جدل كبير يعرفه الوسط الثقافي والجمعوي بمدينة طنجة، بعد مرور بضعة أشهر على انطلاقة برنامج تأهيل المدينة العتيقة لمدينة طنجة الذي سينفذ على مدى خمس سنوات 2020 2024، ويعد من أكبر المشاريع ذات الصلة في تاريخ المدينة، حيث رصدت له ميزانية وصلت إلى 850 مليون درهم (85 مليار سنتيم). وحذرت فعاليات ثقافية وجمعوية في تصريحات متفرقة لموقع "لكم"، من تكرار أخطاء المشاريع السابقة التي عرفتها المدينة، سنوات 2000، 2009، 2019، متسائلة عن مدى تحقيقها للأهداف المسطرة لها، بعد الاختلالات التي شابتها مما ساهمت في تدهور بنية المدينة العتيقة وإفساد معالمها، ومترجية في نفس الآن أن يقطع هذا المشروع الأكبر من نوعه مع النماذج التي وصفتها بالفاشلة والتي طبعت التجارب السابقة . وسجلت الفعاليات، مجموعة من الملاحظات والمآخذات منها، تغييب وعدم وإشراك مكونات جمعوية وثقافية وازنة، معتبرة أن تزيين وتهيئة الواجهات بدأ على حساب البنية التحية، بالإضافة إلى أن هناك مجموعة من المنازل القديمة تم بناؤها في صورة جديدة مخالفة لما كانت عليه دون احترام الحمولة التاريخية، مؤكدة على أن المبلغ الضخم المرصود يتطلب المتابعة والرصد. وأهابت الفعاليات، بالجهات المسؤولة التخلي عن سياسة الأبواب المغلقة، وإطلاع الرأي العام على كل التفاصيل بخصوص هذا المشروع الطموح، داعين إلى الانفتاح على مكونات الرأي العام عن طريق تعميق النقاش مع كل المتدخلين وإطلاعهم على كل التفاصيل المتعلقة بهذه المشروع، من أجل التشاور والتقييم وتدارك الأخطاء والهفوات قبل وفاة الأوان. من جانبه طمأن أحمد الطلحي عضو اللجنة المشرفة، ورئيس لجنة التعمير والمحافظة على البيئة و إعداد التراب، الرأي العام، وقال في تصريح لموقع "لكم"، إنه كعضو في اللجنة المشرفة على هذا المشروع، يشعر بارتياح من المقاربة المتبعة، وستأتي أكلها، مشيرا إلى أن هناك متابعة ميدانية لما يجري، وبحضور والي الجهة، حيث تعطى الملاحظات في الميدان، مبرزا أن هناك عدد من المشاريع تم مراجعتها ميدانيا، وبالتالي نحن أمام منهجية جديدة، خاصة و أن التصاميم يتم تعديلها باستمرار على اعتبار أننا أمام مشاريع ليست عادية بل هي مشاريع تراثية معقدة وكأننا في عملية جراحية دقيقة، فالخطأ البسيط يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة، يقول الطلحي. المشروع سبقته مشاريع لاحظت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة، أن هذا المشروع سبقته أربعة مشاريع تصب في نفس الاتجاه، كان الأول منها في بداية سنة 2000 ، وقد هم تأهيل فضاءات المدينة العتيقة أيضا بغلاف مالي قدره 16 مليون درهم، لكنه مني بالانتكاسة بسبب الاختلالات التي رافقت عملية إنجازه، فبدلا من أن يؤدي إلى إنقاذ معالم المدينة القديمة، فقد ساهم في تدهور بنيتها وإفساد معالمها، وفي سنة 2009 سيطرح مشروع آخر مماثل غطت أشغاله كل محيط المدينة القديمة، وكان أحسن نسبيا، سواء من حيث نوعية المواد