقلت من المعارضة إلى الحكومة. في البدء كان يختزل هذا النموذج حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الذي خرج مبكرا عن منهجية الإتحاد الاشتراكي، والآن باتت تمثله الطليعة والوفاء والمؤتمر الوطني الاتحادي والنهج الديمقراطي واليسار الموحد، في إطار كبير، يصبو لأن يكون أكبر من حجمه الحالي، ( حزب اشتراكي كبير). وإذا كان هذا الحزب، ولم يستطع إلا إنتاج خطاب نظري عقلاني، فإنه لن يقدم إضافة جديدة ونوعية في المشهد السياسي المغربي، ما لم ينزل إلى أرض الواقع، ببرنامج عملي ميداني، عقلاني أيضا. وليس بمجرد خطاب يظل مفارقا للواقع. بعد انتهاء ولاية حكومة اليوسفي التي قادت أول مراحل الإصلاح أفرزت صناديق الاقتراع أغلبية برلمانية جديدة للإتحاد الاشتراكي غير أن إرادة القصر جاءت بإدريس جطو من أبرز التقنوقراط المغاربة وزيرا أولا ليشكل حكومة ائتلافية إذ أغلبيتها كانت بإدماج حزب الحركة الشعبية ( اليميني) '' ليتمكن جطو من جعل ورقة التكتل الحركي ورقة في الظل لإبقاء حكومته وإنجاح الضغط على الحليف المشاكس ( الإتحاد الاشتراكي) لعزل المركب من داخل الحكومة من دون أي تعديل حكومي لصاحله، ودون أن يوجهه إلى معارضته" ففي ظل هذه الحكومة التي أهملت الملف الاجتماعي عرف المغرب حدث"16 ماي" والذي تجسد في استهداف مواقع أجنبية بالدارالبيضاء، هذا الحدث تفاعلاته ما زالت جارية وأبعاده غير متناهية أفرزت أجنحة أمنية متشددة ومتصارعة فيما بينها عملت على تضييق هامش الحرية المتاح للصحافيين المغاربة جراء نضالات عتيدة. ويذكر أن حكومة جطو اقترحت مشروعا لقانون مدونة الأسرة الذي تضمن إقرارا جزئيا بحقوق المرأة حيث كان ذلك من أولويات المطالب المسطرة في برامج الحركات الحقوقية النسائية بالمغرب. سنة 2007م، شهدت البلاد انتخابات برلمانية تميزت بعزوف جماهيري فيما يتعلق بنسبة المشاركة فيها، وقد منحت نتائجها حزب الاستقلال أغلبية من المقاعد داخل البرلمان إذ سيتمكن أمينه العام عباس الفاسي من تشكيل حكومة بعد تكليفه بذلك من طرف الملك محمد السادس في 19 شتنبر 2007م. وستواجه سياسة هذه الحكومة باحتجاجات عدة دعت إليها المركزيات النقابية نتيجة لتردي أوضاع الشغيلة المغربية وما خلص إليه الحوار الاجتماعي من نتائج أسفت لها أغلبية من الشعب. من جانب آخر، برز حدث اعتقال سياسيين ترتب عليه حل حزب "البديل الحضاري" و"حزب الأمة" على خلفية ضبط شبكة "بلعيريج" المتهمة بالتخطيط لعمليات إرهابية داخل المغرب حسب تصريحات وزير الداخلية شكيب بنموسى، وفي وسط حراك إعلامي عنوانه العريض خلية بلعيريج، سطت الأضواء على السجال الذي دخلت فيه أحزاب تقليدية مع '' حركة لكل الديمقراطيين" في وقت سابق، '' أدرك مراقبون كثر أنها سوف تكون مسألة وقت قبل أن يحول نائب وزير الداخلية السابق والنائب المنتخب فؤاد على الهمة هذه الحركة حزبا سياسيا سيسمى ''الأصالة والمعاصرة"، وسجل أن حلت أحزاب نفسها واندمجت في هذا الإطار الجديد، هي الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب العهد، وحزب البيئة، وحزب رابطة الحريات، وحزب مبادرة المواطنة والتنمية. " وفي إطار الجهود التي يبذلها عالي الهمة لحشد الدعم لحزب الأصالة والمعاصرة، يأتي باستمرار على ذكر الحداثة في خطبه، إلا أنه يلجأ مرة تلو الأخرى إلى ممارسة المحسوبية التي تتعارض مع هذه اللغة، ويبرر حسان بن عدي الذي عين سابقا أمينا عاما للحزب، تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة بالقول بأنه يمنح المغاربة خيارين بالنسبة إلى مستقبل بلادهم: الخيار الأول هو''مغرب ديمقراطي متجذر في المعاصرة" والثاني هو '' عودة إلى العصر الذهبي للخلافة''، وهو ما يسعى إليه الإسلاميون. من سخرية القدر بلا شك أن حزب ''العدالة والتنمية''- وهذا ما تجمع عليه مختلف التعريفات التي تعطى له- هو الحزب السياسي الأكثر حداثة في المغرب إنه الحزب الذي يتمتع بأكبر قدر من الديمقراطية الداخلية، هو الحزب الوحيد الذي يملك برنامجا للعلاقات من الناخبين، والوحيد الذي يستقطب الأصوات انطلاقا من رسالته وليس من أسماء عائلات المرشحين. وفي حين يتعامل معظم النواب مع البرلمان وكأنه ناد للصبية يجددون فيه روابطهم الشخصية، وضع حزب العدالة والتنمية مدونة سلوك نيابية لفرض الانضباط على نوابه.