تنذر القرارات «اللاشعبية» التي تعتزم حكومة بنكيران اتخاذها خلال هذه السنة بإشعال فتيل التوتر الاجتماعي في المغرب، فرفع سن التقاعد والزيادة في أسعار الكهرباء وإلغاء الدعم عن قنينات الغاز والمحروقات، كلها تدابير يجمع المحللون على أنها تشكل برميل بارود تجلس عليه الحكومة الحالية ويوشك على الانفجار في أي لحظة. ويرى أستاذ الاقتصاد جمال الدين التباع أن رفع سن التقاعد والزيادة في أسعار الكهرباء وإلغاء الدعم عن السكر والدقيق والمحروقات خلال الظرفية الحالية المتميزة بارتفاع قوي للأسعار من شأنه أن تكون له تداعيات وخيمة على السلم الاجتماعي، داعيا الحكومة إلى تبني إصلاح شامل لمنظومة الدعم، ليس عبر إلغائه فقط، بل وضع حلول وتدابير عملية لتشجيع الطبقة المتوسطة وتوجيه الدعم إلى الفئات التي تستحقه دون تفقير فئات أخرى. ويضيف التباع أن إعادة النظر في طريقة توزيع الدعم الذي يقدمه صندوق المقاصة أصبحت ضرورة ملحة، غير أن ذلك لابد أن يخضع لضوابط معينة تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الطبقات، مؤكدا أن الوقوف على تداعيات أي إصلاح لن يكون ممكنا إلا بعد إعلان الحكومة عن تفاصيله. بالمقابل، يعتقد الاقتصادي حماد قسال أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق الدولية هو فرصة مواتية للحكومة لتمرير قرار إصلاح المقاصة، مؤكدا أن المستقبل الاقتصادي للعالم مظلم، خاصة في ظل تفاقم النزاعات والتغيرات المناخية، وبالتالي فإن أي قرار للإصلاح يجب أن يتخذ في الفترة الراهنة. غير أن «إي إف جي هرمس»، وهو بنك استثماري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعمل في مجال البورصة والسندات المالية وإدارة السندات والخدمات الاستثمارية، يحذر المغرب وباقي دول شمال إفريقيا من وقف دعم المواد الغذائية الأساسية، مؤكدا أنه أمام ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم ستحجم حكومة هذه الدول، مجبرة، عن الإقدام على وقف مثل هذا الدعم تفاديا لمخاطر سياسية. كما توقع مصرف «إي إف جي هرمس» أن يزداد الشعور بحدة ارتفاع الأسعار في المغرب ضمن باقي دول شمال إفريقيا، مقارنة مع باقي الدول العربية الأخرى بسبب ارتفاع أسعار الحبوب في السوق العالمية. وبين اختلاف وتباين المواقف من القرارات التي ستتخذها الحكومة نستعرض في هذا الملف أهم التدابير التي يحاول رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إقناع الجميع بضرورتها وأهميتها بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الوطني:
تحرير أسعار السكر والدقيق يتوقع الخبراء أن يرتفع ثمن السكر من 6 دراهم ونصف حاليا للكيلوغرام إلى أكثر من 9 دراهم، في حالة إلغاء الدعم الذي تقدمه الدولة لهذه المادة التي يستهلكها المغاربة بشكل كبير، وهو ما يهدد القدرة الشرائية للمواطن. هذا إذا ما تم تطبيق سيناريو التحرير الكلي لأسعار السكر، غير أن المؤشرات تؤكد اتجاه الحكومة نحو نهج تحرير جزئي سيبقي سعر الكيلوغرام من السكر في حدود 7.14 دراهم بدل 9 دراهم، غير أن هذه الزيادة لوحدها ستشكل عبئا كبيرا على المغاربة، خاصة مع تزامنها مع الزيادات الأخرى في المواد الأساسية. كما أن اعتماد سيناريو الإلغاء الكامل للدعم عن المواد الأساسية سيرفع سعر القمح اللين من درهمين إلى 3.93 دراهم للكيلوغرام، وهو ما يعادل ارتفاعا بنسبة تناهز 96 في المائة.
الزيادة في أسعار الكهرباء موازاة مع رفع سن التقاعد، تفكر الحكومة جديا في الزيادة في أسعار الكهرباء، حيث أكد فؤاد الدويري، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، أن الحكومة تدرس إمكانية «تصحيح تعريفة» فواتير الكهرباء. وحسب الوزير، فإن «أسعار الكهرباء بالمغرب لم تتغير منذ 2006». ويضيف الدويري أنها تعتبر «الأرخص المعمول بها في جميع البلدان المجاورة لشمال المتوسط» وبالمقارنة مع تلك المعمول بها في البلدان غير النفطية، مشيرا، من جهة أخرى، إلى أن أسلوب الفوترة المعمول به حاليا يساوي بين المستهلك الخاص والمستهلك الصناعي. وكان وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة قد نفى في وقت سابق، أن تكون الحكومة قد اتخذت أي قرار بالزيادة في أسعار الكهرباء، مؤكدا أن الأمر يتعلق، خلافا لما تداولته عدد من وسائل الإعلام، بدراسة أعدتها الحكومة حول عقد البرنامج الذي يربط الدولة بالمكتب الوطني للكهرباء، مشيرا إلى أن العقد يتضمن عددا من المقترحات تهم، بالأساس، تدبير المكتب وتمويله. وأكد الدويري على أن الحكومة لا يمكنها أن تمس بالقدرة الشرائية للطبقات ذات الدخل المحدود، وأن الدراسة التي أعدت في هذا المجال تتحدث عن إمكانية تغيير نظام التعريفة من عدمه، وقال: «لكننا لا يمكن أن نستهدف الطبقات الفقيرة بأي قرار كيفما كان نوعه»، مضيفا أن هذه الدراسة ركزت، بالخصوص، على دعم الدولة للصندوق الوطني للكهرباء من خلال الرفع من ميزانيته، إضافة إلى تحسين المردودية لجعل خدمات المكتب ترقى إلى مستوى أفضل.
