"لون القط لا يهم، سواء أكان أبيض أم أسود، طالما أنه يصطاد الفئران" يصدق هذا المثل الصيني القديم على السياسة ورؤسائها في الولاياتالمتحدةالأمريكية. لا يهم أن يكون الرئيس الأمريكي من الحزب الديمقراطي أو من الحزب الجمهوري، طالما أنه يخدم سيطرة مصالح طبقة الرأسماليين الكبار في أمريكا وفي العالم. حين مكثت خلال زياراتي لمدة ثلاث سنوات (2007- 2015، 2016- 2019) لكاليفورنيا، لمعرفة الواقع الملموس للنظام الرأسمالي والمجتمع الرأسمالي، الأكثر تقدما وسيطرة سياسية واقتصادية على العالم (في بداية عام 2019، تمثل رسملة أسواق الأسهم الأمريكية (32 تريليون دولار أمريكي) 40٪ من الأسواق العالمية). وهي زيارات مكنتني من معرفة علمية كيف يرتهن الاقتصاد الأمريكي إلى فائض القيمة الكبير الذي يحققه بسيطرة الشركات الأمريكية العملاقة عالميا. في بداية عام 2019، تمثل رسملة أسواق الأسهم الأمريكية (32 تريليون دولار أمريكي) 40٪ من الأسواق العالمية، بانخفاض عن 50٪ في عام 2000، ولكن لا تزال متقدمة بفارق بعيد عن اليابان (7.6٪). الصين (7.5%). موقع "بيزنس إنسايدر" حدد أقوى الشركات في الولاياتالمتحدة، واعتمد في تصنيفه للشركات على أربعة معايير للقوة وهي قيمة العائدات في عام 2014، وعدد الموظفين (كل شركة تشغل مئات الآلاف من العمال والموظفين) ، ومدى التأثير الإعلامي للشركة. وتجني من العالم ملايير الدولارات، وأهم هذه الشركات وعائداتها هي كالتالي: – إي بي إم "IBM":: عائدات 2014: 92.8 مليار دولار. (تتواجد الشركة في أغلب بلدان العالم). – جنرال موتورز "General Motors":: عائدات 2014: 155.9 مليار دولار. (متواجدة في أغلب دول العالم) – يو بي إس "UPS":: عائدات 2014: 58.2 مليار دولار. (تشتغل مع أكثر من 200 دولة) – آبل "Apple": عائدات 2014: 182.9 مليار دولار (اكتسحت كل دول العالم – إيه تي & تي "AT&T":: عائدات 2014: 131.6 مليار دولار. (يغطي بثها التلفزيوني أكثر من 300 مليون شخص) – مايكروسوفت "Microsoft":: عائدات 2014: 86.83 مليار دولار. (تسيطر على تكنولوجيا الإعلام في العالم) – آمازون "Amazon":: عائدات 2014: 88.99 مليار دولار.( تمتلك الشركة أكثر من 40 فرع وتسوق جميع المنتجات في العالم) – جنرال إليكتريك : عائدات 2014: 72.61 مليار دولار. (جهزة "جنرال إليكتريك" الكهربية، فهي تصنع مجموعة واسعة من منتجات آلات طهي الطعام وتصنع المستلزمات الكهربائية لمحركات الطائرات) – تارجت "Target":: عائدات 2014: 72.61 مليار دولار. (من أكبر شركات التجارية الأمريكية) – وول مارت "Walmart":: عائدات 2014: 485.62 مليار دولار. (11500 متجر كبير في 28 دولة على مستوى العالم). في ترددي ومكوثي، في كاليفورنيا، وهي التي تحتوي على أهم وأكبر شركات أمريكا، فهمت بعمق كيف تسيطر الشركات الرأسمالية الكبرى على الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وكيف يتم استلاب الشعب الأمريكي، وكيف تتجسد ممارسة سلطة المال والشركات الرأسمالية الكبرى في المجتمع الأمريكي.. وكيف يتم، بسلطة المال، التحكم في الطبقة العاملة.. وكيف يتم إقصاء كل فكر ووعي راديكالي، وتهميشه في المجتمع.. ووكيف يتم تشجيع النزعات الرأسمالية اليمينية.. وإخضاع الدين المسيحي للرأسمال، وتهميش الحركات الاجتماعية التقدمية التي تناهض سيطرة الرأسمال في حياة الأمريكيين.. صادف وجودي بسان فرانسيسكو وبعض مدن ولاية كاليفورنيا انتخابات 2016، ووصول اليميني المتطرف دونالد ترامب إلى الرئاسة.. وكانت أول إجراءاته منع العرب السوريين من دخول أمريكا، تنفيذا لوعوده بمنع مواطني مجموعة من بلدان تسودها الثقافة الإسلامية من دخول أمريكا. فتم احتجاز سوريين وسوريات، هربين من الحرب، في مطار سان فرانسيسكو.. كمالا هاريس تزعمت حركة مساندة السوريين، وتوفير الأفرشة والأغطية والأكل لهم.. كما تم الطعن، قضائيا، أمام محكمة سان فرانسيسكو في قرار ترامب.. حَكَمَ القاضي بكون قرار ترامب يخرق دستور الولاياتالمتحدة.. وتم إلغاؤه. وتمكن السوريون المحتجزون من الدخول إلى أمريكا.. وهذا يبين أن ترامب لم يستطع تطبيق ما كان يطرحه في الحملة الانتخابية، مثلا لم يستطع إلغاء "Obama Care" (التأمين الصحي للفقراء في أمريكا)، بناء جدار على الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع الهجرة من أمريكا الجنوبية. وسواء أصبح جو بايدن (الحزب الديمقراطي) رئيسا، أم حكمت المحكمة لصالح الطعن في نتائج الانتخابات، الذي قدمه دونالد ترامب، وتمت إعادة عَدّ الأصوات، وظهرت النتائج لصالحه.. وأصبح رئيسا.. فإن ما جرى عمق انقسام المجتمع الأمريكي، مع بداية منع السوريين من دخول أمريكا، اتصلت عبر الأنترنيت بفضاء كمالا هاريس.. وعبرت عن مساندتي لحركتها.. أجابتني وطلبت الانضمام لحركة مساعدة السوريين والأمريكو-لاتينيين ضد قرارات ترامب.. وتستمر المراسلة بيننا إلى الآن… ورغم ذلك، فالحزب الديمقراطي يمارس سياسة ونظرية "الرأسمالية أحسن نظام سياسي اقتصادي اجتماعي في العالم" و"أمريكا أعظم بلد في العالم".. "و "أمريكا قائدة العلم" و"سياسة السيطرة على العالم وإعادة بنائه على صورتها ومصالحها".. ا فلواقع السياسي والمجتمعي الأمريكي يسيطر عليه اليوم سياسة رأسمالية ومالية، والصناعة الافتراضية الرأسمالية (الأنترنيت.. والإعلام الافتراضي، الثقافة الافتراضية الرأسمالية…)، وهي سياسة تعلب الرأي العام، تتحكم فيه وتهمشه، رغم أن بعض برامج القنوات التلفزية (CNN- NBC- Fox News... ) تنتقد وتعارض سياسة الإدارة الأمريكية، ورغم أk فوكس نيوز، التي كانت تساند دونالد ترامب، غيرت سياستها، وتحررت خلال، الانتخابات، من تأييده. وبالتالي، لن تتغير، راديكاليا، سياسة الإدارة الأمريكية، مع صعود جو بايدن إلى الرئاسة.. لأن الرأسمالية و"ديمقراطيتها" الليبرالية دخلت مرحلة دورات أزمتها المتلاحقة.. وقد انتقد تزيفان تودوروف "ّالديمقراطية" في المجتمعات الرأسمالية ووضح أن الديمقراطية "تعاني.. الغلو الفاضح، والحرية فيها باتت طغيانا، والشعب تحول إلى كتلة يتم التلاعب بها، وتتحول الرغبة في تعزيز التقدم إلى روح صليبية" (كتاب تزفيتان تودوروف: "أعداء الديمقراطية الحميمون"). وهذا ما يمارسه حكام النظام الرأسمالي في أمريكا، "ديمقراطية" سيطرة المال وطبقة الرأسمالين الكبار. وبالتالي يستمر ما يمكن أن يسمى "وهم الديمقراطية الكبير" في النظام الرأسمالي والنظام المجتمعي الأمريكي، اللذين يتوهمان أنهما تجاوزا العنصرية. في حين يستمر الانقسام الطبقي والعرقي وما تعمقه من تناقضات هدا الانقسام، إذ ولم يتم، في الواقع، تجاوزه هذه التناقضات، بالنظر لسيطرة النظام الرأسمالي النيو- ليبرالي الذي قد يتحول إلى ممارسات همجية. عندما انتخب الشعب الأميركي باراك أوباما، ندد به "المتشددون" في الحزب الجمهوري، وخاصة أقطاب قناة "فوكس نيوز"، باعتباره رئيساً للسود، وليس للمواطنين وللمواطنات الأمريكيين. فرغم أن سياسة باراك أوباما الملايين مكنت الأميركيين السود والفقراء من الطبقة المتوسطة من الحصول على الرعاية الصحية، لكن لم تشهد حالتهم، في التعليم والسكن والعمل والإقراض، تحسناً كبيراً، بل استمرت أوضاعهم في التدهور. ولم ينته الانقسام في المجتمع.. جاء دونالد ترامب بسياسات، أنانية عنصرية، أججت هذه النزعات و الصراعات.. واليوم، ولم يعترف، بعد، ترامب والجناح اليميني المتطرف داخل الحزب الجمهوري، بنجاح جو بايدن كرئيس جديد للولايات المتحدةالأمريكية. بل ويفترضون أن بإمكانهم فرض سياستهم ورؤيتهم للحياة على الشعب الأمريكي. بطبيعة الحال، فإن شعبوية دونالد ترامب قد استلبت وأغرت ملايين المحتاجين والمحتاجات الذين يعيشون عدم الاستقرار في حياتهم وعملهم، وسكنهم، لدعم سلطوية الملياردير ترامب والرئيس الشعبوي!! إنه اغتراب واستلاب لوعي عشرات الملايين من الأمريكيين ولإنسانيتهم. وهذا يجعل من المرجح أن يتحول الصراع الطبقي السياسي والأيديولوجي في الولاياتالمتحدة إلى حرب أهلية، في المستقبل المنظور، يريدها التيار اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري واليمين المتطرف في أمريكا عموما.