"ماجدوى أن تربح العالم وتخسر نفسك"(المسيح) استمدت الحياة باستمرار حمولة معناها تبعا لجدليات الربح والخسارة،بناء على السؤال الأنطولوجي المؤرق: ما الأشياء التي حققتها على امتداد سنوات عمري وأشعرتني؛ فعلا غاية الآن بقيمة مضافة،ثم على العكس من ذلك ماهي حصيلة خساراتي؟ معادلة تلامس استفسارات عدة،تمس ثبات لعبة المفاهيم الجارية على الألسن : ما الحياة؟مامعنى أن أكون ضمن سياق الهوية الجاهزة؟لماذا يلزم تقويم معنى الحياة بهذه الكيفية أو تلك؛دون غيرهما؟ما المقصود بحياة ظافرة مقابل أخرى خاوية الوفاض؟ما الخلاصة التي تفوض لك قول ذلك وأنت واع بكل حيثيات ماجرى؟ باستثناء مايحدث يوميا ضمن سيرورة تأملات صفوة رعاة الفكر،المدققين بشجاعة في تجليات مصيرها الوجودي دون سلطة مقدمات جاهزة ولا نهايات ماثلة،تنكب في المقابل أغلبية الناس على طَبَق حياتها بكيفية منقادة،دون أدنى ارتياب أو مجرد ترك مساحة شاغرة؛ ولو كانت ضئيلة جدا،بهدف إحداث تلك الفجوة التي يتسرب عبرها نور وعي مختلف،وكأن لسان حالهم مستمر في إلحاحه على شعار،أن الحياة هي الحياة،ولاداعي للمزايدة. غير أنه،إبان تجليات المواقف الحياتية الصادمة؛المفجعة أساسا،يحدث انقلاب بل خلخلة عنيفة في بنية تمثلات الفرد حول بداهات الحياة مثلما اعتادها،وربما خلالها تتحقق تلك الوقفة التي يهتز معها نسق ملكوت اليقينيات المتراكمة غاية تلك اللحظة.بالطبع،مضمون هذه اللحظة،لايكون دائما وقعها خفيفا على جميع الرؤوس،بل شديدا،مثلما لاتأخذ كذلك أبعادها الوجودية وبالكيفية التي ينبغي لها عند الجميع.تفسير التباين،مصدره مرجعيات الفرد وكذا طبيعة تصوره للأحداث. خلاصتان، أظنهما حسب رأيي الشخصي،مقومين أساسيين بخصوص لعب لعبة الحياة، كي ينهيها الشخص سليما معافى دون خسارات مهولة،أو على الأقل،دون ثقل ذاكرة مثخنة بالجروح النفسية :أولا، اللايقين وعدم الاطمئنان. ثانيا،الإنصات العميق لاختيارات الذات. فيما يخص الإشارة الأولى،نولد غالبا صدفة نتيجة تدفق عابر لحيوان منوي،وقليلا جدا؛إن لم يكن استثناء تبعا لمشروع أو قصد حقيقي،بمعنى تطلع الأنا كلِّية نحو أن يكون لها آخر،لذلك فصرخة البداية المدوِّية،كما أوَّلها الفلاسفة الإنسانيون،تمثل تعبيرا جليا عن رفض صريح للتحول نحو المجهول.لأن الأسفار تظل مجازفة، أولا وأخيرا. حينها،وبهدف تدارك الخطأ من طرف مسؤولي الانبثاق أقصد الآباء،تبدأ المداواة بأوهام اليقين والاطمئنان عبر ترميم أولى تداعيات السقطة الوجودية،بسطوة لغة تستدعي جل ممكنات اليقين والاطمئنان؛ قصد تحقيق المصالحة.هكذا،تتبلور ضمنيا أولى الخطوات، صوب الوقوع أخيرا بين براثين تصور غير صحيح لأسطورة الحياة. تصور،يدحض الثالوث المفهومي الذي شكَّل باستمرار تقويما مألوفا لمجريات الحياة :السعادة، التفاؤل، التشاؤم.بحيث يلزمكَ حسب السائد أن تكون سعيدا،نتيجة فاعلية كمية التفاؤل.لكن مامعنى سعيدا :ابتسامة دائمة ترسمها على محياك؟انسجامكَ مع الظروف؟ إقبال على مايجري؟تملَك أسباب التسيّد على الآخر(مال/سلطة/رمزية...)؟.بالتأكيد،يظل المفهوم نسبيا، يتعدد ويختلف لدى الفرد الواحد، بل أكثر من ذلك،أبانت التجربة الحياتية كما رويت وتروى،بأن وازع السعادة يمثل بعد كل شيء،واحدا من أكبر الأوثان والأصنام التي اختلقها الإنسان لذاته،منذ فجر الحياة كي يستسيغ عن طيب خاطر هذا الوهم الكبير ويتجرع باسما ترياق المكابدة. هذه السعادة العالقة مفصليا بمحدِّدي التفاؤل أو التشاؤم،مثلما أسَّس تراثها ترسّخ ثقافة مجتمعية تطمئن باستمرار إلى طمأنينة الأحادية الجاهزة،هكذا تتبلور ببساطة علاقة هندسية أحادية الاتجاه، قوامها حدَّي المعادلة التالية : تفاءل،تأتيك السعادة زاحفة من كل حدب وصوب! التشاؤم،يفتح عليك أبواب جهنم مشرَّعة جملة وتفصيلا ! ثم،أضحى التصور أكثر ابتذالا وميوعة وغباء،مع التوجهات التجارية لما بات يعرف منذ سنوات ببرامج التنمية الذاتية،وقد اختزلت اختزالا،حقائق الوجود البشري وفق أبعادها التراجيدية الموغلة في التعقيد واللافهم؛إلى مجرد وصفات صباحية خفيفة سرعان ماتعطي مفعولها مساء. أما بخصوص الإشارة الثانية،فيؤكد حقيقتها بكيفية لالبس معها،أن الهوية المحددة لمصير الإنسان في هذه الحياة،تحمّله أوزار مصيره وحيدا،منذ ولادته غاية رحيله.بما أن واقع حاله كذلك،فلا رهان له سوى على ذاته،لأنها الملاذ والمنتهى.