إن المتبع للحلقة الماضية من برنامج "مباشرة معكم" الذي استضاف المرشحين الخمسة لمنصب الكاتب العام لحزب الوردة، سيصدم بشكل و محتوى النقاش الذي دار بين من يفترض فيهم أنهم قادة حزب تاريخي و حملة رؤية جديدة تعيد للإتحاد عافيته و تعبر به مرحلة "الدوخة" التي أدمن عليها لزمن ليس باليسير، كنا ننتظر مناظرة دسمة ترسم معالم طريق الحزب ، تضبط بوصلته و تضعه على سكة التغيير الذي ينشده مناضلوه و مناضلاته. كنا ننتظر عرضا للرؤى وتقديما للبرامج و فوجئنا بجلسة علت فيها الأصوات و بحت فيها الحناجر و كأن الرفاق أخذتهم نوستالجيا الزمن الجميل،الحلقة خلت من كل شيء إلا من النميمة السياسية التي أكلت من لحم حزب ما كا ن ممثلوه ليصمتوا لو كانوا حاضرين، و رغم تنبيه مقدم البرنامج الإخوة المرشحين أن الحلقة فرصة لتقديم البرامج لإقناع منخرطي الإتحاد و مناسبة للتسامح مع الشعب الذي جربهم و غبن فيهم، لكن و مع سبق إصرار القادة إنحرف الموضوع إلى كيل التهم لحزب المصباح و تبخيس عمل الحكومة التي يرأسها ، صوبوا بنادقهم الصدئة إلى حزب كان حتى الأمس القريب حليفا بوأهم الصدارة و نالوا بفضل دعمه لمرشحي الوردة بعد الإنتخابات الجماعية عمودية مدن وازنة كل ذلك دون مقابل أو شرط ، و قد كانوا قبل ذلك أشرس المطالبين بحل حزب العدالة و التنمية بعد تحميله المسؤولية المعنوية عن أحداث الدارالبيضاء الإرهابية، ثم يضيفون في مداخلاتهم أن "السياسة مبادئ و أخلاق" . تبا لكم و لأخلاقكم و بئس المبادئ مبادئكم. كأن الشاعر قصدكم حين نظم "و إذا أكرمت اللئيم تمرد". لن أجادل في الرصيد التاريخي للإتحاد الإشتراكي لأن التاريخ لا يعيد نفسه ، و لن أتحدث عن واقعه لأن ما فيه يكفيه. سأقترح قراءة لمواقف الإتحاديين من "المحافظين" على ضوء ما يجري في باقي البلدان التي استنشقت نسمات الربيع الديموقراطي و لعل أبرز الخلاصات التي يمكن تسجيلها هي أن مسار ربيع الشعوب وصل إلى مرحلة "الغربلة النهائية" للنخب و الهيئات، مرحلة "إما معنا أو مع الإسلاميين" و نحن في المغرب نعيش ارتدادات ما يقع في تلك البلدان و لو بشكل خفي و درجة أقل حدة. لذلك لابد من شكر قيادات الوردة التي قطعت الشك باليقين حين أعلنتها صراحة أن "التيه الإيديولوجي-الإسلامي" الذي تعيشه شعوب المنطقة سبب كل الويلات والقلاقل، و أن خلط السياسة بالدين هو بيت الداء. شكرا يا نخبة الوردة إذ أنعشتم ذاكرتنا فذكرتمونا أن أم معارككم ليست محاربة الفساد و إنما إجتثات "القوى المحافظة" التي تهدد أمن البلاد و مقدراته و مكتسبات شعبه. شكرا للتنبيه أن نسبة المشاركة الهزيلة في الإنتخابات لا تمنح الإسلاميين حق الحديث عن شرعية الصناديق. كلامكم أيها القادة كأنه صدى لما تجتره "جبهة الإنقاذ " في مصر التي تحول أعضاؤها بفعل ساحر من منظرين للديموقراطية إلى دعاة لإسقاط رئيس منتخب لم يرشح نفسه بل أوصلته ديموقراطية الإسلاميين و ثقة المواطنين إلى كرسي قصر الإتحادية في انتخابات شهد بنزاهتها العدو قبل الصديق. لقد إختار الإتحاديون الإصطفاف مع قوى "الحداثة" حتى و إن كانت مفسدة لأن المرحلة تقتضي توحيد الجهود لمقارعة المد المحافظ الذي ركب الثورات دون أن يساهم فيها على حد تعبيرهم . لم يشاؤوا الإنخراط في حكومة يترأسها حزب المحافظين ليس لأن نتائج الإنتخابات أملت ذلك لكن لأن المطلوب في المرحلة الراهنة هو تحجيم الإسلاميين و ليس تقويتهم بالتحالف معهم. لكن في المقابل لابد أن نسأل نخبة الإتحاد ، كيف تستوردون مرجعيتكم من أقصى الشرق و تعيبون على المحافظين مرجعيتهم الإسلامية المتأصلة في البلاد و العباد ؟ أ لستم من شارك في تدبير الشأن العام لعقد من الزمن و ساهمتم بأدائكم و مواقفكم في تمييع السياسة و نفور الجمهور من ملاعبكم ؟ إستوردوا مرجعياتكم شرقا و غربا و صدروا إلينا مشاكلكم، فلا يسعنا إلا أن ننتظر متى تستفيقون من دوختكم لنهمس في آذانكم : "إبكوا كالنساء على شعبية لم تحافظوا عليها كالرجال"