أصبح اليساري الشاب جابرييل بوريك، أصغر رئيس في تاريخ دولة تشيلي، في صعود سياسي غير مسبوق، وترحيب دولي نادر بانتخابه. فمن يكون بوريك بصاحب اللحيته المهذبة؟ عرف بوريك بخطابه المباشر للجماهير الذي استطاع من خلاله أن يكتسب شعبية كبرى في تشيلي، ويكتسح منافسه اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في البلاد، أمس الأحد. وحصل بوريك على 55,86% من الأصوات متقدما ب11 نقطة على منافسه كاست، الذي لم يُخف حنينه إلى ديكتاتورية أوغستو بينوشيه (1973-1990). وفور إعلان فوزه تلقى السياسي الاشتراكي الشاب التهنئة من جانب كثير من الشخصيات اليسارية في أمريكا اللاتينية، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن عدد من قادة العالم. قصة صعود بوريك لمع نجم بوريك مبكرا وهو طالب في الثانوية، يحمل قدرات قيادة أكبر من سنه، فقد اهتم رئيس تشيلي الجديد، وهو من مواليد 1986، في سن المراهقة بالعمل النقابي في المدارس، وشارك بين عامي 1999 و 2000 في إعادة إنشاء اتحاد طلاب المدارس الثانوية في بونتا أريناس. وما إن وطئت قدمه مدرجات الجامعة حتى أصبح مؤهلا للعمل النقابي، فانضم فورا إلى نقابة "اليسار السياسي الجماعي"، وأصبح في ذات الوقت مستشارًا لاتحاد الطلاب في قسم القانون، وذلك عام 2008، ثم رئيسًا له في العام الموالي. خلال سنوات الجامعة أبان بوريل عن قدرات لافتة، وبرز أكثر في الاحتجاجات الطلابية التي بدأت في عام 2011 ، ليصبح أحد المتحدثين الرئيسيين باسم اتحاد الطلاب التشيليين، أكبر نقابة طلابية في البلاد، وتم إدراجه عام 2012، في قائمة 100 من القادة الشباب في تشيلي. هذا التصنيف فتح الباب واسعا أمام السياسي الشاب ليدخل عالم السياسة من بابه الواسع، فخاض في عام 2013 الانتخابات البرلمانية كمرشح مستقل، ونجح بأغلبية كبيرة، حيث حقق أعلى رقم يحصل عليه أي مرشح في المنطقة، التي ترشح منها. أدى بوريك اليمين كعضو في مجلس النواب في مارس 2014، وقضى ولاية حافلة بالنشاط، شغل خلالها منصب عضو في لجان حقوق الإنسان بالبرلمان، وهي فعالية مكنته من إعادة انتخابه في عام 2017 بأغلبية متزايدة، محطما رقما قياسيا جديد في أعداد منتخبيه. تقدم جابرييل بوريك إلى الانتخابات الرئاسية في يوليو الماضي، وفاز بوريك في الانتخابات التمهيدية للائتلاف التقدمي (Apruebo Dignidad)، في مواجهة عمدة ريكوليتا دانيال جادو؛ إذ حصل على ما يقرب من 60 % من الأصوات. عاشق للكتب يتقاسم الرئيس التشيلي المنتخب حياته مع أستاذة في العلاقات الدولية لكنهما غير متزوجين وليس لديهما أولاد. ترعرع برفقة إخوانه الاثنين في عائلة يسارية كانت تصوت دائما لصالح الحزب الاشتراكي. وزاول دراسته في جامعة بمسقط رأسه قبل أن ينتقل إلى كلية الحقوق في العاصمة سانتياجو. ينعم جابريال بوريك على حد قول شقيقه سيمون بوريك بخصال جيدة. فهو رجل "صادق وشفاف ومنفتح على النقاش وتبادل الآراء". وكان يعشق الكتب حيث كان يقرأ بشكل مفرط. وفي هذا الخصوص، قال لوكالة الأنباء الفرنسية: "أشعر بالراحة عندما أقرأ الكتب. أنا ينحدر من منطقة باتاغونيا حيث يبدأ العالم وتلتقي جميع الحكايات والقصص الخيالية في مضيق ماجلان الذي ألهم العديد من الكتاب". مناصر للقضية الفلسطينية على صعيد السياسة الخارجية، يعتبر جابريال بوريك من مناصري القضية الفلسطينية ومعاد للسياسة الإسرائيلية. فقد زار الضفة الغربية في 2018 برفقة نائبين آخرين والتقى آنذاك بالرئيس محمود عباس. ووفق البرنامج الانتخابي لبوريك، يتوقع محللون أن ينتهج أسلوب رئيس فنزويلا الراحل هوغو تشافيس، فيتقرب من كوبا وأنظمة اليسار بأميركا اللاتينية، ويشاكس الغرب وإسرائيل. وكان رئيس دولة فلسطين محمود عباس، اليوم الاثنين من أول المهنئين لبوريك، لمناسبة فوزه في الانتخابات رئيسا لجمهورية تشيلي. وقال الرئيس عباس في برقية التهنئة: "نرفع لفخامتكم وللشعب التشيلي الصديق، باسم دولة فلسطين وشعب فلسطين وبالأصالة عن نفسي، أسمى عبارات التهاني القلبية، متمنين لكم التوفيق والنجاح في أداء المهام السامية الموكلة إليكم، وتحقيق ما تصبون وشعبكم إليه من أهدافٍ وتطلعات وبالمزيد من التقدم والازدهار". وأضاف، "نثمن عالياً دفاعكم المشهود له عن قضايا الحق والعدل والمساواة، تلك القضايا التي تتجسد جلية في القضية الفلسطينية العادلة، وما أبديتموه خلال لقائنا بكم في مدينة رام الله عام 2018، من دعم ثابت وشجاع لشعبنا، واثقين من أن العلاقات التاريخية القائمة بين بلدينا، ستعزز بفضل عملنا المشترك الهادف للارتقاء بها للمستوى الأمثل، وبما يحقق المصلحة المشتركة لبلدينا الصديقين".