رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالقون في رحلة الشتاء والصيف: كيف تدفع الرباط نحو الشتات المغربي بدلا من “مغاربة العالم”؟
نشر في اليوم 24 يوم 20 - 04 - 2020

هذه تأمّلات سبعة مغاربة من المثقفين ونشطاء المجتمع المدني في الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية، وسط خيبة أمل واسعة النطاق من موقف الحكومة وبقية مراكز القرار في الرباط.

حسن شاكر: العالقون في الهجرة، والعالقون في السياسة!
استمعنا إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وهو يقرأ متلعثما الفقرة المخصّصة للمغاربة العالقين بالخارج، وأيضا، لمغاربة العالم. ثم أصغينا، أيضا، لزميلته في الحزب والحكومة والمسؤولة عن حقيبة الجالية تجيب عن السؤال ذاته في البرلمان. فاستخلصنا نتيجة واحدة: أن يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرّر اللجوء إلى صاحب الجلالة مباشرة لأن أجوبة كل من العثماني ونزهة الوافي عبارة عن كلام إنشائي وخطاب سياسي ديماغوجي مبتذل ومملّ لا يصلح لعصر الرّقمنة، كما لا يصدقه مغاربة العالم المتعوّدون على خطاب سياسي براغماتي من نوع عال. أعتقد أن تلعثم العثماني في قراءته للرد، يعني في حد ذاته أنه غير مقتنع بما يقول، وأنه يعلم أنه لا يقول شيئا يفيد، لأن مغاربة العالم يعيشون في بلدان يعتمد فيها الخطاب السياسي على لغة الأرقام والإحصائيات، لا على خطاب تبريري وتسويفي وانتظاري. أما السيدة نزهة، فقد أظهرت من جديد من خلال القراءة الإنشائية أنها بعيدة عن ملفات الجالية، وأنها تنتظر مع المنتظرين. إن مغاربة العالم، وخاصة العالقين يعيشون مأساة حقيقية مع كورونا.. فهل تملك الوافي أو العثماني الجرأة على استدعاء شركات التأمين وإجبارهم على تنفيذ عقودهم والتكلف بمصاريف التطبيب خاصة في تأشيرات السياحة، عوض التصريح بأن وزارة الخارجية تتكلف بمصاريف علاج العالقين… إذ تعد بوليصة التأمين إحدى أهمّ وثائق طلبات التأشيرة؟
وهل يعتقد السيد العثماني أنه يخاطب سكان المريخ عندما يقول إنّهم وفروا فريقا طبيا (يا سلام!)، في حين نرى أفواج أطباء ترسل إلى إيطاليا مثلا من كوبا والصومال؟ وهل يعلم العثماني وزميلته الوافي أن وزارة الخارجية أصدرت بلاغا بالسماح بالرفع من سقف الحصة السنوية من العملة الصعبة التي تمنح للسياح المغاربة… فرغم أني بكل صراحة لم أفهم أسباب نزول البلاغ إلا أنه يعارض من حيث الشكل ما قاله العثماني بأنهم يتكلفون بمصاريف العالقين، أو أن الأمر يخص فئات دون أخرى ويخضع لترتيبات معينة!
مئات المغاربة العالقين بكل من سبتة ومليلية المحتلتين يعيشون في العراء ومعرضون لوباء كورونا أكثر من غيرهم. وقد تناولت معاناتهم وسائل الإعلام الإسبانية بشكل يسيء إلى حكومة العثماني. أما السيدة الوافي، فقد أساءت إلى نفسها عندما قالت إنّ مصلحة الجوازات بالسفارات والقنصليات تعمل إلى وقت متأخر من الليل.. سيدتي، هذا يسمى استهزاء بذكاء مغاربة العالم. فإذا كانت الحدود مغلقة، فلِمَ تصلح الجوازات إذن…؟ اللهم لاستخلاص طوابع بريدية تثقل جيوب المهاجرين في زمن كورونا. ألم يكن من الحكمة إعلان إعفاء العالقين بالخارج، وأيضا، مغاربة العالم، أو على الأقل بتخفيض ثمن “التنبر” المطلوب لتجديد جواز السفر! والحالة هذه، يظهر عجز نزهة الوافي في تدبير حقيبة الجالية.. وننتظر مبادرات ملكية لحل مشكلة العالقين سواء بالمغرب أو بالخارج، كما جرى في سابقة ترحيل الطلبة المغاربة من الصين. غير أن المأساة الحقيقية مضاعفة: ليس لدينا عالقون في الهجرة وخلف الحدود، فحسب، بل وأيضا عالقون في السياسة وشبح التعليمات من فوق. “فغير صبرو معانا” كان هو الجواب الوافي والكافي من السيدة الوافي، وهو جواب يجعل المطلوب الآن ما يتجاوز الجرأة إلى الخجل. ما هكذا تورد الإبل يا سعد، وإن ولّى عصر توجيه القطيع البشري على طريقة الإبل!
ناشط مجتمع مدني، إيطاليا
نعيمة عبدلاوي: مغرب التّواري… وأوروبا النّخوة الإنسانية!
