مازالت السلطات المحلية في آسفي تعمل على حصر لائحة المخالطين لعاملات مصانع التصبير اللواتي أصبنَ بفيروس كورونا، إذ سجل الحي الصناعي الممتد على ساحل المدينة أزيد من 526 حالة إصابة في ظرف 24 ساعة، ووفاة عاملة واحدة صباح يوم الجمعة. أغلقت السلطات المحلية جميع المنافذ المؤدية إلى جنوب مدينة آسفي حيث تُقيم اغلب العاملات ومنعت الدخول والخروج من وإلى المدينة، وألزمت ابتداءً من يوم الأحد المحلات التجارية بالإغلاق في تمام السادسة مساءً والمقاهي على الساعة الثامنة مساءً، بينما أغلقت جميع مصانع التصبير بالحي الصناعي المذكور، غير أنَّ موقع "لكم" عاينَ استمرار عمل بعض المصانع المتخصصة في تعبئة غاز البوتان وأخرى لأجهزة الإلكترونيات، بينما أغلقت جميع مصانع التصبير.
يقول صاحب شركة لتصبير السمك في مدينة آسفي خلال حديثه لموقع "لكم" إنَّ التوقف الاضطراري يعني بدأ حسبان الخسائر الضخمة، وتوقف تدفق العملة الصعبة على الاقتصاد المغربي والمحلي، وضياع الالاف من العاملات والعمال الذين كانوا يعيشون ويُعيلونَ أسرهم من عملهم داخل مصانع التصبير. وأكد المتحدث ذاته الذي يملك حوالي ثلاثة مصانع لتصبير السمك بآسفي، أنَّ مقاولته محلية مئة بالمائة وتُساهم في مختلف الأوراش الاجتماعية والاقتصادية مع السلطات المحلية، وبدأت تتكبد خسائر فادحة، كمَا أنها تحاول في الظرفية الراهنة تبرير هذا التوقف الاضطراري لزبناء الشركة خارج المغرب في دول الاتحاد الأوروبي وكندا وسويسرا وأخرى ضمن القارة الإفريقية. وكشفَ، يونس الهداج، مسؤول بوحدة الإنتاج ل "الشركة العالمية للمصبرات" في حديثه لموقع "لكم" كيف تعمل شركته مشيرًا إلى أنها ملتزمة بجميع المعايير والشروط الصحة والسلامة المهنية، ولم يخف الهداج ، أن الشركة وعلى غرار جميع معامل التصبير بآسفي دخلت في محادثات منذ تفشي فيروس كورونا بالمغرب مع مصالح وزارة الصحة والداخلية بهدف إجراء تحاليل مخبرية على جميع العاملات بالمصانع، وذلك على نفقة هذه الشركات. وأكد المتحدث ذاته أن المفاوضات تمحورت حول تسعيرة الاختبار الصحي الواحدة الذي حددتها السلطات في 500 درهمًا، وبعد أشواط من المفاوضات المستمرة استقر الاقتراح حول 350 درهمًا، وقال إنَّ شركته كانت موافقة على هذا الإجراء، وعلم موقع "لكم" من مصادر جيدة الإطلاع أنَّ عددًا من أصحاب هذه الشركات رفضوا إجراء التحاليل المخبرية للعاملات على نفقتهم، بينما ظلت المفاوضات جارية إلى حين تفجر بؤرة صناعية بأحد المصانع الكبرى بآسفي. وحل فريق موقع "لكم" بمصنع "الشركة العالمية للمصبرات"، وأجرى جولة داخل المعمل حيث اطلع على أجواء العمل الاعتيادية التي كانت تعمل فيها العاملات، وأكد مسؤول المصنع أنه كانَ يتخذ جميع الاحتياطات، رافضًا أن يتم تحميل انتشار بؤرة الفيروس ل"الباطرونا" التي اعتبرها شركة "مواطنة". وفي مقابل ذلك، يقول محمد مريبح عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح لموقع "لكم" إنَّ العاملات اللواتي يشتغلن في هذه المصانع يُعانين محنة لا نهاية لها، مشيرًا إلى أن "الباطرونا" تغدق عليهن ببضع الدراهم مقابل ساعات عمل كثيرة وشاقة، ويتم سرقة "ساعات العمل" التي يعملونها فعليًا دونَ تعويضات معقولة. هذا الكلام سبق أن أكده تصريح لمندوب جهوي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قال فيه، في مارس عام 2009: "إن باطرونة مصانع التصبير لا تُصرح بساعات العمل الحقيقية للعمال". وتقول فاطمة إحدى العاملات، التي حكت لموقع "لكم" كيفية "سرقة ساعات العمل" في مصانع التصبير في آسفي، أنها تعمل ب18 درهمًا مقابل تعليب كل "كارطونة" من علب السردين في المصنع، وهذا الرقم يتم ضربه من طرف المشغل في عدد "الكارطونات"، التي انتجت في اليوم، وعلى سبيل المثال إذا جرى انتاج 1000 وحدة يكون المجموع هو 18 ألف درهمًا، سيتم قسمة هذا الرقم على عدد العاملات في المصنع، والذي قد يصل أو يقل عن 400 عاملة، وبتالي تكون أجرة كل عاملة هي 45 درهمًا، ويتم تقسيمها مجددًا على 10.70 درهمًا (ثمن العمل مقابل الساعة في قطاع الصناعة الغذائية، منذ عام،2007 وفقا للقانون المغربي) وهكذا يتم احتساب