رئيس الحكومة: 8.5 مليون ليلة مبيت للمغاربة في الفنادق المصنفة سنة 2024    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء متباين    السياحة الداخلية تسجل 8.5 مليون ليلة مبيت في الفنادق المصنفة خلال 2024    أمواج عاتية تصل إلى 6.5 أمتار على السواحل الأطلسية بين طنجة وطرفاية الخميس المقبل    توقعات بعودة التساقطات الثلجية إلى مرتفعات الحسيمة    بعد غرق قارب.. إيقاف الملاحة البحرية بميناء العرائش    رحو يدعو إلى عقلنة استغلال المعطيات الشخصية في "السجل الاجتماعي"    بوريطة يتباحث مع الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة    مئات الآلاف من النازحين يعودون إلى شمال غزة في مشهد إنساني مؤثر    ابتدائية إيمنتانوت تتابع أفراد شبكة تهريب دولي للمخدرات يقودها رئيس جماعة سابق    الجامعة الوطنية للصحة بالمضيق-الفنيدق تصعّد ضد تردي الوضع الصحي    ناس الغيوان تلهب حماس الجمهور في حفل استثنائي في ستراسبورغ    طهاة فرنسيون مرموقون: المطبخ المغربي يحتل مكانة متميزة في مسابقة "بوكوس دور"    بما فيها "الاستبعاد المدرسي".. "الصحة" و"التعليم" تطلقان تدابير جديدة في المدارس لمواجهة انتشار الأمراض المعدية    الرباط على موعد مع الإثارة : قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 تشعل الأجواء!    بعد النتائج السلبية.. رئيس الرجاء عادل هالا يعلن استقالته من منصبه    المغرب يفاجئ الكاف بإضافة ثلاثة ملاعب لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025    مسرح البدوي يخلد الذكرى الثالثة لرحيل عميد المسرح المغربي الأستاذ عبدالقادر البدوي.    الدفاع الجديدي يطالب بصرامة تحكيمية ترتقي بالمنتوج الكروي    هروب جماعي من سجن في الكونغو    مصرع خمسة عمال جراء انفجار بأحد الانفاق بتارودانت    مشاهير مغاربة يتصدرون الترشيحات النهائية ل "العراق أواردز"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    كأس إفريقيا للأمم…تصنيف المنتخبات في القرعة    المعارضة تطالب باستدعاء التهراوي    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 17 سنة ينهزم وديا أمام غينيا بيساو    "الكاف" يعقد اجتماع بالرباط لمناقشة عدة نقاط أبرزها "كان المغرب 2025"    متى تأخر المسلمون، وتقدم غيرهم؟    المال من ريبة إلى أخرى عند بول ريكور    أمطار وزخات رعدية متوقعة في عدة مناطق بالمغرب مع طقس متقلب اليوم    لأول مرة في تاريخه.. المغرب يدخل عصر إنتاج الغاز الطبيعي المسال    البواري: إحصاء القطيع خطوة أولى لمواجهة أزمة الماشية وتحديد الخصاص    مؤثر إسباني: شغف المغاربة بكرة القدم الإسبانية يجعلني أشعر وكأنني واحد منهم    الولايات المتحدة تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 فبراير    ماذا يقع في وزارة النقل؟.. هل يواجه الوزير قيوح عناد "العفاريت والتماسيح"؟    ريدوان يهدي المنتخب المغربي أغنية جديدة بعنوان "مغربي مغربي"    نقابة التعليم العالي تدين توقيف أستاذين بجامعة محمد الخامس وتدعو إلى سحب القرار    الكرملين ينتظر إشارات من واشنطن لاجتماع محتمل بين بوتين وترامب    إضراب واعتصام أمام الادارة العامة للتكوين المهني لهذا السبب    وعود ترامب الثلاثة التي تهم المغرب    وفد عسكري مغربي يزور مؤسسات تاريخية عسكرية في إسبانيا لتعزيز التعاون    انخفاض أسعار الذهب مع ارتفاع الدولار    الصين: قدرة تخزين الطاقة الجديدة تتجاوز 70 مليون كيلووات    تراجع أسعار النفط بعد دعوة الرئيس ترامب أوبك إلى خفض الأسعار    تايلاند تصرف دعما لكبار السن بقيمة 890 مليون دولار لإنعاش الاقتصاد    بدء عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة    طلبة الطب والصيدلة يطالبون بتسريع تنزيل اتفاق التسوية    انتشال جثث 5 عمال بإقليم تارودانت    برودة القدمين المستمرة تدق ناقوس الخطر    شكاية سيدة وابنتها حول النصب والاحتيال والابتزاز ضد رئيس جماعة على طاولة وكيل الملك بابتدائية سيدي بنور    ندوة ترثي المؤرخة لطيفة الكندوز    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طريق ثالث لتسوية أقدم نزاع في القارة الإفريقية
نشر في لكم يوم 23 - 11 - 2020

هل ينذر التصعيد الأخير بين القوات المسلحة المغربية و جبهة البوليساريو بموجة جديدة من الصراع بين الجانبين؟ هذا السؤال تم ترديده في مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية، و على مختلف وسائط التواصل الإجتماعي.. مع يصاحب ذلك، من إحتقان شديد و مواقف متطرفة وخطابات شوفينية وعنصرية من كلا الجانبين … وهو الأمر الذي يجانب الصواب ولا يخدم مصالح غالبية سكان الإقليم، ولا أعني بالإقليم المغرب أو الجزائر، أو الصحراء المغربية (أو "الغربية" و فق ماهو متداول في وسائل الإعلام الدولية)، وإنما أعني بالإقليم كل المغرب العربي الذي يتعدى سكانه 100 مليون نسمة…
وحالة التصعيد بدأت منذ الجمعة الماضي 13 تشرين الثاني – نوفمبر الجاري ، حيث نفذت القوات المسلحة المغربية عملية عسكرية محدودة عند "معبر الكركرات"، والذي يمثل نقطة اتصال بري بين الصحراء و موريتانيا، وهو ما أكدته القوات المسلحة المغربية في بيان لها صدر في نفس اليوم قالت فيه: "إن القوات المسلحة الملكية قامت ليلة الخميس – الجمعة بوضع حزام أمني من أجل تأمين تدفق السلع والأفراد .."، وفي وقت سابق قالت الخارجية المغربية في بيان لها: " جبهة البوليساريو وميلشياتها تخترق المنطقة منذ 21 أكتوبر وتقوم بأعمال لصوصية ، وتقطع الطرق، وتواظب التحرش بمراقبي البعثة الأممية .."، هذا وقد نقلت بالفعل، تقارير إخبارية في المغرب وموريتانيا، على لسان نحو 200 شخص من سائقي الشاحنات المغاربة، قولهم في الخامس من تشرين الثاني- نوفمبر الجاري، أنهم عانوا أوضاعا صعبة على الجانب الموريتاني من الحدود الصحراوية، مناشدين الجهات المعنية في كل من "الرباط" و "نواكشوط" لمساعدتهم في العودة إلى ديارهم بعد أن قطع "مقاتلو البوليساريو" طريقهم هو الأمر الذي يؤكد الرواية المغربية ويبرر تدخل الجيش المغربي، ومن باب الإنصاف فإن التدخل كان سلميا ولم يكن تدخلا مسلحا ولم يتم فيه سفك دماء أي أحد من كلا الجانبين…
في حين أن "جبهة البوليساريو" قالت في بيان لها " أن المغرب فتح ثلاث ثغرات جديدة في الجدار العسكري بمنطقة الكركرات، لمهاجمة متظاهرين سلميين .." وقد وصف جيش التحرير الشعبي، الجناح المسلح لجبهة "البوليساريو" تدخل الجيش المغربي " بالعدوان"، وفي ذات السياق أعلنت الجبهة "التخلي رسميا عن الإلتزام بقرار الأمم المتحدة القاضي بوقف إطلاق النار مع المغرب الصادر سنة 1991…"…
والواقع أني لم أرد الكتابة في هذا الموضوع، لأن وجهة نظري مغايرة للتصور الرسمي السائد في المغرب والجزائر، فأنا لست من المؤمنين بمنطق العصبية والوطنية ضيقة الأفق، وأرى بأن هذا النزاع نزاع مفتعل، وأن أغلبية الشعب الصحراوي تعيش على التراب المغربي، ويستفيدون من كل حقوقهم المدنية والسياسية، وإذا كان هناك ظلم فإن الدولة المغربية "عادلة في ظلمها"، فظلمها يشمل مواطني الشمال والشرق والوسط.. بل إن من يعيش في جنوب المغرب وفي مدن ك"كلميم" و "العيون" و"السمارة" و"طرفاية" و "سيدي إيفني" وغيرها من المدن الصحراوية، يدرك الفرق الكبير في كلفة المعيشة وفي السلع والخدمات العمومية المقدمة لساكنة هذه المدن، مقارنة بباقي المدن المغربية بالشمال و الوسط و الشرق..
فالدولة المغربية بعد 1975 تبنت مجموعة من السياسات الخاطئة في تعاملها مع سكان الصحراء وفي إدارة هذا الملف، وعليها أن تتحمل مسؤولية هذه السياسات الخاطئة، فقد حاولت منذ البداية تشكيل "نخبة صحراوية" موالية للرباط، وفي سعيها لتحقيق هذه الغاية عملت على إغداق مجوعة من الإمتيازات على النخب المحلية، وهو ما ولد نوعا من الريع، الذي أسهم في إعاقة إيجاد حل نهائي لهذا الملف.. هذا بالإضافة إلى أن الدولة المغربية عملت على تقديم إعانات ودعم غير محدود لسكان الصحراء، وتقديم إعفاءات ضريبية و غير ضريبة لهؤلاء السكان، في حين أرهقت كاهل عموم مواطني المملكة بالضرائب وغيرها ، فكلفة المعيشة منخفضة في عموم الصحراء نتيجة للدعم الذي تقدمه الدولة من أموال دافعي الضرائب لدعم السلع والخدمات المقدمة لسكان الصحراء، فمثلا لتر الزيت أو علبة السكر أو الشاي أو غيرها من السلع والخدمات ثمنها في مدن الصحراء هو نصف ثمنها في باقي المدن المغربية، بل إن الطلبة المنحدرين من الأقاليم الصحراوية تمنح لهم الدولة منحا تفوق الممنوحة لباقي طلبة المملكة .. فهناك تعاملا تفضيليا وتمييزيا لسكان الصحراء، فمن المفروض أنهم مواطنيين كاملي المواطنة، ولذلك فينبغي معاملتهم بمثل معاملة باقي مواطني المملكة.. وهذا بنظرنا، السبب المباشر في إستمرار هذا الملف، وسيستمر إلى ما لا نهاية إذا لم يتخذ العاهل المغربي باقي النخبة الحاكمة، خطوات جدية وجادة ليس في حل وطي ملف النزاع حول الصحراء فقط، وإنما في تبني نظام حكم ديموقراطي وعادل يشمل جميع سكان المملكة، ودون تمييز بين الشمال والجنوب والشرق والوسط…فالحكم الصالح و الديموقراطي، والقطيعة مع إنتهاكات حقوق الانسان، ومحاسبة ناهبي المال العام ، وفصل السلط ، والفصل بين السلطان والتجارة، والعودة لروح حراك 20 فبراير 2011، تعد المدخل الأساسي لكسب ود سكان الصحراء بل كسب ود سكان "سبتة" و"مليلية" التي تحتلهما إسبانيا إلى يومنا هذا…
فمن المؤكد أن نزاع الصحراء لا يمكن حله بالسلاح، فذلك أمر مرفوض وغير مقبول وغير ممكن ، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء رغم خلافنا معهم في الرأي و الموقف، إلا أن ذلك لا يمنع و لا ينفي أننا إخوة في العقيدة وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، و إذ ندين موقف "جبهة البوليساريو"والتي سعت إلى التهديد بحمل السلاح، فإننا ندين كذلك أصوات مغربية وأبواق تدعو إلى استخدام القوة والعنف ضد الصحراويين، وعلى خلاف الرأي الأول القائل بأن السلاح هو الحل، والرأي الثاني الذي يدعو إلى الانفصال، وإن كنت أرى أن الحكم الذاتي الموسع هو نوع من الانفصال، على غرار ما حدث في "كردستان العراق" وما حدث مع "هونغ كونغ" و"مكاو" في علاقتهما بالصين …فإني أرى أن الحل الأقرب و الأنسب في عصر تتجهه في الدول إلى التكتل مع بعضها، وليس العكس الاتجاه نحو تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، هو الوحدة و التكتل في إطار أكبر و أشمل هو المغرب العربي و النزاع حول الصحراء يمكن حله في هذا التكتل الإقليمي، ولنا في تجربة أوروبا خير مثال…
ففي الوقت الذي تجاوزت فيه أوروبا التي كانت مسرحا لحربين مدمرتين، خلافاتها وتجاوزت جراحها، و أسست لحقبة جديدة من التعاون والتكامل، وخلقت إطارا وحدويا يذيب الوطنيات والقوميات في بوتقة إتحاد أوروبي عابر للحدود، نجد أن البلدان العربية والإسلامية لازالت تعاني صراعات دموية، و نزاعات حدودية وتفرقةً مصطنعة، تدمر كل إمكانية للوحدة والتنمية والسلم الإقليمي، فأروبا إستوعبت الدرس وحاولت الخروج من دائرة الوطنية والقومية ضيقة الأفق إلى دائرة العالمية، خاصة وأن الدولة القومية في أروبا أدخلت الأروبيين في دوامة من الدم والصراع، الذي لم يتمكن أي طرف بحسمه لصالحه، فبعد ان إنتصر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وفرضوا شروطا قاسية على ألمانيا المنهزمة، سرعان ما إستعادت هذه الأخيرة عافيتها و حاولت تجاوز أثار إتفاقية الإستسلام، فصعد هتلر للحكم و النازية التي قادت إلى إنفجار حرب عالمية ثانية أكثر دموية ودمارا…