المستعملة وكذلك مستوى إنجاز الأشغال، لكنه لم يصمد في وجه المؤثرات السلبية، حيث انكشفت عيوبه المبكرة على أكثر من صعيد بسبب هشاشة البنية التحتية. وفي المرة الثالثة تقول الرابطة في تقرير جديد، يتوفر "لكم" على نسخة منه، طرح مشروع يهم ترميم أسوار المدينة التي تعرضت للإفساد والتشويه بسبب عشوائية الأشغال وغياب المهنية والحرفية لدى القائمين على تدبير المشروع، إضافة إلى عدم إخضاع الأشغال لعملية التتبع والمراقبة المستمرة، مما جعل الأشغال ناقصة وغير مكتملة، كما شابتها عدة خروقات نتيجة الاعتداء على السور التاريخي الذي تم تبليطه وإخفاء معالمه بمادة الإسمنت. أما المشروع الرابع فيتعلق بترميم الدور الآيلة للسقوط، والذي رصدت له 54 مليون درهم لترميم حوالي 360 دارا، وقد انطلق العمل به سنة 2019، ويجهل إلى حد الساعة مآل هذا المشروع وحصيلة الإنجازات على أرض الواقع، حيث ظل الكل يتساءل عن مدى تحقيقه للأهداف المسطرة له ، وهل تمت وفق المعايير الكفيلة لوضع حد لهشاشة تلك المباني ؟. تعريف البرنامج برنامج تأهيل المدينة العتيقة يهم أربع مجالات حسب المعطيات التي حصل عليها موقع "لكم"، الأول يتعلق تأهيل المجال العمراني، الثاني تأهيل البنايات التاريخية وبعض المعالم الأثرية ترميمها وتثمينها، والمحور الثالث يتمثل في تأهيل بنايات دينية أساسا مجموعة من الزوايا والأضرحة، والرابع يتجلى تقوية الجاذبية السياحية للمدينة. المبلغ الإجمالي الذي خصص لهذا البرنامج هو 850 مليون درهم (85 مليار سنتيم)، سينفذ على مدى خمس سنوات 2020 2024، وستساهم فيه عدد من القطاعات الحكومية منها وزارة الداخلية، وزارة المالية، وزارة السياحة، وزارة السكنى والتعمير، بالإضافة إلى جماعة طنجة وجهة طنجةتطوانالحسيمة. ويعتبر هذا الرقم أكبر مبلغ يخصص للتراث المعماري والعمراني بمدينة طنجة، بحيث لم يسبق أن عبأ غلاف مالي كبير بهذا المستوى. أهداف البرنامج وعن أهداف هذا البرنامج، قال أحمد الطلحي عضو اللجنة المشرفة، في حديث مع موقع "لكم"، أن هناك أربعة أهداف، الأول هو حماية التراث، فمدينة طنجة ليس لديها تراث عمراني كبير فهو أقل من مدينة فاس أو مراكش ولكن له خصوصية، أنه غني جدا ومتنوع ويغطي جميع المراحل التاريخية التي مر منها المغرب، الهدف الثاني وهو المساهمة في التنمية المحلية، الهدف الثالث هو تقوية الجاذبية السياحية للمدينة، أما الرابع فهو استرجاع الإشعاع الثقافي بالمدينة من خلال تحويل مجموعة من البنايات التاريخية والأثرية إلى مؤسسات ومرافق ثقافية على شكل دور للعرض ومتاحف وقاعات مساريح صغيرة وغير ذلك. حكامة ومقاربة تشاركية بالنسبة لمجال الحكامة، أكد المسؤول الجماعي، أن المشروع هو أول برنامج تمت فيه مقاربة تشاركية، بحيث يتم إشراك المختصين وجمعيات المجتمع المدني، وبعض المثقفين، والمهنيين، مشيرا أنه في الماضي كانت البرامج تعد سلفا من طرف تقنيي الإدارة المشرفة، ويكون الإشراك بعدي، معتبرا أنها تجربة جديدة فيها نوع من الحكامة وكعضو في اللجنة المتابعة لهذا البرنامج الكبير أشعر بارتياح من هاته المقاربة، وستأتي أكلها إن شاء الله. أما من الناحية المنهجية وكيف تتم الأمور، أفاد الطلحي، أن هناك مجموعة من المشاريع كل مشروع يعهد إلى أحد المهندسين أو مجموعة من المهندسين المختصين، من أجل إعداد تصور أولي الذي يطرح علينا في اللجنة التي تعطي رأيها في الاقتراح، وبناء على هذه المقترحات والملاحظات يتم تعديل التصميم الأولي من قبل المهندس المشرف، ثم لما يبدأ تنفيذه من قبل المقاولة، تكون هناك زيارة ميدانية من قبل جميع أعضاء هذه اللجنة وبحضور والي الجهة، حيث تعطى الملاحظات في الميدان، وهناك عدد من المشاريع التي يتم مراجعتها ميدانيا، وبالتالي نحن أمام منهجية جديدة، مشيرا إلى أن التصاميم يتم تعديلها باستمرار لأننا أمام مشاريع ليست عادية بل هي مشاريع تراثية معقدة وكأننا في عملية جراحية دقيقة، فالخطأ البسيط يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة. المشاريع أما عن المشاريع التي ستستفيد منها طنجة، قال أحمد الطلحي في ذات التصريح لموقع "لكم"، أولا سيتم تحويل مجموعة من البنايات إلى مرافق ثقافية، والمدينة بحاجة إلى هذه المرافق، فبعدما كانت طنجة تتوفر على متحف وحيد وهو متحف القصبة، سيصبح لطنجة الآن حوالي عشر متاحف أو أكثر، وستكون عمومية وشبه عمومية ومتخصصة، كمتحف التراث العسكري في "برج دار البارود"، متحف ابن بطوطة في "برج النعام"، وستكون متاحف أيضا خارج المدينة كمتحف التراث البحري في منارة رأس سبارطيل، ومتحف التنوع البيولوجي المحلي في قصر "بيرديكاريس"، ومتحف ذاكرة طنجة في بناية "فيلا هاريس"، وهكذا، معتبرا أن العرض الثقافي سيكون متنوع وغني جدا في طنجة وهذا ما سيعزز الإشعاع الثقافي للمدينة وكذلك سيقوي جاذبية المدينة من الناحية السياحية. إحداث مسارات سياحية من ناحية تقوية الجاذبية السياحية للمدينة، أفاد عضو اللجنة، أنه سيتم إحداث مجموعة من المسارات السياحية الموضوعاتية، وسيتم إعادة تشوير المدينة بلوحات توجيهية متضمنة للتعريف بكل المعالم التاريخية، وستكون هناك رقمنة لهذه المسارات السياحية مع تسويق إعلامي لتراث المدينة عبر مختلف الوسائط الإلكترونية ، ونقط إرشادية لإرشاد السياح المحليين أو الأجانب. ملاحظات من جانبه سجل يوسف شبعة حضري روائي وصاحب المقهى الثقافي "الشريفة" بطنجة، في تصريح لموقع "لكم"، مجموعة من الملاحظات وركز أساسا على عدم وجود تصاميم مسبقة، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من المنازل القديمة تم بناؤها في صورة جديدة مخالفة لما كانت عليه دون احترام الحمولة التاريخية، وهو ما سيجعل المدينة القديمة تفقد خصوصيتها، وربما الآن لا شيء يثير في المدينة العتيقة، داعيا إلى تدارك الأمر، بإبراز خصوصية المدينة العتيقة. وقدم المتحدث بعض الأمثلة، مشيرا إلى ما يحدث مع أبواب المدينة العتيقة، الباب في صورة قديمة ومقبض يدها من صنع صيني، معتبرا أن الأوراش كبيرة وعدد العمال قليل، وهو ما يجعل الأشغال تسير بشكل بطيء. واعتبر يوسف شبعة، أن الطريقة المعتمدة في ترميم البيوت هي طريقة عادية جدا مثل ما نشاهده في المجمعات السكنية، مبرزا أن أي عاقل يفضل الترميم السابق، مشيرا إلى أن هناك منزل بحي أمراح تم ترميمه لثلاث مرات، لأنه لم يطابق المطلوب، وأفاد الروائي أن ولاية طنجة نبهت المشرفين على الورش وطالبتهم بتوفير التصاميم. ومن المؤاخذات الأخرى التي سجلها الفاعل الثقافي، أن هناك مجموعة من المستثمرين في الدور والمنازل القديمة الآيلة للسقوط استفادوا مجانا من عملية الترميم مع العلم أنهم يعيدون البيع والشراء في هذا النوع من المنازل، خاصة وأن لهم إمكانات مالية للترميم، مشيرا إلى أن هناك من هو أحق ولم تشملهم عملية الإحصاء في الترميم. تهميش المجالس المنتخبة والمجتمع المدني أما زكرياء أبو النجاة عضو المكتب المركزي لحركة الشباب الأخضر، فقد قال في حديث مع موقع "لكم"، أنه ومنذ الشروع في نقاش "تأهيل وترميم المدينة العتيقة"، وظهور تفاصيل وحيثيات العملية، وقد استشفت الحركة من هذه الحيثيات والتفاصيل تهميشاً لدور المجالس المنتخبة، واشراكها في اقتراحات ومبادرات شكلية، لا تعكس مفهوم "الشراكة" أو "اشراك المجالس المنتخبة" وهي المجالس التي يُفترض فيها أن تعكس تطلعات ساكنة مدينة طنجة على اعتبار أن "المدينة العتيقة" هي تراث حضاري مشترك لساكنة طنجة. وسجل المتحدث، في نفس السياق ما اعتبره تغييبا كليا للمجتمع المدني الطنجي، الذي كان يتطلع لإشراكه في مثل هذه المحطة ذات الأهمية البالغة، معتبرا أنه لطالما قدمت حركة الشباب الأخضر، العديد من الاقتراحات المتعلقة بالمناطق الأثرية داخل المدينة العتيقة، أو بامتداداتها خارج أسوار هذه المدينة، مشيرا إلى حديقة إنجلترا التي قال عنها أنه لولا الضغط المكثف لما أقيمت لها تلك الدعامات، كما تحدث أيضاً عن حدائق المندوبية بكل ما تحتويه من قبور تاريخية، إضافة الى ما تؤرخ له الحديقة، من انتفاضات، ومحطات تاريخية. وأكد القيادي بحركة الشباب الأخضر، على أن الاستمرار في تغييب المجتمع المدني عن مثل هذه المحطات، باعتباره قوة اقتراحية لن يؤدي الا الى تكرار أخطاء الماضي، حيث سيؤدي الاقصاء- حتماً الى ملاحظات بالجملة على الشكل النهائي للترميم والتأهيل. فيما يتعلق بالمبلغ المرصود لهذه العملية، اعتبر زكرياء أبو النجاة أن المبلغ ضخم جداً، مقابل ما سيُنجز في إطار "تهيئة وترميم المدينة العتيقة"، مسجلا غياب أي تدخل لتأهيل امتدادت المدينة العتيقة، الى جانب بعض المواقع داخل المدينة مثل (المقابر البونيقية ومقهى الحافة) وأيضا عمارات "ريتشهاوزن" المقابلة للميناء الترفيهي، ومواقع أخرى. ولم يفت المسؤول في حركة الشباب الأخضر بأن يعبر عن القلق البالغ للحركة، من استمرار اغلاق واهمال مسرح سيرفانطيس التاريخي، خصوصا بعد التنازل الاسباني عنه مقابل الحفاظ عليه كمسرح تاريخي. تجاوزات أما على مستوى سير الأشغال، قال المتحدث، أن خبراء ومختصو حركة الشباب الأخضر رصدوا العديد من الخروقات والملاحظات الجوهرية، حيث تسجل الحركة وفي سياق تغييب المجتمع المدني عن ابداء رأيه وملاحظاته، أحادية الرؤية في التعامل مع المباني القديمة، وأسوار المدينة، حيث تمضي التهيئة باعتماد "نمط واحد" للبنايات، وواجهاتها وكأن المدينة العتيقة أصبحت "ثكنة عسكرية" مع الأخذ بلون طلاء موحد، وبوابات ونوافذ موحدة. كما رصدت الحركة الضعف الشديد للبنية التحتية للمدينة العتيقة، وتزيين وتهيئة الواجهات على حساب البنية التحية، بالغة الأهمية، خصوصا شبكات الماء والكهرباء والاتصالات، ملاحظة الارتجالية المعتادة لشركة أمانديس فيما يخص الكهرباء وصناديق الربط، مما ينتج مجددا واجهات بعشرات خيوط المد الكهربائي. فيما يتعلق بالترصيف، لاحظت الحركة حسب عضو مكتبها المركزي، أن العملية وطبيعة الأحجار لا تتفق ولا تنسجم اطلاقا مع القيمة التاريخية للمدينة العتيقة، وهو ما ينسحب أيضا على عملية تصريف مياه الأمطار. وخلص المسؤول في حركة الشباب الأخضر، على أن كل هذه التجاوزات والأخطاء مردها الى تغييب المجتمع المدني، وغياب أيضا كناش تفاصيل يلزم ويحدد أشكال معالجة الأسوار العتيقة والواجهات بعناصرها المكونة، ما يضع الميزانية المرصودة لعملية التهيئة محط متابعة وتساؤل. عدم وجود تصاميم تقرير رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، تحدث عن الارتجال الذي يطبع الأشغال، حيث يتم الاشتغال بدون وجود أي تصاميم خاصة بالمنجزات، والتي تهم شبكة الماء الشروب والتطهير السائل، الهاتف والأنترنيت، وقنوات صرف المياه الشتوية، مؤكدا على أن كل هذه الأشغال كان يجب أن تخضع للتنسيق المحكم بين كل المتدخلين لتجنب إعادة الأشغال، ثم وضعها داخل قنوات عازلة من أجل حفظ تلك التجهيزات من التلف، وضمان إمكانية التدخل دون اللجوء إلى الحفر والهدم في حالة وقوع عطب في المستقبل، مع فسح المجال لتتبعها بكاميرات المراقبة بالنسبة لكل شبكة على حد. وأكد التقرير الذي يتوفر "لكم" على نسخة منه، على أن إنجاز الأشغال في غياب تصور واضح، قد فرض التدخل أكثر من مرة لتغيير مسارات الأعمدة الكهربائية واستبدال الشبكة وحفر الطرقات واقتلاع الأرصفة، مثل ما مجرى في مدخل المسجد الأعظم، وفي ساحة المسيرة، وفي السوق الداخل فقد تمت إعادة الأشغال أكثر من مرة، مع ما رافقها من تبذير وضياع للمال العام. وأشارت وثيقة الرابطة، إلى أن غياب الإتقان والمهنية في إنجاز الأشغال، ويتجلى ذلك في طريقة تبليط الطرقات بالرخام، حيث يبدو من الوهلة الأولى وجود انزياح أو اعوجاج وعدم التناسق، وتفكك قطع الرخام، ثم وجود فراغات وتشوهات لا يقبلها الذوق السليم، كما أنها تنذر بالتفكك والزوال، والتسبب في تعثر الراجلين. وأكد التقرير، على أن غياب التصاميم، ثم المواصفات الدقيقة الخاصة بكل مشروع، يعد سببا للارتجال واعتماد التجريب