وقف دعم المحروقات لن تكتفي حكومة بنكيران بالزيادات التي أعلنت عنها في أسعار المحروقات عند توليها زمام الحكم، فرفع سعر الغازوال بدرهمين والبنزين بدرهم واحد لم يغط إلا نسبة صغيرة من الدعم الذي تقدمه الدولة للمحروقات، وبالتالي، ستتجه الحكومة إذا ما أعلنت عن تفاصيل إصلاح صندوق المقاصة إلى عكس أسعار النفط في السوق الدولية على المواطنين، وهو ما يعني أن المغاربة سيجدون أنفسهم مجبرين على اقتناء البنزين بحوالي 14 درهما للتر، والغازوال بحوالي 11 درهما للتر، وهذا سيكون له انعكاس خطير على قطاع النقل، ويمكن أن يؤدي، حسب الخبراء، إلى شلل في الاقتصاد الوطني، خاصة إذا ما أقدمت النقابات على اللجوء إلى إضرابات جديدة.
إلغاء الدعم عن قنينات الغاز ما فتئ بنكيران يلوح بإدخال إصلاحات عميقة على صندوق المقاصة في أفق إلغاء العمل به، فوزيره في الشؤون العامة نجيب بوليف يوشك أن يعلن عن تفاصيل هذه الإصلاحات التي يجمع المحللون أنها ستشمل، عاجلا أم آجلا، إلغاء الدعم الموجه إلى قنينات الغاز، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع ثمن قنينة الغاز من فئة 12 كيلوغراما إلى 140 درهما بعدما ظل ثمنها مستقرا في 40 درهما. غير أن بوليف يؤكد أن ما يجب معرفته، في هذا الشأن، هو أنه لا يمكن للحكومة أن تحرر سعر الغاز، مثلا، كمادة مدعمة دفعة واحدة، بالرغم من أن دعمها لقنينة من حجم 12 كيلوغراما بقيمة 100 درهم يشكل عبئا على كاهل الدولة. ويستطرد بوليف قائلا: «الآن إذا ما انخفض ثمن غاز البوتان في الأسواق العالمية واكتفت الدولة بدعمه بقيمة 50 درهما، آنذاك سوف تتم عملية التحرير بشكل مختلف».
رفع سن التقاعد يبدو أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مقتنع تماما بضرورة اتخاذ هذا القرار عاجلا، حيث أعلن مؤخرا أنه سيدافع عن رفع سن التقاعد إلى 62 سنة عوض 60 سنة المحددة حاليا، في أفق معالجة أزمة صناديق التقاعد التي أصبحت مهددة بالإفلاس. ويشكل خيار بنكيران محصلة الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة التقنية، بعد تشخيصها ودراستها كل الجوانب المتعلقة بأنظمة التقاعد الحالية، لفترة طويلة، وهو الأمر الذي دفعه، خلال حضوره مجلس المستشارين، في إطار الجلسة الشهرية، إلى الإشارة إلى أنه سيناقش المسألة مع المركزيات النقابية للتوصل إلى اتفاق حول هذا الموضوع، مؤكدا أنه سيترأس اجتماع اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد في الأسبوع الأخير من يناير الجاري للحسم في هذا الخيار. وحسب بنكيران، فإن الحكومة لن تتراجع عن إصلاح أنظمة التقاعد مهما كلفها ذلك من ثمن، مؤكدا أن المشاكل التي تعاني منها أنظمة التقاعد أثيرت منذ سنة 2000، وهذا الأمر يهدد ديمومتها على المديين المتوسط والبعيد، لأنه تم الاكتفاء إلى حد الآن ببعض التدابير الجزئية التي لم تستطع إبعاد شبح الإفلاس عن صناديق التقاعد، في الوقت الذي تؤكد المعطيات أن الصناديق محتاجة إلى أزيد من 125 مليار درهم بعد 10 سنوات، فيما الحكومة مضطرة سنة 2014 في حال لم تتخذ الإجراءات اللازمة إلى ضخ ما مجموعه 1.8 مليار درهم، وفي سنة 2016 محتاجة إلى ضخ 6.4 مليارات درهم.