لم يشفع الحجر الصحي من وقف نضالات المحامية والحقوقية النسائية سعاد لبراهمة، حيث تقضي وقتها في الدفاع عن حالات ضحايا اعتقال الطوارئ الصحية، ومزيد من التوجيه والاستشارة للنساء ضحايا العنف التي ازدادت معاناتهم مع هاته الأزمة، بحسب تعبيرها. وتؤكد براهمة، في حوار مع موقع “لكم”، أنه “لا نموذج تنموي دون تخفيف الدولة من الاحتقان والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي حراك الريف والصحفيين، وأن السلطات تسعى لتمرير مشاريع قوانين مستغلة الهلع والخوف وحالتي الحجر والطوارئ الصحية، وأن الاعتقال اليومي لعدد كبير من المدونين ونشطاء الفضاء الأزرق”.
وتشير لبراهمة إلى أن “الدينامية والتلاحم والالتفاف المجتمعي حول الرفض المطلق لمشروع قانون 20.22 يتعين الحفاظ عيه وإذكاؤه حتى ما بعد كورونا من أجل تشكيل مبادرة في شكل جبهة للتصدي له، ولكل ما من شأنه تكميم الأفواه وتقييد الحريات”. وفيما يلي نص الحوار: ماذا يعني لك الحجر الصحي؟ فرصة لتجربة جزء من معاناة الكثيرين ممن تقيد حرية تنقلهم بشكل دائم، كمن هم تحت الحصار أو حالة الطوارئ بسبب الحروب أو من هم رهن الاعتقال أو الاحتجاز…معاناة كنا فقط نتابعها عبر الأخبار أو نقرأ ونسمع عنها. كن أن نحيا جزءا منها فلم نكن لنتوقع ذلك يوما. وجدنا أنفسنا فجأة محرومين من التنقل إلا بإذن، وممنوعين من الخروج تحت طائلة المساءلة القانونية نافذتنا الوحيدة على العالم الخارجي بما فيه الأهل هي وسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما مكنني شخصيا من تقوية علاقتي بهذه الوسائط وإدراك أهميتها في التواصل. وهو ما أفادنا أيضا كمناضلين في استمرارية أنشطتنا الحقوقية. فبعد أن كنا نتواصل مع بضع مئات من المتتبعين في أحسن الأحوال، أصبحنا اليوم بفضل هذه التقنيات الرقمية ننظم ندوات أسبوعية متتبعوها بالالاف. ما الذي تنشغلين به أيام الحجر الصحي؟ هناك انشغالات تتعلق بأسرتي لم تكن محط اهتمامي سابقا فرضها التواجد المستمر واليومي رفقة بعضنا. وهناك عملي اليومي كمحامية الذي فرض علي الخروج تقريبا يوميا من المنزل رغم حالة الحجر ، نظرا للاعتقالات الكثيرة التي ترافقه، وأيضا انشغالاتي اليومية بصفتي رئيسة جمعية نسائية تتوفر على مركز للتوجيه والاستشارة للنساء ضحايا العنف. وهو مركز يتلقى اتصالات يومية من نساء بسبب تواتر حالات العنف ضدهن، خاصة الأسري منه يكون المعنف فيه زوج الضحية بسبب حالة الحجر والضغط النفسي الذي تعيشه الأسرة. وكذا بسبب عدم قدرة النساء على مغادرة بيوتهن بالرغم من التعنيف الذي يتعرضن له لعدم توفرهن على وثيقة الخروج وغياب وسائل النقل، وهو ما يستغله الأزواج أسوء استغلال. كما أستفيد من الوقت الفائض لتواجدي أكثر بالمنزل بسبب الحجر والطوارئ في إنهاء الالتزامات المتراكمة المتعلقة بعملي من مقالات ومذكرات وانشغالاتي النضالية الحقوقية والنسائية. وأستغل بعضا من وقتي للاطلاع على ما يروج بوسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في النقاشات الدائرة والتفاعل معها ، وهو ما لم يكن يتأتى لي القيام به سابقا، مما ساهم في تنمية علاقاتي وتقويتها داخل الفضاء الافتراضي، ناهيك عن متابعة الاجتماعات عن بعد التي يفرضها انتمائي الحقوقي والنسائي أكثر مما كنت عليه سابقا وهو ما اعتبره ربما من حسنات هذا الحجر علي. ما الذي تنشغلين به كحقوقية؟ خلافا للكثيرين ، انشغالاتي الحقوقية زادت وعملي تضاعف بقدر تضاعف خروقات وانتهاكات حقوق الإنسان، إما بسبب استغلال الدولة لظروف الحجر وحالة الطوارئ وسن قوانين وإصدار قرارات تخرق حقوق الإنسان وتنتهك حرياته، أو بسبب الانتهاكات الممارسة من القوات العمومية الساهرة على إنفاذ قانون الطوارئ، وهو ما يتطلب رصدا وتتبعا ومواكبة ومؤازرة للموقوفين والمعتقلين من جهة، ومن جهة ثانية التضييق على حرية الرأي والتعبير، حيث الاعتقال اليومي لعدد كبير من المدونين ونشطاء الفضاء الأزرق. وتضاعفت انشغالنا بالفئات المعوزة وعموم الكادحين والكادحات الذين تعالت أصواتهم منددة، وكثرت اتصالاتهم بنا من أجل طلب المؤازرة أو الاستشارة أو التشكي مما تعرضوا له من حرمان لمورد عيشهم فرضه تقييد حرية التنقل بسبب حالة الحجر خصوصا أن هاته الفئات تعتمد في عيشها على مدخول يومي وتعمل بقطاعات غير مهيكلة أغلقت وفقدت معها مورد رزقها. وحتى الذين يشتغلون بالقطاعات المهيكلة اكتشفوا فجأة أنهم تابعين لشركات الوساطة ومحرومين من الاستفادة من دعم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لأنه غير مصرح بهم. وتزداد معاناة من أجبروا على العمل تحت طائلة الطرد في حالة رفضهم للالتحاق لعدم توفر شروط السلامة والوقاية من “الفيروس”. وهو ما نبهت ونددت به الجمعية في بياناتها، قبل أن تظهر بؤر بكاملها في مصانع وتعضد تخوفنا اضطرت معها الدولة إغلاقها. ناهيك عن المشاكل التي اعترضت المواطنين، وخصوصا منهم النساء بالتطبيقات التي اعتمدت من أجل تسجيل أصحاب “الراميد” واستخلاص الدعم المخصص من صندوق “كوفيد 19” ، حيث وجدن أنفسهن مقصيات من الاستفادة منه، بصفتهن ربات بيوت، علما أن ما يقارب ثلث الأسر المغربية معيلتها نساء. أضف إليه ما طبع عملية توزيع ما سمي بقفة المساعدات للأسر المعوزة من عشوائية ومحسوبية واستغلالها في بعض المناطق من أجل حملات انتخابية سابقة لأوانها. وما الذي كشفته هذه الأزمة؟ وطنيا الأزمة عرت واقعا مريرا وخطيرا تعيشه البلاد على جميع المستويات كانت تغطيه الدولة بالحلول الترقيعية والترويج لخطاب التطمين والتهدئة، ليستفيق المغاربة عن هول التداعيات ليس بسبب أزمة كورونا، وإنما بتخلي الدولة عن القطاعات الحيوية المهمة مند زمن بعيد وجعلها بيد الخواص والمضاربين كالتعليم العمومي والصحة والسكن والشغل وكل مقومات العيش الكريم، وتقزيم الأحزاب السياسية والحد من دورها وتقويض المعارضة منها والتضييق وسجن واعتقال مناضلي الأحزاب المتجذرة المناوئة والمعارضة لسياسة المخزن، وأبانت للشعب المغربي صدق مطالب ما نادى به المحتجون من اجل العيش الكريم بالحراكات الاجتماعية، بالريف وجرادة وأوطاط الحاج ، وغيرها من الحراكات عبر ربوع المغرب الذين اعتقلوا وعذبوا وتوبعوا وحوكموا بسنين طويلة، كما عمقت واقع الفوارق والهوة الاجتماعية. وكان وقع انعكاس الأزمة والحجر على الطبقة الفقيرة والفئات الهشة أشد وأقوى، وتبين أنها وحدها من أدت وستؤدي ثمن أزمة كورونا وما بعد كورونا. ما تقوم به الدولة من خلال بعض مؤسساتها ليس غريبا عنها ولم يثر