بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تراجع اليسار وقضايا إعادة البناء
نشر في لكم يوم 30 - 08 - 2012

في هذه المقالة, سنحاول عرض وجهة نظرنا في موضوع "تراجع اليسار المغربي وقضايا إعادة البناء " والعوامل التي أدت الى ذلك.
1. في البدء, كان حصار منظمة العمل الديمقراطي
لقد عانى مناضلو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من قسوة تفرقة وتشتيت مناضليها على كيانات قزمية أضرت وأضعفت من قيمة المشروع النضالي الكبير الذي حمله مناضليها ومن أجيال مختلفة. لقد حملوا هذا المشروع وطوروه بما سمحت به الظروف الموضوعية والذاتية رغم القمع الأسود الذي سلط عليهم في بداية المشوار مما ذاق الكثير منهم عذاب و قسوة السجون. كما عرف رفاق آخرون الأحكام الغيابية, ثم المنافي الاضطرارية هربا من بطش الأجهزة القمعية. ونذكر أحد رموز التضحية الشهيد الرفيق عبدالسلام المودن الذي رحل عنا في بداية نونبر من سنة 1992 , هذا المناضل الفذ الذي وهب حياته فداء لمشروع المنظمة في قيام الديمقراطية الحقة ونقول معه إن في قلبي وجسدي خزان من الطاقة الهائلة التي تمكنني من الصمود سنين طويلة إذا لزم.
ويمكن القول وبدون تردد ان الجيل الذي قاد المنظمة الى حدود 1996, ورغم المجهودات والتضحيات التي بدلت لم يحسن الإدارة السياسية والتنظيمية للمنظمة بالعمل على إيجاد آليات للعمل الجماعي والتنافس ألرفاقي مما أدى إلى انشطارها وتشتيت مناضليها غير آبهين بقيمة مشروع المنظمة في الساحة السياسية الوطنية والعربية.
لا يتباكى المرء على ما جرى أوالبحث عن المسؤول في غياب أو تغييب المنظمة أو توزيع الاتهامات والصكوك لهذا الطرف أو ذاك. بل لاستخلاص الدروس ورسم آفاق لبناء تنظيم سياسي للألفية الثالثة آخذين بعين الاعتبار كل ما جرى من تقدم وإخفاق في التجربة السابقة.
كما أن الأسس التي أدت إلى انشقاق المنظمة وصلت بأصحابها وحلفاؤهم الى الباب المسدود كما سنرى لاحقا والتجربة الاندماجية والتي أتت في سياق تداعيات انشقاق المنظمة باءت تدريجيا إلى الفشل.
إننا طرحنا مبادرة تأسيس لمنظمة سياسية جديدة تأخذ الجيد من التجربة السابقة وتتجاوز السلبيات التي عرفتها بعد تفكير طويل واستشارة للعديد من الأطر والمناضلين. لن نخفيكم أن هناك من رحب بالفكرة و هناك من شكك في إمكانية نجاحها. وهكذا انتقلت الفكرة إلى المشروع الذي نعرض أسسه. انه قرار واعي يهدف إلى لم جهود المناضلين ليساهموا في صيرورة العمل الديمقراطي ببرامج نوعية وبأدوات فعالة إلى جانب القوى الحية ببلادنا.
ان سؤال تأسيس منظمة جديدة للألفية الثالثة ليست مسألة ذاتية كما تبادر إلى ذهن العديد من المهتمين و المناضلين الذين تحاورنا معهم في الموضوع حيث ربط بعضهم مبادرتنا بمحاولة الرجوع إلى ماض مفتقد أو نوسطالجيا. كأنهم لم يدركوا ما وقع لليسار التقليدي والجديد من تراجع وغياب مريب في ساحة الصراع الاجتماعي والسياسي مما أفضى إلى محاولة ملئها بشتى أنواع الأصولية الدينية والعرقية والانتهازية.
إن غياب موقع لليسار الديمقراطي المناضل في الساحة السياسية صار حديث الديمقراطيين بعدما انكسر اليسار التقليدي في متاهات الحكومات المخزنية وإفلاسه كما عزز اليسار الجديد هامشيته وانعزاليته في الساحة السياسية. ان بناء حزب يساري جديد هو إجابة عملية لانتظارات المناضلين والمواطنين الشرفاء.
تناول هذا الموضوع يقتضي مساءلة مرحلة بكاملها حيث اهتز وضع الحركة الديمقراطية وتدرر إلى قطع واختل ميزان القوى بشكل ملحوظ لصالح الخصوم والأعداء الطبقيين بعدما ضببت الصورة لدى الجماهير الشعبية حول من يحكم ومن يعارض.
2. إستراتيجيتان للنضال الديمقراطي
إستراتيجيتان تحكمتا داخل الصف الديمقراطي في التعاطي مع المسألة الديمقراطية وكيفية الانتقال من ديمقراطية شكلية مبنية على الغش وتزوير الإرادة الشعبية إلى الديمقراطية الحقة حيث الشعب يحكم ويسود من خلال صناديق الاقتراع وعبر ممثليه في جو تسوده النزاهة والشفافية والمصداقية والمسؤولية.
إن الإستراتيجية الأولى تبنت برنامج إصلاحي مطلبي نضالي. وهكذا نجد المطالبة بتعديل الدستور وبإصلاح سياسي وسن العدالة الاجتماعية. إن معركة تغيير الدستور والمطالب الاجتماعية والاقتصادية للشعب ذات أهمية كبيرة. و قد طالبت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بإقرار نظام ملكية برلمانية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي في عز الصراع بين النظام والحركة الديمقراطية المغربية, من جهة للحفاظ على الشرعية التاريخية للملكية وجعلها خارج أي صراع سياسي بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لتكون فوق الجميع وحكما في القضايا الخلافية الجوهرية, ومن جهة ثانية تمكين الشعب المغربي من حقه الطبيعي في حكم نفسه من خلال مؤسسات منتخبة وجعل الإنسان والمواطن المغربي مركز التنمية الشاملة.
أما الإستراتيجية الثانية فاعتمدت أطروحة "إمكانية التغيير من داخل النسق القائم" وذلك بالمشاركة في العمل الحكومي من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتدرج في أفق دولة ديمقراطية برلمانية. إن هذه المقاربة اقتضت من أصحابها التعايش مع كل أشكال التزوير للإرادة الشعبية وسياسة الكوطا وما يصاحبها من تقطيع انتخابي على قد المقاس واستعمال المال لشراء الأصوات إلى غير ذللك. هذه المقاربة نما حجم المدافعون عنها منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي من داخل الأحزاب الديمقراطية. كما ساهم ممثلو الطبقات السائدة في تنامي عدد المدافعين عن هذه الإستراتيجية نوعيا وكميا. وقد تحقق الشرط الموضوعي والذاتي بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي. فقد ظهرت للعيان رغبة القوى الحاكمة في الانفتاح على من يمثل هذه المقاربة من داخل الصف الديمقراطي وذلك بعد ما عرف المغرب أزمة خانقة وعلى أكثر من مستوى والتي عرفت في الأدب السياسي المغربي بمقولة السكتة القلبية التي أطلقها الراحل الملك الحسن الثاني كتوصيف للحالة الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها البلد. وتم تبني مقاربة التغيير من داخل النسق القائم رسميا مع التصويت على دستور1996 والعمل بمقتضى سلم اجتماعي من خلال الاتفاق مع النقابات الداعمة لهذه المقاربة.
بعد الانتخابات البرلمانية لسنة 1998 تم تكليف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتشكيل حكومة في غياب أغلبية برلمانية منسجمة. شكلت الحكومة بألوان سياسية لا رابط بينها إلا ضمانة الملك. أشر البرلمان على البرنامج الحكومي للوزير الأول السيد اليوسفي وانطلقت التجربة معلنة بداية لمرحلة جديدة في المشهد السياسي المغربي. بعد مدة قصيرة مات الملك الحسن الثاني ليخلفه ولي عهده محمد السادس. وصفت هذه الحكومة بكل الأوصاف من لا استقرار, لا انسجام, التناوب التوافقي. وكان التشكي من التدخل السافر لأدرع مقاومة التغيير خاصة إبان وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري.
إن الإستراتيجية هي السياسة نفسها, منهجيتها وفنها. فان تكون في نفس الوقت شريكا وبيدقا, في نمودج استراتيجية مهدت له الدولة, هذا يفترض ان يكون لكل حزب تفكير واضح وممارسة سياسية مرنة, لبلوغ هذا الهدف او ذاك, وقدرة على ربط تحالفات صحيحة, مبنية على مبادئ لا على فرص او فراغ ايديلوجي. ان دور الدولة الإستيراتيجي أثر ويؤثر على سير الاحزاب والنقابات والحركات الجمعوية, وعلى المنظمات غير الحكومية.
