قبل سبعة أعوام، اختار الشاب المغربي عادل بودراع أن يجوب العالم على دراجة هوائية في مغامرة محفوفة بالمخاطر والمفاجآت على خطى الرحالة الشهير ابن بطوطة. واشتهر أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ابن بطوطة) برحلات طويلة بدأها في يونيو 1325 ميلادية من مسقط رأسه مدينة طنجة، واستغرقت حوالي 30 عاما. وجال ابن بطوطة بلدانا في إفريقيا وشبه الجزيرة العربية والشام والعراق وفارس والهند والصين وبلاد التتار وشرق أوروبا والأندلس، وهي بالتقسيم الجغرافي الحديث 44 دولة. بداية الرحلة عندما وصل عادل إلى سن 24 عاما راودته فكرة القيام برحلة طويلة، ليبدأ بتجربة قادته إلى دكار عاصمة السنغال، انطلاقا من مدينته القنيطرة. وقال عادل (يبلغ حاليا 30 عاما): "قبل انطلاق هذه الرحلة منذ 7 سنوات، خضت تجارب أخرى". وبعد عودته من السنغال، استأنف عادل الرحلات داخل المغرب راجلا أو على دراجته الهوائية، ثم فكر في رحلته الحالية التي زار خلالها حتى الآن 40 دولة. صعوبات ومخاطر الاستعداد الدائم نفسيا وبدنيا لمواصلة الرحلة هو عنوان عادل في الحياة، والذي خبر الكثير من العلاقات الإنسانية والتجارب مع مختلف الحضارات. وقال عادل: "حاليا أقطن في معبد بتايلاند ريثما أتدبر أمري في السفر بسبب بقاء بعض التعقيدات في إجراءات السفر". ولا تخلو الرحلة من صعوبات، حيث قال "تعرضت للتوقيف والسجن 3 أيام بسبب دخولي زامبيا بدون تأشيرة". كما أوقفته الشرطة النيجيرية على الحدود مع تشاد، وتدخلت السفارة المغربية في نيجيريا وتم الإفراج عنه، وتعرض لمخاطر طبيعية منها مطاردة فيل له في أدغال إفريقيا، وفق قوله. وكثيرا ما تواجه عادل عراقيل على الحدود، كما حدث له على حدود السعودية، إذ لم يستطع دخول المملكة لعدم تمكنه من الحصول على تأشيرة. لكن ما هي إلا أيام ووصلته من صديق تذكرة طيران فسافر من مصر إلى إندونيسيا، لتبدأ مغامراته الآسيوية. تجارة وفنون قتالية ولتوفير لقمة العيش يمتهن عادل عددا من الأعمال في الدول التي يزورها مثل مزاولته التجارة مع موريتاني في غينيا كوناكري، إلا أن هذه الأعمال لا تدوم طويلا، بحسب قوله. وأوضح: "رغم أني أجد عمل في عدد من البلدان، إلا أن تجوالي الدائم يحول دون ذلك لأن هدفي هو الرحلة وليس الاستقرار، والعمل مرتبط في الكثير من الأحيان بالاستقرار". وأردف: "في عدد من البلدان الآسيوية، أقوم بتدريب الكيغ بوكسينغ والموتاي (فنون قتالية)، حيث عملت مدربا في فيتنام لهذه الرياضة خلال عامي كورونا، حيث أُغلقت الحدود". وأضاف عادل: "في تايوان قمت بإجراء مباراتين احترافيتين في موتاي". وقال إنه كان يمتلك صفحة متخصصة على "فيسبوك" وأغلقها بسبب انتقادات كانت تطاله، واكتفى بصفحته الشخصية، حيث ينشر خواطر وصور الرحلة. وفي فترة جائحة كورونا وإغلاق الحدود بين الدول، كان في فيتنام وراودته فكرة العودة إلى المغرب، إلا أنه وضع الفكرة في ذيل لائحة الأولويات. في الرحلة بقية وبالرغم من أنه زار 40 دولة، إلا أن عادل يتطلع إلى زيارة المزيد من بلدان آسيا، ثم الانتقال إلى أمريكا اللاتينية، قبل العودة إلى بلاده ليدون رحلته الطويلة في أصقاع المعمورة. وتزخر صفحته على "فيسبوك" بتجارب وصور ومقاطع مصورة عديدة تشجع على السفر. وكتب عادل في فيتنام: "قد لا أملك منزلا ولا سيارة ولا مثل هذا التلفاز المتهالك قرب دراجتي، وقد أكون وحيدا في الطريق بدون رفقة، لا أتوفر كذلك على حساب بنكي وأفتقد لأشياء كثيرة قد تبدو للبعض من ضروريات الحياة". واستدرك: "لكن هذا لا يمنع من أنني أعيش حياة سعيدة. فمن هذا الذي قال أن السيارة والمنزل و… من ضروريات الحياة ؟". وعَّدد بعض مميزات السفر بقوله: "تجارب عديدة وأحداث غريبة تختلف باختلاف الأماكن والبشر، وجدت في هذا الكون عطاء غير محدود، أماكن للاسترخاء أمام مناظر خلابة، وديان وأنهار وسط الجبال كأنها لي وحدي". وأردف: "وكذلك فاكهة في الطريق بالمجان، ماء يتدفق من الجبال ويقدم لي نفسه لأروي عطشي، حطب لأضرم النار وخلوة مع الطبيعة تدفع بي للتفكر والتبصر بما يحيط بي في هذا العالم الفريد كأستاذ يحثني على التعلم". وفي تايلاند، كتب عادل أن "الهدف هو التَحْدِيث قدر المستطاع والتخلي عن دائرة الراحة التي تجعل الوقت يمر بسرعة دون أي معنى". وتابع: "حظيت بأصدقاء جدد كانوا لي عونا في بعض الأحيان بل صادفت أناسا آخرين في الطريق كان لهم الفضل بالدفع بي مواصلا رحلتي". وأضاف أن "كل هذه الأحداث التي مضت لم أرتب لها من قبل، بل فاجأتني بها الطريق وأهدتني إياها". وختم بقوله: "كل ما في الأمر أنني كنت مستعدا لكل شيء، بل ومؤمنا إلى حد كبير بأن أمضي طريقي قدما مهما كان الثمن".