كثرت الاحتجاجات في الآونة الاخيرة بشكل ملفت، وكل يوم لابد ان تصادف مظاهرة او احتجاج، وفي كل شارع وكل القطاعات، طبعا اغلب هذه الاحتجاجات يتزعمه - ولا اقول يؤطره- ما يسمى بالنقابات، والنقابات هي جمعيات تهدف الى الدفاع عن مصالح المنخرطين فيها بصفة خاصة، المنتمين الى مهنة من المهن او ادارة من الادارات، والطبقة الشغيلة بصفة عامة، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه، هو الى اي مدى اعتبار احتجاجات ما يسمى بالنقابات شرعيا، اي بريئا ، من اجل سواد اعين العمال والعاملات. مما لا شك ولا جدال فيه ان النقابات في بلادنا تفرخت من الاحزاب التي فرخها المخزن غالبا، وبالتالي تنعدم الاستقلالية سواء لدى النقابات او لدى الاحزاب بدون استثناء، وبغض النظر عن الخلفية التاريخية التي صنع فيها المخزن نقابات على مقاسه لتحقيق التوازن الذي يحقق له سلمه السلطوي، فان النقابات لازالت تتمرغ في غبارها، وفي الصدأ الذي طالها، ولازالت الشعارات هي نفسها والصراخ ذاته والمنخرطون نفس النوعية، فأصبحت خارج التاريخ، فلم تعد تفهم نفسها، وتقاد الى حيث اريد لها بلا تفكير او بعد نظر، فأصبحت كما كانت دائما تلعب الدور الذي انشئت من اجله من قبل المخزن، ظانة انها القوة المؤثرة في المخزن، اي الدولة والسلطة السياسية، في حين انها اداة طيعة في يده. فالمنطقي ان يكنس العاقل بيته وينظفه ويجدد اثاثه، ثم يطالب بتنظيف شارعه وحيه، لان الذي ينادي بتطهير المؤسسات من الفساد ويطالب بنظافة اليد ومؤسسته غارقة في الفساد وفي اكوام من الازبال، وفي حب الكراسي وان كانت متحركة، لنيلقى ابدا مصداقية لدى الراي العام، وحال اشباه النقابات عندنا ينطبق عليها الامر، بدون استثناء. والمنطقي يفرض ان تتطور اليات الاحتجاج والافكار مع تطور المجتمع والتقنيات الحديثة، لان الصراخ في الشوارع وسد الطرقات امام الناس وازعاجهم بمكبرات الصوت وبأغاني شاخت واشمأزت منها الاذان، ينفر المجتمع والناس من اشباه النقابات هذه، ومحاولة خلق صراع الطبقات الذي ولى الى غير رجعة كتطور طبيعي للمجتمعات الانسانية ، وللتفكير الانساني، وللسنة الكونية. والمنطق يقول بحرية التظاهر، وهو حق لا جدال فيه، والحرية تبتدئ وتنتهي، وليست مطلقة، لان الاختلاف سنة الحياة والوجود، فالذي يصرخ ليحتج يمارس حريته، لكن تتوقف عندما تلتقي وتدخل في حيز حرية الاخر الذي يريد السكينة في بيته والهدوء، والذي يتظاهر في الشارع العام يمارس حريته في ايصال صوته، لكن تتوقف حريته عندما يمنع الذي يستعمل الطريق لقضاء حاجياته، واشباه نقابات عندنا لا تعرف من الحرية سوى الفوضى العارمة، ومن يختلف معها فهو في نظرها ممخزن ويؤيد الظلم حسب تعبيراتهم. والمنطق يقول ان لكل احتجاج مطالب واضحة، والنقابات واسطة تضع ملفها لدى الجهات المختصة وتتحاور معها على تلك المطالب، لا فوضى الشعارات، من الزيادة في الاجور الى تحرير فلسطين التي يبيع اهلها اراضيهم كما في مراكش والبقية تأتي، الى القذف في اعراض الناس بلا يقين ولا حجة، .. وكل المنطق يقول ان من تسمي نفسها نقابات يجب ان تثور داخلها، قياديا وثقافيا، وتقطع عنها خيوط الاحزاب التي تحركها كالدمى، وتجدد عقولها بما يتلاءم مع التطور المجتمعي والنفسي والسلوكي، وتنظف بيتها الداخلي اولا وثانيا وثالثا، ثم بعدها تطرح نفسها للناس ليتقبلوها نظيفة طيبة الرائحة.