وتقتضي هذه المدونة منهم وضع مسودات تعديلات واقتراح تشريعات جديدة وطرح أسئلة شفوية. وبينما لا يزعج نواب كثر من الأحزاب الأخرى أنفسهم بحضور الجلسات في أغلب الأحيان، يفرض حزب العدالة والتنمية على نوابه حضور الجلسات البرلمانية واجتماعات اللجان. يأمل حزب الأصالة والمعاصرة من خلال وصفه لحزب العدالة والتنمية بأنه رجعي وينتمي إلى الماضي، أن يشجع المغاربة على السعي إلى مستقبل بديل ودعم خطابه عن الحداثة والتقدم. لكن جل ما يفعله من خلال اعتماده على قربه من البلاط الملكي، وعلى الأعيان المحليين، ودور الشخص، وعلاقات المحسوبية لبناء قاعدته، هو ترسيخ الممارسات التقليدية المتجذرة في الثقافة السياسية المغربية"5. من جانب آخر، وفي إطار إضعاف قوة الخريطة السياسية الحقيقية في المغرب، أصبح عدد الأحزاب ثلاثين حزبا منها ما يوصف بالتقليدية والصغيرة والضعيفة. وتعلب برمجة تقطيع الدوائر الانتخابية دورا نسبيا في التأثير على نتائج الانتخابات منذ عهد وزير الداخلية السابق إدريس البصري إلى اليوم. كما أن نظام الاقتراع باللائحة يقر ديمقراطية نسبية غير مطلقة، مما جعل بعض الأحزاب تواصل مطالبتها بإصلاحات دستورية تتعلق بتعديل بعض فصوله. غير أن موجة الربيع العربي الأولى، التي انبثقت عنها حركة ''20 فبراير''، والتي تتبنى انتظارات المواطنين الحقيقية. طالبت بتغييرات جذرية لم تستجب لها الطبقة المشكلة للنظام السياسي بالبلاد خوفا من التناقض مع مصالحها الخاصة. مما يجعل الرهانات مفتوحة حول أفق التغيير الجذري بالبلاد. موازاة مع ذلك، إن التجربة الديمقراطية في المغرب بناء على قوانين الحريات العامة من 1958م، إلى 2009م، فيما يتعلق بتأسيس الجمعيات وبحرية الصحافة وبالتجمعات السياسية، تظهر فيها بعض أوجه النقص في الضمانات القانونية المتعلقة بممارسة هذه الحريات " كما اتضحت الممارسة التعسفية للسلطات العمومية وكذا تدخلها في سير العدالة". لذلك يمكن تبين أن مشكلة المغرب الحقيقية وملفاته العالقة تكمن في سياسة نخب تسعى جاهدة لحماية مصالحها مما يؤثر سلبا على مفاهيم عامة للديمقراطية في ظل صراع مفتوح عنوانه الرئيس الملكية والأحزاب والحكم، والمطالب المشروعة للطبقات الشعبية، وخيارات السياسة العمومية للبلاد. ملفات مغربية عالقة 1- تحركات نقابية ومطالب اجتماعية : شهدت البلاد في السنوات المتتالية تحرك العديد من القطاعات الاجتماعية ، كقطاع الجماعات المحلية والصحة والبريد، وغيرها من القطاعات الفاعلة بشكل ايجابي في اقتصاد المغرب،وفي تطوره التنموي وطبيعة ذلك التحرك سيطر عليه الطابع الاحتجاجي. ومعلوم أن تلكم الاحتجاجات والإضرابات قد أطرتها المركزيات النقابية الثلاث : الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل. بما هي المركزيات الأساسية والفاعلة في عملية تأطير الشغيلة المغربية وتوجيهها ما أعطى لعملية الاحتجاج وزنها الحقيقي البارز بالدرجة الأولى في نسبة نجاح مختلف الإضرابات. حتى إذا ما وقفنا على طبيعة تلك الاحتجاجات وجدناها تحمل دلالتين أساستين : أما الأولى فنقابية، والثانية سياسية. فيما يتعلق بالدلالة الأولى – النقابية- يكون الأمر جد طبيعي، ذلك أن الأوضاع الاجتماعية التي أصبحت تعيشها فئات عريضة من الشعب المغربي أضحت أوضاعا أكثر مأساوية إذا ما أخذنا بعين البصيرة والاعتبار مستوى دخل هذه الفئات وأجورها مقارنة بمستويات المعيشة التي رفعت من حدتها زيادات أثمنة المواد الاستهلاكية الأساسية، وتعدد حاجات، ومستلزمات الحياة اليومية بالنسبة إلى تلك الفئات التي تحولت إلى أغلبية مغلوبة داخل نسيج المجتمع. أمام هذا الواقع، لم يكن للمركزيات النقابية السالفة الذكر من بد غير القيام بمهام منوطة بها ضرورة، بحكم موقعها وطبيعة أدوارها الفعلية والحقة، المتمثلة في الدفاع عن مصالح الشغيلة المغربية، وهو ما بادرت إليه بالدعوة إلى تنظيم الإضرابات وخوض سلسلة احتجاجات. أما الدلالة الثانية، والتي وصفناها بالسياسية فهي حاضرة في الدعوة لتلك الاحتجاجات مادام الأمر يتعلق بممارسة ذات بعد عميق صادق في السعي إلى تنمية المواطن والوطن على حد سواء، بل ما تعنيه تلك التنمية وتقتضيه في مختلف الجوانب والمستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية والثقافية وغيرها من المستويات المرتبطة بينية المجتمع المغربي ككيان