(لاتضرب المرأة ولو بزهرة): مثل ياباني في غاية الرقة و الجمال، ينم عن فهم وتقدير ذو بعد رومانسي لطبيعة المرأة وتکوينها النفسي و البايولوجي. ولکن لماذا النصح بعدم ضرب المرأة؟ لامراء من أن هکذا نصيحة ذهب مثلا لم يأت إعتباطا و لا من مجرد هرطقة کلامية بحتة من دون أي هدف معين يرمي إليه. إذ کما قال "المسيح" في "مريم المجدلية": (( من کان منکم بلا خطيئة فليرمها بحجارة))، بدواعي من حمايتها لا من مجموعة من البشر المندفعين للقصاص من تلک المرأة، وإنما للوقوف ضد إرث إجتماعي فکري موجه ضد المرأة. أو حين نطالع الحديث النبوي: ((رفقا بالقوارير))، فإنه کان دعوة صريحة من رسول الاسلام الى المجتمع العربي في الجزيرة للکف عن إضطهادها والمساس بکرامتها کإنسان. وحين نطالع الفصول المأساوية من التأريخ الإنساني و نقلب أوراق المعاناة الانسانية على مر الحقب الطويلة المختلفة، نجدها المتضرر الأکبر و الخاسر الأعظم بدون منازع. إذ کانت في کل المراحل التأريخية مجرد تابع و ظل بعيد عن روح و جوهر الامور برمتها. لقد کانت المرأة بالنسبة للرجل مخلوق يشبع حاجته الغرائزية بين الفينة والاخرى، وتقوم إلى جانب ذلک بخدمته ورعايته وتربية أطفاله مقابل حماية يؤمنها لها. ولکن الرجل- ومع کل ماتقدمه له المرأة- کان يرى فيها نقطة ضعف دائمة في خاصرته أمام أعدائه. إذ کانت المرأة قديما جزءا من الغنائم التي يحصل عليها الرجال في الحروب المثارة بينهم لأسباب و دواعي شتى. من المفيد أن نشير هنا الى الخلفية الفکرية للمجتمعات القديمة بخصوص تقييم المرأة وتحديد أساس معين للتعامل معها - والمستمدة أساسا من أسس إسطورية و من ثم دينية- أسبغت على الموقف بعدا مقدسا کان بمثابة الإطار الذي حوصرت فيه المرأة من قبل نظرية فکرية إجتماعية تستند على مفاهيم اشتقت کلها على وجه الاطلاق من الزاوية التي تعکس المفهوم الرجولي لکل الامور. وقد کانتا نقطتا الإشباع الغرائزي للرجل والمتوفر عند المرأة وإحساسها بالضعف أمام الرجل أساسين مهمين في التکوين الجنسي للمرأة. ومن هنا کان دوما المبادر في العملية الجنسية هو الرجل، في حين کانت المرأة دائما في وضع المدافع أوالمنقاد الذي لاخيار آخر لديه سوى الانصياع. هذا الإرث الانساني الموغل في السلبية والرداءة بالنسبة للانثى، رسم البعد النفسي"السايکيولوجي" للمرأة فيما يتعلق بالعملية الجنسية بحد ذاتها. وإذا کان التفوق الرجولي - وفق مفهوم بروز العضو الرجولي و ضمور الانثوي- دافعا للمفاخرة والمجاهرة - کما هو سائد في العديد من المجتمعات التي تسود فيها القيم القبلية- فأن هناک على الضد من ذلک إحساس بالتضاؤل و مايشبه الشعور بالحقارة والاستصغار اللذان هما العماد الذي شکل أساس مبدأ "العيب" الذي صار سوطا إجتماعيا مسلطا بوجه الانثى. ومما ساهم في إذکاء و تقوية مبدأ "العيب"، هو أن مجرد ذکر العملية الجنسية أو مايدل أو يشير إليها في الأساطير و الکتب المقدسة، کان يأتي وفق سياق يستدل منه على الخطيئة أو الجرم الذي من الافضل عدم الوقوف طويلا عنده والمرور عليه مرور الکرام. ورغم أننا لانتفق کثيرا مع الآراء التي أوردتها الدکتورة" نوال السعداوي" في کتاباتها ولا سيما في کتابيها (المرأة و الجنس) و "(الانثى هي الاصل)، لکننا لانجد مناصاً من الوقوف عند آرائها التي تنطلق من الإحساس المتوارث بالإضطهاد لدى المرأة والاخذ بنظر الاعتبار لرؤيتها الخاصة فيما يتعلق بعدم أصالة الرجل وکون الانثى هي الاصل! وإذا کان الدکتور"فريدريک کيهن" لم يعر أهمية لمسألة الاصالة عند الرجل أم المرأة، فإنه قد وقف طويلا عند الخلفية الفکرية الاجتماعية للمجتمعات ومساهمتها في بقاء و تعقد مسألة البرود الجنسي عند المرأة. وهذه النقطة بالذات قد إلتفت إليها أريک فروم و عزاها الى البعد الاجتماعي الفکري مباشرة و من دون مواربة. وعلى الضد من ذلک يحاول دعاة التمسک بالموقف الاخلاقي و قيم الفضيلة المرتبطة أساسا بالمبادئ الکنسية من أمثال عالم الاجتماع الامريکي المحافظ"ديفيد بوبنو" أن يقلل من التأثيرات و التداعيات السلبية للخلفية الاجتماعية الفکرية على المرأة، وذلک من خلال إضفاء مسحة رومانسية على جوهر المسألة حين يحاول أن يعزي المسألة الجنسية لدى المرأة الى عامل الرقة و رهافة المشاعر و ضعفها البايولوجي فيحاول أن يحلل مسألة خضوع المرأة للرجل بسبب من"حاجة المرأة الدائمة للإحتماء" متناسياً من أن حاجة المرأة الدائمة للإحتماء ينبع أساساً من التأثيرات السلبية للخلفية الاجتماعية الفکرية عليها. أما العلامة الايراني"مرتضى مطهري" فهو أيضا يسلک نفس درب" بوبن"و في کتابه المعروف ( نظام حقوق المرأة في الاسلام)، والذي مزج فيه بين القيم الاسلامية المتعلقة بالمرأة و المسائل الفلسفية و النفسية وحاول من خلال تلک التوليفة أن يقوم بفذلکة الموقف الاسلامي من المرأة فيمنحه بعداً أخلاقياً يجعله مختلفا عن بقية الأديان. "المطهري" وإن کان موفقاً في سبک الکلام ودعم الحجج و إيجاد الدعامات المنطقية لما يراه من الرؤيا الإسلامية للمرأة، إلا إنه لايستطيع أن يلغي مساحات شاسعة من موقف الفقه الإسلامي من المرأة والمشتق أساساً من المنابع الرئيسية - الکتاب و السنة- وتلک المساحات ترى في المرأة کائناً تابعاً و ليس متبوعاً - کما في السياسة والقضاء- اللذان لايسمحان بتولية المرأة إطلاقاً، وإمرأتان تعادلان رجلاً کما في الشهادة، ومسائل أخرى عديدة - کما في مسألة الارث. وکل ذلک يجعل المرأة أسيرة تلک المفاهيم ولاتملک خياراً غير الإذعان لها. إن العلامة "المطهري" يتغاضى عن ذکر ذلک الحديث النبوي الذي يجعل المرأة عرضة للعنة من قبل الله والملائکة إذا لم ترضي زوجها في الفراش وذلک بأن تعرض نفسها عليه کل ليلة، فإن باشرها فلها الخير والثواب وإن أعرض عنها فلها أيضا نفس الأمر، أما إذا لم تعرض نفسها عليه وأعرضت عنه - مهما کان السبب- فعليها لعنة الله والملائکة حتى يرضى عنها زوجها!! بيد أن ذات المسألة لاتثار فيما إذا تعلق الأمر بالمرأة، أي فيما إذا أعرض عنها الرجل. إن الأنثى إذا تزوجت فإنها الى جانب حاجتها لشريک لحياتها وإلى بيت وأطفال ما إليه، فإنها - مثل الرجل تماما- تحتاج الى إشباع غريزتها الجنسية والتمتع بهذا الجانب الغرائزي السايکيولوجي من الحياة. ** المصدر: (*) کاتب و صحفي مقيم في ألمانيا. منقول من مجلة جسور الثقافية.