ما أجمل أن تعترف وتُعبّرَ عن عِشق الوطن. ما أتعس التعبير عن ظلمِ الوطن لكَ بينما أنتَ تعتبرُهُ أمّاً حَنوناً. غريبٌ فعلاً، أنْ يتأكدَ المرأ أن الوطن نُحِبُهُ أكثرَ مِمّا يُحبُنا. وهذا الوطن نُعطيهِ أكثر مِمّا يُعطينا. نعترفُ بوطنيتنا أكثر مِمَا يعترف لنا بمُواطنَتِنَا. نعترفُ بتواجدِهِ داخِلنا ولا يَعترفُ بتواجُدنا داخِلهُ. نزدادُ حُباً لهُ ويزدادُ كُرهاً لنا. نزدادُ تعلُقاً به فيزداد إهمالاً لنا. نزدادُ آحتراقاً لأجلهِ فيزيدُ من حَرقهِ لأمَالِ قلُوبنا. وطنٌ جَارَ علينا فهَاجَرْنا مِن أجْلِهِ، ولَمْ يَهجُر قلوبَنا. نخرجُ للدفاع عنه أمام الأعداء فيقمعُنا حين نحتاج إليه أمام البرلمان. هذا الوطن، لا نجحَدُ فضلَهُ، ضل يَؤوينا لكِن فِي بُؤسٍ، ومَئاوي البؤسِ غيرُهُ كثيرةٌ. هذا الوطن الذي تبدّدَت فِيهِ أمَالُنا، لم نخنهُ قطّ، فمتى كانت الشعوبُ خائنة ً. هذا الوطن الذي نُحِسُّ الإغتراب داخِلهُ، بينما خارجه نُحِسّ الغُربةَ فقط. غريبٌ أن يُدَرّسَ مادة (التربية الوطنية) مُدرس حقودٌ على وطنه. غريبٌ أمر الأوطانِ، تُسَائِلُنا مَا أعْطيناهَا وَلا تُجيبُنا مَا أعْطَتنا. غريبٌ أمرُ الأوطانِ، لِصَالِحِها يُقال حُبُ الأوطان من الإيمان، بينما لا تؤمن بقضايانا العادلة. ليس غريباً أن لا تجد أحداً يُدافع عن وطنك غيرك، بينما لا تجدُ هذا الوطن يقفُ إلى جانبك حين يكونُ أخر من تستنجد به. غريبٌ إعلامُ هذا الوطن، يجعل من الكلمات التافهة خطابات تاريخية ومن أصوات حناجر المقهورين والمُعطلين أصواتٌ مزعجة تعيث في البلاد خراباً. غريبٌ أمر هذا الوطن، يقسو على بناته القادمات من الخليج، بينما يتجاهل أن قسوته كانت السبب في إمتهانهن لأقدم المهن. غريب أمر هذا الوطن، يرى أبنائه يُجازفون البحارَ هُروباً منه، فِيما هُم يُهَجّرُونَ عُنوة ً وفي المُقابل يُرحبُ بهم مُحَملين أنواعاً مختلفة من العُملات. غريبة ٌهي الديموقراطية، تمنحك حقك كإنسان بالمهجر فتؤمِّنُ راتباً يصونُ لك الكرامة وأنت عاطل مع نهاية كل شهر، فيما الديموقراطية في وطنك لا تمنحك حق المطالبة بفضائِلها حتى وأنت تعُطِيهِ. غريبٌ أمر المُتخم الذي لا يخطرُ بباله الجياع، ليبقى الصِيام اللقاء الوحيد للإحساس بجوع الأخرين. غريب أمر المال الجَبَان، يبحثُ دائماً عن الملاذ الآمن حتى ولو كان مُتعفناً. غريبٌ أمرُنا، نتواجد حيثما وليت وجهك، بينما الشعوبُ الحُرة جميعُها مُلتصقة بأوطانها وأرضها. غريبة هي أحلامنا، بعدما كنا نحلم بالهروب من قسوة الوطن، أصبحنا ندفع نهاية كل شهر قسطاً مِن أجرتنا للهُروب إلى ذات الوطن. غريبة هي الكلمات، الغربة بعيداً عن الوطن قاسية، فيما قسوة الوطن وأنت فيه أقسى. غريبة هي هذه الحُكومة، تعدّ ُنهاية كل موسم مَلايير المُهَجّرين مِن العُمُلات، وتتجاهل تِعداد ألاف من العُمال المَرمِيين بمُدن المهجر. غريب أمر أوطاننا، أحببناها مُنذ الصِغر، كانت تلك التربة التي وُلِدْنا فيها وفِيها كانت ملاعبُ صِبانا، وحين جارت علينا، ظلت الطريق إلينا وظللنا الطريق إليها. غريبٌ أمرنا، نحتارُ بين العيش في غربةٍ عن هذا الوطن والعيش تحت قسوة نفسِ الوطن. غريبة ٌهي الأحاسيس، فالفلسفة جعلت العلاقة بين الوطن والمُواطن علاقة جدلية، لا تنتهي إلا لتبدأ. غريبة ٌهي المُعاناة، نتضامنُ إنسانياُ مع اللاجئين دُون أوطان، لنجد أنفسنا نطلُبُ اللُجوء لكسب تضامن إنساني. أكِن ُّحَسداً دَفيناً ،لكِنْ أبيضاً، لكل أجنبي حين يُعلن ُعن إشتياقه العودة مُسرعا لأحضان وطنه الديموقراطي بعد