لقد أنفق العلماء المخلصين من المسلمين – قديما وحديثا – آلاف الساعات من العمل المضني والتمحيص والتدقيق والتنقيب ، وقضوا أياما وليالي طويلة في دراسة القرآن الكريم وخدمته ، قصد اكتشاف عجائبه التي لا تنتهي سواء من الناحية اللغوية ، أو من الناحية البلاغية ، أو التربوية أوالعلمية ... ليؤكدوا إذا كان الأمر محتاجا لتأكيد أن هذا الكلام هو كلام غير عاد ويفوق قدرات الإنتاج الإنساني ، وهذا ما اعترف به حتى غير المسلمين – قديما وحديثا – فهاهو رأس الشرك الوليد ابن المغيرة يقول في القرآن الكريم" فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول – يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم - شيئاً من هذا، و والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه معذق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته...)). وهاهو الشاعر الألماني الشهير جوتة يقول : "إن أسلوب القرآن محكم مثير للدهشة ... فالقرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم" بل إن هناك أقوال أخرى من أهل العلوم الحديث - من الذين يجعلهم عصيد وأمثاله مرجعا لتميز الحق من الباطل- ممن يشهدون بعظمة القرآن الكريم وفي مجال العلوم الحديثة . يقول البروفسور يوشيودي كوزان: (مدير مرصد طوكيو) "إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود ... إن الذي قال هذا القرآن يرى كل شيء في هذا الكون ، وكل شيء مكشوف أماه". الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. (الملك3). ويقول الطبيب الفرنسي موريس بوكاي: "إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه نصوص القرآن لأول مرة هو ثراء الموضوعات العلمية المعالجة ، وعلى حين نجد في التوراة – الحالية – أخطاء علمية ضخمة ، لا نكتشف في القرآن أي خطأ، ولو كان قائل القرآن إنساناً فكيف يستطيع في القرن السابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره ، ليس هناك تفسير وضعيّ لمصدر القرآن. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.(البقرة164). ما ذا عسى عصيد وأمثاله أن يقولوا عن مثل هؤلاء هل هم من تيارات الإسلام السياسي الذين يحاولون التعويض عن سيكولوجيا التخلف والشعور بالمهانة أمام تقدم الدول القوية ، بمقولات الإعجاز العلمي في القرآن ؟ الفرق بين هؤلاء وعصيد وأمثاله ، أنهم لا يعبدون العلم لذاته ، وإنما يعتبرونه طريقا لإدراك الحقيقة ، والعلم نفسه أوصلهم إلى التحرر من كل معبود سوى الله تعالى لأنهم كلما ازدادوا تعمقا في العلم ازدادوا اكتشافا لضآلة علمهم وعظمة الكون الذي يبحثون فيه، فالعلم هو الذي جعلهم ينحنون لصاحب العلم الأزلي المطلق ، وخالق أسرار هذا الكون العظيم ، أما عصيد فيشبه الذي انبهر بنور قوي واكتفى بالسجود له ولم يكلف عقله البحث عن مصدره ، فالعالم الحقيقي لا يسجد ولا ينحني لا للعلم ولا للحقائق العلمية ، لأنه يعرف أنها في النهاية أمور نسبية خاضعة للخطأ ، أو حسب تعبير الباحثين "الحقائق العلمية إنما هي مجرد أخطاء تم تصحيحها" ، وبدل من ذلك يسجد لمصدر العلم الأول وهو الله تعالى ، و الذي يدل العقل والعلم على عظمته وكماله وجماله من خلال خلقه .. وعصيد يقرر مسلمة ليس عليها أي دليل علمي فيقول إن الإيمان الديني لا يخضع لمنطق علمي تجريبي أو رياضي قطعي، ولا لحساب وقياس مادي.. إن من أكبر الأخطاء التي لا يمكن أن يقع فيها الباحث الذي يعتمد المنهج العلمي هو أن يصدر أحكاما عامة دون استناده إلى أي استقراء ، بل إن عصيد لم يكلف نفسه أن يعطينا دليلا واحدا على صحة دعواه لا من القرآن ولا من غيره من الكتب السماوية ، لذلك لم ينتبه إن القرآن نفسه يكذب إدعاءه ويدعوا في أكثر من آية إلى بناء الإيمان على التدبر العقلي يقول تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران190،191. فهذه دعوى صريحة إلى التأمل العقلي للوصول إلى حقيقة وجود الله تعالى وعظمته ، وهذا هو جوهر الإيمان ، بل إن القرآن يدعوا إلى قراءته بطريقة نقدية وإخضاع آياته للنقد العلمي قصد تحدي المخالفين يقول الله تعالى:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82. وفي المقابل انتقد القرآن الكريم الإيمان المبني على مجرد التقليد العاطفي فقال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170. طبعا هذه الدعوى غير موجه للجميع فعقول الناس ليسوا على درجة واحدة لذلك يتنوع الخطاب الدعوي إلى الإيمان حسب المتلقي فلا يمكن خطاب العالم المتبحر في العلوم بنفس الطريقة التي نخاطب بها الأمي لذلك قال الله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125. وحتى أكون موضوعيا فإنه من المغالاة أن نحاول ربط أي اكتشاف علمي بالقرآن الكريم لأن القرآن الكريم ليس كتاب حقائق علمية بل هو كتاب هداية ، والمقصود منه في مجال العلم هو تحريك واستفزاز العقل البشري للبحث العلمي: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }يونس101 لهذا اعتبر العلماء الأوائل أول واجب على المسلم هو النظر العقلي ، ولعل هذا ما أنتج لنا علماء كبار في مختلف المجالات كالخوارزمي في الرياضيات ، وابن الهيثم في الهندسة ،وابن حيان في الكيمياء ، وابن سينا في الطب ... وكل هؤلاء ابتدءوا حياتهم العلمية بحفظ القرآن الكريم ، ولم يتسلل التخلف والجهل والأمية إلى الأمة الإسلامية إلا بعد أن سيطر عليها لقرون المستعمر الغربي – الذي لا ينفك عصيد عن التعبير عن إعجابه به – وحارب كل ماله علاقة بالقرآن الكريم ، وخلف بعده الأمية والجهل ، ولكن أيضا نخبا مستلبة مثل عصيد همها بث اليأس في الأمة والطعن في كل ماله علاقة بتراثه ، وتحويل أي انتصار أونقطة قوة إلى مجرد وهم لا قيمة له ، ويصورون الحل في التخلي عن كل ماله علاقة بالدين ، والارتماء في أحضان ثقافة المستعمر القديم الجديد. ولكن مع ذلك فإن من علماء الأمة من يهدم دعوى عصيد هذه من الأساس فقد تمكن العالم المسلم المصري الأستاذ الدكتور عبد الباسط محمد سيد الباحث بالمركز القومي للبحوث التابع لوزارة البحث العلمي والتكنولوجيا بجمهورية مصر العربية من الحصول على براءة اختراع دوليتين الأولى من براءة الاختراع الأوروبية والثانية براءة اختراع أمريكية وذلك بعد أن قام بتصنيع قطرة عيون لمعالجة المياه البيضاء استلهمها من نصوص سورة يوسف عليه السلام من القرآن الكريم.