والتردد في اختيار النماذج الملائمة، فبعد تهيئة ساحة إسبانيا في المرة الأولى وتغطيتها بالأسفلت، كان التصميم خاليا من النافورة، وسرعان ما صدر الأمر بإقحام تلك النافورة العجيبة التي تم بناؤها بعد القيام بعملية الهدم والحفر من جديد . الإنتقائية في هذا الصدد، أكد التقرير على أن تجديد شبكة الصرف الصحي وكذلك قنوات الماء الشروب يعد من المنجزات التي من شأنها تقوية النسيج العمراني للمدينة القديمة، إضافة إلى عملية ترميم المباني، لكن الملاحظ هو الطابع الانتقائي لهذه العملية، حيث يتم الاقتصار على تجديد البالوعات دون اسبتدال قنوات الصرف الصحي في بعض الأزقة الداخلية، ثم عدم الاهتمام بإحداث قنوات صرف المياه الشتوية، وهو ما يجب التأكد منه قبل تبليط الطرقات وتغطيتها بالرخام. كما أن هناك حسب التقرير، الانتقائية في التعاطي مع الفضاءات وكذلك المباني والمرافق المستهدفة بالترميم، ففي غياب المعلومة، يخشى أن تستثنى بعض المباني الأثرية، وكذلك بعض المرافق والفضاءات ذات الطابع التاريخي. وفي الوقت الذي اعتبر فيه التقرير، أن الإيجابي في هذه التجربة هو اللجوء إلى تقوية الأرضية وقارعة الطرقات والأزقة بطبقة عريضة من الإسمنت المسلح على مستوى يمكن أن يحد مستقبلا من التسربات ومن إنزياح المباني، لاحظ أن تسويتها مع مداخل وأبواب المحلات التجارية أو تجاوزها في مستوى العلو، مما سيتسبب في إغراقها بمياه السيول، مشيرا إلى أن الإيجابية الأخرى تكمن في القيام بتغيير أبواب وواجهات المباني والمحلات التجارية بأبواب من الخشب الرفيع الذي أعجب به البعض وانتقده البعض الآخر . واستحضر التقرير أن الناس فوجئوا في نهاية الأمر بتراجع المسؤولين عن الشكل الأول الذي تم عرضه كنموذج، وقد عبروا عن احتجاجهم على ذلك مطالبين بتوحيد الشكل وضمان الجودة في مادة الخشب وفي الأشغال أيضا. والملاحظ هو أن استعمال الخشب بهذا الشكل سيطرح مشكلا آخر يتعلق بالجانب الأمني، وخصوصا بالنسبة للمحلات التي لا يمكنها أن تزاوج بين الاحتفاظ بالأبواب المعدنية الحصينة المتوفرة لديها وبين الأبواب الخشبية، والتي يرى العديد من التجار أنها ستكون معرضة للاعتداءات بسبب ضعف هيكلها. دعوة إلى التخلي عن سياسة الأبواب المغلقة في هذا المضمار، أهابت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، بالجهات المسؤولة التخلي عن سياسة الأبواب المغلقة، وإطلاع الرأي العام على كل التفاصيل بخصوص هذا المشروع الطموح، داعية إلى الانفتاح على مكونات الرأي العام عن طريق تعميق النقاش مع كل المتدخلين وإطلاعهم على كل التفاصيل المتعلقة بهذه المشروع، من أجل التشاور والتقييم وتدارك الأخطاء والهفوات قبل وفاة الأوان. كل هذا يؤكد التقرير، من أجل القطع مع التجارب المؤلمة، وتقديم الضمانات بخصوص ما يتم تنزيله على أرض الواقع في إطار البرنامج الحالي الذي يفترض فيه أن يكون منصة للإقلاع الاقتصادي وإنعاش المدينة ومعالجة الأعطاب التي تعوق تقدمها.