مخاوفنا ، بقدر ما استهجنا أن تصل بها الانتهازية لدرجة أن تعمد إلى استغلال تخوف زرعته بنفسها في صفوف المواطنين، تخوف اعتبرناه مشروعا في البداية وناتج عن خطورة الجائحة، والهدف منه إبقائها تحت السيطرة ،خصوصا مع ضعف وقصور المنظومة الصحية وعدم قدرتها على مواجهة آفة بحجم الجائحة، إلا انه للأسف الشديد ، استغلت تفهم المواطنين لخطورة الوضع الذي تعيشه البلاد بسبب الأزمة وانضباطهم لحالة الحجر والطوارئ الصحية وامتثالهم للتدابير الإحترازية واحترامهم للقرارات والإجراءات الصادرة عن السلطات ، وإرجائهم للخلافات والإنتقادات إلى ما بعد كورونا، وقابلته بانتهازية كبيرة باستغلال قانون الطوارئ والخوف والهلع من انتشار الوباء ومكوث المواطنين ببيوتهم بسبب الحجر المفروض عليهم ، لتمرير العديد من القرارات الخطيرة التي عرض إنفاذها حرياتهم وحقوقهم للإنتهاكات الجسمية، مست حرية الرأي والتعبير وحتى الحق في محاكمة حضورية وعلنية، وتم استغلالها للانتقام من المناضلين والمدافعين على حقوق الإنسان، بل تجاوزت ذلك في محاولة بئيسة لتمرير قانون يشرعن للاستغلال والاستبداد بتكميم الأفواه وخنق الانفاس من خلال مشروع قانون 2220 الذي فرض الشعب المغربي بكل فئاته على الحكومة إرجاء عرضه للمصادقة في انتظار استغلا فرصة أخرى لتمريره. هناك من يعتبر أن سلوك التضامن والتآزر قد يستغل من قبل البعض لتمرير مواقف أوشرعنة قرارات. ما تعليقكم؟ اضطرت ظروف الحجر الصحي وحالة الطوارئ الأسر المغربية إلى البقاء بالمنازل، خصوصا بالهوامش والأحياء الفقيرة، مع ما نتج عنه من احتكاك مستمر في فضاءات البيوت الضيقة والمغلقة التي تغيب فيها غالبا ابسط ظروف العيش الكريم، واضطرار النساء، خصوصا إلى المكوث بالمنازل عوض خروجهن من أجل تدبير المعيش اليومي للأسرة بكاملها بمن فيها الأزواج الذين فقدوا عملهم أو المساهمة إلى جانب ممن يشتغلون منهم لهزالة مدخولهم وعدم كفايته الشيء الذي أثر سلبا على النساء حيث تفاقمت حدة العنف الممارس عليهن بجميع أنواعه، وأخطره الجسدي الممارس من الزوج أو الشريك. وتبين من خلال متابعتنا ومواكبتنا كجمعية نسائية بالجمعية المغربية للنساء التقدميات أو وبالمركز سعيدة للاستشارة والتوجيه للنساء ضحايا العنف التابع لها أن وقع الانعكاسات السلبية للحجر الصحي رغم أهميته وملحاحيته، أشد وأقوى على النساء وجعلهن عرضة للمخاطر. إذ أن إقصاء النساء من الدعم بالرغم أنهن معيلات لأسرهن، وعدم استفادتهن من مخصصات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لاشتغال أغلبهن بقطاعات غير مهيكلة لا تصرح بهن، وغيرها من العوامل الكثيرة الأخرى كحرمانهن من رخصة التنقل، على أساس منحها لرب الأسرة، أي الزوج في غياب تفعيل منطق مقاربة النوع وغياب وسائل النقل ، التي ألقت بظلالها على الحياة الأسرية ، عسرت حياتها بالمنازل وجعلتها أرضية خصبة لكل أنواع العنف، وفي مقدمته العنف الزوجي الممارس دون حسيب ولا رقيب خصوصا أمام إغلاق أغلب الجهات الرسمية والإدارات والمرافق وحتى المحاكم التي يمكن للنساء اللجوء إليها أو التشكي لديها أبوابها، مركزة كل جهودها و انشغالها على الحد من انتشار الفيروس، من دون اتخاذ أية تدابير أو إجراءات للرصد والتتبع