نعم، رحل الأستاذ المجاهد والداعية الرباني والعالم المجدد إلى دار البقاء ، رحل وقد أحيا قلوباً طالما صدئت وأنار عقولا بعدما أقفلت وأشعل أرواحاً طالما هفتت ونشر فكرا ومدرسة أصبحت منارة لكل وافد وملاذا لكل عابد، يذكرهم فيقول "إن فاتك أن تكوني من الذين قرت عيونهم بالله وقرت بهم عيون وقلوب وأنست بقربهم الأرواح، وذكرت رؤيتهم بالله ، وكانوا على باب الملك تراجمة عن الوحي أمناء للرسل، فلا أقل من أن تقفي بالباب راجية راغبة " . (كتاب الإحسان: ص 132). نعم، رحل الإمام جسدا وبقي أثرا بمنهاجه ورحابة قلبه و بابتسامته التي لا تفارق محياه وبتجاوب فكره مع كل من حوله حتى مع مخالفيه، لما رأوه منه من إنصاف ولين في الكلام ورحمة في الخطاب فقد قال في كتاب حوار مع الفضلاء الديموقراطيين " فقد كان سلفنا من المسلمين يتأدبون في مجالس المطارحة والمناظرة مع الخصماء في الرأي بالآداب الرفيعة ، تقرّبا وتحببا وإيناسا وتبليغا. يسَعُهم التلميح إن خُشِيَ من التصريح استيحاش ، وتتصدر الكلمة اللينة الخطاب فتبسط أمام المتناظرين من أسباب الرفق ما يمهد للتفاهم دون أن يمنع الإنصاف الذي يعطي كل ذي حق حقه". لقد رحل الأستاذ جسد وبقي أثرا، من خلال ما خطته يمينه ونطق به لسانه وما جادت به قريحته، صدقة جارية إلى يوم الدين، موعظة ودعوة إلى رب العالمين، كما قال في ديوان شذارات : وَعَظْتُكَ نَثْرًا وَعَظْتُكَ شِعْراً وَعَظْتُكَ بِالصُّبْحِ وَالْغَلَسِ دَعَوْتُكَ تَصْحَبُ جَمْعَ الْخِيَارِ وَتَذْكُرُ رَبَّكَ فِي أُنُسِ وَتَطْلُبُ وَجْهَ الإِلَهِ بِصِدْقٍ وَتَبْذُلُ نَفْسَكَ فِي الأنْفُسِ رحل المربي جسدا وبقي أثرا في أتباعه ومحبيه، يتصفون به و يتصف بهم ،يدلون عليه ويدل عليهم، يترجمون أقواله و أفعاله وأحواله بالعمل، للارتقاء في مدارج القرب عند رب العالمين ويتمثلوا صفات المحسنين وهو الذي قال رحمه الله في كتاب الإحسان: "أنا أسعد ما أكون إن حصل في ميزان حسناتي أفواج من المحسنين كنت لهم صوتا يقول: من هنا الطريق، من هنا البداية". رحل المعلم جسدا وبقي أثرا في مدرسة العدل والإحسان، التي انتشر نورها في مشارق الأرض ومغاربها فأصبح له في كل دولة أثر مرسوم، وله في قلب كل محب ذكر معلوم، .يرتعون في رياضها ويتزودون من مجالسها ويتفقهون من منهاجها، محجة لاحبة تعلمنا أن نطرح السؤال دائما :"إلى أين نسير وما هي العقبات وكيف نسير.نريد أن يفهم الناس جميعا أهدافنا وأساليبنا وأخلاقنا سيما والحرب الإعلامية علينا تبرر الاضطهاد الموجه إلينا.نريد أن يعلم الخاص والعام أم مطالبنا وعزمنا وأهدافنا وما نريد لهذه الأمة المعذبة من خير وما نحمله من رسالة للإنسانية وما نضمره من جهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض أمور واضحة في تصورنا حية في ضميرنا وضمير كل مسلم ومسلمة مخلصين لله معتمدين على الله سائلين في سبيل الله" . (المنهاج النبوي) رحم الله الأستاذ عبد السلام ياسين وألحقنا به مؤمنين مسلمين وأكرمه الله بما أكرم به الأولين والآخرين، فقد صبر على البلاء فلم يجزع، نسال الله تعالى أن يمنحه درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب .