منذ إغلاق الحدود الجوية والبرية للمغرب، على إثر حزمة قرارات اتخذتها الدولة المغربية للحد من انتشار جائحة فيروس الكورونا ،التي ضربت مختلف بقاع العالم، هذا القرار الفجائي افرز معضلتين ، الأولى تتعلق بالأجانب العالقين في المغرب، وهي الأزمة التي وجدت طريقها للحل، بعدما تدخلت دول العالقين قصد اجلاء رعاياها من المغرب. المعضلة الثانية والتي لازلت جراحها تتعمق يوماً بعد يوم، وتتعلق بالمغاربة العالقين في الخارج او المتخلى عنهم ان صحّ التعبير، أمام تضارب العدد الحقيقي للمغاربة العالقين في مختلف بقاع العالم (فرنسا، إسبانيا، تركيا بالأخص)، فالدولة المغربية تقدر عددهم ب 18 ألف مغربي ومغربية متخلى عنهم، بينما ذهبت تقديرات أخرى إلى أن العدد يفوق ذلك بكثير، وقد يبلغ 30 ألف شخص عالق بين غربة اضطرارية، وحلم مؤجل بالعودة إلى أرض الوطن. غير أن هذا الحلم، سرعان ما يتبدد ويدب اليأس إلى نفوس آلاف المغاربة المتخلى عنهم، وذلك راجع بالأساس لعدم وضوح الدولة المغربية في هذا الصدد، مع تضارب تصريحات المسؤولين، بين مؤكد لاستحالة عودتهم في الوقت الراهن، وبين قائل هناك خطط تتم دراستها. إلى جانب عدم وضوح الجهاز الرسمي بالمغرب، وبالأخص وزارة الخارجية والتعاون الدولي والشؤون الافريقية، التي ألقت بكرة اللهب في ملعب وزارة الداخلية، هذه الأخيرة التي صرح مسؤولها الأول بحر هذا الأسبوع، بأن هناك محاولات لإعادة المواطنين العالقين. غير أن ما أزم وضعية هؤلاء المواطنين، الذين يكابدون ويلات كثيرة من أجل ضمان استمراريتهم بالبلدان العالقين فيها وتزامن ذلك مع شهر رمضان المعظم، خصوصا أمام تخلي وزارة الخارجية عن بعضهم في كثير من الأحيان، لم يجدوا بدى من بعض الجمعيات الاحسانية على خصوص في فرنسا، من أجل الإستفادة من وجبات غذائية، في مشهد يحاكي الواقع الذي عاشه اللاجئين السوريين خلال سنوات انفجار الحرب السورية، لكنهم لاجئين من زمن الحرب على فيروس الكورونا. إلى جانب ذلك، فالجانب التقني والذي تشرف عليه وزارة الخارجية، المتعلق بمراكز النداء التي تستقبل مكالمات واستفسارات المواطنين، توجد في المغرب، ولا تتوفر على قاعدة بيانات ومعطيات كافية، للإجابة على تساؤلات المواطنين المتخلى عنهم في بلدان العالم. وبناء على ما سبق ذكره، يتضح بما لا يدع مجالا للشك، على أن الدولة المغربية ماضية في سياسة، كم من حاجة قضيناها بتركها، وهو ما يبدو من خلال آلاف الفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي لمواطنين عالقين في الخارج، حيث يظهر بشكل جلي حجم الألم والمعاناة التي يعيش فيها هؤلاء المواطنين، الذين لا ذنب لهم في ما آلت إليه أوضاعهم. لكن ما يزيد الوضع ضبابية، كون المغرب كان من الدول السباقة للإجلاء مواطنين من مدينة ووهان الصينية، أو عرف بطلبة ووهان، البؤرة العالمية لفيروس كوفيد 19، وهو الأمر الذي صفق لهم الجميع، بينما اليوم تخلت الدولة عن رعاياها، وهنا تطرح آلاف علامات استفهام من طرف آلاف الأشخاص الذين تم التخلي عنهم بالخارج. كما أن الطائرات التي قامت بإجلاء المواطنين الأجانب العالقين في المغرب، كان من المفروض ان لا تأتي فارغة، وإنما محملة بالمواطنين المغاربة العالقين في الخارج ،كما فعلت العديد من الدول في المحيط الإقليمي للمغرب، وهو أمر اخر ينضاف الى سلسة استفهامات كثيرة، حول طرق تدبير أزمة المغاربة العالقين بالخارج. بالمقابل ذلك، يعتبر الاسبوع القادم أسبوعاً حاسما في قضية المغاربة المتخلى عنهم في الخارج، إذ ان بعض المؤشرات التي صدرت عن بعض المسؤولين المغاربة، تذهب في سياق حلحلة هذه الأزمة بشكل تدريجي، خصوصا مع انخفاض معدلات انتشار الفيروس داخل المغرب، لكن ما لا يتمناه الجميع، أن تذهب هذه الآمال ادراج الرياح وتتبدد كما تبددت آمال سابقة في شأن الحسم مع أزمة المغاربة المتخلى عنهم في الخارج، تاركين إياهم للعيش على إحسان الجمعيات الخيرية الأجنبية.