تحركات وتصريحات باتت تتكرر بشكل لافت ومقصود لبعض قيادات البوليساريو خلال اليومين الأخيرين حول إمكانية استعمال البوليساريو الحق في الدفاع عن النفس وإبرام اتفاقيات الدفاع المشترك، وهو ما تعتبره حق يعترف به القانون الدولي والميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي. وتنطوي هذه الخرجات على مجموعة من الدلالات والمغالطات التي يتم الترويج لها في هذه الظرفية التي تحاول فيها "قيادة الجيش الجزائري" وقيادات البوليساريو إيجاد مخرجا لوضعية الجمود التي تنذر بوقوع انفجار وشيك داخل مخيمات تندوف. ويمكن الإشارة إلى أربعة ملاحظات يمكن من خلالها فهم هذه الخرجات وخلفياتها وأهدافها، لاسيما وأنه لم يسبق وأن تم تداول أو طرح مثل هذه الأفكار أو الخطط التي تعتبر سابقة في تاريخ النزاع، والتي تثير إشكالات على مستوى القانون الدولي. أولا، إن التحجج بالقانون الدولي لمحاولة إبرام اتفاقيات الدفاع المشترك، ينطوي على مغالطات كبيرة، تحاول من خلالها أن تقفز على القانون والواقع، إذ يعرف القانون الدولي بأنه قانون الدول، وهو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول ذات السيادة. وهو ما لا ينطبق على جبهة البوليساريو، حيث لا تعترف بها منظمة الأممالمتحدة كدولة، لأنها تفتقر لأبسط مقومات الدولة، وهي وجود الأرض والشعب والسيادة. كما أن مختلف تقارير الأمين العام وقرار مجلس الأمن، تنصفها في خانة الحركات الانفصالية، لا سيما وأن تسميتها تشير إلى ذلك. ثانيا، إن الحديث عن اتفاقية الدفاع المشترك من طرف قيادات البوليساريو في هذه الظرفية، يؤشر على أن هناك توجه جديد لإحداث تحول نوعي في قواعد " الاشتباك الدبلوماسي"، وأن البوليساريو تحاول أن تلعب بآخر الأوراق لإشعال فتيل التوتر في المنطقة من خلال محاولة إقحام بعض الدول المعادية للمغرب بطريقة تتجاوز منطق وسقف الاشتباك الدبلوماسي، إلى منطق حربي/ميداني، إذ تحاول البوليساريو استقدام بعض قوات التابعة للمحور المعادي للمغرب تحت غطاء اتفاقية الدفاع المشترك كردة فعل على فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية. ثالثا، الإشارة إلى اتفاقيات الدفاع المشترك من لدن البوليساريو، يأتي بتزامن مع مقترح تعديل الدستور الجزائري الذي يسمح بمشاركة الجيش في عمليات عسكرية خارج خارج حدود بلاده، إلا أن هذا التدخل يظل مشروطا بموافقة المجس الأعلى للأمن والرئيس وبإجماع البرلمان، وهذا المتغير قد يوظف بطريقة ما ليكون بمثابة الغطاء السياسي لشرعنة الدعم العسكري للحركة الانفصالية من خلال إقحام وحدات الجيش الجزائري ونشرها والسماح بتمددها في بعض المناطق المحادية للمنظومة الدفاعية المغربية، خاصة في المناطق التي تدعي البوليساريو أنها محررة كتفارتي وبئر لحلو. وهو ما يؤشر وينذر بدخول الصراع مرحلة جديدة من الاحتقان والاحتكاك والتوتر الذي من المحتمل أن يجر المنطقة للمجهول. رابعا، إن إشارة البوليساريو إلى الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي لتبرير وشرعنة اللجوء لمثل هذه الاتفاقيات، هي محاولة لإقحام هذه المنظمة الإفريقية في هذا النزاع بطريقة تكاد تكون تحايلية، رغم فشل جميع المحاولات السابقة، لكن، هذه المرة عبر بوابة الميثاق التأسيسي، حيث تحاول بذلك استغلال بعض النصوص القانونية بعدما تمكنت في ظروف وملابسات تاريخية من" انتحال صفة دولة" داخل المنظمة الإفريقية. وهي بذلك، تحاول أن تستغل " الإطار القانون الفضفاض" لإقحام الاتحاد في النزاع حول الصحراء بعدما فشلت سياسيا رفقة المحور المعادي للمغرب في تحقيق هذا الهدف بفعل تعقد التوازنات الإقليمية والدولية. لكن، رغم انتحالها " صفة دولة" داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، إلا أن ذلك لا يسمح لها بإبرام مثل هذا الاتفاق، لأن مثل هذه الاتفاقيات تتعارض مع المادة الثالثة من الميثاق التأسيسي التي تتعلق بالأهداف، حيث من أبرز أهدافه الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها. هذا، بالإضافة إلى أن النزاع لا يزال معروضا على الأممالمتحدة، وهو ما يجعل أي اتفاق في هذا الشأن بين دول الاتحاد مخالف للميثاق التأسيسي. استاذ العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي