لا يختلف اثنان حول صوابية ما اتخذه المغرب من قرارات جريئة وإجراءات احترازية واستباقية، للحفاظ على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد المعروف ب"كوفيد -19″ الذي اجتاح العالم منذ مطلع السنة الميلادية 2020. وهي الإجراءات التي شهد العالم أجمع بنجاعتها، وأشادت كبريات الصحف الدولية بما أبان عنه المغاربة كافة من تضامن وطني واسع، لاسيما المبادرة الملكية السامية، المتمثلة في إحداث صندوق لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لكورونا، وتشكيل لجنة لليقظة. بيد أنه لا يمكن لتلك الجهود على أهميتها، إخفاء ما واكبها من نقائص أساءت إلى اللحمة الوطنية وكدرت صفو عيش آلاف الأسر المغربية، ومن ضمنها تلك التي تزامن وجود بعض أفرادها خارج البلاد مع قرار إعلان السلطات حالة الطوارئ وإغلاق الحدود البرية والبحرية والأجواء الجوية، التي كانت للأسف لا تفتح إلا في وجه حالات استثنائية، تخص فقط الأجانب العالقين في المغرب، الذين لم تتأخر بلدانهم في الاستجابة لرغبتهم في العودة للعيش بين أحضان أفراد أسرهم، رغم المعدلات المرتفعة والمقلقة من الإصابات والوفيات… ومما ساهم في تعقيد الأمور وضاعف من حجم معاناة المغاربة العالقين في الخارج ليس فقط في قضاء شهر الصيام والقيام رمضان بعيدا عن أفراد عائلاتهم، بل أنهم في الوقت الذي كانوا ينتظرون من السلطات المغربية أن تبادر إلى اتخاذ ما يلزم من ترتيبات للتعجيل بعودتهم على غرار باقي البلدان، خرج رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في إحدى جلسات البرلمان، للتصريح بأن هناك تحضيرات جارية تهدف إلى إعادة أزيد من ثلاثين ألف مواطنة ومواطن إلى أرض الوطن، دون تحديد أي موعد أو شروط لانطلاق هذه العملية التي تجاوز ترقبها أكثر من شهرين، وزاد قائلا بأن من بين العالقين هناك أيضا "برلمانيين وموظفين سامين وأفراد من عائلته هو شخصيا" وهو عذر أقبح من "وحلتهم". فالحكومة لم تستطع للأسف تحصين الجهود المبذولة بقيادة ملك البلاد، الرامية إلى محاصرة الجائحة والتصدي لآثارها السلبية، إذ كادت أن تنسف ما تحقق من إجماع وطني بفعل ارتباكها المتواصل والتنافر القائم بين مكوناتها، حيث أنها سارعت في غفلة من الجميع وخلال ليلة الإعلان عن حالة الحجر الصحي إلى المصادقة على مشروع القانون المشؤوم 20.22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، الذي أثار زوبعة من الغضب لمحاولته تكميم الأفواه وتجريم إبداء الرأي، في تعارض صارخ مع روح الدستور لاسيما الفصل 25 منه، وتناقض مع المرجعيات الدولية حول حقوق الإنسان، التي تكفل حرية الرأي والتعبير بكافة الوسائل بما فيها منصات التواصل الاجتماعي. وما تلا ذلك من أخطاء فادحة أفسدت فرحة الكثيرين باستقبال شهر الغفران وعيد الفطر، نذكر منها مثلا ما رافق تدبير تداعيات جائحة كورونا على المستوى الاجتماعي، حيث أن آلاف الأسر الفقيرة والمعوزة وجدت نفسها محرومة من الدعم المالي المقرر للتخفيف من معاناتها من صندوق "كورونا"، خاصة منها تلك التي تعيش في ضواحي المدن والحواضر والقرى والمناطق النائية. فيما ظل آلاف المواطنين عالقين خارج حدود البلاد محرومين من دفء الوطن ورائحة ذويهم. فبالرغم من الاحتجاجات أمام القنصليات وعلى منصات التواصل الاجتماعي وارتفاع الأصوات المنددة بهذا التجاهل لأبناء الوطن العالقين بالخارج والمطالبة بعودتهم للعيش بجوار الأهل والأحباب، الذين عبروا استعدادهم الكامل للخضوع لجميع شروط الحجر الصحي، والالتزام بكتفة القواعد القانونية والصحية المفروضة، إلا أن الحكومة ظلت مصرة على سياستها المعهودة في الهروب إلى الأمام من خلال المماطلة والتسويف، حيث أن مصالح وزارة الخارجية في عديد الدول الأوربية والأسيوية والإفريقية لم تتوقف عن توزيع الوعود الكاذبة، واكتفت بإضاعة الوقت في إعداد لوائح بأسماء العالقين لأكثر من مرة، عبر تعبئة استمارات تتضمن معلومات شخصية عن كل واحد منهم لدى القنصليات، دون أن ترافق ذلك ترتيبات عملية تبشر بالعودة إلى أرض الوطن في أقرب الآجال. ترى كيف لبلاد سارعت إلى اتخاذ ما يكفي من القرارات الحاسمة والتدابير الوقائية لحماية ملايين المغاربة بداخل ترابها، أن تكون عاجزة عن إرجاع بضعة آلاف من المواطنات والمواطنين علقوا خارج حدودها ؟ إن معظم هؤلاء المغاربة ومنهم كبار السن ومرضى وأطفال صغار غادروا البلاد في رحلات سياحية قصيرة، إلا أنها سرعان ما تمددت ضدا عنهم عندما فوجئوا بإلغاء رحلات العودة دون سابق إشعار، فمنهم من وجدوا أنفسهم عالقين بدون أدنى مساعدات، ومنهم من تكفلت بإيوائهم وإطعامهم سفارات البلاد وبعض الأجانب، لكن لا أحد منهم يخفي تذمره وشعوره بالإحباط وخيبة الأمل أمام تناقض التصريحات الرسمية، واشتياقهم لرؤية أهلهم ونفاذ مواردهم المالية وتدهور أحوالهم الصحية… إننا نندرك حجم الصعاب المرتبطة بموضوع إجلاء العالقين، ونقدر الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها العالم، لكنا نؤاخذ الحكومة على تقاعسها في اتخاذ إجراءات استثناية على غرار باقي حكومات، وفتح قنوات حقيقية للتواصل معهم ورفع الغموض الذي ظل يلف قضيتهم. فهل يعقل أن تنسب بعض المصادر "العليمة" أسباب هذا التأخير إلى إجراءات وقائية، والتخوف من احتمال وجود إصابات بين المعنيين، وضعف بنيات الاستقبال؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلم تم الشروع في إجلاء حوالي 1100 شخصا من العالقين بالمدينتين السليبتين سبتة ومليلية ابتداء من يوم 22 ماي 2020؟