والتبليغ عن العنف أو إحداث فضاءات لإيواء ضحاياه، جاعلة من العنف الذي قد تتعرض له النساء مسألة ثانوية. وقد تجاهلت الدولة تعالي الأصوات المنددة وطنيا ودوليا بما تعانيه النساء من عنف مضاعف، جعلت الأمين العام للأمم المتحدة بداية أبريل الماضي يوجه نداء، ينبه لتفشي هذه الظاهرة ويدعو لاتخاذ تدابير خاصة لإقرار ما أسماه “السلام في المنازل” في جميع أنحاء العالم، كجزء من التدابير لتطويق الوباء الذي عمق اللامساواة، وقوى التمييز القائم على الجنس، والإقصاء الاجتماعي للنساء.وهو ما أثار مخاوفنا وقلقنا ، كجمعية نسائية بالجمعية المغربية للنساء التقدميات ، وحقوقية بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجعلنا ندق ناقوس الخطر من خلال بياناتنا منبهين ومدينين و مطالبين باتخاذ كافة التدابير التي تحمي النساء من العنف وتضمن التدخل من أجل إنصافهن والتكفل بهن حال التعرض له .ومطالبين الدولة بجعل مواجهة العنف ضد النساء والتصدي له ضمن استراتيجيتها للقضاء على الوباء. فجر مشروع قانون 20.22 الكثير من الجدل، ما تعليقكم على ما حصل؟ هو جدل مشروع أبان عن إدراك المغاربة لحجم الانتكاسة الحقوقية التي تسير فيها البلاد والتي وصلت حد محاولة تكميم أفواههم والقضاء النهائي على حقهم في التعبير، وفي التنفس وفي الانتقاد والتنفيس عن الغضب في الفضاءات الافتراضية بعد إغلاق كل الفضاءات الواقعية، وذلك بعدم الترخيص للتظاهرات والاحتجاجات السلمية بالشارع العام أو أمام المؤسسات التي لها رمزيتها كالبرلمان، وبمتابعة واعتقال كل من خالف الأوامر وتجرأ على الخروج للشارع من أجل التنديد بما لحقه من ظلم وانتهاك لحقوقه. وهو ما طرح العديد من التساؤلات عن صاحب المصلحة في هذا المشروع ؟ ولفائدة من أنجز؟ ومن تواطئ مع من أجل تمريره والمصادقة عليه؟. ولم الإعلان عنه في هذا الوقت بالذات؟ علما أن القانون الجنائي كان ولازال يسعفهم في التضييق على الحريات وتسطير المتابعات التي يرغبون في توقيعها، وهي تساؤلات كثيرة ، ليس لها إلا جواب واحد، أن مصلحة الغالبية العظمى للشعب المغربي هي آخر اهتمام الحكومة الشكلية الحالية، وأنها وجدت لخدمة المخزن وخدامه من أصحاب المال والأعمال، وتحمي مصالحهم ، التي قد تتضرر من فضح استغلالها ونهبها لثروات الشعب المغربي، خصوصا من لدن الشباب والشابات الذين يتقنون استعمال الفضاء الرقمي، وهم الذين أبانوا عن قدرة فائقة في استغلاله إيجابا من اجل الفضح أو شن حملات مقاطعة بضائع بعض أصحاب المال والنفوذ، كما حصل في حملة المقاطعة الأخيرة. وبما أن الحكومة تجيد استغلال الفرص لمزيد من التضييق وقهر للمغاربة بتمرير قوانين تحد من حقوقهم وتلجم حرياتهم في التفكير والتعبير، فقد اعتقدت أن خوفهم وانشغالهم بالجائحة وحالة الحجر الصحي ستجعلهم غافلين عن مخططها، إلا أن بتصديهم ومواجهتهم وتكتلهم مستغلين الفضاء الرقمي نجحوا في جعل الحكومة تتراجع، ولو بشكل مؤقت وترجئ النظر في مشروع القانون . هذه الدينامية وهذا التلاحم وهذا الالتفاف المجتمعي حول الرفض المطلق لمشروع قانون 20.22 هو ما يتعين الحفاظ عيه وإذكاؤه حتى ما بعد كورونا من أجل تشكيل مبادرة في شكل جبهة للتصدي له ولكل ما من شأنه تكميم الأفواه وتقييد الحريات.