برلمانيو "الدستوري" و"الحركة" و"الأحرار" الأكثر تغيبا "بدون عذر" خلال جلستين... و30 برلمانيا تغيبوا مرتين    السعدي: حكومة أخنوش تمتلك المشروعية الانتخابية من حصولها على تفويض من 5 ملايين مغربي    سانشيز يشكر المغرب على جهود الإغاثة    مجلس النواب يصادق بأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    الركراكي يكشف تشكيلة الأسود لمواجهة الغابون    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    استقالة وزيرة هولندية من أصول مغربية بسبب "تصريحات عنصرية" صدرت داخل اجتماع لمجلس الوزراء    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم        حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    حماس "مستعدة" للتوصل لوقف لإطلاق النار    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ وتوقيع قبيلة..
نشر في لكم يوم 28 - 04 - 2020

تاريخ المغرب هو تاريخ قبائل هكذا قالت الأتنوغرافيا الفرنسية قبل الحماية وخلالها، وقد دعى"هنري تيراس" الى أهمية كتابة تاريخه في بعده الاقليمي. وبرأي الأستاذ عبد الله العروي مما لا يزال يطبع تاريخ البلاد من اشكالات مسألة علاقة السلطة بالتنظيمات المحلية، ما طرح ديبلوماسيا للنظر في مدى نفوذها وبالتالي حدود الدولة ولمعرفة درجة تعلق المغاربة بالشريعة زمن الحماية ثم بعد الاستقلال للنظر في ملامح ديمقراطية فطرية مغربية.
وعلى أساس ما طرحته من قضايا ارتبطت بالمجتمع المغربي ومجاله وتركيبته القبلية، يتفق كثير من الباحثين المغاربة على أهمية ما أقدمت عليه سلطات الحماية الفرنسية من دراسات ذات طبيعة محلية لتنزيل ورشها الاستعماري من خلال ما سمي ب"التهدئة" رغم ما يسجل حولها من خلفيات. وكانت القبيلة المغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر وجهة لدراسات عدة أعدها سسيولوجيون ورحالة ومخبرون وعسكريون وسياسيون وغيرهم، بهدف التعرف على بنية المجتمع وذهنياته وأنماط عيشه وفهم ما كان قائماً من علاقات بين المخزن والقبائل لأغراض استعمارية أساساً.
وحتى بعد استقلال المغرب حصلت سلسلة أبحاث منوغرافية أجنبية ومغربية، تناولت جملة قضايا منها ما تعلق بالوسط القروي والقبائل وغيرهما. وكانت دراسة قبيلة "اينولتان" للأستاذ أحمد التوفيق قد دشنت ورش المنوغرافية المغربية الحديثة كنهج تاريخي اعتمده عدد من الباحثين المغاربة لا حقاً، مع ما طبع المنوغرافية التاريخية المغربية لهذه الفترة من توثيق وأرشيف ووثيقة محلية كذا من انفتاح ومساءلة لِما هو محلي.
بل من الباحثين المغاربة خلال هذه الفترة من كان يرى أن الاستفادة من الحوليات الفرنسية، تقتضي تحقيق تقدم وتراكم في انجاز دراسات بطبيعة جزئية أو منوغرافية لتشكيل قاعدة تفسيرات مقبولة، على أساس أن من خصائص مدرسة الحوليات التعميم والتنظير وتجاوز ما هو ضيق من اطار زمني ومكاني. ويسجل أنه بعد نهاية سبعينات القرن الماضي توجه البحث التاريخي الجامعي المغربي، لِما هو اجتماعي عوض ما هو سياسي وعيا بكون التاريخ الحقيقي يوجد على مستوى القاعدة. ومن هنا ما حصل من توجه واقبال على منوغرافيات تاريخية، وعياً بأن الدراسات المجهرية أساسية في أفق تاريخ وطني شامل وقد تم التركيز على فترة القرن التاسع عشر.
وبفضل ما أسهم به باحثون مغاربة من تنقيب وتوثيق وتحليل على امتداد عقود من الزمن، من خلال أبحاث ودراسات منوغرافية جاءت بزوايا نظر ومقاربات متعددة حول القبيلة المغربية، باتت خزانة البلاد التاريخية بنصوص على قدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة. ومقابل دراسات توجهت بعنايتها لزمن حواضر االبلاد السياسي كذا بنياتها وعمارتها وتراثها الرمزي..، اختارت أخرى قضايا بوادٍ وقبائل، فكانت بسبق وتأسيس وكشف جوانب عدة كانت مغمورة نظراً لِما سلطته من أضواء حول وقائعها ووقعها في تاريخ البلاد.
ولا شك أن الباحث والمهتم بتاريخ البادية المغربية يجد نفسه بين ثغرات وغموض لا يزال يلف جوانب عدة تخص مكونها القبلي، وما كان عليه هذا الأخير من حضور في تاريخ بلاد يعد في حدود معينة تاريخ بادية وقبائل بالدرجة الأولى لِما كان عليه هاذان المكونان بكل مقوماتهما من أدوار وفعل وتفاعل. سياق ارتأينا فيه اطلالة بالمختصر المفيد حول مؤلف تاريخي رصين شكلاً ومضموناً، في الأصل هو بحث أكاديمي نوقش بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط بداية ثمانينات القرن الماضي، يسجل أنه كان بسبق في انفتاحه على زمن بادية جهة فاس مكناس المعاصر تحديداً بادية بني مطير. يتعلق الأمر بمؤلف موسوم ب"آثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بالقبائل في القرن التاسع عشر..نموذج قبيلة بني مطير" للدكتور العربي اكنينح، وقد صدر ضمن طبعة أولى بأزيد من أربعمائة صفحة من قطع متوسط عن مطبعة أنفو برانت بفاس.
عمل استهدف تاريخ مغرب القرن التاسع عشر بتناوله لزمن قبيلة بني مطير بمنطقة سايس، وابرازه لآثار التدخل الأجنبي على علاقاتها بالمخزن ما بين 1873 و1912. ضمن خطوة من خطوات انفتاح البحث على طبيعة مجتمع فترة دقيقة تاريخياً، علما أن تاريخ بلادنا مجهول في كثير من جوانبه لا سيما منه القروي. فقد اهتمت المصادر المغربية بمن تعاقب على الحكم من أسر مع تتبع سير ملوك ورصد أخبار..، كذا الترجمة لأعلام سياسة ودين وآداب وعلوم وغيرهم. وقلما تحدثت عن حال وأحوال هوامش وعلاقة حاكمين بمحكومين، كما بالنسبة لعلاقة السلطة بالقبائل التي تكتسي دراستها أهمية بالغة لفهم واقع تاريخ بلادنا. إذ يكاد يرتبط أغلب ما شهده من أحداث وتطورات منذ العصر الوسيط بطبيعة ما كان قائماً من علاقة بين مكونَيْ "السلطة" و"الرعية" وبدرجة توازنها أو اختلالها، علماً أن قبائل المغرب كانت بدور هام في نشأة كياناته السياسية من الدول وبناء أمجادها بل هي أيضا من عملت على تحطيمها والقضاء عليها.
اشارات تاريخية وغيرها استهل بها الدكتور العربي كنينح مقدمة مؤلف توجه بعنايته لقبيلة بني مطير، ضمن دراسة غير مسبوقة استهدفت رصد مسارها الى أن بلغت مجال الأطلس المتوسط وهضبة سايس مطلع القرن السابع عشر الميلادي، واقترابها من مكناس وفاس ودخولها في احتكاك مع سلطة البلاد المركزية. فضلاً عن عناية المؤلف بإبراز طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين قبيلة بني مطير والمخزن خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكشفه عن تركيبة جهاز المخزن المحلي مع وصف علاقاته من خلال ممارسته للسلطة بالقبيلة. كل هذا وذاك جاء مؤسساً على سند وثائقي هام ومتنوع سمح بتسليط الضوء على جوانب هامة تخص ممثلي الدولة محلياً، وما أنيط بهم من أدوار سياسية وعسكرية ومالية مع تصحيح أحكام تكونت حول المخزن في علاقته بالمجتمع حاولت طمس وجود الدولة المغربية وتشويه أدوارها.
إن التكوين الاجتماعي للقبيلة المغربية- يقول المؤلِّف- لا يمكن فهمه دون توقف على عوامل خارجة عنها، فحضور المخزن كان بأثر عميق على حياة القبائل وتنظيماتها عموما خلال القرن التاسع عشر. علماً أن البلاد خلال هذه الفترة عرفت أزمة مالية واقتصادية طاحنة انعكست بقوة على المجتمع المغربي، إثر ما كان من ضغوط أجنبية على عدة مستويات، فضلاً عما تنامى من غزو للأسواق المغربية من قِبل التجارة الأروبية، ما كان بأثر كبير على علاقة المخزن برعاياه مثلما حصل مع قبيلة بني مطير بمنطقة سايس.
ولفهم علاقة المخزن بقبيلة بني مطير وأثار التدخل الأجنبي عليهما معاً، اعتمد المؤلِّف على وعاء ببليوغرافي وطني وأجنبي هام من وثائق وأرشيف، فضلاً عن أصول تاريخية جمعت بين مؤلفات رحالة مغاربة وأجانب وكتب تراجم وأنساب وحوليات وغيرها، إضافة الى عدد هام من الدراسات التاريخية الحديثة لباحثين مغاربة كانوا بفضل في وضع لبنات مدرسة تاريخية مغربية. وقد توزع المؤلَّف على أبواب أربعة بفصول عدة تناول الأول منها تطور قبيلة بني مطير بمنطقة سايس في الزمان والمكان مع وصف اطارها الجغرافي وتكوينها الاجتماعي، أما الثاني فقد توجه بالعناية لجميع ما هو حياة اقتصادية وأنماط عيش وموارد وغيرها. وتم تخصيص الباب الثالث لحياة القبيلة الاجتماعية بينما الباب الأخير فقد تناول علاقات القبيلة بالدولة خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وتحضر المادة العلمية عن مصادر أجنبية في المؤلف بشكل معبر، خاصة منها المستندات المحفوظة عن المغرب في الأرشيفات الفرنسية بقصر فانسان ووزارة الخارجية. فحول الدراسات والتحريات الميدانية التي تم اعتمادها والتي قامت بها سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، أشار المؤلف الى أن ما حظيت به قبيلة بني مطير فيها من عناية كان بسبب موقعها ومواقفها تجاه المخزن، كذا ما كانت عليه القبيلة من انتفاضات وحصار لفاس ومكناس ربيع 1911. كل ذلك يقول المؤلف أثار انتباه سلطات الحماية ومخاوفها، وبالتالي ما أقدمت عليه بعد تطويعها من تحريات وجمع للمعلومة من أجل تحليل بنياتها الأساسية وفهم ذهنيتها، خاصة وأن دخول القوات الفرنسية لفاس خلال هذه السنة كان بهدف فك حصار قبيلة بني مطير عنها، مع أهمية الاشارة الى أن تمرد القبيلة على السلطان عجل بعقد معاهدة الحماية.
كلها تطورات دفعت الضباط الفرنسيين للقيام بسلسلة دراسات استهدفوا بها تسهيل توغلهم الاستعماري، فقد استقر بمجال قبيلة بني مطير عام 1914 العقيد Abès وجمع كل ما تعلق بشؤونها القانونية والثقافية وتنظيماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عما قام به من بحث حول أصولها وفروعها وتاريخ استيطانها بمنطقة سايس والأطلس المتوسط. وقد ورد في المؤلف أن قبيلة بني مطير خضعت لعدة أبحاث ميدانية لعدد من ضباط الشؤون الأهلية الفرنسيين الذين تعاقبوا عليها، بحيث تمكن هؤلاء من رصد بنية القبيلة وتركيبتها وأنماط عيشها وتفكيرها، لدرجة أنهم تعلموا لهجة الأهالي وهو ما مكنهم من سبر أغوار القبيلة والتعرف على عاداتها وتقاليدها وتراثها الثقافي.
وحول قبيلة مطير ذات التماس مع فاس ومكناس، ورد في المؤلِّف حول أصولها أنها تنحدر من آيت يدراسن الذين شكلوا قبل القرن الحادي عشر الميلادي فرقة من مسوفة، احدى قبائل صنهاجة اللثام التي كانت تعيش في الصحراء جنوب جبال درن. مضيفاً أن المصادر التاريخية لا تذكر اسم بني مطير وأن اسم آيت يدراسن لم يرد الا في مرحلة متأخرة نسبياً، وأن النصوص التاريخية وأوصاف جغرافيي العصر الوسيط تتحدث عن مسوفة أي المجموعة القبلية الكبرى التي كان ينتمي اليها آيت يدراسن، وبالتالي بني مطير التي بدأ اسمها يتردد في الحوليات التاريخية منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي.
ومن جملة ما ورد في مؤلف "آثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بالقبائل.."، كون ما تعرضت له قبيلة بني مطير من ضغط جبائي وتسخيري وتعسف مخزني، جعلها وجهاً لوجه لفترات مع محلات مخزنية كانت تروم تطويعها، وأنه كثيراً ما كانت المواجهة بين القبيلة والمخزن تتصاعد تبعاً لتزايد وطأة الجباية. وورد أن قبيلة بني مطير اتحدت عام 1290 ه مع قبيلة مجاط وآيت يوسي، فهاجمت مكناس وفاس في وقت تمرد فيه دباغو وحرفيو فاس على السلطان الحسن الأول بهدف اسقاط مكوس الأبواب. كما هاجمت القبيلة عام 1320 ه سوقاً خارج مكناس كرد فعل على تدخل الأجانب في شؤون البلاد الداخلية، فضلاً عن عرقلتها لبناء خط حديدي عزم السلطان مولاي عبد العزيز على مده بين مكناس وفاس. بل كان من جملة ما استهدفته قبيلة بني مطير ومعها قبائل سايس من ردود فعلها هذه، اطلاق سراح الأمير محمد الذي كان تحت الاقامة الجبرية في أحد قصور مكناس وتنصيبه سلطاناً.
وفي علاقة بما حصل من تطورات سياسية مطلع القرن العشرين، ورد في المؤلف أن قبيلة بني مطير ومعها أتباع الطريقة الكتانية كانوا بدور هام في الاطاحة بمخزن مولاي عبد العزيز والدعوة للمولى عبد الحفيظ، من أجل التخلص مما فرض عليهم من ضرائب مرهقة. الا أنه بسبب استفحال الضغوط الأجنبية على البلاد وتقلص نفوده، نزل المخزن الجديد بكل ثقله على القبائل المجاورة للعواصم وأتى على كل شيء فيها لينحصر نفوده قبل عقد الحماية على مناطق مجاورة للعاصمة فاس، كلها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية جعلت قبيلة بني مطير في مواجهات مفتوحة مع مولاي عبد الحفيظ فكانت انتفاضة 1909 ثم انتفاضة 1910 ثم انتفاضة 1911.
وقد تمكنت قبيلة بني مطير- يضيف الدكتور العربي اكنينح- من استمالة وجر قبائل منطقة سايس للتمرد على المخزن، من أجل القاء القبض على السلطان ووزيره المدني الكًلاوي والتخلص من المخزن الحفيظي كاملاً. خطة أجهضت بسبب انتفاض قبيلة اشراردة وتسرع قبيلة بني مطير لمساعدتها على ضرب المحلات المخزنية، فكان حصار فاس وكانت أحداث 1911 التي توجت بتنصيب قبيلة بني مطير لمولاي زين العابدين بمكناس والمناداة به سلطاناً على البلاد. كلها تطورات كانت تحت مجهر الأطماع الفرنسية من خلال تتبعها لِما كان يجري معتمدة على جواسيسها وممثليها بفاس. حيث بمجرد تدهور الأوضاع بفاس ومكناس- يقول المؤلف- سارعت فرنسا بالتدخل بدعوى حماية رعاياها واستنجاد السلطان بها، من أجل فك حصار العاصمة فاس وابعاد القبائل عن أسوارها ليتقرر مصير المغرب وتبدأ صفحة جديدة من تاريخه مع الحماية.