إنّ أسوأ ترجمة فعلية كان يمكن أن يعرفها زخم الحقد الاجتماعي الذي عايشه المجتمع المغربي عند بدايات حيثيات انتشار جائحة كورونا إزاء مغاربة العالم، حيث حمَّلَهم الوعي واللاوعي الفردي والجماعي على السواء المسؤولية المباشرة عن دخول الفيروس، إذ كانت أولى الإصابات المعلنة لإيطالي من أصل مغربي ولسنا نملك وسائل موضوعية تؤكد أنها فعلا أول إصابة في البلاد، ثم بعدها مباشرة سيتمّ تعميم حالة إصابة ثانية لسيدة مغربية كبيرة في السن من مغاربة إيطاليا أيضا… فجميعنا سمعنا عن حالات الاعتداءات التي طالت بعضا من مغاربة العالم، وشاهدنا فيديوهات، وتتبعنا إساءات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تخطئ منّا واحدا ولا واحدة للأسف. إنّ الأسوأ هو أن تتّخذ السلطات المغربية قرارا لا يمكن تعليله لا بالسيادة ولا بالخدمية الوطنيتين بمنع مغاربة العالم من مزدوجي الجنسية أو من المقيمين في دول أخرى من مغادرة المغرب، في الوقت الذي سمحت لمواطنيها من الجنسيات الأخرى أن يفعلوا. ثم إن الدولة المغربية لم تقم بإجلاء المواطنين المغاربة العالقين بالخارج، والذين يقدر عددهم اليوم، بنحو 18 ألفا، والذين تعدهم بأن يذكر التاريخ تضحياتهم قريبا وتصف لهم الصبر مسكنا لمعاناتهم اللامحدودة الأفق، لأسباب تبدو أنها لوجستية، بدءا من إعداد أماكن إقاماتهم إلى الأطقم الطبية إلى أجهزة الفحص السريع، وهنا أكثر من الشرعي والمشروع أن نطرح الأسئلة حول تدبير الأزمة نفسها واستثمار أموال صندوق كورونا وأولوياته والنقص في التجهيزات والبنية التحتية والفوقية هو أصلها من البداية.
لماذا لا يفكر المغرب في طلب عون ودعم خارجي لوجستي كما فعل مع مالي؟ وهل التضحية ب 18 ألف مغربي عالق في الخارج من أجل الحفاظ الهش على “حالة حفظ” مفترضة، عمل مسؤول وأخلاقي؟ فما المسوغ الموضوعي لمنعها مغاربة العالم من مزدوجي الجنسية من ركوب طائرات أعدّتها لهم مع مواطنيهم دولهم الثانية؟ ما الذي يجعل دولة مثل المغرب تستميت في حقّها في تدبير الشؤون الدينية لمغاربة العالم في دولهم الثانية وخاصة الأوروبية، بدعوى حرصها على حقوقهم الدينية وتحصينهم ضد أشكال تدين خارج تدين أجدادهم، أن تميز بينهم وبين مواطنيهم في حق المغادرة وهم على أرضها؟ إن لم تكن الرسالة: لقد جئتم إلينا بالفيروس ولن تغادروا حتى يغادر هو أو تكونوا من المغادرين به! ما الذي يجعل تدبير شأن مغاربة العالم بقرار إداري جاف إنْ لم يكن أمنيا خالصا؟ وما الذي يفسّر غياب مجلس الجالية عن تدبير ملف مغاربة العالم خلال هذه الجائحة وهو صاحب مفهوم الجهة 13 “الافتراضية” في إطار الجهوية المتقدمة؟ ويملك حسب تصريحات مسؤوليه كل قواعد البيانات التي تخص مغاربة العالم. ما الذي يجعل وزير الخارجية نفسه السيد ناصر بوريطة بعيدا عن تدبير هذه الأزمة، في حين أن وزراء خارجية الدول التي تشارك جنسياتها مع مواطنيها من أصول مغربية هم الذين في الواجهة؟
شخصيا كمغربية بلجيكية، كلّما أطل وزير خارجيتنا السيد “فيليب كوفان” على شاشات تلفزيوناتنا الوطنية أو على الصحافة المكتوبة إلا وتختلط عليّ مشاعر الانتماء الحقيقية، وهو يردّ على أسئلة الصحافيين والمواطنين وحتى البرلمانيين، أنه عاجر عن إجلاء المواطنين البلجيكيين المغاربة من المغرب لتعنّت الرباط باعتبار أن هؤلاء على أرضه “مغاربة وفقط”. كم يتغنى مغاربة المغرب الرسمي بأدبيات دستورية تقرّ أن مغاربة العالم جسور بلدهم الأصل نحو بلدانهم الأخرى، وكم يعتمد عليهم لصياغة نموذج تنموي جديد والمساهمة التنموية من خلال الجهوية المتقدمة… بالقدر نفسه الذي يمنعهم فيه حقوق مواطنتهم الكاملة من تمثيلية وتصويت انتخابيين بدعوى تحصلهم عليها في دولهم الثانية. اليوم، وصل درجة يمنعهم فيها حقوقهم الأولية التي كانت لمواطنيهم من البلدان الأخرى في أن يركبوا معهم طائرات أعدّتها لهم بلدانهم دون أن تكلفهم فلسا واحدا. وتحت ضغوط دبلوماسية مستمرة يعلن عن طريقهم أنه سيسمح لبعضهم بالمغادرة لأسباب اجتماعية وإنسانية موثقة! حالة ستدرس حتما في تدبير الأزمات مستقبلا لما يجب تجنبه، وربما تلحق بمعاهدات جنيف للاجئين..!
هو استثناء المغرب في محيطه المغاربي، فكما أن جيراننا في الجزائر وتونس وموريتانيا يعترفون بحقوق المواطنة الكاملة لمواطنيهم في الخارج تصويتا وتمثيلية، فإنهم قاموا بإجلاء مواطنيهم العالقين في الخارج ولم يمنعوهم في باقي العالم من المغادرة.
كاتبة، بلجيكا
عبدالعزيز سارت: سيادة الغبن هنا، وسيادة الغيرة هناك!
من المنطقي والمشروع أن تتّخذ الدّول إجراءات استثنائية وسيادية عندما يهدّدها خطر خارجي من قبيل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة الفتاكة. ويتم تبنّي هذه الإجراءات وتطبيقها بما يتماشى مع المرجعيات القانونية الوطنية من دستور وقوانين ومعاهدات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف وفلسفة القانون الدولي الإنساني. ومن المنطقي كذلك، ولكي نضمن لهذه الإجراءات ما تستدعيه من إجماع وطني ومجتمعي متماسك لمواجهة جائحة كورونا، وجب أن تكون التدابير الاستثنائية مؤقتة، وأن يتم تطبيقها، رغم الصرامة المطلوبة في هذه الظروف وسلطة الدولة المشروعة في إطار القانون وما هو متعارف عليه في كل الأنظمة الديمقراطية، باستحضار قدر كبير من الحسّ الإنساني ومراعاة الظروف الاجتماعية ودرجة الوعي للفئات المستضعفة في مجتمعنا. فدون حسّ إنساني يراعي ظروف البؤس المجتمعي ويستحضر حقوق الإنسان، تطغى المقاربة الأمنية، وتتحوّل حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها إلى مناسبة لتصفية حسابات سياسية وسياسوية واقتصادية، وتمرير ما كان يصعب تمريره من تدابير وإجراءات لولا مظلّة “الطوارئ” و”الاستثناء” و”السيادة”.
كان المغرب من الدول الأولى التي اتخذت إجراءات استباقية ذكية، عملية، وميدانية لمواجهة الجائحة بتطبيق حجر كلّي صارم ضمن نظام الطوارئ الصحي. وقوبلت هذه التدابير، رغم القسوة النسبية لبعضها، باستحسان بعض المعلقين في الصحافة الدولية، وقبول واسع من طرف أغلبية المواطنين. ومن التدابير التي خلفت ارتياحا كبيرا تخصيص مساعدات للعائلات المعوزة وتعبئة جميع موارد القوات المسلحة وانخراطها في مواجهة جائحة كورونا. وللأمانة الفكرية والأخلاقية لا بد من الإشارة إلى الحالات التي استعملت فيها قوات الأمن العنف بشكل مفرط ومهين ومنتهك لكرامة المواطن، وهو أمر غير مقبول ينبغي وضع حد له. وفي الوقت ذاته، شاهدنا مشاهد رائعة من التّلاحم بين المواطنين وقوّات الأمن. إلاّ أن هناك نقطة سوداء يكبر حجمها يوما بعد يوم وتتعاظم تداعياتها وآثارها السلبية على الجالية المغربية والمغاربة بصفة عامة وعلى علاقة المغرب ببعض الدول الأوروبية، وهي الطريقة الغريبة وغير المفهومة التي تعالج بها الدولة المغربية قضية المغاربة العالقين بالخارج ومغاربة العالم العالقين بالمغرب. لقد أصبحت هذه القضية مسلسل مآسي ومعاناة مسنّين مرضى، ونساء منهنّ حوامل، وأطفال رضّع مع أمهاتهم. ترفض السلطات المغربية السماح لهم بمغادرة التراب الوطني أو العودة إليه، وهي تلوّح راية “مبدأ السيادة” في وجه مزدوجي الجنسية من العالقين بالمغرب، وبالخصوص حاملي الجنسية البلجيكية والهولندية، رغم إلحاح مسؤولي هذين البلدين ومحاولاتهم المتكرّرة وتعبيرهم أمام برلماناتهم ومؤسساتهم عن استعدادهم لترحيل أولئك العالقين إلى بلدان إقامتهم. والأدهى أن تطول هذه المعاناة والدولة المغربية تلتزم الصمت وتشهر باستحياء مبدأ السيادة الذي اعتبره كثير من أهل الاختصاص حقّا يراد به باطل.
إنّ مبدأ السيادة التزامٌ تعبّر الدولة من خلاله عن استقلالها التّام ومطلق تحكّمها في قراراتها وصلاحياتها وتفعيله في الدفاع عن التراب الوطني وحماية مواطنيها داخل التراب الوطني وخارجه. ولا نفهم أن تستحضر السلطات المغربية مبدأ السيادة وتلوي عنقه لتسخيره في عملية تبرير غريبة لإدامة معاناة مواطنات ومواطنين مغاربة عزّل. وكم كنا، ويا للأسف، ننتظر من الدولة المغربية أن توظف مبدأ السيادة وما تحتفل به من اعتدال واتّزان وتبصّر وبعد نظر واستثناء مغربي أصيل، وتفاجئ العالم وتبهره بتنظيم جسر جوي ينقل العالقين إلى مقرّ إقامتهم وذويهم ووضع حد لمعاناتهم.
لقد كشفت جائحة كورونا، أيضا، فساد الاختيارات النيوليبرالية التي انتهجتها الدولة المغربية على امتداد عدة عقود، وأسقطت ورقة التوت على دعاة الخوصصة وتحويل المرافق الحساسة والاستراتيجية من الاقتصاد الوطني إلى القطاع الخاص، بعدما جرى تتويج البورصة آلهة فوق رأس الدولة والمجتمع بتزكية ودعم المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكشفت عورة المغرب وهشاشة مرافقه الاجتماعية وسياساته العمومية في ميادين الصحة والتعليم والتكوين والعدالة الاجتماعية والنهوض بالطبقة المعوزة. وممّا أظهرته جائحة كورونا بجلاء للعيان هو طبيعة نظامنا السياسي حيث ظاهره حكومة ووزراء ومسؤولون وغرف وبرلمانيون ومستشارون صوريون لا دور ولا أثر ولا تأثير لهم في تسيير شؤون البلاد، ودولة عميقة وحكومة ظلّت صاحبة القرار الأول والأخير والقول الفصل تتمتع بجميع الصلاحيات ومطلق السلطات. وقد استحضرتُ هذه الحقيقة وأنا أتابع جلسة لجنة الشؤون الخارجية والمغاربة المقيمين بالخارج بالغرفة الأولى، فاستمعت للسيدة الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج تنطق عن الهوى بكلام مثقوب من لغة خشب أكلته الرطوبة، واستخلصتُ من تدخلات السيدات النائبات والسادة النواب ومن عدم تمكّنهم من ملف مغاربة الشتات أنّه قد حان الوقت لتفعيل البنود الدستورية المتعلقة بالمشاركة السياسية والتمثيلية في البرلمان بغرفتيه انطلاقا من دوائر انتخابية بمختلف بلدان إقامة مغاربة الشتات، كما ورد في الخطاب الملكي التاريخي في 6 نونبر 2005، وحان الوقت، كذلك، للإفراج عن القانون الجديد لمجلس الجالية المغربية بالخارج الذي نتمناه أن يكون ذا تمثيلية واسعة حقيقية ومصداقية ديمقراطية بعيدا عن منطق الزبونية والمحسوبية وتصفية الحسابات.
رئيس المنتدى المغربي البلجيكي للتعاون والتنمية والتضامن، بلجيكا

محمد الشرقاوي: “مغاربة العالم” أم بؤساء العالم!
