تقديم وتقدير لقد وضع الأستاذ أحمد عصيد -في کلامه عن المولي ادريس- يده علي جرح قديم و عميق في روح الأمة وجسمها. ونحن في هذه العجالة التي نرجو أن يتقبلها القراء الکرام بصدر رحب نريد أولا أن نبدي تقديرنا لجهود هذه الشخصية المغربية الأبية في السجال و النقاش وطرح مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة، ونريد ثانيا، أن نسلط بعض الأضواء علي ما غفل عنه أو تجنب الحديث فيه أخونا الأستاذ العزيز الذي تناول في کثير من المنتديات مواضيع حساسة وناقشها بکثير من الموضوعية والدقة أحيانا کثيرة. لکنه في هذه المرة أثار البلابل ولم يتعرض –ربما عن غير عمد- الي أم المشاکل في وطننا الکبير، نحن الأمازيغ و العرب، الذين قدر لنا فيه أن ننهض جميعا أو نسقط جميعا. نعم، قد يخطئ أمهر الأطباء في تشخيص مرض خفي أو مکتوم، عصي، مزمن، باطنه غائر وظاهره قد يشبه الصحة والسلامة وما هو بصحة ولا سلامة، وقد يشبه الوعکة العابرة وهو عضال تعددت أسبابه و تباينت أعراضه ويزداد استفحالا في عصر ينکشف فيه کل شئ لتهتک الأستار وتفضح الأسرار الا قليلا منها مما لا يزال أهله يحيطونه بالتجميل و الدجل و التزوير لئلا يفتضح أمرهم بين الأمم. عن المولي إدريس الأول (رض) لقد کان المولي ادريس (رض) شيعيا، کما ذکر الأستاذ عصيد وکما ورد في مصادر التاريخ المعتمدة وشهدت به الآثار أما دعوي انتمائه لغير مدرسة أهل البيت عليهم السلام بحجة أن مالکا رحمه الله لم يکن ليبايع أخاه لو کان شيعيا فهي دعوي تبريرية عهدتها علي مدعيها وحجة داحضة اذ کيف يحتج بالفرع علي الأصل ولهذا الحديث بقية تأتي في وقتها ان شاء الله تعالي. عن المولي إدريس الثاني (رض) أما المولي ادريس الثاني فهو الإبن الشرعي لأبيه وکلام الأستاذ عصيد فيه ناتج عن ترجيح المرجوح و الأخد بالضعيف من الروايات المدسوسة نصرة لمن يکيد لأهل الحق في کل زمان ومکان ولعل ذلک فلتة من الفلتات نسأله تعالي أن يقي الأستاذ شرها وشرارها، والا فأن ما جاء في محاضرته في شمال المغرب عن سياسة المولي ادريس الثاني يدل علي خلاف ما ادعاه، فانه رضي الله تعالي عنه لم يکن الابن الهجين و لا وليد الخسة والدناءة بل کان سليل الشهامة الهاشمية و المروءة الأمازيغية وهما اذا اجتمعتا وتجسدتا في فکر أو عمل - ولم تتدخل عوامل أخري تندک لها الجبال-کانتا قمينتين لانتاج أطيب الأجيال وتحقيق أجمل الآمال من حيث سياسة الأمة وتدبير شؤونها ومواجهة أطماع المستعمرين وأهواء المستبدين. إن احترامنا وتقديرنا للأستاذ عصيد لا يمنعنا أن نقول له: « إن الذي اردته من ايرادک للمز وطعن سخيفين في غير محله ولا يليق بمثل عقلک الحصيف ثم إنک أتيت البيوت من غير أبوابها وأردت علاج الأمراض المزمنة بالتصدي لأعراضها والشبهات المثارة حولها متناسيا أن أم المصائب التي أحدقت بأمتک انما حلت بها لتقاعسها عن نصرة الحق بعدما تبين لها وخضوعها لعوامل التمزق والتخلف. .إن أي أمة فعلت ذلک کانت کالمرأة الساقطة إذا رفضت فضيلة الزواج ومشقة الأمومة وأعرضت عن مهمة الإنجاب والتربية تناقلتها في غالب الأحيان أيدي الفسقة وعاشت مبتذلة مستباحة الي أن يذبل شبابها ويضيع عمرها.« وما ظلمهم الله ولکن کانوا أنفسهم يظلمون». لقد أقام المولي ادريس وابنه الأزهرالحجة علي غرب الأمة الاسلامية کما أقام ابن عمهما الامام علي الرضا (ع) الحجة، نفس الحجة علي شرقها من بلاد خرسان و ماجاورها من بلاد آسياوذلک من حيث السلوک والتعامل مع التيارات الفکريه والسياسيه ومن حيث التطبيق العملي لمنهج الآل عليهم السلام والا فان التوجه الديني والفکري لهذه المدرسه کان واضحا منذ عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. لقد تعهد کل منهما بجهاده وجهوده بذرة الاسلام الأصيل لتصير- اذا احتضنها ابناء الامة واختاروها منهجا لحياتهم -شجرة عظيمة أصلها ثابت وفرعها في السماء. منارتان