يشكل انضمام كوكبة من السلفيين، ممن درج الإعلام على نعتهم بالسلفيين الجهاديين، إلى حزب سياسي هذا الأسبوع تحولا نوعيا في أنماط التعاطي مع الشأن السياسي لدى جزء معين من التيار السلفي، الذي فتح عينيه حديثا على النقاش السياسي، بعد تجربة الاعتقال من جهة وبعد مرحلة ما يعرف بالربيع العربي من جهة ثانية. ولعل انضمام خمسة أشخاص فقط من السلفيين إلى حزب النهضة والفضيلة، جلهم لم يكن له حضور بل لم يكن معروفا من قبل، يقضي بضرورة التحفظ في الحديث عن تيار سلفي بالمغرب على وجه الحصر. فخلال الفترات الماضية ومنذ خروج العديد من هؤلاء من السجون تم تداول سيناريوهات عدة حول احتمال إنشاء حزب سياسي ذي توجه سلفي، أو الانخراط في إطار حزبي قائم، وجرى كل ذلك وكأن الأمر يتعلق بتيار واسع ذي تصورات واضحة وآراء موحدة حول العمل السياسي والدعوي. ولكن تلك النقاشات أظهرت أن الاختلافات بين الأفراد المنتمين إلى هذا التيار أكثر بكثير من عناصر الاشتراك، بل إن الاختلافات أبانت عن وجود حساسيات شخصية بين أفراد هذا التيار، وخاصة وسط من كانوا يدعون خلال تجربة الاعتقال ب"الشيوخ"، بسبب رغبة كل واحد منهم في لعب دور أكبر من الآخر، والتصدي للانفراد بتمثيلية"التيار السلفي"بالمغرب، وهو ما أحدث نوعا من الانقسام فيما بينهم وصل في بعض الأحيان إلى الانتقاد المبطن غير المكشوف. بيد أن هذه الخلافات ليست جديدة ولم تولد مع خروج هؤلاء السلفيين من السجون، بل كانت لها امتدادات في مرحلة الاعتقال بسبب رغبة كل واحد منهم في انتزاع لقب الزعامة من أتباع التيار السلفي داخل المعتقلات، وامتلاك"المشيخة" التي هي عنصر أساسي في المنظومة المعرفية السلفية، وليس مجرد عنصر مكمل كما هو الحال لدى التيار الإخواني. ولأن مفهوم المشيخة مفهوم علمي بالمعنى الشرعي أي مرتبط بالتحصيل العلمي لصاحبها، فإن القليلين جدا كانوا يتوفرون على المؤهلات الكافية لذلك اللقب، الأمر الذي دفع إلى ظهور حساسيات شخصية فيما بين هؤلاء السلفيين، ظاهرها الاختلاف الطبيعي وباطنها رفض الإذعان لأية زعامة أو وصاية. من هنا يبدو من الصعب الحديث عن تيار سلفي بالمغرب على سبيل الحصر والاستغراق، والأقرب إلى الصواب الحديث عن توجهات سلفية فردية أو عن مجموعات، يجمع بينها جميعها الانتماء إلى المبادئ السلفية الكبرى، لكن تفرق بينها التوجهات الخاصة والتقديرات السياسية. ويعود هذا التعدد بشكل أساسي إلى كون ما يسمى بالتيار السلفي الجهادي لم يظهر إلا بشكل طارئ مع الاعتقالات التي تلت تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003، وهو وصف لم يكن يعكس تيارا بالمعنى الحقيقي للكلمة، بقدر ما كان يعني شبه موجة سلفية تحركها قناعات مختلفة، ذات طابع فسيفسائي غير منسجم، وتفتقر إلى ناظم فكري أو تدين لأدبيات معينة تم إنتاجها بالمغرب، وذلك على عكس التيار السلفي في مصر أو اليمن على سبيل المثال، حيث نجد أن المدارس السلفية لها مشايخها وأدبياتها، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية وهي نقطة لها أهميتها القصوى فإن ما يجرد السلفيين عن صفة التيار، هو كون الذين غادروا السجون لا يتبنون قضية المعتقلين الباقين تحت الاعتقال ولا يدافعون عنهم، لأن من خصائص وجود تيار أن يتم تبني قضايا "أبنائه". ضمن هذا الإطار يمكن تنزيل انخراط خمسة من السلفيين إلى حزب النهضة والفضيلة، فهي مبادرة قام بها أفراد محددون ولا يمكن القول من خلالها بأن أتباع التيار السلفي بالمغرب باتوا مقتنعين بهذا الخيار. بيد أن هذا لا يعني أن هذه المبادرة لا يمكن أن تتوسع، عبر القناعة بالانتماء السياسي إلى أحزاب قائمة، فيما لو حققت التجربة الجديدة النجاح المنتظر الذي من شأنه أن يقنع السلفيين بجدوى الانتماء إلى أحزاب سياسية، طالما أن الدولة لا يبدو حتى اليوم أنها تتوفر على الإرادة في السماح لحزب ذي طابع ديني عقائدي بالظهور. فقد سجل هؤلاء الخمسة الذين يتصدرهم عبد الوهاب رفيقي(ابو حفص) سابقة سوف تحسب لهم، كونهم حسموا النقاش الذي استمر طويلا حول النشاط الحزبي للسلفيين، لكن هذه السابقة سوف تجعلهم تحت المحك بحيث إنها ستضع على كواهلهم مسؤولية إنجاح التجربة لتوجيه رسالة إيجابية إلى باقي السلفيين. غير أن أبعاد هذه المبادرة تتجاوز الجانب الحزبي إلى الجانب الفكري. صحيح أن انتقال السلفيين بشكل عام إلى النشاط السياسي يعد مؤشرا نوعيا على حدوث تحول في بعض التوابث التي كانت تعد من العقائديات في الماضي، ومن جملتها النظر إلى العمل الحزبي على أساس أنه خيانة، وفق المقولة التي كانت رائجة وسط التيار السلفي ومفادها أن"من تحزب خان"، ولكن سقوط هذا التابث لا يعني أن التحديات رفعت من طريق التيار السلفي. فهناك ثقافة انتشرت بفضل الفكر السلفي ترفض الاعتراف بالآخر، الذي ليس بالضرورة أن يكون خارج الدائرة الدينية الإسلامية، وتعتبر قراءتها للنص الديني أو التاريخ الإسلامي هي القراءة السليمة، وترفض الديمقراطية لكنها لا تقدم أي خدمة جديدة ومعاصرة لمفهوم الشورى، وترى في الفن من حيث المبدأ رجسا من عمل الشيطان، وترى في التعددية مكسبا لنفسها لا مكسبا للآخرين أيضا، وتسرع إلى إصدار الأحكام السريعة على الآخرين وتعتبر أن هناك قضايا أغلق فيها باب النقاش إلى الأبد، مما يدفع الكثيرين منهم إلى أن يكونوا أكثر شراسة في النقاش مع المخالفين، كل هذه وغيرها من المثالب والعيوب باتت تشكل الصورة التي انطبعت في الأذهان عن التيار السلفي، والتي لا بد من تصحيحها في أفق إغناء الفكر السلفي بشكل خاص والفكر الديني بشكل عام.