ونحن على مسافة محترمة من تجربة إستراتيجية التغيير من داخل النسق السائد التي أدت بأصحابها إلى الباب المسدود وإفلاس مشروع اليسار التقليدي وانشطاره إلى أجزاء متناثرة. ما الذي حصل اذن؟ كان المطلوب تغيير أوضاع الجماهير الشعبية من وضعها المتردي إلى وضع أحسن وأرقى, ومن دولة مستبدة الى دولة ديمقراطية, لكن الذي حصل هو تغيير هوية اليسار التقليدي ونخبه والانتقال من الايديلوجية الاشتراكية الى نسخة مشوهة من الليبرالية الاجتماعية.
إن مشروع إعادة بناء حزب لليسار الديمقراطي المغربي بعدما ابتعدت الجماهير الشعبية الطواقة الى الديمقراطية الحقيقية عن الأحزاب السياسية والاستشارات الانتخابية, أصبح حاجة ماسة لتمثيل القوى الشعبية المتضررة من الوضع القائم وتأطيرها والدفاع عن مصالحها.
لم تكن إستراتيجية التغيير من داخل النسق القائم الوحيدة في تراجع اليسار المغربي, بل كانت هناك عوامل أخرى حدت من تقدمه .
3. في قضايا تراجع اليسار
إن تراجع اليسار المغربي ساهم في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للجماهير الشعبية. عديدة هي الأسباب والعوامل التي أدت بشكل مباشر أو غير مباشر في تراجع اليسار المغربي ويمكن إجمالها في خمسة أنواع.
النوع الأول موضوعي:
1. و يتمثل في طبيعة النظام والقائم على الاستبداد. إن الممارسة الاستبدادية للسلطة همشت أدوار الدولة ومؤسساتها من سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية وخنق الحريات العامة وقمع حرية التعبير وتضييقها على الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني. ان ظاهرة الاعتقال السياسي الذي عرفه المغرب في تاريخه المعاصر والتي صارت تعرف بزمن الرصاص خير دليل على ما تمت الإشارة إليه من تضييق على الحريات وخنق للمعارضة الديمقراطية. وللإشارة فسياسة الحلول الأمنية والقمعية لا زلت حاضرة إلى يومنا بشهادة منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إن الدستور وهو القانون الأسمى للدولة عكس في فصوله دولة الاستبداد التي تمثل الطبقة السائدة والبرجوازية التبعية تحديدا مقصيا باقي الطبقات والفئات الاجتماعية. إن تخلف بلدنا كان في جزء كبير مرده الاستبداد الذي عمق الظلم والإقصاء الاجتماعيين وعزز التأخر العام للمغرب في مجال الاستحقاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي بمقارنة مع الدول النامية والصاعدة.
2. ان بلادنا تمر من منعطف كبير وخطير. منعطف كبير لحجم التحولات التي تعرفها المنطقة العربية من احتجاجات و مظاهرات وثورات منذ أواخر 2010 وتستمر الى الآن غيرت من صورة المنطقة العربية لدى العالم وشبابها التواق الى الحرية والديمقراطية ولم يكن المغرب استثناء عن باقي الدولة العربية. وهكذا تفاعلت القوى الحية والشباب المغربي بإيجاب مع الحراك العربي. وبادر الشباب المغربي في احداث حركة نضالية انطلاقا من مواقع الشباكات الاجتماعية وتنسيقا بين المجموعات لتعطي الشرارة الاولى والنزول الى الشارع في 20 فبراير 2011. انها حركة 20 فبراير المجيدة التي ستأرخ لميلاد جديد للحركة الاجتماعية الحديثة لتساهم في تغيير نظام الدولة والمجتمع. ومنعطف خطير ان لم تحسن الدولة المغربية في التعامل مع معطيات الواقع المتحرك وإيجاد الأجوبة المناسبة لما يطرحه الشارع المغربي من مطالب سياسية واجتماعية عادلة مع ميزان القوى المتنامي لصالح الفئات الاجتماعية المتضررة من الوضع القائم, يمكن أن تجر المغرب دولة وشعبا إلى المجهول.
3. ان استحقاقات الالفية الثالة في الحرية والمساواة والعدالة والكرامة تضع الدولة المغربية أمام محك حقيقي, إما أن يدخل المغرب باب الحداثة والديمقراطية الحقة ويعانق آمال الجماهير الشعبية التواقة إلى دولة ديمقراطية التي تكرم الانسان المغربي, واما أن يدخل المغرب بابا يؤدي إلى المجهول ويخلف موعده مع التاريخ. ونظن أن زمن الاستبداد قد ولى عهده مما يحتم على الدولة أن تنتصر إلى قيم الحرية والكرامة والحداثة.
النوع الثاني ذاتي: ويتمثل في تفسخ اليسار التقليدي وملحقاته وذلك من خلال الضربات الموجعة التي لحقت به في معمعان الصراع مع الدولة المستبدة.
1. إن شعار التوافق الوطني الذي رفعه اليسار التقليدي في بداية تسعينيات القرن الماضي كان الضربة القاسمة بين صفوفه حيث صار للدولة دور أساسي في تعميق خلافاته وتشتيت صفوفه وكياناته كما حصل بداية في انشقاق منظمة العمل الديمقراطي الشعبي إلى فريقين, فريق الموالاة لشعار تلك المرحلة وفريق الرفض لأسس ذلك الشعار بما يحتويه من تصالح مع قيم الفساد السياسي والانتخابي والإداري. لتتوالى بعد ذلك انشقاق التقدم والاشتراكية, وبعده أتى دور الطرف الرئيسي في اليسار التقليدي الاتحاد الاشتراكي لتقسيمه إلى أطراف لتكون الضربة القاضية على آمال اليسار المغربي والفئات الاجتماعية المرتبطة به. لم يقتصر الأمر على أحزاب اليسار التقليدي بل وصلت عدوى الانشقاق إلى النقابة الرئيسية لليسار التقليدي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وهكذا أنهى النظام مهمته بادلال جزء مهم من اليسار المغربي. لقد انتقل جزء من نخب اليسار التقليدي من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة البرجوازية مستفيدة من كرم الريع الدولتي والارتشاء السياسي. وجبت الإشارة إلى وجود أصوات وطاقات مناضلة لا زالت أحزاب اليسار التقليدي تختزنها رغم الحصار المضروب عليها من طرف ما يسمى مجازا باليسار الممخزن. أما ما تبقى من اليسار فهو هامشي القوة و دفاعي المطالب ولا يعطي قيمة لتجديد رؤيته منغمسا في ماضويته اليسارية رغم التضحيات التي قدمها ويقدمها بسخاء.
2. إن غياب مشروع موحد للتنظيمات اليسارية الديمقراطية بتنوع رؤاها وعلى برنامج حد أدنى ساهم بشكل واضح في تعثر اليسار. إننا لا ندعو لوحدة اندماجية لتنظيمات اليسار لان هذا الشعار في الوضع الراهن مغربيا مضيعة للوقت والطاقة نظرا للتجارب الاندماجية التي عرفت صعوبات جمة لغياب تصور اندماجي وحدوي وثقافة سياسية رفيعة المستوى تنتصر لقيم الحرية والاختلاف والتسامح. كما حصل للوحدة الاندماجية للمنظمة في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد التي باءت بالفشل وذلك لغلبة التيار اللاوحدي حيث صار حزب الاندماج ساحة لتصفية الحسابات القديمة ليغادره جل أعضاء المنظمة ومناضلين من مكونات أخرى. إن المطلوب من خلال آليات اجتماعية ونضالية الإجابة عن أوضاع البلد دولة وشعبا والعمل على إقرار دولة ديمقراطية برلمانية والحد من كل أشكال الإقصاء الاجتماعي والسياسي في أفق إنضاج شروط وحدة متينة سياسية وتنظيمية لليساريين.
3. إن الحفاظ على حركة 20 فبراير واجب وطني نضالي وأخلاقي. وأي سلوك يضر بهذه الحركة في استمراريتها أو الهيمنة عليها من أي جهة كانت مرفوض ومدان. إن البحث عن القواسم المشتركة بين مكونات هذه الحركة مطلوب وبإصرار. في هذه العملية النضالية المجتمعية يتعلم الجميع حب الوطن والتسامح والاختلاف ووضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي أو اديلوجي أو عرقي أو اثني أو لغوي. إن الأهداف واضحة وضوح الشمس في سماء صيف المغرب وذلك بإرساء دولة ديمقراطية برلمانية ومحاربة الفساد السياسي والانتخابي والإداري والمالي والحد من الإقصاء الاجتماعي. انه برنامج القوى الشعبية الداعمة لحركة 20 فبراير. لن يتحقق هذا البرنامج إلا بتضافر الجهود ونكران الذات. إن الطريق ليس معبدا ومفروشا بالورود, أو نهايته تبدو على مرمى حجر, لكن ليس عقبة مستحيلة الصعود. لذا وجب التحلي بالصبر وسعة الأفق وزاد من الطاقة وطول النفس واحتضان الرأي والرأي الآخر بسماحة كبيرة لا تنظر للآني فقط بل تتعداه إلى الآتي وهو الأعظم.
4. إن الظروف التي مر منها العالم العربي والتي تميزت بالاستبداد والفساد وانهيار أنساق قيمية وظهور أخرى جديدة على أنقاضها أعطت ما نراه اليوم من مد جماهيري من المحيط إلى الخليج, ووجدنا اليساري إلى جانب الإسلامي. إنهما معا ضحايا الاستبداد, استبداد الدولة وأدواتها, واستبداد مجتمعي ساهما بقسط في ديمومته. الهدف واضح ولا غبار عليه ويتمثل في محاربة الاستبداد والفساد والحد من الإقصاء بشتى أشكاله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. اليساريون ليسوا وحدة متجانسة والإسلاميون بدورهم ليسوا وحدة متجانسة. فمن بين الصنفين من اختار الاصطفاف إلى جانب الطبقات السائدة. إذا كان الفرز المطلوب قد حصل ومن داخل معمعان الصراع ضد النظام ألمخزني وأذنابه, وإذا كانت حركة 20 فبراير وعاء للقوى المناهضة للاستبداد والفساد, وإذا كانت هذه الحركة الوعاء منظمة ومنتظمة في عملها وخروجها النضالي, فما هي الموانع إذن من قيام جبهة وطنية ديمقراطية عريضة لها أرضية سياسية وتوجيهية واضحة وآليات للعمل والتنسيق لقيادة العمل الجماهيري؟ إن قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية التي تضم كل المساندين لحركة 20 فبراير, شخصيات مستقلة وفصائل سيعتبر مؤشر قوي في إدارة الصراع والاقتراب من تحقيق أهداف حركة 20 فبراير.
النوع الثالث عولمي: يتمثل بالتدخل السافر للرأسمال المعولم، من خلال المؤسسات المالية والصناعية والدول الامبريالية، في التوجيه لمسار سياسات الدول و شؤونها الداخلية بما يخدم مصالح الرأسمال المعولم منتهكين السيادة الوطنية للدول وقرارها السياسي والتحكم في رقاب مواطنيها وبشتى الوسائل اقتصادية ومالية كانت أو عسكرية. ان الحراك الاجتماعي الذي يعرفه العالم العربي من أسبابه التدخل السافر للمؤسسات المالية في اعادة هيكلة اقتصاديات المنطقة العربية مما أدى الى تعميق الإقصاء الاجتماعي بشتى أشكاله وانتشار قيم الفساد والاستلاب والبطالة في صفوف الشباب المتعلم. كما للتدخل العسكري للتحالف الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة في قلب النظام العراقي بالغ الأثر على ما يجري اليوم من حراك اجتماعي. ان التدخل الامبريالي العسكري في العراق أدى إلى قتل أكثر من مليون نسمة وتشريد الآلاف من الأسر وانتهاك حرمات المواطنين العراقيين وادلالهم, وسجن أبو غريب ومآسيه خير دليل على همجية الحرب العدوانية الغير مبررة على دولة وشعب وحضارة بلاد الرافدين. كان لتلك التدخلات السافرة العسكرية والمالية للقوى البرانية على العالم العربي الأثر البالغ في نفوس وسلوكيات مواطني المنطقة العربية مما أدى إلى تأجيج الكراهية للحاكم المستبد والمرتشي والخادم لأسياده الغربيين. مما أدى أيضا الى صعود مد ثوري تقوده الفآت المتضررة من الوضع القائم وفي مقدمتها الشباب المتعلم مما أطاح برئيسي تونس ومصر والبقة آتية لا محالة في باقي الدول كاليمن وليبيا وسوريا الخ.