بين تصريحات رئيس الحكومة وجلسة البرلمان، تمخّض الجبل فولد هرطقات سياسية لا تأتي بحلّ عملي أو رؤية استراتيجية. في المقابل، تحرّكت عدّة حكومات في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا بعشرات الطّائرات المدنية والعسكرية من ترسانتها الجوّية منذ بداية مارس لنقل مواطنيها الذين تقطّعت بهم السبل في دول أخرى، ومنها المغرب. عادوا إلى أسرهم واستقرّوا في أوطانهم لمواجهة المعركة معا مع ذويهم مع وباء كورونا، فانتهى المشكل وطُوي الملفّ. لكنّ نبوغ مراكز القرار في الرّباط تفتّق بأنْ يضيفوا فصلا آخر في موسوعة “الاستثناء المغربي”، ويؤكّدوا ميولهم الأنطولوجية نحو “تغطية الشّمس بالغربال”، وتبرير التعثّر في مساعدة قرابة عشرين ألفا من المغاربة الذين أصبحوا يُعرفون بالعالقين خارج المغرب أغلبهم في الدول الأوروبية في متاهة دخلت أسبوعها الثامن في منتصف أبريل. هو “استثناء” مغربي مضاعف إذا أضفنا اجتهادات “العبقرية” السياسية لدى حكومة العثماني، ومن خلفها أصحاب القرار الفعليون، بمنع قرابة ألفين من مغاربة بلجيكا وهولندا من العودة إلى أسرهم وبيئتهم الاعتيادية. ولا ينبغي أن يخفى عن الصورة أنّ بين هؤلاء العالقين في الداخل والخارج مئات، وربّما آلاف، من المسنّين والمرضى والحوامل الذين لا يستطيعون الحصول على أدويتهم وأدوات التعامل مع أمرضهم المزمنة.
بعد صمت دام لأسابيع منذ بداية مارس، يظلّ السؤال معلّقا بشأن نوايا الحكومة وهل حقيقة لديها استراتيجية لحلّ المشكل. وجاء الخبر الرنّان أن البرلمان سيأخذ زمام المبادرة ويضع النقاط على الحروف. ولأكثر من ساعتين ونصف، استمرّت جلسة أعضاء لجنة الخارجية في مجلس النواب اليوم لمناقشة وضعية المغاربة العالقين بالخارج في ظلّ إغلاق الحدود البحرية والجوية للبلاد. وتوالت الخطب “المرصّعة” بعبارات التّعاطف اللفظي وإنشائيات الخطاب العام، بل وذهب الأمر بأحدهم إلى إسقاط صفة “الشّهداء” على من توفّي جراء إصابته بفيروس كورونا. تعاقب ممثلو الفرق البرلمانية في استعراض تعاطفهم مع العالقين في الخارج وإنْ تفادى أغلبهم التعليق على أوضاع البلجيكيين والهولنديين من أصل مغربي دون سبب منطقي واضح اللهم أنهم “مغاربة في المغرب، وليسوا مرخّصين بالسفر”، كما تمّ إبلاغ وزير خارجية بلجيكا فيليب كوفان خلال تواصله مع الرباط.
ثمة عدّة مفارقات مدوّية تحضر إلى الذهن خلال متابعة جلسة لجنة الخارجية: أوّلها أنّ ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج غاب عن الجلسة وتفادى التعليق على أسئلة أعضاء اللجنة. خلال التعديل الحكومي الأخير، أبدى بوريطة نشوة حماسية عند تحويل ملف المغاربة المقيمين في الخارج إلى نطاق صلاحياته لتتعزّز أركان وزارته بين الرباط وعواصم العالم وسحب البساط من تحت أرجل الوزيرة المنتدبة في تحديد الصلاحيات وخِتْم القرارات، فتصبح المباراة رباعية بين وزير سيادي ووزيرة منتدبة ومؤسّسة ومجلس. هكذا بدا شأن المغاربة في الخارج بتشريف بأربع درجات في أدبيات السياسة المغربية. لكن لدى الوزير بوريطة اليوم، على ما يبدو، قائمة أولويات تفوق أهميتها معاناة قرابة ثلاثة وعشرين ألف مغربية ومغربي من مختلف الأعمار الذين يعانون الأمرّين في حصار الخارج وحصار الداخل.
ثانيا، تحوّلت الجلسة في إحدى قاعات البرلمان إلى مناسبة سياسية مواتية لتسجيل مواقف حزبية والتشديد على أنّ المغرب يعيش “حالة استثنائية” تحت طائلة الوباء، ورشّ زخات التقدير والاحتفاء بقيم “التآخي والتضامن” أمام الكاميرا، بل والتّباهي بأنّ ما “حقّقه” المغرب يفوق أداء دول الشمال! أما المفارقة الثالثة، فهي عندما تنفتح الميكروفونات، تتوالى الخطب العصماء بين ممثلي مختلف الأحزاب أو من وصفهم رئيس الجلسة بعبارة “القبائل السياسية”، وتحضر مختلف السرديات المثاليات وكافة صيغ اللباقة السياسية بلغة “كارتونية” إزاء مغاربة العالم الذين غدوا بحكم الواقع بؤساء العالم في الخارج والداخل، هم بؤساء الإحباط وخيبة الأمل، وبؤساء مشاعر “الحكرة” الدفينة والاقتناع بدونية الإنسان المغربي حسب آليات القرار السياسي المحلي، دونية الرّعية وليس اعتبار المواطن وقيمته الإنسانية قبل الوطنية. وتنمّ المفارقة الرابعة عمّا يفيد به مثل بريطاني شهير “كثرة التحليل تصيب بالشلل”. تتعدّد الخطب ويزداد تنميق مواقف التضامن في منصّة البرلمان مع بؤساء العالم ومن أصبحوا، من حيث لا يدرون، بمثابة “جان فالجن” في عبثية رواية “البؤساء”.