حصيلة بحث وتوثيق وتحليل تجعل من كتاب "أثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بقبيلة بني مطير"، مقاربة تاريخية على درجة عالية من الأهمية في علاقتها بتاريخ المغرب المحلي وهوامش مجاله، وإسهاما علميا توجه بعنايته لزمن البادية المغربية المعاصر تحديداً بادية هضبة سايس وقبيلة بني مطير. ولعله بقدر ما تأسس عليه من مادة تاريخية علمية رزينة وأصول وأرشيف وطني وأجنبي لتأثيث محتواه ومحاوره الأساسية، بقدر ما يعد قيمة مضافة على درجة من الأهمية لفائدة رصيد المنوغرافيا وخزانة المغرب التاريخية ومن خلالها خزانة جهة فاس مكناس. وتجعل ثانياً مما جاء فيه من اشارات تاريخية مجالية في علاقتها بقبيلة بني مطير ببلاد سايس، بأسئلة عالقة ذات صلة في ارتباطها بحوض سبو وأعالي وادي ايناون تحديداً ما يعرف بممر تازة وبلاد غياتة، ولعل من هذه الأسئلة ما يتصل بفرقة "بني مطير" التي تنتمي اليها ضمن ما يعرف بغياتة الفوقية وفق ما ورد في وثائق مغربية عدة وتقارير أجنبية.
ومعروف أن النصوص التقليدية الاخبارية المغربية هي بغير ما هو شاف حول أصول عدد من قبائل المغرب، فهي لا تذكر مثلاً أي شيء عن أصل قبيلة "غياتة" بأعالي ايناون شرق فاس سوى أنها من برابرة المغرب الأقصى كما جاء عند ابن خلدون. ومعروف أيضاً أن تسمية "غياتة" لا جذور لها في النصوص التقليدية وما هو كائن يبقى مجرد تأويلات لاحقة، فقط ما ورد حول كون كل من قبيلة "غياتة" وقبيلة "أوربة" كانتا من المساندين الأوائل لمولاي ادريس الأكبر. ويتبين من خلال بنية تقسيم قبيلة غياتة أنها بمجموعتين كبيرتين، الأولى تعرف بغياتة السفلية وتظم فرقة أهل الواد وأهل الطاهر ومكًاصة وبني مكًارة وولاد حجاج وأهل السدس والخمامجة وولاد اوشن وولاد عياش. بينما الثانية والتي تعرف بغياتة الفوقية فهي تتشكل من فرقة أهل بودريس وأهل الدولة وبني بوحميد وبني قيطون وبني وجان وبني سنان ومتركات ثم بني مطير. وهنا سؤال التاريخ والمجال والانسان معاً حول علاقة "بني مطير" الفرقة التابعة لبلاد قبيلة غياتة بتازة حيث أعالي وادي ايناون"، بقبيلة "بني مطير" التي تستوطن بلاد هضبة سايس حيث المجال ما بين فاس ومكناس، والتي شكلت محور دراسة الدكتور العربي كنينح "أثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بقبيلة بني مطير".
إن ما هو كائن من تشكل وتركيب قبلي بحوض سبو عموماً في علاقته بأعاليه كما بالنسبة لأعالي وادي ايناون، وما هناك من تقارب وانفتاح وتفاعل مجالي وتنقلات منذ القدم فضلاً عن تشابه تسميات هنا وهناك كما "بني مطير سايس" و"بني مطير ايناون". هو بأسئلة تاريخية عدة ومتداخلة تقتضي أبحاث ودراسات والتفات من قِبل باحثين ضمن الاطار المحلي، للكشف عما لا يزال مغموراً يخص قضايا تاريخية وانسانية واجتماعية وثقافية وغيرها، في أفق إغناء خزانة تاريخية جهوية ومن خلالها خزانة وطنية بنصوص أكثر تنوعاً وأهمية.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.