والجدير بالذكر، أن هذا النمط الغربي في الوحدة، أول من أسس بنيانه محمد عليه الصلاة والسلام ، عندما وضع النواة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة بعد الهجرة، إذ تم تجاوز منطق العصبيات و الصراع وتغليب منطق التعايش و الإخاء، و هو أمر جاء القرأن الكريم ليؤكده بشكل واضح إذ قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13].. وفي قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103]…
فنجاح الإتحاد الأروبي في إدارة خلافاته السياسية وفي صهر أكثر من عشرين قومية في كيان واحد، يدعو إلى التفاؤل بإمكانية توحيد الشعوب المغاربية في كيان عابر للحدود، يمتلك إرادة سياسية موحدة و يوحد القوى و القدرات و الإمكانيات لتوظيفها في تحقيق التنمية و الحرية والكرامة لكل المواطنيين على أرضه، ويحمي شعوب المنطقة من ملوك الطوائف الذين يحرقون الأخضر و اليابس ويتنافسون فيما بينهم على سلطان ونفوذ وهمي، لاقيمة له لولا مظلة الحماية الأجنبية..
لذلك، نؤكد على أن هذا الوضع الشاذ حول نزاع الصحراء لابد له من تسوية ، فاستمرار هذا النزاع غايته منع الوحدة بين دول الإقليم وإعاقة إقامة نموذج تنموي إقليمي خدمة لمصالح إستعمارية، تدرك جيدا إمكانيات هذا الإقليم الإقتصادية و البشرية والجيوإستراتيجية، خاصة و أن هذا النزاع لا يخدم مصلحة الجزائر ولا المغرب، فمصلحة البلدين تتطلب تجاوز خلافاتهما الشكلية، والسعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل وتغليب جانب التعاون والتكامل بدلا من الخصام و التصادم، وندعو كلا الطرفين الذين يعترفان بضرورة الحوار والتعاون، أن يتم الابتعاد عن الشكل والتركيز على الجوهر..وبنظرنا، فإن الآلية موجودة منذ نحو ثلاث عقود و أعني إتحاد المغرب العربي الذي يعد المدخل الأساسي لتسوية أزمات الإقليم و خلق دورة تنمية إقليمية …
وكلامنا هذا لا ينطلق من أساس عاطفي، بل المؤشرات الكمية والنوعية، والتجارب الدولية، تؤكد فعالية التكتلات الإقليمية، ودورها في التنمية الإقتصادية، وايجاد مناطق أمنة وجاذبة للاستثمارات و للكفاءات…فتكتل المغرب العربي أو المغرب الكبير، هو حلم راود الرعيل الأول من رجال المقاومة والتحرير، فهذه البلدان وهي تحت الإحتلال الفرنسي، شكلت نواة مقاومة شملت بلدان المغرب والجزائر وتونس، فمعركة الاستقلال والتحرر كانت معركة مغاربية، توحدت فيها جهود المقاومين قادة وشعوبا، غير أن جيل الاستقلال سلك منهجا مغايرا، إذ تم تبني سياسات ذات نزعة وطنية ضيقة الأفق، بل شهدت حروبا ونزاعات حدودية بين المغرب والجزائر وبلغ النزاع ذروته، ليصبح حربا ساخنة في فترة "حرب الرمال" وانتقل إلى حرب باردة أو بالوكالة بعد 1975، بفعل انفجار قضية الصحراء..
وطيلة الفترة من الاستقلال إلى 1989، شهدت بلدان الإقليم محاولات للوحدة، فكانت الوحدة بين ليبيا وتونس، وليبيا و المغرب، لكن هذه المبادرات كانت غير واقعية، وخاضعة للمزاج السياسي، لكن في 1989 بمدينة مراكش أعلن قادة خمس بلدان مغاربية:(المغرب+الجزائر+تونس+ليبيا+موريتانيا) عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، غير أن هذه الخطوة ظلت حبرا على ورق ولم تعقبها خطوات فعلية في المجال السياسي و الاقتصادي ...
ففشل اتحاد المغربي لم يكن نتاج لعدم فعالية الفكرة، وإنما لعدم وجود إرادة سياسية توافقية، تغلب منطق العام على الخاص، والإقليمي علي الوطني، والاقتصادي على السياسي، و التنموي على الأمني...لكن فكرة الوحدة المغاربية ناجحة و ذات جدوى من الناحية التقنية والسياسية والأمنية، ومن دلائل هذه الفعالية:
أولا _ الوحدة بين بلدان الاقليم ستفرز فضاء إقليمي له إمكانات بشرية في غاية الأهمية: فعلى المستوى البشري سوق استهلاكي يتجاوز 100 مليون نسمة، ورأسمال بشري متنوع من حيث الثقافة، ومن حيث الكفاءات البشرية ومن حيث الاحتياجات.
ثانيا- إقتصاديا ناتج قومي إجمالي يقترب من عتبة 300مليار دولار سنويا، وفي حالة الوحدة من المرجح ان تقترب لتريليون في ظرف أقل من عقد، كما سينتقل معدل النمو الاقتصادي في الإقليم لأزيد من 9 في المائة و لمدة عقد وأزيد ، شريطة توفر سياسات اقتصادية وإجراءات نقدية ومالية مواكبة...
ثالثا-جيواستراتيجا: تكتل مغاربي بسياسات ومواقف موحدة، يعني قدرة تفاوضية في غاية الأهمية والتأثير، لاسيما و أن الموقع يتيح خصائص جيواستراجية ناذرة، فالاتحاد يتواجد على واجهتين بحريتين، وممر دولي حيوي للملاحة الدولية و للكابلات الدولية،وهو همزة وصل بين إفريقيا وأوروبا،ودوره في التأثير على السياسات الدولية في قضايا الهجرة و الجريمة العابرة للحدود، سيكون جد مؤثر ويحقق لبلدان الإقليم مكاسب اقتصادية و سياسية يصعب الحصول عليها بشكل منفرد...
فثمار الوحدة لها تأثير مباشر على المواطن، لأن التكتل سيخلق دورة حميدة على المستوى الاقتصادي والتنموي، فهناك تكامل اقتصادية بين البلدان الخمس، فاحتياجات الجزائر او ليبيا باعتبارهما بلدان نفطية، يمكن للاقتصاد المغربي او تونسي أن يغطيها والعكس صحيح، فالوحدة ستولد طلب على مستوى الاستهلاك الخاص أو العام، وسيتيح سيولة مالية بين بلدان الإقليم وهو الأمر الذي سيؤثر على الاستثمار ، ويحفز الإنتاج الصناعي و الزاعي والخدمي...
من الصعب حصر المكاسب، فمكاسب الوحدة تفوق الخسائر المحتملة، وليس هناك خسارة و هدر تنموي، أكبر من الاستمرار في السياسات الوطنية و الإنكفائية. و المنفتحة على أروبا أكثر من انفتاحها على بلدان الجوار، فحجم التجارة البينية بين بلدان الإقليم لاترقى لمستوى مثيلاتها مع بلدان أروبا...
وعلى العموم، نتمنى صادقين أن يتم التفاعل الإيجابي مع دعوات الحوار والتعاون و الوحدة، لانريد وحدة فجائية أو شكلية، وإنما إجراءات تدرجية، تقوم على بناء الثقة، ونبذ الخلافات السياسية وترحيلها، أو تجاوزها بشكل مؤقت، وبدل ذلك يتم فتح الحدود خاصة بين المغرب والجزائر، وتعزيز التجارة البينية والتكامل الاقتصادي، فالمصالح الإقتصادية محايدة ولا تخضع لمنطق الخلافات السياسية، لاسيما وأن ثمار الوحدة إقتصاديا جد مجدية... فإهمال تكتل المغرب العربي فيه مجانبة للصواب، وابتعاد عن أقصر الطرق وأقلها تكلفة وأكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي والجزائري وباقي الشعوب المغاربية، تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم، نظرا لتقارب المستوى التنموي بين الأطراف وأيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة وتنميتها، كما أن الاتحاد ألية سياسية فعالة وقادرة على تجنيب المنطقة النزاعات والثوثرات الحدودية، وكفيل بإيجاد تسوية شاملة للميول الإنفصالية سواءا بداخل المغرب أو الجزائر أو ليبيا، بفعل وجود خصوصية ثقافية أو إثنية..وهو حل عملي و موضوعي لنزاع الصحراء…و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.