شكلت إفريقيا، وتحديدا دول جنوب الصحراء، على مدى قرون طويلة، وجهة مغرية استقطبت الكثير من المستكشفين والرحالة من مختلف الجنسيات الذين تختلف أهداف وغايات ووسائل سفرهم إلى القارة السمراء بتنوع هذه المناطق وغناه من حيث الثقافات والديانات والتضاريس وأنماط العيش وغيرها من الأشياء التي تميز دول الماما أفريكا من دولة إلى أخرى. التحدي والمغامرة ومواجهة خطر الموت هي مسلمات ثلاث من الواجب أن يخضع لها كل من فكر القيام برحلة نحو الأدغال الإفريقية؛ لأن هذه المناطق محفوفة بكل ما يخطر على بال الإنسان من خطر، خصوصا إذا كان الرحالة يرغب في خوض التجربة بمفرده وكان عازما على اكتشاف لحظات من الحياة البرية المختبئة في غابات وصحاري إفريقيا. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه التجارب سابقا تحت سيطرة رحالة أوروبيين وأمريكيين لما تتطلبه من وسائل لوجيستيكية ووقائية وموارد مالية لتغطية مصاريف الرحلة وتجاوز إكراهاتها التي قد لا تنتهي، ظهرت خلال السنوات الأخيرة مبادرات عديدة لمغامرين عرب اختاروا ركوب قطار التحدي نحو براري القارة السمراء بعزيمة وثقة وإصرار، وطبعا من بين هؤلاء شباب مغاربة بصموا على رحلات استثنائية. وفي هذا الصدد، اختارت جريدة هسبريس الإلكترونية أن تسلط الضوء على رحالة مغربي شاب بدأ طوافه لإفريقيا منذ سنة 2018 على متن دراجته الهوائية وبإمكانيات ذاتية بسيطة لم تقف أمام تحقيق حلم رحلة المغامرة التي ما زالت مستمرة إلى حدود اليوم واستطاع من خلالها بلوغ جمهورية تنزانيا. بداية المغامرة السابعة من صباح يوم 15 يوليوز 2018 كانت ساعة انطلاقة رحلة عبد الهادي السكراضي من مدينة كلميم القلب النابض لواد نون نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء، في تحدّ راوده منذ سنوات وعمل كل ما في جهده لتنزيله على أرض الواقع وتجاوز كافة الإكراهات التي ما فتئت حاجزا أمام بلوغ حلمه. يحكي عبد الهادي السكراضي، ذو 24 ربيعا المتواجد حاليا في دولة تنزانيا، في تصريح لجريدة هسبريس، أن مغامرة طواف إفريقيا راودته لمدة طويلة وأجلها لمرات عديدة بسبب وعود كانت قدمت له من طرف بعض الجهات قصد تمويل رحلته وسلك كافة الإجراءات الإدارية المطلوبة منه قبل أن يصطدم بالأمر الواقع بعد اكتشافه لزيف الوعود المقدمة له. وأضاف السكراضي، الذي قدم نفسه للجريدة كدراج هاو، أن هذه الرحلة التي جاءت بعد مثيلة لها جاب فيها المغرب سنة 2017 كانت بدايتها بإمكانيات ذاتية صرفة وبدعم من العائلة والأصدقاء، قبل أن يتمكن من الظفر بدعم بعض المستشهرين بعد أشهر من انطلاق مسيرته الاستثنائية نحو الدول الإفريقية التي بلغت إلى حدود اليوم 23 دولة. إفريقيا رمز الجمال والتعايش وهو يتحدث عن تجربته بإفريقيا فند السكراضي الصورة السوداء المتداولة عن البلدان الإفريقية في وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز وغيرها من المنابر التي تسوق هذه المناطق كبؤرة للحروب والأمراض والمجاعات والعنف والعنصرية تجاه ذوي البشرة البيضاء وما دون ذلك من النقاط السلبية. ووصف الرحالة المغربي إفريقيا ببلد الكرم والتعايش ومنبع الحب والحنان، مشيرا إلى أن مختلف المحطات التي بصم عليها في رحلته قوبل خلالها بترحاب كبير من طرف السكان الذين لم يبخلوا عليه بتعاونهم الدائم سواء كان مأكلا أو مشربا أو ضيافة، مستثنيا السكراضي القلة القلية ممن بيدهم القرار، وفق تعبيره. "صحراء نامبيا والغابات المطرية للغابون وحضارة جنوب إفريقيا، ولكل دولة ومنطقة خصائصها ومميزاتها الخاصة التي تلهم الزائر وتجعله يستقر بين أحضانها ويعيد زيارتها كلما سمحت له الفرصة بذلك"، يضيف السكراضي. نجاة من الموت يقول عبد الهادي السكراضي متحدثا لهسبريس عن أخطر المغامرات التي عاشها في رحلته إنه نجا من الموت المحقق لمرتين متتاليتين؛ الأولى تعرض فيها لهجوم من طرف فيل في بوتسوانا، والثانية تتعلق بحادثة سير تسببت فيها شاحنة من النوع الثقيل كانت على بعد مليمترات قليلة من صدمه قبل انقلابها. يتذكر عبد الهادي بمرارة 23 مارس 2020، ويصفه بأسوء يوم في رحلته بعدما تعرض لهجوم من طرف فيل انتهى بسقوطه وإصابته بكسر على مستوى اليد بعد محاولة منه للفرار. ويوضح المتحدث ذاته هذا الحدث الذي لم يستغرق سوى دقيقتين عاش فيها الرعب تلته ساعة في الجحيم وهو يبحث عن هاتفه الضائع دون أن يعرف مآل يده المنكسرة، قبل أن يحظى بمساعدة من طرف أحد المارة انتهت بنقله نحو أقرب مستشفى على بعد 400 كيلومتر من مكان الواقعة. تشريف المغرب وهو يجوب الأدغال الإفريقية لم يتوانَ السكراضي في خوض تجارب في منافسات سباقات الدراجات الهوائية والتي حمل على عاتقه خلالها تشريف بلده المغرب، وعلى رأس هذه التظاهرات التي شارك فيها سباقان وطنيان للدراجات الجبلية بدولة أنكولا والتي تمركز فيهما ضمن المراتب العشر الأولى. كما شارك الدراج المغربي في 11 سباقا دوليا ووطنيا بجمهورية بوتسوانا بصم فيها على المرتبة الثانية، إضافة إلى فوزه بالمرتبة الأولى بالسباق الدولي المقام بدولة الموزمبيق بعد مشاركة بصم فيها على ثلاثة سباقات وطنية ودولية.