تفاعلات علائقية يطبعها الخلل لعل الكثير منا يقر بحجم الخلل الذي يطبع علاقتنا مع الزمن سواء في في معناه البسيط ،أي "الوقت" أو في معناه الفلسفي ذي الأبعاد الشمولية والمركبة . فما بين الزمن اليومي والزمن الحضاري تنتظم تلك المسافة الفاصلة بين الزمنين . وذاك الهدر المنساب على حافتين متوازيتين . اختلالات الزمن اليومي : من الناحية العملية ، يتمظهر هذا الخلل في العديد من تفاعلاتنا العلائقية سواء في شقها الإنساني أو المهني . من منا لا يواجه ولو مرة في يومه إخلالا بموعد أو التزام ؟ هذا إذا لم نقل بأن وجبتنا اليومية من "هدر "الوقت " والمهام المرتبطة به غالبا ما تكون جد "دسمة " و قد يخلق هذا الدسم نوعا من "عسر هضم " عندما يكون ناتجا عن "آخرين " يتعاملون مع وقتهم ووقت الناس باستهتار يردي مجموعة من البرامج في سلة "الهدر والضياع " وما قد ينجم عن ذلك من "ارتباكات "في البرمجة اليومية "لمن يحرص على "أن يكون زمنه زمنا "منتجا " لا "مهدورا .... هدر مركب : ويبدو لي بأن هذا "الاستهتار" في "هدر الوقت " وهدر "الوعود" و"الالتزامات " وما ينتج عن ذلك من هدر في المال وفي الراحة النفسية بل والاجتماعية ، يطرح فعلا مشكلة أخلاقية حقيقية . ويعكس بشكل صارخ الارتباك الحاصل في المنظومة القيمية التي من المفروض أن تنظم العلاقات الاجتماعية ويجعلها منسابة انسياب زمن يحمل معه صفاء تفاعليا وعلائقيا ويشي ذلك من جهة أخرى بفقدان بوصلة الثقة التي تعد من المرتكزات الأساسية لضمان تفاعلات اجتماعية سليمة سواء في شقها الإنساني المحض أو في شقها التجاري والإداري و المهني والاقتصادي ,,,,,الخ فعندما يحل محل الثقة التلقائية الكذب والتماطل والمراوغات والنصب والتحايلات والتضليل مقابل الحذر والتحوط والخوف والتردد و القلق والهوس فما هي طبيعة العلاقة التي سيتم بناؤها مهنية كانت أم إنسانية ؟ والعجيب في الأمر بأن هؤلاء يفرطون في استعمال "الرأسمالات الرمزية لنسج خيوط ثقة سرعان ما يتم "الإخلال بها بعد قضاء الحاجة المتوخاة مثل " الدين "أو "الصداقة " أو "القرابة " أو "الجيرة" وهناك من يتفانى في استعراض مظاهر "التدين" لكسب ثقة "زبون " سرعان ما يتحول لضحية ثقته . وقد يدل كل هذا على حجم التردي لأنهم يجازفون بأمور غاية في "الرفعة والسمو "من أجل "غايات جد ضيقة "وبدون أي احترام لحيثيات الثقة والتعاقدات الناجمة عنها . الاستهتار بالتزامات المعنوية ظاهرة : ولعل الأمر أكبر من "حالات معزولة " يمكن أن نغض عنها الطرف . فتعاملاتنا مع الإدارة يطبعها التماطل والتسويف .علما أن هناك ضوابط يمكن الالتجاء إليها لضمان الإنجاز في الحالات القصوى لكن هناك مجالات لا تخضع لأي تقنين وتعتمد عنصر "الثقة فقط " مثل تعاملاتنا مع كل أنواع الحرفيين التي كانت بالأمس القريب تعتمد على "الكلمة فقط" وبما أن الكلمة تم تفكيكها لحروف متناثرة سرعان ما تتطاير فوق رؤوس أصحابها فإن التعامل مع هؤلاء ( مثل النجارة أو الخياطة أو الحدادة أو البناء ,,,,,الخ أصبحت مجازفة حقيقية أمام انعدام أي تنظيم واضح لهذه المهن وممارستها وبالتالي فإن أي مهمة يراد إنجازها لا بد ان تصاحب بالكثير من هدر "الوقت "و "الأعصاب " اللهم إلا استثناءات بسيطة . فالحرفي يتعامل بمنطق "تمسكن حتى تتمكن " ويفرط في توظيف الخطاب الديني لكسب الثقة قبل الشروع في المهمة وبمجرد ضمانها يتحول إلى "مستبد " حقيقي ، حيث لا ينهي مهمته في الوقت المتفق عليه و قد يتركها في "طور الإنجاز " ويختفي بدون أي شرح كي يبدأ "شغلا آخر "في مكان آخر ,,,,,تاركا الزبون الاول فريسة للانتظار والقلق و,ارتباك برنامجه ومزاجه ووو ,,, وقد تضاعف "مدة الانتظار المتفق عليها بعشرات المرات ,,,,بل قد يختفي الحرفي نهائيا بعد أن أخذ العربون من صاحبه ,,,,وهكذا دواليك الخلاصة : عندما تقضي يومك في تدبير اختلالات سلوكية لناس لا يحترمون وعودهم ومواعيدهم والتزاماتهم ,,,,, فالخلل أكبر من هؤلاء ......وأعمق من هؤلاء ,,,, هؤلاء الكائنات التي لا تتحكم في أمور كهذه تشبه تلك القشة من التبن التي تتقاذفها أمواج الحياة تارة يمينا وتارة يسارا ,,,, وعندما تكون الحمولة الديموغرافية لهرمنا السكاني مثقلة بهكذا "كائنات" "قشش" ,,,,فلا نحلم بشيء أحسن مما نحن فيه : بؤسا مركبا على جميع الأصعدة . وبالتالي فعندما نحسم علاقتنا مع الزمن ،ونقرر أن نوجد هنا والآن ، ونحتكم إلى معايير عصرنا مثل باقي الأمم ,,,آنذاك سنستحق الانتماء لهذا العصر .وإلى ذلك الحين ألف سلام على "زمننا المهدور " على حافة "بحار الضياع " وما أكثرها ......