أثار إقدام جريدة "شارلي إيبدو" رسوما مسيئة للنبي محمد (ص) ردود فعل غاضبة في العالمين العربي والإسلامي. فقد اعتبر العرب والمسلمون عامة أن الجريدة بنشرها للرسوم استهدفت استفزاز مشاعرهم على إثر الإساءة التي سببها الفيديو المسيء للإسلام الذي أثار ضجة كبيرة مازالت تداعياتها تتفاعل في مجموع بقاع العالم. أما أصحاب الجريدة فقد اعتبروا أن حرية التعبير الموجودة في بلادهم تمنحهم الحق في نشر تلك الرسوم مستغلين الحدث الذي أثاره الفيديو المسيء لرفع مبيعات جريدتهم رغم أنهم كانوا يدركون ردود الفعل التي قد تخلفها عملية النشر. طبعا أصحاب الجريدة تصرفوا بأنانية وربما هناك من يعتبر تصرفهم استفزازيا، أو ربما غير مسؤول، لكنه تصرف يندرج في إطار ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، وهو حق تضمنه لهم قوانين بلادهم وتنص عليه المواثيق الدولية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير والصحافة. كما أن رد الفعل الغاضب الصادر عن الكثير من العرب والمسلمون يعبر عن استيائهم ضد عمل خلفيته استفزازية، صدر عن سبق إصرار وترصد عن أشخاص يريدون استغلال الظرفية التي أثارها بث الفيديو الذي هز مشاعر العرب والمسلمين لأنه أهان مقدساتهم ومس مشاعرهم. وهذا شعور طبيعي يمكن تفهمه لكن لا يمكن التحكم في أبعاده وحدوده. فالغضب عندما ينفلت من العقال يصعب استعادة السيطرة عليه وأكثر من ذلك لايمكن ضبط حدود اندفاعه. لكن، لا تصرف أصحاب الجريدة مسؤول، ولا رد فعل الغاضبين عقلاني ومنطقي. فالحرية التي لاترادفها المسؤولية قد تتحول إلى عمل غير مسؤول حتى وإن كان حقا قانونيا. كما أن الغضب مهما كانت دواعيه مشروعة إذا ما لم يتم ضبطه قد يتحول إلى فوضى يصعب التحكم في تداعياته ومخلفاته. لذلك ألم يكن من المنطقي اللجوء إلى رد فعل أكثر عقلانية ينسجم مع منطق القوانين التي تحمي الحرية التي باسمها ترتكب الإساءات إلى مشاعر الآخرين؟ ألم يكن من الأجدر رفع دعوى قضائية ضد ما يعتبره الغاضبون إساءة لمقدساتهم وإثارة لمشاعرهم، بدلا من حالات الغضب التي ترتد انعكاساتها سلبا على صورة العرب والمسلمين، وتكبد بلدانهم ومواطنيهم خسارات بشرية ومادية معنوية؟ قبل إقدام جريدة "شارلي إيبدو" على نشر الصور المسيئة للنبي (ص) قامت مجلة فرنسية بنشر صور للأميرة البريطانية كيت ميدلتون، زوجة الأمير وليام حفيد الملكة. فكان رد فعل الأسرة الملكية التي اعتبرت أن الصور تنتهك الحرية الشخصية لأحد أفرادها هو رفع دعوى قضائية ضد المجلة التي سارعت إلى سحب الصور من على موقعها بعدما أحست بخطر سيف القضاء الذي أصبح مسلطا عليها. ومع أنه لا قياس مع وجود الفارق كما يقال، لم تحتج الأسرة الملكية ولم يغضب البريطانيون الذين اعتبروا أن المجلة الفرنسية أساءت إلى أحد رموز مملكتهم، ولم يتظاهروا في الشوارع أو يهاجموا سفارة فرنسا في لندن، وإنما سلموا أمرهم للقضاء مما دفع المشرفين على المجلة إلى الإعتذار وربما التوسل غذا عندما يسقط حكم القضاء... ألم يكن مفيدا بالنسبة للعرب والمسلمين اللجوء إلى القضاء بدل الخروج في مظاهرات في الشوارع. فالمواجهة أمام القضاء كانت ستكون منصفة وحضارية ورادعة في نفس الوقت. حتى الآن ضحايا التظاهرات التي شهدتها دول العالمين العربي والإسلامي فيما سمي مظاهرات "نصرة النبي" كلهم من تعساء العرب والمسلمين، ألم يكن من الأجدى، وحفاظا على الأرواح التي سقطت، اللجوء إلى القضاء للفصل بين العرب والمسلمين من جهة وكل من يفكر مستقبلا في استفزاز مشاعرهم من جهة أخرى؟ فما حصل اليوم يمكن أن يتكرر غذا، وردود الفعل الغاضبة وغير المتزنة تؤجج ردود الفعل المضادة عند الأطراف المستفزة في الجهة الأخرى... تعليق حنظلة...