هنيئا لمغرب التلويح بتهديدات “الأمن الصّحي” في خطاب الوزيرة الوفية للتّعاليم الفوقية، ومغرب “الأمن الرّوحي” في توجيهات الوزير المفاخر بتزايد عدد الزوايا والأضرحة، و”أمن التكركير” في تحرّكات القايدة حورية وبقية المنتشين بالمخزنية الكورونية الجديدة. لكن لماذا لا نقرّ بالحاجة إلى أمن المواطنة، وأمن الجنسية المغربية، وأمن العالقين المغلوبين على أمرهم في متاهة قد تمتدّ إلى رحلة الشتاء والصيف؟!
أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن، الولايات المتحدة
عصام العروسي: مغرب الصّمت سيّد الموقف!
لا يمكن للمرء إلاّ أن يقف مستنكرا ومذهولا من سلوك الدولة المغربية في هذا الظّرف العصيب من زمن كورونا إزاء المواطنين المغاربة العالقين في الخارج في مختلف أنحاء المعمور. هذه الشريحة المنتجة من مغاربة العالم وغيرهم ممن أجبرتهم الظروف على البقاء في الدول الأجنبية لأهداف سياحية أو للعمل لفترة قصيرة أو أولئك الذين انتهت صلاحية عقود عملهم وليست لهم تغطية اجتماعية أو صحية وخاصة في دول الخليج العربي، تسبب لهم قرار إغلاق الحدود من قبل المغرب في مآس إنسانية، اقتصادية واجتماعية ونفسية، وخاصة أن جلّ الرّاغبين في العودة إلى الدّيار المغربية لم تعد لهم فرص عمل في بلدان الإقامة بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، كما أنّ ظروف العيش في منطقة الخليج جدّ مكلفة، مما يتطلّب توفير سكن ملائم ومصروف يومي لا يستطيع معظم المغاربة تسديده. وعلى الرغم من احتجاج المتضرّرين لدى السفارات والقنصليات المغربية، وأتحدّث هنا تحديدا عن دولة الإمارات العربية المتحدة وبحكم غياب التمثيلية الدبلوماسية لأسباب سياسية، لا يجد المغاربة العالقون في هذا البلد آذانا صاغية أو مخاطبا رسميا بإمكانه تقديم مبرّرات أو تطمينات تبعث على الأمل أو عن قرب انفراج الأزمة، ويظل الصمت هو سيد الموقف.
إنّ عدم اتخاذ الحكومة المغربية لقرار إرجاع المغاربة العالقين في الخارج، يعكس في واقع الأمر ذهنية غرائبية لا تنسجم مع ما تمليه طبيعة العلاقة التي تجمع بين مغاربة العالم أو حتى العالقين لأسباب أخرى والدولة المغربية. مع عدم إغفال ما قام به المغرب من إجراءات احترازية جدية وحظر صحي يمكن أن يقال عنه إنه إيجابي نسبيا، رغم هشاشة المنظومة الصحية، فإن إنكار حق المغاربة في الرجوع لديارهم وعائلتهم، يعتبر نقضا لكل التعاقدات الاجتماعية التي نسجتها الدولة مع مواطنيها، بمعنى أن المغربي في كل أنحاء العالم يشعر بالمهانة والدونية ويعتبر الجنسية المغربية سيفا مسلطا على الرؤوس، وليس مصدرا للفخر والاعتزاز، في حين يرى الدول الأخرى سواء المتقدمة، بل وحتى المتخلفة منها تسارع إلى نجدة وإنقاذ أبنائها وتقديم يد العون لهم في وقت الأزمات، حيث سارعت العديد من الدول إلى إرسال طائرات خاصة لإرجاع مواطنيها.
كما أخطأت الحكومة المغربية في تأويل مفهوم “المصلحة العامة” حين اعتبرت أن المغاربة العالقين في الخارج ليسوا من أولوياتها وأن الحرب ضد كورونا تَجُبّ ما قبلها، وهذا تفسير ضيق ومتجاوز بلغة أهل الفقه القانوني، حيث أن مصلحة المواطن المغربي من مصلحة الوطن، ولا يمكن التعامل بنوع من السّادية مع هده الشريحة طالما أن هناك أسرا تعيش على جمر فراق أفراد من أسرها. بالمقابل، جرى الرضوخ لإرادة الدول الكبرى التي فرضت على المغرب إرجاع المغاربة حاملي الجنسية المزدوجة الى بلدان الاستقبال، وهذا ما يكشف عن ازدواجية المعايير وخلق الاستثناء عن القرار السيادي المتعلق بإغلاق الحدود، ويظل الاستثناء المغربي الابرز هو في التعنت والمكابرة والخروج عن المألوف في مثل هكذا أزمات.ناهيك عن أنّ القرار أو اللاّقرار المغربي بعد تهرّب وزير الخارجية المغربي ومسرحية لجنة الخارجية في البرلمان، والتي كانت فرصة لتهافت المتهافتين وتنافسهم في إبراز الروح الوطنية وتضخيم المصلحة العامة، في غياب جهة تتحمل مسؤولية التصريح عن مصير المغاربة العالقين، يعتبر مناف للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني. في حقيقة الأمر لازالت العقلية المتحكمة لدى صناع القرار في المغرب تتعامل مع المغاربة بمنطق رعاية القطيع، والتجاهل، والعدمية، وليست دولة الرّفاه الاجتماعي، في حين أصبح للفرد مكانة ثابتة في القانون الدولي والمؤسسات الدولية في العالم بأسره.
الحقيقة أن تدبير المغرب لهذه الأزمة سيلقي بظلال كثيفة من الشك حول العلاقة الملتبسة بين الدولة المغربية ومواطنيها في الخارج في مرحلة ما بعد كورونا، مما يدق ناقوس الخطر على انسيابية وتناغم أواصر هذه العلاقة. لا شك أن العديد من المهاجرين المغاربة تعرّضوا للإقصاء والتهميش داخل البلد، ونجحوا في فرض النبوغ المغربي في بيئات مختلفة فتحت لهم أبواب الإبداع والعطاء، لكن بالرغم من هذا يظل المغربي مرتبطا بالوطن الأم والروابط العاطفية والإنسانية لا تندثر ولا تتلاشى رغم قساوة الظروف. لكن يصعب الحديث عن علاقة حبّ من جانب واحد، فالمغربي الجيد هو من يحوّل العملة الصعبة لبلاده، في حين يلاقي كلّ الجفاء والتجاهل من الدولة المغربية حين يكون في أزمة. إنّ استمرار مثل هذا السلوك غير الإنساني، يساهم في هدم ما تبقّى من مقوّمات العقد الاجتماعي في أبسط صوره ويجعل الدولة المغربية خارج السياق الإنساني والقانوني.
