يبدو ان الأزمة الاقتصادية التي تهز اسبانيا وتتسلل تدريجيا الى الاقتصاد المغربي, صارت تلعب لصالح تعزيز العلاقات بين المملكتين الجارتين, اللتين تبديان استعدادا أكبر للتعاون وتجاوز الخلافات الدبلوماسية بينهما. ويلتقي كل من رئيسي حكومتي البلدين عبد الاله ابن كيران وماريانو راخوي الاربعاء في الرباط للمشاركة في اللقاء العاشر للجنة العليا المشتركة بين البلدين, ويتزامن موعد هذا اللقاء مع الذكرى العشرين للتوقيع على معاهدة "حسن الجوار" بين البلدين, وهي مناسبة من المنتظر معها توقيع العديد من الاتفاقيات. وكان اخر اجتماع للجنة العليا المشتركة عقد في عام 2008. وتجمع البلدين علاقات متقدمة, فإسبانيا تحتضن ثاني أكبر جالية مغربية في الخارج (حوالي مليون مهاجر) بعد فرنسا, كما ان اسبانيا انتقلت في يناير من مرتبة ثاني أكبر شريك تجاري الى اول شريك للمغرب متقدمة على فرنسا الشريك التقليدي. اضافة الى ذلك هناك حوالى 20 الف شركة اسبانية متوسطة وصغيرة تصدر منتجاتها وخدماتها الى المغرب. وبعيدا عن الخلافات القائمة حول المدينتين الأسبانيتين سبتة ومليلية اللتين يعتبرهما المغرب مستعمرتين, تبدو الفترة الحالية مواتية لتحقيق تقارب اكبر بين الرباطومدريد. ويقول البيرتو نفارو, السفير الاسباني لدى الرباط في تصريح لفرانس برس ان "هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لنا. الأزمة في أوروبا خلقت الفرص", والقضايا الحساسة "أقل تاثيرا". ويضيف نافارو "هذا الواقع يتطلب من شركاتنا التطلع خارج الاتحاد الأوروبي, وفي هذه الحالة, نبدأ بجيراننا". نفس الاستنتاج خرج به مسؤول دبلوماسي أوروبي في المغرب, يعتبر ان اسبانيا من ناحية "محتاجة في هذا السياق الى تطوير تعاونها, ومن ناحية أخرى هناك هجوم مغربي على أمل ان تتحرك مدريد ايجابيا في ملف الصحراء الغربية", المستعمرة الاسبانية السابقة التي ضمها المغرب, وما زالت محل صراع مع الانفصاليين. وبالإضافة الى ذلك, فإن المغرب من الناحية الاقتصادية, وان لم يتأثر بنفس درجة تأثر اسبانيا بالأزمة, الا ان نسبة نمو اقتصاده تعرف تباطؤا حادا, حيث انخفضت توقعات النمو الرسمية من 4,5% الى أقل من 3% خلال العام ,2011 ما يدفع الرباط للبحث بدورها عن فرص جديدة. ونتيجة هذا التقارب وحدها الصادرات الاسبانية نحو المغرب ارتفعت بنسبة تجاوزت ال 20% في النصف الأول من 2012 مقارنة مع العام السابق. بالنسبة للدبلوماسي الأوروبي فإن "هذا الدفء الوليد في علاقات البلدين نابع من رغبة الطرفين المشتركة في الوقاية من الأزمات الاقتصادية وازمة الهجرة بطبيعة الحال". وسجل المصدر نفسه ان اسبانيا كانت البلد الأوروبي الوحيد الذي تحدث عنه الملك محمد السادس في آخر خطاب له في غشت الماضي. وظلت طريقة ادارة ملف الهجرة غير الشرعية من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الى أوروبا تشكل مصدر خلافات محتملة بين الطرفين, لكن التعاون الأمني الأخير بين الرباطومدريد في ترحيل مئات المهاجرين, حصل في اتفاق تام بين الجانبين على ما يبدو. ووضعت الرباط الشهر الماضي برنامجا يحمل اسم "ادارة" للتعاون الحدودي بين البلدين, بتمويل من الاتحاد الأوروبي. واعتبرت الحكومة المغربية ان هذا البرنامج المشترك "أثبت فعاليته في العديد من المجالات, بما في ذلك الهجرة الشرعية وغير الشرعية", وكذلك التهديد الإسلامي في منطقة الساحل. من جانبها اعتبرت يومية التجديد الناطقة باسم حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي في نوع من الثناء ان هناك "عدة مؤشرات تدل على وجود تغيير حقيقي في العلاقات بين الرباطومدريد". وعلى الصعيد السياسي سبق لماريانو راخوي في أول زيارة له الى الخارج بعد تسلمه سلطاته, ان زار الرباط في كانون الثاني/يناير, وقابله عبد الإله ابن كيران بزيارة مماثلة الى مدريد في ايار/مايو, وهي الوحيدة لرئيس الحكومة المغربية الى عاصمة اوروبية حتى الان. ويصل راخوي الأربعاء الى الرباط على راس وفد وزاري على ان يعقد اضافة الى اللقاءات بين الوزراء لقاء بين رجال الأعمال من البلدين, بعد انعقاد منتدى برلماني بين الطرفين في الرباط بداية أيلول/سبتمبر, حلت معه بعثة تجارية اسبانية في المغرب لاستكشاف الفرص المتاحة. ولزيادة وزنها التجاري تعول مدريد كذلك على مشروع المغرب الطموح لتطوير الطاقة الشمسية الذي يطمح لبناء خمس محطات لتوليد الطاقة النظيفة بحلول سنة 2020. فقد فاز قبل أسبوعين كونسورتيوم يضم شركتين اسبانيتين ومجموعة اكوا السعودية بطلب عروض انشاء المحطة الأولى في ورزازت (جنوب شرق), بقيمة تقارب المليار دولار. ومن القرارات التي يتوقع الإعلان عنها الاربعاء, تخفيف مدريد لإجراءات الحصول على بعض انواع تأشيرات الدخول الى اسبانيا.