ل"فاطمة" كالأخريات من صديقاتها، عمل من 4 ساعات وبضع دقائق في اليوم، بينما هي أثناء عمليات تعليبها تكون قد عملت زهاء 6 أو 8 ساعات ليلا أو نهارًا. ومن جهة أخرى، يقول صاحب مصنع بآسفي في حديثه لموقع "لكم" إنَّ الزمن تبدل كثيرًا، ومصنعه يعمل بتقنيات حديثه، ويجري تسجيل ساعات العمل من خلال جهاز إلكتروني مثبت في مدخل وحدة الإنتاج، وينقل هذا الجهاز المعطيات مباشرة لخانة "الإيكسل" بشكل دوري مما يُحيل إلى "شفافية العملية". "إنمير" هولدينغ ضخم تُصيبه الجائحة ومن خلال الاستطلاع الذي أجراه موقع "لكم" والزيارات الميدانية التي قامَ بها، حصل الموقع على معطيات دقيقة تتعلق بالمصنع الذي تفجرت فيه البؤرة الوبائية، وتبينَ أنّ مجموعة "إنيمير" تنتمي " للهولدينغ" سنام" (Holding SANAM) الذي تأسس سنة 1986 ويترأسه الملياردير سعيد لعلج، وسجلت وحدته الانتاجية "إنمير" أزيد من 500 مصاب ومصابة بفيروس كورونا. ويُشغل هذا "الهولندينغ" أكثر من 7 الاف أجير وأجيرة، ويحتل المرتبة 55 من بين 150 وحدة إنتاج مهمة بإفريقيا، كما يستثمر في قطاع الفندقة والسينما والتأمين والتجارة (أسواق لابيل في كارفور) والمواد الغذائية السمك و"البيلاجيك". ويضم مصنع "إينمير" المتواجد بمدينة آسفي مجموعة من وحدات الإنتاج لتصبير السمك في بعض مدن المغرب وهي المجموعة الأكبر مساهمة في الهولدينغ برقم بلغَ 360 مليون دولار من أصل 680 مليون دولار. ويتوفر الهولدينغ الذي سجل بؤرة وبائية بآسفي، على وحدة الإنتاج "إيطامار بآسفي" (مكان تسجيل بؤرة كوفيد -19) ويشغل فيه 560 عامل وعاملة، ووحدة الإنتاج المعروفة بالفاسي قديمًا CNA1 بآسفي وتشغل 420 عامل وعاملة، ووحدة الإنتاج 2 CNA وتشغل 340 عامل وعاملة بآسفي، ووحدة الإنتاج "صارديكس" التي أغلقت مؤخرا وأصبحت وحدة لتخزين دقيق السمك بآسفي، ثم وحدة الإنتاج للتخزين GLOFI وتشغل مابين 240 و300 عامل وعاملة بآسفي، ووحدة "بوزاما" خاصة بتخزين المعلبات الفارغة بآسفي، ووحدة إنتاج بين أزمور والجديدة على ضفة أم الربيع، ووحدتين إنتاجيتين لتصبير السمك بمدينة أكادير، ووحدة إنتاج الزيتون والطماطم بمراكش، ووحدة إنتاج الكيتشوب والموطارد والخل بالدارالبيضاء، ووحدة إنتاج لانشوا بالمهدية، ووحدة إنتاج تصبير السمك بالداخلة، ويملك الهولدينغ المذكور أسطولين بحريين بأعالي البحار بالداخلة يصطادان 48 ألف طن من السمك. جمعية "المصبرين": مصانعنا ليستَ "بؤرا وبائية" ومن جهتها، قالت جمعية تصبير السمك بآسفي، إنَّ وحدات إنتاج تعليب السمك ليست "بؤرا وبائية" خلافا لما تم تداوله ببعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وأشارت إلى أنَّ المستخدمين ببعض الوحدات خضعوا لتحليلات خلال فترة الحجر الصحي جاءت سلبية في معظمها، وأن "الحالات الإيجابية كانت من دون أعراض". وقالت أيضًا إنَّ "المستهلكين إزاء جودة معلبات السمك التي تخضع أثناء عملية الإنتاج للتعقيم، الأمر الذي يجعل منها أغذية آمنة وصحية". وأكد المصدر ذاته أن صناعة تعليب السمك تعد أحد الأنشطة "الأكثر تقيدا بالمتطلبات الصحية" مضيفا أنه "خلال فترة الجائحة، طبقت وحدات تعليب السمك بشكل صارم، القواعد الوقائية (التحسيس، قياس درجة الحرارة، والتباعد الجسدي، ارتداء الكمامات وأقنعة الوجوه، تعقيم اليدين، تعقيم وسائل النقل والتباعد داخل وسائل النقل ...). وأضاف المصدر ذاته أنه تمت زيارة جميع وحدات الإنتاج غير ما مرة، منذ بدء سريان حالة الطوارئ الصحية، وذلك من طرف لجنة مراقبة عاينت التدابير الوقائية المطبقة. وأكد البلاغ أن هذه الصناعة "تتعامل بشكل أساس مع أسماك طرية يجب تعليبها في الحيز الزمني المخصص وفي بيئة صحية معقمة". وأضاف أن المستخدمين داخل هذه الوحدات يحظون بعناية خاصة على مستوى الصحة وشروط العمل، موضحا أن هذه الوحدات يتم افتحاصها أكثر من مرة سنويا من طرف هيئات وطنية ودولية. وعبر المصدر ذاته عن تضامنه مع مجموع المستخدمين المتضررين جراء جائحة (كوفيد-19) وكذا أسرهم، مشيرا إلى أن "أرباب مقاولات قطاع تعليب السمك بآسفي يؤكدون أن هذه الجائحة العالمية خلفت خسائر حول العالم وآسفي لا تخرج عن هذا الإطار".