متكامل، وبلغة أخرى، يمكن القول إن ذلك الموقف السياسي حاضر في النقابي ضروري في اشتغاله وتحديد آفاقه ما دام يستند إلى الفهم الصحيح للعلاقات والارتباطات التي ينبغي أن يتعالق فيها النقابي بالسياسي، خصوصا في الظرفيات التي من الضروري أن يكون فيها حضور النقابي في السياسي وازنا وفاعلا بناء. بأن يكون للموقف النقابي التأثير المباشر على القرار السياسي. والمنطق هذا، لم ولن يتحكم فيه أي شيء آخر غير التعامل الموضوعي في الفهم الصحيح للصراع، والتمثل العميق للعناصر المتحكمة فيه. وهذا ما ينبغي أن يحدث عن حق ، وأن يتحقق في الظروف الراهنة بالنظر إلى متطلباته. أما ونحن ننوه بالموقف في الحدود التي هي في صالح المعنيين الأولين بالأمر : الشغيلة المغربية، فإننا نعود لنؤكد ضرورة وضع الأصبع على مكامن وأسباب مآسي هؤلاء الحابلين بالعطاءات الحالمين بالآمال في سبيل وطن حافل بالطاقات ، وهو أمر يشهد لهم به التاريخ ، وتضمنه لهم حقوق المواطنة. لأجله، فإن الوقوف عند مشاكلهم هو الوقوف عند ما تبقى من عتبات سبق وأن تشرفت بقطع خطوات ايجابية في تجاوزها، وسوف لن يصعب علينا المزيد إذا ما توفرت قناعة جعل المواطن فوق أي اعتبار. 2- إعادة النظر في قطاع الخدمات الاجتماعية : إن الظرف الراهن للمغرب، واعتبارا للتحولات التي شهدها العالم ، في المحيط الغربي أو الإفريقي أو العربي، يستلزم التفكير الجاد والمسؤول : الجدية من حيث اتخاذ القرار، والمسؤولية من حيث جعل التعاطي مع القرار يتجاوز الحدود الشكلية المألوفة المتمثلة في حصرها بمجرد قرارات ، من غير أن تخطو في اتجاه ما هو عملي. أما الشعارات المطلبية الكامنة وراء ما حدث في كل الجهات والأقطار السالفة الذكر ، فقد كانت في معظمها ذات طابع اجتماعي وصلت مأساته إلى حد جعل تلك الشعوب تعيش الأوضاع المزرية بما يعنيه كل ذلك من فقر وبطالة وانحدار في مستوى العيش ، وكذلك ذات طابع سياسي اعتبارا لما سطرته حكومات تلك الدول من تصورات ومشاريع أبانت الأحداث عن عجزها وفشلها، حتى في تحقيق الحدود الدنيا من مطالب شعوبها. احتقان الوضعية الاجتماعية للمواطنين بسبب عجز سياسات المسؤولين أدى إلى ما تمظهر اليوم من نتائج وصلت إلى الدرجات المأساوية ، أغلب الأحيان. أما والأمر كذلك، ما هو الوضع بالنسبة إلى مجتمع مغربي له من الحقوق ما لغيره من الشعوب؟، من حق توفر الخدمات الاجتماعية بما يعنيه ذلك من توفير لقطاعات هذه الخدمات ، وتوفير كل ما يرافق تلك القطاعات من مستلزمات لا شك في كونها أساس سير كل أمور على حدة ، في ظروف وشروط سلمية. أخال الجواب لا يستلزم، لا التفكير المستفيض ولا التروي، ما دام كل شيء واضحا، ذلك أن خدمات قطاعاتنا الاجتماعية هي دون مستوى قيامها بالأدوار المرغوب فيها. وأكثر من ذلك، فالمفروض عليها الارتقاء بتلك الخدمات إلى المستوى المطلوب اعتبارا لحاجيات المواطنين في تلك الخدمات التي تمكن من تنظيم علاقاتهم مع شروط الوجود والحياة، وبالتالي الاستقرار والسلم الاجتماعيين ، حيث لا يجادل أحد في كون ذلك أساس استمرار المجتمعات وتقديمها، وتمكين المواطن في حقه في المواطنة كاملة، وتوطين مواطنة اجتماعية بين أفراد ومكونات المجتمع. نعم، إن هذه القطاعات هي دون المستوى من حيث قدرتها على مواكبة تطور المجتمع المغربي، وعلى مستوى القدرة في كسب عطف المواطن المغربي، وجعله يشعر بانتمائه إلى الوطن عبر ميثاق المواطنة الذي يتأسس من خلال تعاقد بين الدولة والمواطن مبني على الالتزام. أما أن نجد المواطن يشكو يوما عن يوم، ولا مسؤولية له في إيجاد مخرج من مشاكله، من حيث هي مسؤولية أنيطت على عاتق القائمين بشؤون تدبيرها من موقع مسؤولياتهم في التقرير والتدبير والتسيير، قلت أن تجد المواطن كذلك ، فمعناه أن الأدوار السياسية في تدبير القطاعات المخصصة للعناية والإهتمام بالمواطن لم تستطع القيام بمسؤولياتها. ولذلك، وجبت لزاما إعادة النظر فيها وفي قنواتها ووسائلها، لأن الذي لا شك فيه هو أن دعوتنا إلى إعادة النظر في طبيعة اشتغال كل ذلك هي في آخر المطاف قراءة لواقع تجلت معالمه منذ وقت طويل ، وقد اعترته أزمات تفاقمت مع مرور الوقت، ومع غياب الإصلاح ومراقبة الوضع. ودعوتنا هذه تبقى واجبنا الأول من موقعنا في بؤرة النقد، هذا النقد إن تهربنا منه أكثر وجدنا أنفسنا أمام متاهات من المشاكل والأزمات،لا تضمن لنا استمرار سلم اجتماعي بات مهددا، فلا بد من استعمال سلاح النقد كخطوة هادفة إلى التنبيه بعرض قضايا ومشاكل المواطنين أولا، إلى التجديد ثانيا، وذلك بغية تحقيق طموحات وآمال الجماهير وتمثل انتظاراتهم والوعي بها، بدل توزيع الوعود المجانية وغير الواقعية والتي تحتاج إلى حلول سحرية ، مع أن المواطن لا يؤمن بالسحر بقدر ما لم يعد يخاف منه. 3- دكاترة العطالة : من كان يتصور يوما أن بناء دولة ما كانت ينبني على إقصاء أبنائها الحاصلين على الشهادات العليا من المساهمة في عملية البناء تلك؟ أما ونحن نطرح هذا السؤال، فقد انطلقنا من المفارقة بين خطاب التقدم والحداثة وبين شروط ذلك على المستوى الإنجازي. فان يتم تهميش دكاترة شباب نالوا شهاداتهم من جامعات ومعاهد الدولة، بعد جهد كبير، ومنهم من انتهى في أبحاثه العملية إلى استنتاجات، وإنتاجات معرفية علمية معترف بها، ولا أحد يشك في التقدير الذي يمكن أن تحظى به في دول أخرى ، خاصة في مجالي الاختراع والابتكار، أن يتم هذا التهميش في حق هؤلاء هو مما لا يشرف في شيء، ولا يمنع في شيء أن نوجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين، حيث لا يقتضي الأمر منا توفر الأدلة في هذا الباب، وحتى إذا ما تعلل أحد بابتعاد تكوين هؤلاء عن متطلبات سوق الشغل، فإنها تبقى مسؤولية من وضع برامج التكوين تلك بعيدا عن برامج الدولة في مختلف لقطاعات. أما ونحن نعاين ونعايش دكاترة معطلين من خريجي كليات ومعاهد العلوم ، دون أن يهتم أحد بتوظيفهم في بمجالهم العلمي ، فتلك مأساة أخرى كبرى ليس بعدها إلا التقزز من أي حديث عن التقدم والحداثة ، أو أي مصطلح مرادف لذلك. وإلا، فما معنى أن نترك هؤلاء يعلنون عن أيام احتجاجية وإضرابات عن الطعام، دون أن نسأل عن معنى تعريضهم لتدخلات أمنية، لأنها تكون الحوار واللقاء الوحيد لهؤلاء بالدولة. وحيث إنه لا أحد ينصت لهؤلاء، منذ ما يزيد عن عقد زمن، سنترك لهم الكلام في بيان تاريخي يعود إلى 1995 بعد اعتصام (مجموعة الرباط) للدكاترة العاطلين، وذلك بتاريخ 13 أبريل 1995 بمقر النقابة الوطنية للتعليم العالي، جاء في البيان : - رغم الشهادات العليا التي حصلنا عليها في تخصصات علمية مختلفة ( فيزياء – كيمياء- بيولوجيا) ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى جميع الدول التي تسعى نحو الرقي والتقدم، فإننا قد أمضينا أكثر من سنتين في الاتصال بجميع الجهات التي لها صلة بموضوع تشغيلنا. - لقد قمنا بمجموعة من الاتصالات دون جدوى، بقدومي كليات العلوم والتقنيات ومديري المعاهد العليا للتكنولوجيا. - توجهنا برسائل عن طريق البريد المضمون، ومفتوحة عبر الجرائد الوطنية، إلى السادة الوزير الأول، وزير التربية الوطنية السابق، ووزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي حاليا، قصد طرح مشكل تعطيلنا. - قمنا باعتصام يوم 1-02-1995 بمقر النقابة الوطنية للتعليم العالي لتحسيس الرأي الوطني بقضينا ، وللاحتجاج على واقع التعطيل المفروض علينا. - نعتبر وضعيتنا كمعطلين حرمانا لنا من حقنا الدستوري في الشغل، والذي لا يمكن فصله عن كرامتنا كمواطنين، وتهميشا لأطر علمية يمكن أن تساهم في مسيرة التنمية الاقتصادية والعلمية. إن هذا البيان ليس وثيقة نادرة، بالنظر إلى مئات البيانات المماثلة التي كتبت ما بين 1995 إلى حدود اليوم، ولكن المثير فيه هو تاريخ كتابته ، ذلك أن المجتمع الحقوقي الإسباني يحتفل في ربيع كل سنة بالذكرى الأليمة لوصول أول قارب موت من المغرب إلى اسبانيا، كان ذلك في 02 أبريل من سنة 1995 م. هل تستطيع نتائج إحصاء العهد الجديد أن تقدم لنا عدد الدكاترة الذين عبروا سريا أو رسميا إلى أوروبا. سنجد من بين هؤلاء من مات سرا في مياه البحر الأبيض المتوسط ولكنه مع ذلك لم يعد عاطلا. 