أجرى موقع "لكم. كوم" استطلاعا للرأي ما بين فاتح و سابع أبريل2013 حول مدى صحة تحكم جهات مقربة من الملك في المعارضات البرلمانية والحكومية ، وتوجيهها ضد حكومة عبد الإله بنكيران. تقول صيغة السؤال موضوع الاستطلاع : "هل تعتقد أن هناك جهات مقربة من الملك تحرك جبهة المعارضات البرلمانية والحكومية ضد حكومة بنكيران؟". بلغ عدد أفراد العينة الذين تفاعلوا مع الاستطلاع6168 مشارك. وبينما وصلت نسبة الذين صوتوا بالإيجاب 71.7 % فإن 28.3% فقط أجابوا بالسلب، أي أن الرأي العام الذي شارك في هذا الاستطلاع يعتقد في غالبيته أن المعارضات البرلمانية والحكومية مستعملة و موجهة من طرف جهات مقربة من الملك ضد حكومة بنكيران . ترى ما هي الدلالات السياسية التي تعبر عنها هذه الأرقام ؟ وإلى أي حد توجد في الواقع معطيات ومؤشرات بإمكانها أن تضفي مصداقية على نتائج هذا الاستطلاع ؟ لعل الحديث عن المعارضة في الاستطلاع بصيغة الجمع قد يبدو لأول وهلة، مثيرا للدهشة نظرا لارتباط مفهوم المعارضة في أذهاننا بصيغة المفرد ،بحيث أننا نعتقد أنه في مقابل الأغلبية الحاكمة ، لا يمكن أن توجد إلا معارضة مؤسساتية واحدة ومن خارج الحكومة بالطبع. وإذا كان هذا صحيحا في الديمقراطيات العريقة، فإن الأمر لدينا في المغرب يختلف كثيرا، لأن المعارضة معارضات، ليس من داخل البرلمان فحسب، بل وحتى من داخل الحكومة ذاتها. لهذا يمكن القول إن موقع "لكم. كوم" قد توفق مرة أخرى ، في طرح إشكالية سياسية مناسبة في الوقت المناسب . هذه الاشكالية الغريبة التي ما فتئت تثير مزيجا من الريبة والتساؤل لدى العديد من القراء والباحثين والفاعلين السياسيين. وأعتقد أن هذا هو السياق الذي يمكن من خلاله وعلى ضوئه ، أن نقوم بقراءة وتأويل النتائج التي أفرزها هذا الاستطلاع للرأي حول خبايا المعارضة المؤسساتية بالمغرب. أولى هذه المعارضات تلك التي يتولاها الفريق الاشتراكي في البرلمان بغرفتيه. هذه المعارضة التي تمثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الحزب العتيد الذي أصبح يجر وراءه الأثار السلبية لثلاثة عشر سنة من العمل الحكومي ، ولأزمة الهوية التي طرأت عليه ، إثر انتخاب إدريس لشكر كاتبا عاما للحزب ، وما صاحب ذلك من شبهات تمس باستقلالية القرار الحزبي . ما يميز هذه المعارضة أنها تقتصر على تصيد هفوات و أخطاء حكومة بنكيران ، في حين أن المأمول منها في إطار المعارضة البناءة ، اقتراح برامج اقتصادية واجتماعية متكاملة يمكن أن تشكل بديلا حقيقيا لما هو قائم . و بما أن رئيس الحكومة لا يمارس إلا قسطا من سلطة التعيين في المناصب العليا و من السلطة التنفيذية المخولة له دستوريا (مادام أنه " مجرد رئيس حكومة " على حد قوله ، وما دام أن "تنزيل الدستور هو من صلاحيات صاحب الجلالة" )، فإن ما يتخد من قرارات و إجراءات في إطار ما يتبقى من هاتين السلطتين ، لا تناله معارضة ، و لا يثير مساءلة ، ولا يستوجب نقدا . ومما يعمق أزمة هذه المعارضة ، ما تعانيه من تمزق بين تيارين : تيار إدريس لشكر وتيار أحمد الزايد ي . الأول لا يتورع من التنسيق حتى مع الاحزاب التي كان إلى وقت قريب ينعتها بالإدارية . وهذا ما تسنى له على الأقل في مجلس المستشارين مع منسق "المعارضة" المثير للجدل محمد ادعيدعة . أما التيار الثاني فيرفض أي تنسيق مع هذه الأحزاب انسجاما مع هويته السياسية والإيديولوجية. ومن باب " وشهد شاهد من أهلها " ، ينبه حسن طارق عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، من انخراط الاتحاد الاشتراكي في معركة يصفها ب"البهلوانية" اتجاه الحكومة مؤكدا "أن الذين يحاربون بنكيران اليوم ، هم من حاربوا أمس الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، وهي حرب مرتبطة بضمان استقلالية القرار الحزبي". وخاطب إدريس لشكر ، بمناسبة اليوم الدراسي للفريق الإشتراكي بالبرلمان ، قائلا "لا نريد أن يشكل الاتحاد امتدادا للسلطوية أو الأصولية ، فلسنا يمين الدولة أو يمين حزب العدالة والتنمية ". ورفض القيادي الاتحادي تحالف حزبه مع "الأصالة والمعاصرة "، مبرزا أن ذاكرة المغاربة ليست قصيرة ، و أن التفوق الأخلاقي الذي يتمتع به حزب العدالة والتنمية سيزداد بهذا النوع من التحالفات الغامضة . و اتهم جهات داخل الدولة لم يسمها ، بمحاولة الالتفاف على ما حققه الشارع من مكتسبات بفضل حركة 20 فبراير ، وبممارستها لسلطوية ناعمة ضد استقلالية القرار الحزبي . أما الصنف الثاني من المعارضة البرلمانية فهو الذي يمكن الاصطلاح عليه ب"المعارضة الموجهة ". وتحمل لواءها مجموعة من الأحزاب التي عادة ما تنعت بكونها " إدارية " ( "الأصالة والمعاصرة " ، "الاتحاد الدستوري" ، و " التجمع الوطني للأحرار" ) ، في إطار حرصها الدائم على سيادة القرار الذي لا ينبثق من صناديق الاقتراع، وعلى مقاومة أية محاولة للتغيير الديمقراطي الحقيقي . الهدف الرئيسي لهذه "المعارضة" هو إفشال التجربة الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بكل الوسائل الممكنة. وللتذكير فإن هده الأحزاب الثلاثة ، هي التي شكلت النواة الصلبة "للتحالف من أجل الديمقراطية" المعروف اختصارا ب"ج8" ، بالإضافة إلى حزب الحركة الشعبية وخليط آخر غير متجانس من أربعة أحزاب صغرى ، والتي لم يكن يجمعها آنذاك إلا هدف مشترك واحد ، هو مواجهة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011. وبالإضافة إلى هذين الصنفين من المعارضة البرلمانية، نجد نمطا آخر من المعارضة لا يخلو من غرابة وسوريالية ، ألا وهو صنف المعارضة من داخل الحكومة ، والتي يمثل حزب الاستقلال نموذجا لها ، خاصة بعد انتخاب حميد شباط أمينا للحزب وتقديمه لمذكرة المطالبة بالتعديل الحكومي إلى عبد الإله بنكيران . أجل ، أن تقوم بعض أحزاب التحالف الحكومي بالتعبير عن اختلافها بصدد بعض القرارات أو الإجراءات الحكومية المتخذة ، فهذا مما يمكن إدخاله في باب الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية. ولكن أن يتطور الاختلاف في الأفكار إلى خلاف سياسي ، و يصبح انتقاد التدبير الحكومي انتقادا ممنهجا ومنسقا وربما متحكم فيه ، فهذا أمر ينقض بالتأكيد مبدأ التضامن الحكومي. ويندرج في هذا الإطار ما كتبته جريدة "العلم " (عدد 6-7 أبريل 2013) في مقال عنونته "الخط الأحمر الاستقلالي"، من إن "بنكيران كان يصر على الزيادة في أثمنة الماء والكهرباء، بعد الزيادة في المحروقات، فرفض حزب الاستقلال ذلك رفضا باتا ، ترجمه موقف الأمين العام الأخ حميد شباط، حين قال: هذا خط أحمر، الشيء الذي جعل قرار الحكومة يراوح مكانه." وارتباطا بما سبق ، يخلص فؤاد القادري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال إلى القول " إن الملك وحزب الإستقلال هما خلاص المغرب " . هكذا يمكن أن نقول إن حزب الاستقلال قد شرع في استعمال لغة الخطاب الانتخابي ، مقترحا على الحكومة التي يشارك فيها حلا لآفة البطالة ، لم يكن متضمنا لا في البرنامج الحكومي ولا في القانون المالي لسنة 2013. البرنامج الاقتصادي الجديد لحزب الاستقلال ، والذي صادقت عليه اللجنة المركزية للحزب خلال اجتماع 30 مارس الأخير، يرمي إلى إحداث 80 ألف منصب شغل في الوظيفة العمومية على مدى ثلاث سنوات المقبلة. هذا التصعيد غير المسبوق من طرف المعارضة من الداخل ، سيتوج على لسان حميد شباط عندما سينعت في اجتماعه الأخير مع فريقه البرلماني ، حكومة بنكيران ب"حكومة دولة المماليك" مادام أن " كل وزير فيها يفعل ما يريد دون تنسيق ولا رؤية موحدة ". بعد ذلك ، وفي ما يشبه نوعا من توزيع الأدوار و تنسيقها ، سيدخل على خط المعارضة من الداخل ، الأمين العام للحركة الشعبية امنحد العنصر، الذي انتقد بعض القرارات الحكومية، مثل الزيادة في الأسعار والطريقة التي يتم بها تدبير مسألة صندوق المقاصة. وطلب من أعضاء فريقه البرلماني العمل على بلورة موقف موحد لمواجهة التطورات المحتملة ، و التي يمكن أن يؤدي الحزب ضريبة السكوت عليها. وبالإضافة إلى ذلك ، قال رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب إنه لا يمكن السكوت على تمادي الحكومة، و خاصة الحزب الذي يترأسها ، في الكذب على الشعب. وأضاف أن المغرب ليس في حاجة اليوم إلى انتخابات بل إلى أفعال لصالح المغاربة. إن المتتبع للحياة السياسية المغربية لا يسعه إلا أن يلاحظ أن مسألة المعارضة لم يسبق أن شابها هذا القدر الهائل من الغموض و اللبس بل و التناقض ، إن على مستوى الممارسة أ و على مستوى الخطاب، بحيث أننا نكاد لا نتبين من يعارض من سواء داخل قبة البرلمان بغرفتيه أو داخل الحكومة. كما أن الملاحظ لا يفوته أن يسجل المفارقة التالية : ففي الوقت الذي كانت فيه المعارضة الاتحادية معارضة حقيقية و قوية ، لم تكن السلطة تألو جهدا من أجل إضعاف شوكتها (يمكن أن نذكر هنا تجربة السجن بمدينة ميسور سنة 1981، والتي عانى منها كل من عبد الرحيم بوعبيد و محمد الحبابي ومحمد اليازغي، بعد موقفهم الرافض لقرار الحسن الثاني القاضي بإجراء استفتاء حول الصحراء .هذا ناهيك عن انسحاب النواب الاتحاديين ال15 من البرلمان عقب اتخاذ هذا الأخير قرارا بتمديد الولاية البرلمانية لسنتين أخريين بعد أن كانت الولاية قد انتهت في 8 أكتوبر 1980) . أما في الوقت الراهن ، وخاصة مع ظهور حركة 20 فبراير ، و التي كان من نتائجها غير المباشرة صعود نجم العدالة والتنمية، فإن العكس هو الصحيح، بحيث أن السلطة أصبحت تتعامل مع الحكومة تعاملا لا يخلو من ازدواجية واضحة. فهي من جهة تراهن على حكومة عبد الإله بنكيران من أجل تجاوز منطقة الخطر التي خلقها الربيع الديمقراطي المغربي غير المكتمل ، ومن جهة أخرى فإن السلطة لا تريد أن يؤدي ذلك إلى زياد ة شعبية الحزب الذي يقود الحكومة . من هنا يمكن أن نفهم دلالات الخطاب الرمزي الذي كثيرا ما يضطر عبد الإله بنكيران إلى استعماله ، مثل حديثه عن "التماسيح والعفاريت" وأخيرا "الفلول" ، التي تعرقل مسيرة الإصلاح التي يقودها حزبه . هده اللغة الملغزة ، يمكن أن نضيف إليها عبارة "الأركسترا المتهالكة "التي أطلقها عبد العزيز أفتاتي القيادي البارز بحزب العدالة والتنمية ، عندما قال إن ما هو معلن ليس مواقف شركائه بالحكومة ، وأنه يعرف جيدا من يحرك هذه "الأركسترا". وللتذكير فقط فإن الحديث عن هذه الفئة من الفاعلين السياسيين "الأشباح" ليس جديدا ، فقد سبق للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أن تحدث عن "جيوب المقاومة" التي كانت تعرقل مسلسل التغيير الذي كانت تباشره حكومة التناوب التوافقي على عهد ه . و يمكن أن نختم هذه القراءة لاستطلاع الرأي الذي أنجزه موقع" لكم .كوم" في الفترة مابين فاتح و سابع ابريل 2013، بالقول إن المعارضة الاتحادية والمدعومة ببعض التوجهات النقابية الديمقراطية، تتسم بكثير من الغموض والتذبذب، وبالتاي فإنها تبقى عاجزة عن المساهمة في إقامة التوازن المأمول بين مختلف القوى المتصارعة في الحقل السياسي المغربي الراهن . لهذا يمكن القول إن نتائج الاستطلاع المشار إليها أعلاه ، تساءل بقوة و إلحاح المعارضة الاحتجاجية أو معارضة الشارع ، والمكونة أساسا من مختلف القوى الحية في المجتمع، من حركة 20 فبراير إلى اليسار المناضل، مرورا بهيئات المجتمع المدني ذات الطابع النضالي ، وجماعة العدل والإحسان، وبعض المواقع الالكترونية المستقلة . فإلى أي حد يمكن لهذه القوى أن تشكل البديل السياسي القادر على خلق ميزان قوى جديد في الحياة السياسية المغربية؟