ظاهرتان لأهل البيت (ع): الأمازيغ ومن معهم من العرب غربا وأهل فارس ومن معهم شرقا لقد سبقت قبائل أمازيغية صادقة مخلصة في تشيعها لأهل بيت الرسول (ص) (کما فعلت أخواتها في بلاد العجم)، عندما اختارت المولي ادريس اماما لها، بعد أن يئست من بني أمية وبني العباس الذين کان همهم - کما يذکر التاريخ عنهم- في جمع الاموال، وتکديسها وسبي النساء والولدان، في ظلم واستبداد عرف أجدادنا أنه لا يحول ولا يزول الا بمعرفة حق أهل البيت الذين عاهدوا الرسول (ص) علي التضحية بدمائهم وأهليهم وبکل ما أوتوا من أجل کرامة الانسانية واحقاق الحق وازهاق الباطل أي من أجل الرحمة التي بعث بها خاتم الأنبياء (ص). هذه البذرة الطيبة التي بذرها أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من الأمازيغ و العرب الأوائل کان يرجي لها أن تضرب جذورها کاملة في بلاد افريقيا کلها لتصير من بعد دوحة وارفة الظلال دانية القطوف والثمار، ثمار العدل والحياة الکريمة والتکافل والتعاون بين بني الانسان في وطننا افريقيا الحبيبة، ثم بعد ذلک يتم نقل بذور الثمار الي اوروبا ومابعدها من البلدان. لکن الذي وقع هو أن أعداء هذا المشروع الأصيل تکالبوا من الداخل والخارج علي اجهاض حرکته المبارکة اذ ما ان أطلعت النبتة رأسها حتي تصدي لها أباطرة بني العباس في الشرق والمستفيدون من الظلام و الفتن في الغرب، ولم يألوا جهدا في الکيد لها حتي من الداخل من المتظاهرين بالإنتماء اليها عندما قام بعد الأدارسة مدعو الفاطمية باستغلال محبة الناس لينبوع العدل والحق والرحمة ليحکموا هم بأهوائهم في ربوع البلاد وجموع العباد: ان تسرب أعداء کل مشروع جاد وهادف الي داخل نواته الصلبة لاحتوائها أو تدجينها أو نسفها، لم يکن من مخترعات ساسة هذا العصر الذين يبعثون من يتسلل الي داخل الجمعيات و الجماعات ليوجهوها نحو وجهتهم او ليحرفوا مسارها بما يخدم مسارهم او ليفجروها في الوقت المناسب تفجيرا لا تقوم لها بعده قائمة ... غلو طارئ في الشام وابتعاد مفرط في الغرب الاسلامي ان ابتعاد مسلمي شمال افريقيا عن مدرسة أهل البيت – مودة ومنهجا وعلما وعملا- التي لا يعرف عنها خصومها الا قشورا واشاعات روجها الأعداء أو الخصوم، هذا الجفاء- ولا نکفر فردا ولا نفسق جماعة- کان طامة کبري علي البلاد والعباد. لقد فتن الناس في الغرب عن دينهم و دنياهم کما فتن الناس في الشام عندما ألجأهم القمع والطغيان الي الکهوف والمغارات خوفا ممن قام لقتلهم بسبب ولائهم لأهل البيت وتشيعهم لهم فلما انعزلوا والعلماء ملجمون والکتب مصادرة نشأت فيهم أجيال جاهلة بأصول الدين وفروعه فظهر فيهم الغلو واستفحل في جبال العلويين والدروزمن ارض الشام وترکيا وما جاورها. ان الغلو والتطرف والانحراف من نتائج الظلم السياسي والاستبداد والقهرالذي عاشته شعوب هذا الوطن الاسلامي الکبير، لکن بذرة الحق والخير لم يعف عليها الزمان لأنها بقيت حية في أعماق تلک الصخور والکهوف حتي قيض الله لها من يسقيها ويتعهدها لتطلع يانعة مزهرة في ربيع قادم تضرجه الورود وشقائق النعمان لادماء الضعفاء والنسوة والولدان. هذا عن المولي ادريس والاشکال الذي أثاره الاستاذ أحمد عصيد حول بذرة التشيع في بلادنا. أم المشاکل أما أم المشاکل فهي في نظري هذه المتاهة التي يتخبط فيها کثيرمن الناس محاولين الخلاص من ظلمتها ووطأتها بوسائل يظنونها ناجعة وليست في حقيقتها الا طرقا مسدودة تؤدي إلي مزيد من التيه والضياع وهدر الأموال والطاقات لتبقي الأمة فقيرة محتاجة إلي غيرها مستهدفة في حاضرها ومستقبلها. أم المشاکل يا أخانا أحمد أن يتنکر أحفاد اولئک العظام،للبذرة التي بذرها أجدادهم وسقوها بدمائهم، ويتجهوا إلي بذور أخري لا تسمن ولا تغني من جوع بل وتنبت الشوک والحنظل و تنتقل سمومها بعد طول مضغ وسوءهضم إلي تربة إفريقيا الطيبة وإلي أجسام وأرواح حفدة طارق و أبي عبد الله الشيعي