6- الاستثمار في المغرب بين التوقعات والواقع : أفادت الأرقام الرسمية التي صدرت سنة 1995 م، أي قبل سنة من التحضير للانتقال الديمقراطي بالمغرب، وقبل عقد من الزمن، أن الاستثمارات الخارجية المنفذة في المغرب خلال السنة قبلها حققت نحو 5.100 مليار درهم ( 550 مليون دولار). وحتى إذا ما احتسبنا حجم الاستثمارات المنجزة خلال شهر دجنبر من 1994 فإن المبلغ النهائي لهذه الاستثمارات قارب الرقم المسجل سنة 1993، وهو 5.488 مليار درهم ، وبالعودة إلى توقعات وزارة المالية في بداية 1994، نلاحظ أن المنتظر تحصيله من المستثمرين الأجانب هو ما بين 700 و 800 مليون دولار، الأمر الذي يؤكد كيف إن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد انخفضت بالمقارنة مع حجم تكهنات وزارة المالية التي ظهر كم كانت تتقن لغة الخيال بدلا من لغة الواقع وخطاب العقل والمعقولية. ستقول السلطات المالية بعدها ، وهو أمر اعتدنا سماعه منذ مدة ، إن أسباب هذا التراجع، وعدم انسجام التوقعات مع النتائج المتحققة في الواقع، إنما يعود إلى حالة الاقتصاد العالمي في تلك الفترة ، والتي كانت أقل اتساعا وأكثر انحسارا خاصة بالنسبة إلى الاقتصاديات النامية ، بما دفع المستثمرين الرئيسيين في العالم ( الولاياتالمتحدةالأمريكية ، فرنسا ، بريطانيا ، ألمانيا.....) إلى الخوف من مغامرة الاستثمار في البلدان النامية. وستقول أيضا إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الغرب شهدوا صعوبات اقتصادية داخلية اضطروا معها إلى تقليص استثماراتهم الخارجية في دول الجنوب ، ومنها المغرب. كما تبرر هذا التقلص في الاستثمار الخارجي بالمغرب، بالأحداث الدامية في القطر الجزائري الشقيق. وأنه لا بد من أخذ هذه الأحداث بعين الاعتبار. وفي سياقه ، لا بد من استحضار الصعوبات بين البلدين (المغرب والجزائر ) والتي أدت إلى خلق حدود نفسية بينهما لدى المستثمرين الأجانب. ونحن قد نتفق مع هذا الطرح الأخير ، لأن الاستقرار السياسي والاجتماعي عامل أساس للاستقرار الاقتصادي ، ولجلب رؤوس الأموال الأجنبية. لكن السؤال الأهم والأكثر ملحاحية حينها، إضافة إلى الأسباب الهيكلية (الكلاسيكية) المعروفة كان متعلقا بحجم المشاكل والصعوبات التي تشكل مكبحا لجذب الاستثمار الأجنبي ؟؟؟ إن الأرقام الواردة في هذا الموضوع، ما هي في حقيقة الأمر سوى انعكاس للوضعية القانونية لواقع الاستثمارات في المغرب، وللآليات المختلفة التي تتحكم فيه. فرجال المال والأعمال الأجانب يواجهون معوقات على قدر كبير من التعقيد ، فيما يتعلق بإيجاد مناطق صناعية عصرية مجهزة ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها وتمركزها في محور الدارالبيضاء والقنيطرة ، وغياب مناطق صناعية في الأقاليم الأخرى. لذلك، كان المطلوب وباستعجال في هذا السياق، هو ضرورة إعادة النظر في توسيع البقع الصناعية ومحاربة الاحتكار والمضاربات، واتخاذ التدابير السريعة والكفيلة بمعالجة هذا الموضوع. إن موضوع الاستثمارات يحظى باهتمام كبير من طرف الفاعلين والمتدخلين الاقتصاديين، والذين يدركون أن ثمة عراقيل عددا تقف في وجه المستثمر الأجنبي ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستثمر المغربي، ويطالبون بتبسيط مسطرة الاستثمارات والتخفيف من الإجراءات البيروقراطية لتحفيز المستثمر الأجنبي. وكذا إقامة الفضاءات و المناطق الصناعية اللازمة لاحتضان هذا الاستثمار. إن المطلوب كذلك هو إقرار المخاطب الوحيد تفاديا للتماطل الحاصل، وتخفيف أثمنة الأراضي الصناعية المجهزة. ونحن نعلم بقينا أن هذا الذي نقوله ظل وسيظل صيحة في واد. فالحكومة يومها كانت تتقن لغة الخشب، وفي إحدى الدورات البرلمانية سمعنا كلاما على لسان السيد عبد اللطيف الفيلالي ووزارئه ، كاد أن يمزق طبول آذاننا ، لقد قالت الحكومة وبإسهاب كبير، إنها تحاول فيما يتعلق بالعراقيل التي يواجهها المستثمر الأجنبي، من قبيل المساطر الإدارية ومسألة التنافسية وتكلفة الإنتاج، تحاول الانكباب على معالجتها ودراستها دراسة عميقة " باعتبارها قضايا مهمة..... إن حكومة (عبد الكريم العمراني وعبد اللطيف الفيلالي وعباس الفاسي) ، وحكومة من كان قبلهما، سبق أن تدارست مشروع قانون استثمار موحد بجميع القطاعات ولكن تبين لها أنه ينطوي على عدة ثغرات كان لابد من معالجتها ، لكن الغريب أنها صرحت كون ما أسمته ( قانون استثمار موحد ) لا ينسجم والوضعية الحالية للاقتصاد المغربي. فما حصل في الواقع كان عبارة عن تجميع سطحي، فارغ من أي مضمون، لقوانين الاستثمارات المتعلقة بكل قطاع إنتاجي على حدة. الأمر الذي أصبح يفرض معالجة شاملة لكل هذه القضايا، من خلال مشروع جديد يتناسب والتطورات التي يشهدها الاقتصاد الوطني سلبا وإيجابا، مع العمل على إدخاله ضمن القانون العام، وحذف الإجراءات الأخرى. وفيما يخص المطالبة بإقرار المخاطب الوحيد لاستقبال رؤوس الأموال الأجنبية، نعتقد أن تلك الحكومة لم تكن تفكر فيه بجدية كافية، لاعتقادها أنه لا يمكن أن يحل المشاكل المطروحة حيث بررت داخل البرلمان، وعلى لسان أحد وزرائها المتخصصون في الأرقام ، أن إقرار نظام المخاطب الوحيد غير ذي جدوى : " فحتى الدول التي أخذت بهذا النظام لم تعد تعمل به ، مثل تونس وعدة دول أخرى". ألم نقل أعلاه إن هذه السطور هي بمجرد صحية في واد ؟ 