قال سفير فرنسا في الرباط، شارل فريز، في اجتماع عقده يوم الجمعة الماضي مع رؤساء اللجان بمجلس النواب، كما تناقلت ذلك بعض الصحف الوطنية " إن المغرب ممثلا في وزير خارجيته، سعد الدين العثماني، قام بعمل كبير في دعم جهود فرنسا في إعادة الاستقرار إلى مالي" . كما استنكر سفير الجمهورية الفرنسية في الوقت ذاته " تغطية الصحافة الوطنية للتدخل الفرنسي في ذلك البلد" إذا صح الشق الثاني من كلام المسؤول الدبلوماسي الفرنسي الأول في المغرب، فكلامه ينطوي على سلوك غير ودي، ولا ينبغي القبول به، أو التعامل معه كما لو أنه شطحة دبلوماسية، أو فلتة لسان عابرة وغير مقصودة . الكلام المنقول عن الرجل، قيل من داخل مؤسسة دستورية لها قيمتها السياسية، وفي حضور عدد من ممثلي الأمة، الذين يفترض فيهم، أنهم يجسدون السيادة الشعبية، ويمثلون ضمير الأمة وصوتها. ليس عيبا، أن يشكر السفير الفرنسي في المغرب " شارل فريز" الدعم الرسمي المغربي لجهود فرنسا فيما أسماه بإعادة الاستقرار في مالي، لكن أن يتهجم على الصحافة الوطنية، ويستنكر تغطيتها وقراءاتها المتعددة والمتنوعة، لما يجري اليوم في مالي من تدخل عسكري فرنسي دون استنفاد كل الوسائل والخيارات الدبلوماسية الممكنة، فهذا فعل ينطوي على مصادرة صريحة لحرية الرأي والتعبير، وفيه تدخل غير مقبول في عمل الصحافة في المغرب. كما أنه ينم على نرجسية دبلوماسية، لا تختلف عن نرجسية الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، الذي سبق له وأن خير العلم بين دعم أمريكا " الخير" أو مساندة الإرهاب" الشر". إذا كان السفير الفرنسي، شارل فريز، يعتقد بان هجوما لفظيا عنيفا، على الصحافة المغربية من داخل البرلمان المغربي، قادر على إسكات صوت الصحافة في المغرب، وتحويل أقلام الصحفيين إلى أبواق للدعاية الفرنسية، تقوم بترديد روايات "الاليزيه" بشأن الحرب التي تخوضها فرنسا ضد المجموعات الإرهابية المتطرفة في شمال مالي، فاعتقاده خاطئ، ومسعاه خائب، وفعله كمن يريد أن يحرث البحر. ومن باب التذكير فقط، نقول للسفير الفرنسي في المغرب، والذي سبق له أن جالس بعض نشطاء حركة 20 فبراير في أوج عطاء هذه الحركة بعد استئناف تظاهراتها الاحتجاجية ضد الفساد والاستبداد مند 20 فبراير 2011، بأن استنكاره للكيفية التي واكبت بها بعض الصحف الوطنية، التدخل العسكري الفرنسي في مالي ، مردود عليه، بالمواقف المعبر عنها في صحافة أوروبا، بل وفي تصريحات رسمية لبرلمانيين أوروبيين من داخل البرلمان الأوروبي تناقلتها عدة مواقع بالصوت والصورة. المادة 41 من اتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي للعام 1961، تلزم جميع الأشخاص الذين يستفيدون من امتيازاتها وحصاناتها، باحترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها , وتفرض عليهم واجب عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدولة. وإلا، فان تدخلاتهم ومواقفهم الغير ودية ستجعل منهم أشخاصا غير مرغوب فيهم. مثل هذا الوضع، لا نريده للسفير الفرنسي في المغرب، حتى وان كنا مقتنعين بأن طبيعة العلاقات الفرنسية المغربية، وهي علاقات تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، لا يمكن أن تصل إلى هذا الحد، مادام أن المنطق في العلاقات الدولية يتأسس على المصلحة، ومصالح المغرب تبعا لهذا المنطق، لا يمكن التفريط فيها لمجرد زلة لسان صادرة عن سفير معتمد لديها. وبما أن السفير الفرنسي، شارل فريز، قد أثنى على المواقف المعبر عنها من قبل وزير خارجية المغرب، قبل أن يعطي الدروس للصحافة الوطنية، ويدعوها إلى استيعاب العمليات العسكرية الفرنسية في مالي، والهادفة إلى انقاد البلاد من الانهيار بحسب الرواية الفرنسية، فلا بأس من تذكيره، بأن وزير خارجية المغرب، الأستاذ سعد الدين العثماني، سبق له وأن أكد في حديث خاص لجريدة الشرق الأوسط على "أن المغرب يدعم حكومة مالي سياسيا وتنمويا وإنسانيا واقتصاديا، من أجل أن تتجاوز مشكلاتها الراهنة، بيد انه لا يمكن أن يدافع على مالي إلا مالي نفسها-حسب نفسه- والمبدأ العام هو ضرورة الحفاظ على استقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وفق ما نص عليه قرار مجلس الأمن، وليس التدخل الفرنسي، حيث إن الأولى أن تكون هناك قوات افريقية تدعم حكومة مالي، وترفع إمكاناتها الأمنية، وليس التدخل الفرنسي، مقترحا في هذا الصدد إجراء انتخابات نزيهة ذات مصداقية تنشأ من خلالها مؤسسات جديدة" ولرفع اللبس أكثر عن سعادة السفير المحترم، نؤكد له، بأن الموقف الرسمي المعبر عنه من قبل الخارجية المغربية رسميا، لا يمكن له أن يلغي بأي حال من الأحوال، باقي المواقف والآراء المعبر عنها من قبل المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمثقفين والكتاب والصحفيين، سواء أكانت تلك المواقف، مؤيدة للتدخل العسكري الفرنسي في مالي، أو رافضة له، أو متحفظة عليه لاعتبارات لها علاقة بشرعية القرار أو توقيته أو تناسبه ولزومه، بالنظر إلى الخطر المحدق باستقرار مالي، وأمن دول الجوار في الساحل والصحراء، وهو الاستقرار الذي يهمنا كمغاربة، أمنيا وجيواستراتيجيا، لكن من دون وصاية أو حجر على الحرية في رؤية الأمور وتقييمها، لأنه بكل بساطة لا يمكن للمغرب أن يعود للوراء من أجل إرضاء نزوة دبلوماسية لسفير، أتمنى أن يعتذر للمغاربة، إذا كان الكلام الذي نسب إليه من قبل الصحف دقيقا.