أستاذ القانون الجنائي، الإمارات العربية المتحدة
أحمد حضرواي: المنفيون خارج المنفى!
ماذا يعني أن تحَمل الوطن ليس في حقائبك فحسب، كما شاع التعبير السائد، بل وأيضا في كلّ مسام روحك وجسدك وانتمائك، وتجوب به الأرض في ثمانين حبّ، تقسم ارتباطك بينه وبين كل بقعة أرضية أخرى قد تمنحك ما لم يمنحك إياه. وقد تخولك من فرص حياة ما لا يستطيع هو أن يخولك، فيعرض عنك حين تولي وجهك شطره، في حين تصرخ في وجهك أرض مهجرك التي لم تمنحها إلا شطر الحب: تلك قِسمةُ ضِيزى؟
أهي رحلة ذهاب بلا إياب عند سدّ الأبواب وإتلاف الأقفال؟ دولة بحجم المغرب، مثلما تفضح قطرات مطر قليلة بنياتها التحتية التي تغرق في شبر ماء، فضح بنيةَ إنسانيتها فيروسٌ صغير أصغر من ذرة تراب فيه، فمنع عودة الموتى من أبنائه المغتربين إليه والذين اختاروا أن يضمّهم قبر فيه، ومنع عودة الأحياء إلى بلدان إقاماتهم الدائمة خاصة بلجيكا وهولندا، رغم مناشدات هيئاتها السياسية والدبلوماسية بضرورة إرجاعهم إلى بلدانهم الأكثر دراية بوضعهم والمتحمّلة لنتائجه، والتي سيكون أهمها فرض حجر زمني معين عليهم، هو نفس ما تخضع له كل شعوبهم. إصرار المغرب بكل وزاراته ومجالسه ومؤسساته وأحزابه على سد الطريق أمام عودة مغاربة خارج الحدود “الرهائن” لديه، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خرق للاتفاقيات الدولية المتعلقة بإقامة الأفراد والأشخاص وحرية تنقلهم، وانتقاص من إمكانيات دول إقامة قسم كبير من شعبه بسبب حسابات سياسية ضيقة حتى وإن غلفها بمسوغ “ظروف كورونا الاستثنائية”.
كان حريّا بالمغرب أن يكون سبّاقا إلى استقدام أبنائه المقيمين على أرضه الذين تفرقوا في البلدان لأسباب سياحية أو علاجية أو غيرها، وأبنائه المشردين على بعد أمتار من أسلاك حدوده مع سبتة ومليلية المحتلتين، وذلك لأسباب كثيرة أهمها قربه الجغرافي من أوروبا، وعلاقاته التقليدية القديمة معها. لكن إصرار المسؤولين في الرباط على مواقف غير منطقة وغير مبررة لاستقبال أبنائه العالقين على موانئه ومطاراته، وخاصة عدم سماحه لمغاربة بلجيكا وهولندا بالعودة إلى بلدان إقاماتهم، سيجعله في وضع دبلوماسي حرج كان غنيا عن السقوط فيه بما سيصوره كبلد خانع أمام دول أوروبية، خاصة مع ظهور بوادر تنبئ بالبدء في عمليات ترحيلهم نحو هولندا وبلجيكا خصوصا، مما قد يوحي بانصياعه لمشيئة هذين البلدين. الأمر الذي كان يمكنه تجنبه لو اتبعت دبلوماسية بوريطة منحى آخر لحل الأزمة.
وزارة نزهة الوافي تبدو بدورها خارج التغطية “الكورونية” فلم تجد لأبناء الجالية العالقين في الداخل إلا الدعوة للصبر وتوجيه كفيها نحو السماء، بدل أن توجه الأجهزة المختصة وتربط اتصالاتها التي يخولها لها القانون لإيجاد حلول حقيقة وجذرية لهذا الظرف الطارئ غير المسبوق. وإذا كان هذا حال وزيرة، فماذا يمكننا أن نقول عمن هو أدنى مقاما منها كأمين مجلس الجالية المغربية في الخارج، والكلام نفسه ينطبق على باقي المؤسسات المتعلقة اختصاصاتها بمغاربة الخارج، والتي تتحمل الدولة المغربية عبء نفقاتها دون نتائج ملموسة تذكر.
وضع ارتفعت معه أصوات مغاربة العالم الغاضبين لأنها لم تجد من يتحدث حقيقة باسمها في هذا الوضع الحرج، وينذر بفتح الملفات المصيرية القديمة وأهمها مشاركتهم السياسية، الملف الذي سيرجع الفضل لجائحة كورونا في طرحه من جديد وبكل قوة. مسألة الاستثمارات في المغرب والتي تبين أنها صفقات خاسرة ومهددة بقوانين جائرة، مسألة التحويلات المادية التي قد تتعرض للمراجعة كنوع من الانتقام من “السيستيم” الذي نفى المواطنة الكاملة عن المغاربة خارج الحدود ونزع عنهم حق التنقل الحر، والذي سيشكل مذبحة حقيقية لاحتياطي العملة الصعبة للمغرب، وردّات أفعال أخرى.
شاعر ومؤسس “الديوان”، بلجيكا
حمري البشير: على طريق شتات ملتزم بقضيته في أرض المهجر!
كنّا ننتظر اجتماع نواب الأمّة في مقر البرلمان لمناقشة الأزمة بهدوء والبحث عن حلول عملية وبحضور السيد وزير الخارجية لأن السيدة نزهة الوافي على ما يبدو لا تملك الحلول. لكن الوزير فضّل مقاطعة الجلسة لأنّه لا يملك الحلول ولا أجوبة عن أسئلة محرجة. في المقابل، يعقد وزراء الخارجية في عدّة بلدان في العالم ندوات صحافية للرد على تساؤلات شعوبهم بشكل متواتر، ويسابقون الزمن في ترحيل مواطنيهم من قارات بعيدة. في إحدى قاعات البرلمان، كانت مسرحية أدى أدوارَها وجوهٌ لم نعد نعرفهم بسبب الكمامّات بعدما أصابهم الخوف والهلع من الإصابة بالوباء. ولم نلمس في مداخلاتهم أيّ نبرة تنمّ عن الحزم أو التضامن الفعلي خارج سياق عبارات المواساة لأكثر من 18 ألفا من العالقين في مختلف دول العالم بعد مرور أكثر من شهر على الحصار المفتوح. لم تكن للسيدة الوافي الجرأة والشجاعة لتقول كلمة عن العالقين من مزدوجي الجنسية، وهي منهم حتى الأمس القريب، لتخرج عن “وصايا” الوزير الغائب. أفضل ما قدمته السيدة الوافي عبارة “وغير صبروا معنا واحد شويا”!
مغاربة العالم لم يعودوا مقتنعين بخطاب السيدة نزهة الوافي ولا بتبريرات رئيس الحكومة في الرّد على انتقادات المغرب من قبل دول أوروبية بسبب سوء تدبير ملف العالقين في المغرب من حاملي الجنسية المزدوجة، ووضعية أكثر من 18 ألف مغربية ومغربي يعانون ظروفا صعبة في عدة بلدان في العالم بسبب إغلاق الحدود. في مؤسسة البرلمان المغربي مال النقاش نحو مزايدات سياسوية ومواقف غير واضحة من غياب وزير الخارجية الناهي والآمر. حضرت الوزيرة إلى البرلمان لتقول لكل مغاربة الشتات في زمن صعب، لاسيما أن الكثير منهم أصبحوا يعيشون في الشارع. لكن السؤال لايزال قائما: لماذا رفض الوزير الحضور للبرلمان؟ ولماذا ترفض الحكومة المغربية سفر العالقين في أراضيها من حاملي الجنسية البلجيكية أو الهولندية؟ سفر هؤلاء إلى الخارج لا يشكل خطرا لا على صحة البلاد ولا أمنها؟ ولماذا تستمرّ الحكومة في سياسة اللامبالاة وتجاهل المغاربة العالقين في عدة دول منها تركيا، ومصر، والخليج، وإسبانيا، ودول أخرى في آسيا، رغم أن وزارة الخارجية المغربية تكلّفت بمصاريف إقامة البعض منهم في بلدان محدّدة. يجب أن يعلم السيد الوزير الغائب أن مواطنين مغاربة في ليبيا وبلدان أخرى يعيشون وضعا كارثيا وظروفا إنسانية صعبة جدا بسبب الحرب وأزمة كورونا التي كشفت بالملموس فشل السياسة الخارجية المغربية في تدبير الأزمة، وارتكبت أخطاء جسيمة في حق مغاربة العالم. ستكون لمعاناة جلّهم آثار سلبية جدا في علاقاتهم في المستقبل مع وطنهم الأصلي، وسيترتب عنها تبعات لا تخدم مصلحة المغرب الذي يوجه نداءات يومية لمغاربة العالم من أجل التضامن والمساهمة في صندوق كورونا. فكيف سيقبلون بهذه المعاملة القاسية التي تعرضوا لها من طرف مسؤولين في حكومة بلدهم، فيما يسارع مسؤولون في بلدان أخرى بترحيل مواطنيهم الذين علقوا في العالم دون تماطل.
المتتبعون لهذا الملف لم يستوعبوا الخطاب المزدوج للحكومة المغربية في تدبير مشكل العالقين في المغرب. هؤلاء لا يشكلون خطرا عند مغادرتهم لأرض المغرب. ولم نعد نفهم سياسة العقاب التي يتعرض لها مغاربة العالم منذ إغلاق الحدود. فالكثير أصبحوا بسريان القرار غير مرحّب بهم، وسدّت الحدود في وجهم لأنهم وصموا بوصمة “حاملي الفيروس” ورجعوا من حيث أتوا، وهي صفعة ستبقى في ذاكرتهم حتى يلقوا الله. ما أغاضني كثيرا موقف بعض المحسوبين على اليسار المغربي الذي دافع عن الحكومة بمبررات واهية، مدعيا صعوبة إرجاع كل العالقين بالخارج والمشتتين في الشوارع ومنهم من يبيت في محطات القطار والمترو ويعيشون على صدقات المارة. لقد تبيّن بعد أزمة الوباء والمعاناة الكبيرة لمغاربة العالم العالقين بالمغرب أن الحكومة المغربية تريد عن قصد تجريد هؤلاء من وطنيتهم وانتمائهم للمغرب، وبالتالي، قطع شعرة معاوية التي تربطهم بالمغرب. الجميع كان ينتظر لحظة الحسم وكانت النهاية مؤلمة والكرة الآن في معتركنا للرد على الذين اجتمعوا في البرلمان ليُطربونا عبارات ومواقف جارحة وغير مسؤولة، وليلتزموا الصمت عن غياب وزير الخارجية الذي أصبح يصول ويجول في قضايا أخرى غير ملف مغاربة العالم الذي بعثر كل أوراقه. ووضع نهاية مؤلمة لحلم ناضل من أجله سنوات مناضلون في الهجرة، منهم من مات ومنهم من يحتضر وما بدلوا تبديلا.
يبدو أن مغاربة العالم يستعدون للنفير ولأيام عصيبة سيمرون بها وهم جميعا ملزمون بالحجر الصحي. وليس لهم من خيار سوى رص صفوف شتاتهم ملتزمين بقضيتهم للردّ على استهتار الحكومة ومسؤولي المغرب، وأن يضعوا ثقتهم في مسؤولي الدول التي يعيشون فيها، دول الإقامة ودول المستقبل.
صحافي، الدانمارك
لطيفة الحمود: حصار كورونا: حسابات سياسية وأزمة ثقة!