4- شرعية الملف الأمازيغي : إن الأمازيغية ضمن اللسانيات التي تسعى لتوليد اللغة ولا أحد يستطيع إقصاءها فالبربر جزء كبير من أصول المغاربة وأي قمع للحركة الأمازيغية السياسية هو بمثابة فقد للهوية، هوية الوطن، إذ أن واقعية المسألة الأمازيغية تندرج في سياق ربطها بالصراع السياسي لذلك يقول محمد أقوضاض : "إن الدفاع عن الثنائية الثقافية واللغوية داخل وحدة ثقافية مغربية هو مطالبة بممارسة حرية الفرد والجماعة على مستوى القوانين والتشريعات كما على مستوى التطبيق والفعل حينذاك تصبح في عمق قضايا سياسية تشكل جزءا من نضال الحركة الوطنية الديمقراطية. إن مواجهة المخزن، وإن ممارسة حق استعمال المؤسسات وحق التعبير والحق في الثنائية والحق في ديمقراطية حقيقية تضمن الوجود والعيش والتعايش الثقافي كل ذلك يدخل ضمن قضايا ترتبط عضويا مع النضال السياسي للحركة التقدمية. لذلك فإن مواجهة بعض الأشخاص للعمل السياسي الديمقراطي ورمزه وهروبهم منه ضمن العمل الثقافي الأمازيغي لا يمكن أن يخدم المسألة الأمازيغية وهو في نفس الوقت عمل يتجه نحو اليمين والمهادنة وهما أمران لا يعطيان أي شيء لا للثقافة ولا للسياسة عامة ولا للغة الأمازيغيتين خاصة. إن ضرورة العمل السياسي للمسألة الأمازيغية هي ضرورة حتمية وليست رغبة أو إرادة خاصة سواء على مستوى النضال الديمقراطي أو على مستوى التسيير الإداري أو مستوى التصور الثقافي والتموقف، إن التسيير الإداري يحتاج داخل الجمعيات إلى قسط من السياسي لضمان وحدة الجمعيات واستمراريتها أولا ، وثانيا لمعرفة عقلانية في ضبط الاختلاف الداخلي، وثالثا في حسن تسيير التعامل مع المؤسسات ومع الجمعيات سواء كانت جمعيات أو أحزابا أو سلطة. أما التصور الثقافي فيغيب إذا غاب التصور السياسي، لأن التصور يتطلب طرح الأسئلة التالية : ماذا أريد : ما هو الموقف من الآخر المتنوع والمتعدد والموحد أيضا ؟ كيف أتعامل مع التعدد المخالف المقابل ؟ هل أريد أن أحاور وأتعايش أو أريد أن أقصي وأقصى ؟... إن البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة يجعلنا في منطقة وسطى بين الثقافي والسياسي وفي موقع داخل الموقف من الديمقراطية الثقافية والسياسية ، إن غياب هذا الربط الجدلي الموضوعي بين الثقافي والسياسي ينجم عنه البعد الانعزالي في الطرح الثقافوي "7. 4- الصحراء الغربية : برزت مشكلة الصحراء المغربية ...منذ انسحاب اسبانيا من هذه الأراضي في 28 فبراير عام 1976 م..بعد احتلال دام ثلاث أرباع قرن ....حيث تم التوقيع على اتفاقية في مدريد عاصمة اسبانيا في 14 نوفمبر عام 1975 م بين كل من اسبانيا ، والمغرب وموريتانيا.... تنازلت بموجبها إسبانيا عن الصحراء للدولتين ....ولكن جبهة البوليساريو أعلنت رفضها لهذه الاتفاقية وطعنت فيها ...وقد أيدتها الجزائر التي قامت بدعم الجبهة سياسيا وعسكريا...بذلك خرجت إسبانيا من النزاع على الكيان الصحراوي المغربي ......لتبقى الصراعات بين المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا. "ويبدو واضحا أن الجزائر قد أقحمت نفسها في النزاع على الصحراء المغربية....وهي ليست طرفا فيه، والسبب أن هذه الصحراء لها حدود مشتركة مع الجزائر طولها 37 كيلومترا....بالإضافة إلى أن الجزائر ترغب في الصحراء للحصول على قدر من الفوسفاط الذي يوجد في مناجم (بوكراع ) بالصحراء ، والذي تقدر احتياطاته بمليار و 700 مليون طن إلى جانب منجم الحديد الموجود في شمالي الصحراء وقبل ذلك كله إيجاد منفذ للجزائر- للوصول إلى مياه المحيط الأطلسي ، لتسهيل تسويق منتجاتها من الغاز الطبيعي والحديد. يبلغ عدد سكان الصحراء نصف مليون نسمة – حسب ما أعلنته جبهة البوليساريو- في حين أن اسبانيا قد أعلنت أن عدد سكان الصحراء قد بلغ 74 ألف نسمة في إحصاء أجرته عام 1974 م ، أي قبل خروجها من الصحراء بعامين فقط. والحقيقة أن سكان الصحراء جماعة من القبائل التي تعيش على الرعي وزراعة الحبوب... ، وسكان الصحراء 80 % منهم من أصل مغربي و 20 % منهم من أصل موريتاني وجميعهم من المسلمين الذين يتكلمون اللغة العربية ولم تستطع إسبانيا أن تستوعبهم أو تعمل على تغيير عقيدتهم. بسبب طبيعة بلادهم الصحراوية وعدم استقرارهم. أعلن المغرب موقفه من هذه الصحراء....