وعبد الکريم الخطابي و الحسن اليوسي والمختار السوسي وعبد القادر الجزائري... أم المشاکل أن يکون للإنسان في أرضه وفي متناوله ما يقيم به صلبه ويشيد به أرکان نهضته ومع ذلک يغفل عن ذلک کله ليذهب متهالکا تابعا لشرذمة من مترفي الخليج وهم في طريقهم الي الإنحلال والزوال أو يذهب خاطبا ود صهيوني ماکرهمه کنز أموال الشعوب واستحمار رجالها، أو متملقا لثقافة أنظمة غربية تدخل يوما بعد يوم في عصر الأزمات والظلمات. أم المصائب هي تلک التي دعت حفيدا من أحفاد عبد المؤمن بن علي إلي تقبيل يد زعيم فرنسي يقنن للشذوذ الجنسي والتفسخ الأخلاقي.نعم لقد فعلها هذا الرجل علانية لکن کثيرا من نخبنا يفعلونها أيضا بلباقة ونفاق لا يخفي علي أحد، وماتخفيه الکواليس من ذلک أفظع وأدهي: إن مثلنا اليوم ونحن نعرض عن بذرة المولي ادريس وشجرة النبوة کمثل الذي ينهل من أساطير اليونان ويتغني بمحاسن اوربا وأمريکا الخداعة وهو عارف بجمال الأطلس الکبير وجلال الريف العتيد وسهول سوس الغني برجاله وأرضه. لکنه استبدل بشنقيط و مراکش وفاس وتلمسان والمهدية وبرقة والکنانة وتمبوکتو ودار السلام ،أوکار الرذيلة والربا والتآمر علي الشعوب المستضعفة في واشنطن ولندن وباريس وروما وغيرها من مدن المترفين والمستکبرين. أم المصائب أن تغفل مجموعات کثيرة من النخب في بلادنا – اسلامية وعلمانية- عن بذرة الحياة والعزة التي بذرها المولي ادريس ومن سبقه أو لحقه من مقاومي الظلم والطغيان لتسقط – هذه المجموعات- في الخطأ بعد الخطأ دون أن تدرک أن ذلک من مهلکات الأفراد والجماعات. هما في الحقيقة وواقع الأمر خطيئتان: الاولي: اتباع سياسة ومناهج العربان لم يؤد إلا الي مزيد من التخلف والتبعية و استفحال الفقر والجهل والضياع. فلايزال الناس عندنا، رغم ما يرونه من الفشل الفظيع يقدمون – تحت تأثير التضليل- علي نفس التجارب الخاطئة وأخوف ما يخافه المرء اليوم أن يسفر ربيعهم هذا عن إعادة إنتاج التجارب الفاشلة لکن بصيغة جديدة تخدع المغرورين والمغبونين ولا تخدع المؤمنين الواعين المتيقظين. الثانية: ولا تقل فداحة وفظاعة عن الأولي وهي تهالک مجموعات غفيرة من نخبنا الثقافية والسياسية في أحضان من استعمروا بلادنا ونهبوا خيراتنا وقتلوا أجدادنا المقاومين، زعما منهم أنهم يحملون اليهم مشعل التقدم والحضارة والديمقراطية؛وماهي الا شعارات ومقدمات للانقضاض من جديد - في جنح الظلام أو علانية- علي حوض البحر الأبيض المتوسط والصحراء الکبري. ولا ينبئک مثل خبير. لعل الأخ أحمد عصيد و ثلة من القراء الکرام اذا اطلعوا علي هذا التشخيص لداء الأمة التي نحبها- کل علي طريقته الخاصة- ونحاول أن نجد لأمراضها المعضلة علاجا، لعل أحدهم يقول: « إن هؤلاء الأشراف الذين ربما أنتم بصدد التنظير لمشروعهم الارستقراطي المقيت هم الذين فعلوا بهذه الأمة الأفاعيل !...» لا معاذ الله أن ندافع عن الظالمين. إن الأشراف -ولوثبت نسبهم- ليسوا معصومين أبدا ولا يحل لهم ان يطلبوا شيئا من أمر الدنيا اعتمادا علي مجرد انتمائهم إلي النسب الشريف. الأشراف من ذرية المصطفي (ص) - عدا من طهرهم الله تطهيرا بنص القرآن الکريم والحديث الشريف- هم عند أهل الإسلام کذرية اسحاق ويعقوب، منهم الصالحون ومنهم دون ذلک، فإن صلحوا وأصلحوا کان لهم أجرهم وإن فسدوا کان عليهم الوزر مضاعفا لأنهم لم يقوموا بمسؤولية الإنتماء إلي نبي الرحمة حق القيام وشوهوا سمعته في طول البلاد وعرضها، فهم في ذلک کعلماء الدين تماما: إذا خدموا الحق والأمة کان فضلهم کبيرا وإن ضيعوا الأمانة وأعانوا علي إفساد الأمة کان الخطر المحدق بهم أجسم وأعظم « ليحملوا أوزارهم کاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم...» آية:25 سورة النحل العضو – سابقا – في جمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية والأستاذ – حاليا – في جامعة المصطفي(ص)العالمية.قم ايران