عُطلة قصيرة، بينما أتحسّرُ على الألاف وهي تجُازف للهُروب من قسوة أوطانها. أكرهُ قاموس الخدمة الوطنية، حينما تخدُمُ أنت الوطن ولا تجدُ خِدمة مُتبادلة. أعيبُ على هذا الوطن ظلمَهُ لِلّصُوصِ مِن الصِغار، بينما يتغاضى على لصوص الدرجة الأولى من مُخربي الوطن ومُهربي أمواله للخارج. لا أنصحُ من في المهجر لِزيارة الوطن حين يشتاقون إليه، بقدر ما أنصحُهُم بإنتظار الوطن ليزورَهُم بمَنفاهم. لا أُعَاتِبُ من قلَّ حنينهُ إلى الوطن، فالوطن يقسُو عليك بمُجرد دخول إحدى قنصلياته. لن أدَافِعَ من الأن عن وطني، لأنهُ رَهَنَ حُبي لهُ في كنف الحقودين عليه. لست أريد الثورة من أجل السّلطة، بل أريد مِمن في السّلطة إخبارنا من أين له كل هذه الثروة. لن أدعُوَ لِتظاهُرة تساند وطني، لأننِي ساندتهُ مِرَاراً وَلم يُساندني مَرّةً. لن أُعَارضَ المُعارضين لهُ ولن أساند المُسانِدين لهُ، سأبقى مُواطناً مع وقف التنفيذ. أُطالِبُ الجَمِيع الصّفح، لِكَون وطنيتي جعلتني يَوماً أكونُ مُوَاطِناً أكثر من الوطن نفسه وأصيرُ عَدُواً فِي عُيُونِ المُعارضين مِنكُم. أعترف أني آعتقدتُ خطأً أن هذا الوطن قد طوَى فعلاً صفحة الجُور والظلم، بينمَا في الواقِع لم تكن سِوى صفحة لِظلم وجُورٍ جَدِيد. لا أطلبُ مُقابلاً نظيرَ الإعتراف بوطنيتي، أطلب فقط أن يُعترفَ لي بمُواطِنتي كاملةً. لن أحْمِل السيف في وجهِ وطني، فالوطن أمٌّ لِي وما للعصفور من مأوى يُؤويه غير عُشِّ أمِهِ. لا أقسو على وطني، بقدرِما أعَاتِبُهُ، فهو أمِي التي تُفضِلُ أحَد أبنائها على الأخرين، والتي تضربُني وأنا صغير، فألجأ إليها لأحتمِيَ بهَا مِنها. لن أخصِّصَ مِيزانية مِن أجل وطني، فأموالُهُ يَنهَبُها اللصُوصُ أمام أعيُنهِ ولا يُعاقِبُ أحَداً. لَستُ نادِماً على مَا قدمتهُ لِوَطني، بقدرمَا سَأنظافُ لِلائِحَة مُواطنين أحرار خسِرَهُم هذا الوطن. لست نادماً وُقوفي في وجهِ أعداءِ وطني ورفض الإغراءات، لأن أعداء وطني هُم أعدائي. لن أختارَ المَنفى لأنتقِدَ وَطنِي، لأنني أحِسُ النفيَ وَأنا دَاخِلهُ. لن أدع أحداً يطعنُ وطني من الخلفِ ولا عَدُواً يكيدُ الدسَائِسَ لهُ رغم جُور وظلمِ وطني لِي، لأن الوطن ليس أفراداً وأنا فردٌٌ مُؤمنٌ بوطنيتي ومُؤمنٌ بقول الشاعر : بلادي وإن جارت علي عزيزة **** وأهلي وإن ضنوا علي كرامُ لن أكون المُحامي الأول للدفاع عن وطني، لأن وزيرَهُ الأول لا يفعل ذلك، فمتى يأخذ الأبناء بنصيحة الأب، الإقلاع عن التدخين بينما يُدخن أمامهم. سأضل مُحامياً أدافع عن هذا الوطن في شيء وحيد، أُقنِعُ فيه الشعوب البيضاء والحمراء بجمال وطني وأصَحِّحَ لهم صورة الجنوبي ،المُهاجر، المُثقف الفار من الظلم واللصوص بدل إعتقادهم لنا مُهاجرين من رُعاة الخرفان الفارين من الجوع والأوبئة فقط. لن أتخلى عن إنتقادي البنّاء لوطني، حتى يتخلى اللّصُوصُ عن إستنزاف وطني ويندثر أخطبوط الإنتهازيين من خنقِ وطني وينجلي زيفُ المُنافقين من سياسيي وطني. لا أريدُ ثورة مثل التي بتونس، لأنني أريد أفضل منها بكثير، تُطِيحُ برموز الفساد الحقيقيين بالمئاتِ من أيتام بنعلي ومُبارك لِتُعَادَ أموال هذا الوطن المُختلسة ويُطرد الأنذال منهم دون ملابس داخلية. أحيي الأحرار منكم مُصدقاً الشاعر حين يقول : لهفي على الأحرار فيك و هم بأعماق السجون و دموعهم مهج و أكباد ترقرق في العيون ما راع مثل الليث يؤسر و ابن آوى في العرين و البلبل الغريد يهوي و الغراب على الغصون عشتَ وطناً حبيباً لنا، مُتمنيا أن تعترف بنا يوماً مواطنين لكَ