حيث يعتبرها امتدادا بشريا وجغرافيا طبيعيا لحدوده، ولا يقبل المغرب المساومة بشأنها....وقد أدى دعم الجزائر لجبهة البوليساريو...إلى وقوع نزاع مسلح في مناطق الحدود بين الدولتين منذ فبراير 1976 م ، هذا وقد حققت الدبلوماسية العربية والإفريقية نجاحا في وقف هذا النزاع أكثر من مرة. أحدثت مشكلة الصحراء زلزالا في العلاقات الإفريقية حيث فشلت منظمة الوحدة الإفريقية في إيجاد حل لها....وقد تسبب ذلك في فشل هذه المنظمة الإفريقية، بسبب الخلاف حول قبول البوليساريو عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية. ويبقى مؤتمر القمة الإفريقي والإتحاد الأفريقي غير قادر على تحقيق أهدافه، إذا لم يتم التوصل لحل للمشكلة الصحراوية ترضي جميع الأطراف. هذا وقد ساهم الصراع الدولي في مرحلة الحرب الباردة في توظيف الصراع حول الصحراء المغربية لتحقيق عدة أهداف ، منها التحكم في الممرات المائية تشكيل الأحلاف العسكرية، إلا أن أهم هدف خدمته القضية هو أنها أصبحت إشغال وإبعاد لغرب العالم الإسلامي والعربي عن شرقه. فما هي العناصر المؤثرة في العلاقات المغربية الجزائية؟ وإذا كان حصول انفراج في العلاقات بين الرباطوالجزائر أمرا مستبعدا في المستقبل المنظور فهل يصبح الاحتمال الوارد هو استمرار هذا الوضع الذي يشبه حالة حرب باردة متحكم فيها. *-أطراف النزاع : وجدت الجزائر نفسها ملزمة بالتحرك العاجل وعلى كل المستويات لتجاوز العزلة التي حصلت لها عقب المسيرة الخضراء. وهو ما تجلى في حصول أول مواجهة عسكرية مغربية جزائرية في أمغالا يوم 26 يناير 1976 استمرت 3 أيام ، وأعلن خلالها المغاربة أنهم أسروا حوالي 100 جندي جزائري ، وقد انتهى التوتر العسكري على إثر الوساطة المصرية في شخص حسني مبارك نائب الرئيس السادات آنذاك وتحرك عدد من الدول العربية لتطويق الأزمة. وشهدت المرحلة مواجهات دبلوماسية كثيفة بين المغرب والجزائر التي رأت نفسها معنية بتطور النزاع وتبنت أطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي ، وكانت النتيجة هي اعتماد الجزائر لخيار يقوم على الحرب المباشرة عن طريق البوليساريو أولا والضغط الدبلوماسي ثانيا. في 7 مارس 1976 سيتم قطع العلاقات الدبلوماسية التي لم تستأنف إلا بعد اثنتي عشرة سنة أي سنة 1988 وتلا ذلك إغلاق الحدود وطرد المغاربة المقيمين في الجزائر. كما نجحت هذه الأخيرة في توفير اعتراف عدد من الدول بما يسمى الجمهورية الصحراوية وصل عددها إلى ما يزيد عن 70 اعترافا ، وزادت من الضغط على موريتانيا ، وهو ما أفضى إلى انقلاب عسكري في 10 يونيو 1978 أدى إلى تكوين نظام موريتاني من الصحراء وتسليم منطقة وادي الذهب التي كانت من نصيب موريتانيا حسب اتفاقية مدريد إلى البوليساريو عبر اتفاق بينها وبين موريتانيا في 5 غشت 1979 وقد أدى انهيار موريتانيا وانسحابها من اتفاقية مدريد إلى فقدان المغرب لحليف كانت له أهميته المركزية في الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية بالرغم من ضعف موريتانيا ، وهو ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الدبلوماسي ، بحيث أن عددا من الدول الإفريقية غيرت موقفها مباشرة بعد انسحاب موريتانيا من النزاع ، ولقد وجه ذلك بتحرك عسكري للمغرب نجح في استرجاع إقليم وادي الذهب ميدانيا وتنظيم حملة لممثلي السكان لمبايعة العاهل المغربي في 14 غشت 1979، ونشير هنا إلى أن وفاة الرئيس الجزائري الهواري بومدين في 1978 أدت لفشل مبادرة لتسوية المشكلات العالقة بين البلدين بصفة شاملة. *-التقاطب الدولي : حصلت تطورات نوعية في المنطقة مما عزز السياسات الدولية اتجاه إعادة هيكلة التنافس الدولي حول الصحراء وبروز الاستقطاب الفرنسي الأمريكي عبر طرح عدة مشاريع لإدماجها في خطط التحكم السياسي والهيمنة الاقتصادية والضبط العسكري مما يحول دون قيام مغرب عربي موحد . ونذكر في هذا السياق ثلاثة مشاريع كبرى برزت في هذا المنحى