تنتظر حكومة الإسلاميين التي مازالت تحتفظ نسبياً بشعبيتها في المغرب بعد عام على قيادتها التحالف، لحظات عصيبة بعد قرارها القيام بإصلاحات اجتماعية صعبة، من بينها اصلاح صندوق التقاعد خصوصا الإلغاء التدريجي لنظام دعم الأسعار. وتباحث رئيس الحكومة المغربية وأمين عام حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبدالاله بنكيران، الاربعاء الماضي، مع النقابات الكبرى حول المستقبل «الأسود» لصناديق التقاعد في المغرب. وسبق لبنكيران أن صرح خلال جلسته الشهرية في سبتمبر الماضي أمام مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، بأن نظام التقاعد الحالي قد بلغ مداه الأقصى، معطيا المثال بالصندوق المغربي للتقاعد الذي «سيستنفد مدخراته بحلول 2021، ما لم يتم إصلاحه عاجلاً». وحل أزمة الصندوق يتطلب سيناريوهات عدة مازالت الحكومة تتدارس طريقة تطبيق أحدها أو بعضها، ومن بينها رفع سن التقاعد الى 67 سنة بدل 60 حاليا، أو رفع مساهمات الموظفين ومساهمات الدولة والخواص، أو دمج أنظمة التقاعد الحالية. ووعد بنكيران بأن حكومته «لن تتراجع عن الاصلاح، مهما كلف ذلك من ثمن»، لكن التحدي الأكبر بالنسبة للحكومة المغربية التي يقود تحالفها الإسلاميون يبقى «صندوق المقاصة» المخصص لدعم استقرار أسعار المواد الأساسية والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ويعتبر هذا الإصلاح «ملحاً» حسب فريق من صندوق النقد الدولي، الذي زار المغرب أخيراً. وسبب ضرورة عملية الإصلاح يعود بالأساس الى الأرقام الضخمة المدفوعة من ميزانية الدولة لدعم أسعار كل من المحروقات (النفط والغاز)، والمواد الغذائية الأساسية (الدقيق والسكر). وأنفقت الحكومة خلال 2012 حسب الأرقام الرسمية نحو 53 مليار درهم (نحو خمسة مليارات يورو)، مقابل أربعة مليارات درهم فقط (350 مليون يورو) في 2002. ومثل المبلغ المخصص للدعم 20٪ من ميزانية المملكة المغربية خلال 2012، بما يعادل 6٪ من الناتج الداخلي الإجمالي، وهي نسبة تقارب نسبة الدين العام في المغرب. لكن ملف إصلاح «صندوق المقاصة» أو نظام الدعم قابل للانفجار في أي لحظة، لأنه يؤدي بالضرورة الى ارتفاع غير متحكم فيه لمختلف أسعار المواد التي تعتمد في تصنيعها وتوزيعها على المواد الأساسية المدعومة من طرف الصندوق. والنتيجة الأولى المترتبة عن ارتفاع الأسعار حسب الدراسات المنجزة من طرف الحكومة، اقتصادية، حيث ستبلغ نسبة التضخم في الاقتصاد المغربي 7٪، بدل من 2.5٪ خلال 2012. أما النتيجة الثانية فستكون اجتماعية، ما دام الصندوق كان بمثابة ضامن للاستقرار الاجتماعي عبر مساعدة الفقراء بطريقة غير مباشرة، عن طريق دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. وبرزت آخر بوادر التوتر الاجتماعي المرتبط بارتفاع الأسعار نهاية ديسمبر الماضي، حينما اندلعت اشتباكات في مدينة مراكش بين متظاهرين ضد غلاء أسعار المياه والكهرباء وقوات الأمن، انتهت أخيراً بالحكم على 10 من المحتجين بما مجموعه 23 سنة سجناً. ويعتبر مدير مركز «جاك بيرك» للدراسات الاجتماعية في العاصمة الرباط بودوان دوبري، ان «إصلاح صندوق المقاصة يعد قبولاً بدفع ثمن اجتماعي باهظ من جهة، وسيؤدي إلى دفع ثمن سياسي من جهة ثانية». لكن «ليس أمام حكومة الإسلاميين خيار آخر»، حسب بودوان، الذي يرى ان السؤال الأساسي هو حجم وتداعيات الإصلاح المقترح من الحكومة. ولإصلاح نظام الدعم وضعت سيناريوهات عدة قدمها الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف الشؤون العامة والحكامة نجيب بوليف الى بن كيران. وبحسب مصدر مطلع على ملف اصلاح صندوق المقاصة، فإن النماذج المقترحة لهذا الإصلاح تهدف أساساً الى اعتماد سياسة الاستهداف المباشر للمستفيدين من الدعم «عن طريق تقديم مبالغ مالية مباشرة الى الطبقات الفقيرة والهشة». ويقول مصدر دبلوماسي «إن هذا الإصلاح هو بمثابة اختبار للاسلاميين». في المقابل شحذت المعارضة انتقادها قبل عرض المشروع للنقاش العمومي، أما المحلل السياسي محمد مدني فيرى انه على الرغم من أن «هوامش التحرك قليلة» بالنسبة للإسلاميين، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تأثيرا في شعبيتهم. ويذكر مدني بنتائج الانتخابات التشريعية الجزئية في اكتوبر الماضي بكل من مدينتي طنجةومراكش، حيث استعاد الإسلاميون مقاعدهم البرلمانية وأكدوا ان شعبيتهم مازالت جيدة. ويضيف مدني ان الحكومة بتعويضها ارتفاع الأسعار عن طريق تقديم «شيكات» نقدية للطبقات الاكثر فقراً وعوزاً، فإنها «ستكسب استعطاف طبقة انتخابية جديدة». ومن الناحية السياسية يستنتج مدني ان «الحكومة الحالية حتى ان ساهمت في اضعاف الاقتصاد الوطني، فإنه بإمكانها الخروج رابحة من عملية الإصلاح الصعبة المطروحة أمامها».