نظمت جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، اليوم الجمعة، ندوة لإطلاق حملة وطنية ترافعية تحت شعار "عدم تجريم الجنح البسيطة بالمغرب"، والعمل على إقرار بدائل نحو عدالة تصالحية، هدفها الإصلاح والتقويم بدل العقوبات الزجرية. وأشار المتدخلون إلى ضرورة رفع التجريم عن عدد من العقوبات البسيطة، والتي يعاقب عليها بمدد حبسية قصيرة، إلا أنها تؤدي إلى مجموعة من الظواهر السلبية، وعلى رأسها الاكتظاظ بالسجون، ورفع أعداد المعتقلين احتياطا، فضلا عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجها المرتكب لهذه الجرائم البسيطة بعد قضائه السجن، خاصة وأن بعض الجرائم لم يعد هناك أي مبرر لبقائها. إقرار عدالة تصالحية وفي سياق هذه الجنح البسيطة، أشارت جميلة السيوري، رئيسة جمعية عدالة، إلى تنامي ظاهرة الاعتقال والتوقيف، فخلال الجائحة وفي علاقة بحالة الطوارئ الصحية، ما يفوق 91 ألف توقيف وعقوبات حبسية، وهذه العقوبات وإن كانت خفيفة لكنها تسائلنا اليوم، عن الاتجاه نحو البدائل والعدال التصالحية. وأشارت السيوري إلى أن هذه الجنح البسيطة لها آثار سلبية، على رأسها الرفع من ظاهرة الاعتقال الاحتياطي، وما ينتج عنها من اكتظاظ في السجون، رغم أن جل هذه القضايا تتراوح عقوبتها ما بين ستة أشهر وسنتين، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة ملء السجون إلى 160 في المائة من طاقتها الاستيعابية. واعتبرت المتحدثة أن هذه الأرقام تؤكد أنه آن الأوان لمناقشة تدبير الاعتقال الاحتياطي والعقوبات البديلة، وإقرار العدالة التصالحية للخروج من هذه الإشكالات، فهناك جنح بسيطة يمكن أن تحل بعيدا عن القضاء الجنائي وفي ظل عدالة تصالحية. السجن مدرسة للإجرام بدوره أكد يوسف مداد رئيس جمعية حلقة وصل التي تعنى بالشباب في وضعية نزاع مع القانون، على ضرورة تقليص خانة العقوبات قصيرة المدى، وهو الأمر الذي يجد مبرره في الانعكاسات السلبية لهذه العقوبات القصيرة، ففي ظل الشروط المعروفة داخل السجون، باتت هذه الأخيرة مدرسة للإجرام عوض مؤسسة لإعادة الإدماج. وأوضح رئيس الجمعية أن العقوبات قصيرة المدى تكون سببا في ظاهرة العود، التي تقدر حاليا ما بين 60 و65 في المائة، فدخول السجن يدفع الشباب في وضعية احراف إلى الانخراط في مسلسل العودة للسجن بشكل مستمر، حيث يوجد شباب زار السجن لحوالي 10 مرات، ارتفعت خلالها الأحكام من أحكام قصيرة إلى أحكام بلغت 10 سنوات، علما أن سن هؤلاء الشباب يتراوح ما بين 18 و24 سنة. كما أن العقوبات القصيرة تكون سببا في حرمان الشباب من الشغل وإعادة الإدماج، حيث يشكل السجل العدلي عائقا كبيرا في طريق إعادة الإدماج، فإذا كان القطاع العام في السابق هو الذي يلزم بهذا السجل العدلي الخالي من العقوبات، فإن القطاع الخاص وكل الشركات باتت تفرض هذا السجل، وهكذا فإن سجينا قضى ستة أشهر عليه أن ينتظر سنتين كي تزول آثار العقوبة من سجله العدلي. وثالث التبعات السلبية التي تخلقها هذه الجنح البسيطة، مشكل الاعتقال الاحتياطي، حيث يتم الحرمان من الحرية قبل الحكم، فتوسع دائرة الجرائم البسيطة يؤدي إلى توسع صلاحيات القاضي لإرسال عدد كبير من الأشخاص إلى الحبس. وسجل المتحدث أن حوالي 29 في المائة من المسجونين، محكوم عليهم بأقل من سنة، حسب إحصاءات 2018، ما يظهر ضرورة المرافعة حول موضوع العقوبات قصيرة المدى، وإلغاء بعض العقوبات التي لم يبق لها أي داع في مجتمعنا. منظومة عقابية قديمة هشام ملاطي مدير الشؤون الجنائية بوزارة العدل، أشار إلى ضرورة تحديد مفهوم الجنح البسيطة، حيث إن التشريع الجنائي المغربي يعتمد التقسيم بين جناية وجنحة ومخالفة، اعتمادا على مدة العقوبة، رغم أن هذا التصنيف تم هجره من جل الدول، على حساب اعتماد ثنائية جرائم خطيرة وبسيطة، وقد لوحظ على مستوى الممارسة أن هناك نوع من التخفيف والمرونة في الجنح الضبطية باعتبارها بسيطة وأقل خطورة، من خلال عدم اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي، أو من خلال العقوبات التي تكون في الغالب موقوفة التنفيذ. وأضاف المتحدث أن هناك أزمة في تدبير الجنح الأقل خطورة، في منظومة التجريم والعقاب المغربية، وهي الأزمة التي ترجع إلى قدم المنظومة القانونية، حيث لم تكن هناك إصلاحات كبيرة على مستوى التجريم، فضلا عن وجود تضخم على مستوى العقوبات، فالعديد من النصوص الخاصة فضلا عن القانون الجنائي تعتمد المقاربة الزجرية الخاطئة في علاج المشاكل. وأكد ملاطي أنه وبالرجوع إلى القضايا المعروضة على المحاكم يتبين أن القضايا المهمة تشكل نسبة قليلة، في حين أن جل القضايا بسيطة، مسجلا في هذا السياق أن آلية الغرامة التصالحية الجزافية في مدونة السير قلصت عدد القضايا المطروحة على القضاء، وبينت بالملموس ضرورة العدالة التصالحية. ولفت المسؤول إلى أن الجنح البسيطة تفرض علينا الوقوف ونقاش عدد من الجرائم مثل جرائم الشيك، ومناقشة الآليات البديلة، ففي جريمة استهلاك المخدرات، وكيل الملك ينبغي عليه أن يخير الشخص بين الخضوع لعلاج طبي أو العقوبة، إلا أن تفعيل هذه الآلية من طرف النيابات العامة يبقى محدودا نظرا لغياب مراكز الإدمان. كما أن هناك بعض الجرائم البسيطة التي ينبغي إعادة النظر فيها مثل ركوب سيارة الأجرة دون القدرة على أداء الثمن أو التشرد أو غيرها من الأفعال التي تقتضي المراجعة لرفع التجريم، وكذا هجر التقسيم الثلاثي وإعادة النظر فيه، واعتماد التصنيف الثنائي بين جرائم خطيرة وبسيطة. وأفاد في هذا الخصوص أن 46 في المائة من المعتقلين الاحتياطيين معتقلون في قضايا بسيطة، وحوالي نصف المسجونين محكومون بعقوبات قصيرة المدة. وإذا كان القانون الجنائي اليوم توجد به جريمة واحدة هي التي يمكن من خلال التنازل أن تبطل العقوبة، فإن الإصلاحات الحالية في القانون الجنائي تحاول الاشتغال وفق نفس المبدأ مع بعض الجرائم التي لا تمس بالأمن العام مثل خيانة الأمانة والنصب وعدم تنفيذ عقد، والتي يوجد فيها ضرر بشخص وليس بالنظام العام، تأكيدا لمبدأ العدالة التصالحية.