انعقدت لجنة الخارجية بالبرلمان المغربي لأول مرة بعد قرار إغلاق الحدود قصد محاصرة تفشي جائحة كورونا بحضور الوزيرة المكلفة بمغاربة العالم السيدة نزهة الوافي. في جدول أعمال الاجتماع كانت هناك نقطة فريدة قيد التدارس: المغاربة العالقون بالخارج. وكأنّ المغاربة المقيمين بالخارج والعالقين داخل بلدهم المغرب لا يحتاجون إلى إدراج مشكلتهم في برمجة اللجنة. انتهى الاجتماع، وكأنه لم يبدأ. بعد مداخلات ممثلي الفرق النيابية وبعد ردود الوزيرة المكلفة، لم نحصل كبرلمانيين ولم يحصل المواطنون الذين كانوا يتابعون الاجتماع عبر الإنترنت على أجوبة مقنعة، ولا على خطة عملية تفيد ببدء الإجراءات لتفكيك الأزمة. شهرٌ مرّ على إغلاق الحدود، شهرٌ مرّ على وجود آلاف من المغاربة عالقين في مختلف بلدان العالم بعيدين عن أسرهم في ظروف نفسية ومادية صعبة ينتظرون نقطة ضوء تلوح في نهاية النفق، شعاع أمل يبدّد ظلام المحنة في بلاد الغرباء. من فرنسا وبلجيكا، من تركيا وماليزيا، من سبتة ومليلية المحتلتين، ومن مختلف بلدان العالم تأتي أصوات العالقين طالبة النجدة. الوزيرة المكلفة توصيهم بالصبر حتى يأتي الفرج، جملة فقهية جامدة ورمضان على الأبواب. هل إذا كان أبناء الوزيرة من بين العالقين خارج المغرب، كانت ستنصح نفسها بالصبر حتى يفرّج الله؟
عشرات من الأسئلة البرلمانية أُرسلت، ومئات من رسائل المواطنين العالقين أغرقت مكتب رئيس الحكومة يتوسّلون فيها إرجاعهم إلى بلدهم وإلحاقهم بذويهم، لكن الصمت المطبق ظلّ هو الجواب الوحيد والمتاح. لماذا لم تسارع الحكومة المغربية كما باقي حكومات العالم لإجلاء رعاياها بوتيرة تدريجية مع إعطاء الأسبقية للحالات الإنسانية، ولكانت الآن بعد شهر من الحجر قد قامت بإرجاع جلّهم إن لم نقل كلّهم؟ لماذا تطالب الحكومة العالقين بالصبر وبالتضحية تحت ذريعة ضعف الإمكانات وضعف المنظومة الصحية، وهي ذرائع لا ترقى لمستوى الإجراءات والتدابير القوية التي اتخذتها الدولة في بداية فترة الجائحة؟ لماذا لم يُترك ممرٌّ جويٌّ، فقط لنقل صناديق الجثامين المتوفين وفاة طبيعية، يتسلمها أفراد الأسرة في الوطن ويدفنون حسب الإجراءات الوقائية المعمول بها للدفن في فترة الحجر الصحي الشامل الذي تشهدها بلادنا؟ وبذلك تُجنّبون الأهالي في بلدان الإقامة معضلة الدفن في مربعات إسلامية في مقابر ليست أبدية وبمبالغ خيالية في بعض الجماعات الترابية. وهذه قضية لوحدها تفرض علينا دراسة جدية لأبعاد الدفن مستقبلًا لاسيما بعد تخلّي مؤسسات التأمين عن مؤازرة المواطنين ودعمهم ماليا في فترة الجائحة.
أما فيما يخص مغاربة العالم، أصحاب الجنسية المزدوجة والعالقين داخل المغرب، فلم تخصّهم وزيرتهم ولو بكلمة واحدة.. بل اعتبرتهم مغاربة يسري عليهم قانون الطوارئ، وبالتالي، لا تفتح الحدود أمامهم للمغادرة. بل لم تخلق لهم حتى خلية أزمة تتابع أوضاعهم. مغاربة مقيمون بالخارج كما تنص على ذلك عناوين مقرات سكناهم يُحْتَجزون داخل بلدهم ويُمْنَعون من الالتحاق بأسرهم دون أسباب وجيهة. بعدما حاصر البرلمانيون بأسئلتهم وزير الخارجية البلجيكي فيليب كوفان عن مصير المواطنين من أصل مغربي المتخلّى عنهم وعن أسباب عدم إرجاعهم إلى بلجيكا، سقطت تصريحاته صريحة وقاسية على أبناء الجالية. لقد وجدوا صعوبة في تصديقه وهو يؤكّد بأن حكومة المغرب من منعت مواطنيها من السفر. في المقابل لا جواب رسميا من الجانب المغربي إزاء تصريحات من شأنها تسميم العلاقة بين أبناء الجالية ووطنهم الأم. جالية من شأنها أن تساهم في إنعاش الاقتصاد في فترة ما بعد كورونا وأن تكون لبنة أساسية في مخطط عملي للنهوض بالأوضاع، والمساهمة في زيادة رصيد العملة الصعبة عن طريق التحويلات العائلية، والاستثمار، وعن طريق عائدات السياحة.
الملاحظ هو أنّ ملف العالقين من مغاربة العالم داخل المغرب عرف سوء تدبير تجلّى في تضارب المعطيات والتصريحات ولعل آخرها تلك الصادرة عن مسؤول رفض الإفصاح عن اسمه يقحم وصاية هولندا في حسابات سياسية في ملف إنساني للمواطنين العالقين. ولعل ما يخفف عن مغاربة العالم هو الاهتمام الكبير لجلالة الملك محمد السادس برعاياه من الجالية المقيمة بالخارج، والخطابات السامية الموجهة لهم في أكثر من مناسبة لأكبر دليل على ذلك. فهل من تفعيل لروح هذه الخطابات بما تعكسه من عناية ملكية في هذه الظروف الصعبة على الجميع، حتى لا نخرج منها بأزمة ثقة قد يصعب تجاوزها لاحقا؟
ممثلة برلمانية، بروكسيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.