حيث طرح : أ- مشروع الشراكة الأورومتوسطية المعروف بمسار برشلونة 1996. ب- مشروع حلف الناتو المسمى بالشراكة من أجل السلام والهادف لإدماج الدول المغربية في مشروع أمني عسكري يضمن عدم تأثر دول جنوب أوربا بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية لشمال. ج - مشروع حلف الناتو المسمى بالشراكة من أجل السلام والهادف لإدماج الدول المغاربية في مشروع أمني عسكري يضمن عدم تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية لشمال إفريقيا. د- ثم المشروع الأمريكي المسمى بمبادرة إيزنشتات للشراكة المغربية الأمريكية 1998 ، وهو مشروع يدعو إلى إقامة شراكة اقتصادية بين أمريكا وكل من المغرب والجزائروتونس مع استثناء ليبيا وموريتانيا ، الأولى بدعوى قضية لوكربي ، والثانية لوجودها ضمن مشروع أمريكي آخر للشراكة مع إفريقيا ، مع الإشارة إلى أن مشروع الناتو لم يستثن موريتانيا. وهكذا يتضح أن العوامل الفاعلة في تطور العلاقات بين المغرب والجزائر تعرقل أي تسوية أممية وذلك على خلفية التقاطب الدولي ، وما ينطوي عليه من خلافات متعددة. وعليه يتضح أن امتدادات التوسع السوفياتي في شمال إفريقيا، ومن خلال تبني العديد من الدول العربية وعلى رأسها الجزائر للنموذج الاشتراكي كلها عوامل وعناصر محورية ساهمت في التأسيس لنزاع الصحراء بين أطراف التقاطب الدولي على خلفية التوجه الليبرالي للمغرب. ومن الجانب الدولي اتضحت سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية وارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية- الجزائرية واللعب على ميزان طرفي هذه العلاقات سواء أثناء الحرب الباردة أو بعدها، وذلك بحسب الأولوية المحددة من طرف القوى الأجنبية والتي ترى في المنطقة خزانا نفطيا (الجزائر) وموقعها استراتيجيا (المغرب) ، فضلا عن كونها سوقا للسلاح بامتياز، وهي اعتبارات عززها الماضي الاستعماري لفرنسا التي كانت تعتبر المنطقة مجال نفوذ تقليدي لها. ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي فإن رياح الحرب الباردة لم تغادر المنطقة ، حيث حافظت الجزائر على علاقتها العسكرية الإستراتيجية مع روسيا، واستمرت هذه الأخيرة في تبني الأطروحة الجزائرية بخصوص نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن، وفي المقابل نجد الولاياتالمتحدة أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص النزاع، رغم بروز تردد ومصلحة للبنتاغون اتجاه هذا الملف لغرض فتح بوابة السوق العسكرية الجزائرية. وفي نفس السياق يرتهن الوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية عموما والتناقض الحاد بين البلدين إزاء، قضية الصحراء خصوصا، بعدة عوامل تاريخية وجغرافية وإيديولوجية فضلا عن العوامل الدولية المذكورة وهي عوامل تخللتها رواسب الماضي وتم تعميقها في الأربعين سنة الماضية دون إغفال رواسب الماضي تلك . ويمكن تركيز هذه العوامل في نقطتين أساسيتين : 1- الجانب التاريخي والاديولوجي : ويعني اختلاف التطور التاريخي بين البلدين ، فالمغرب ذو رصيد تاريخي في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة ذلك أنه مصدر السلطات والإمبراطوريات ونقطة ارتكاز وتجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال إفريقيا ولأنه أيضا يتمتع ببنية داخلية تجمعها حاجة استعادة وحدة ماضيه السياسي (..) بالمقابل فإن الجزائر وأجنحتها السياسية تسعى لانتشال نفسها من غموض تاريخي ولإيجاد تمايز بينها وبين المغرب مارسته بفشل. 2- الخلاف الحدودي : المغرب يطالب بحدوده قبل مجيء الاستعمار الفرنسي والتي تمثل معاهدة مغنية 18 مارس 1845 إطارا مرجعيا لها ، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته بمعركة إيسلي في 14 غشت 1844 بسبب دعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري"8. بيبليوغرافيا الكتب : 1- مصطفى أزوكاح : جريدة الأحداث المغربية. 2- محمد بوعوين وعماد توفيق : بحث لنيل شهادة الإجازة في العلوم السياسية . 3- بيان لمنظمة إلى الأمام . 4-جلال ورغي: الجزيرة نط . 5- جيمس ليدل مركز كارنغي الأمريكي لأبحاث السلام. 6- البيان الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة. 7- محمد أقوضاض: كتاب تجليات في الثقافة الأمازيغية. 8- مصطفى الخلفي : الجزيرة نت.