النوع الرابع أصولي ( تسيس الدين) : ويتمثل في انتشار فكر وقيم وتنظيمات الأصولية الدينية الإسلامية لتحكم سيطرتها على عقول المجتمع اثر خيبات إحداث التغيير المنتظر. ويمكن الاستشهاد بمسألتين بارزتين. الأولى في تنامي التطرف الديني المرتبط بالاتجاه الرومنسي الذي مثله الشيخ أسامة بن لادن. وكانت أحداث الدار البيضاء والانفجارات التي عرفتها في ماي 2003 المثال البارز لوجود وتنامي هذه الظاهرة. وكان إصرار البعض على إنكار وجودها حتى وقعت الواقعة وكأن المغاربة يعيشون في جزيرة معزولة عن عمقهم العربي والإسلامي. والثانية في ترسيم تيار سلفي معتدل من طرف الدولة وحضوره الملفت من خلال نتائج الانتخابات على علاتها لولايتن تشريعيتن لتكتمل الصورة لان الطبيعة لا تحتمل الفراغ. وهكذا تعمقت الفجوة في السنين الاخيرة بانتشار الاصولية المعتدلة والمتطرفة بشكل واضح وملفت على حساب تواجد اليسار وقيمه وفكره. ان الشعب المغربي شعب مسلم في مجمله ولا يجوز ترك المجال الديني للتنظيمات الأصولية والدولة وكأنهم الأوصياء على الدين الإسلامي الحنيف. إن معرفة الدين الإسلامي نصا واجتهادا أصبح من القضايا الأساسية لتمثل القيم الدينية الداعمة للحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية, وهي قيم حداثية كونية لا محالة. إن تجربة اليسار في أمريكا اللاتينية مع ما سمي بلاهوت التحرير كان لها بالغ الأثر في موقع اليسار الديمقراطي اليوم وتقدمه في أوساط شعوب تلك المنطقة.
النوع الخامس اشتراكي: ان التجربة الاشتراكية التي تبنت المشروع الماركسي في تغيير العالم باسم الاشتراكية وفشلها في تحقيق ما سطرته لنفسها أدت الى زعزعة التمثلات التي كانت للإنسان الكوكبي على المشروع الاشتراكي برمته رغم أنها كانت مجرد تجربة. ان لمكانة الدور الدعائي الكبير والتبشيري للتجربة الاشتراكية ونجاحاتها بمقارنة مع الأنظمة الرأسمالية أدى إلى نتائج عكسية وكبيرة على مشروع ماركس لتغيير العالم. إن الفشل صاحب تلك التجربة منذ بدايتها. إن بلدان الكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي قدمت آمالا عريضة في الحرية والمساوات والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لشعوب العالم المضطهدة. لكن سرعان ما انهارت هذه الأنظمة الشمولية التي غيبت دور وفعل المواطن والحد من حريتة ومبادراته وبالمقابل عملت على مركزة السلطة في يد نخب الحزب الوحيد بدعوى كونه الحزب القائد والحامي للثورة وقيمها. إن هذا الانهيار أثر لا محالة على بريق القيم المثلى للاشتراكية وأعطى فرصا جديدة لمنظري التيار الليبرالي لمهاجمة المشروع الاشتراكي. كما حصل مع المنظر الليبرالي الامركي فوكهويما الذي قدم نظرية تدور حول مقولة نهاية التاريخ التي تعدم أي إمكانية لصراع الطبقات. أما الأسباب الذاتية فتتمثل في عدم قدرة قوى اليسار العالمي، واليسار المغربي والعربي جزء منه، على مراجعة التجربة الاشتراكية بعد انهيارها مراجعة نقدية لمعرفة الأسباب الحقيقية التي قادتها إلى الانهيار فيما يشبه الزلزال.
.4 عود على بدء
إن عدم القيام بمراجعة نقدية جريئة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الانهيار ستجعله يحافظ على وضع سياسي وتنظيمي وإشعاعي غير ذو أهمية - مهما عظمت تضحيات اليساريين- رغم المد الثوري الذي يخترق المنطقة العربية في زمن انتشار تيارات الاسلام السياسي بكل تلاوينه. إن التجربتين التونسية والمصرية خير دليل على ما نقول. إن المطلوب هو تقديم أجوبة حقيقية نظرية وبرنامجية لتمكين اليسار من الخروج من موقع دفاعي إلى موقع طبيعي متمثلا القيم العظمى لليسار أخذا بعين الاعتبار التراث العربي والإسلامي في تأطير المجتمع والمساهمة في تنميته في أفق نهضة جديدة لشعب اليسار وقيمه. إن الحلقة المركزية التي يجب الإمساك بها هي الديمقراطية حالا واستقبالا في إعادة بناء دولة ديمقراطية للجميع التي تحرم الإقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة وفي بناء الأحزاب اليسارية الجديدة على نفس المنوال بما يضمن حقوق وواجبات الأعضاء من جهة ثانية.
ان البحث في مشروع جديد ليسارالألفية الثالثة وبلورته انطلاقا مما يعرفه العالم من تحولات كبرى وعلى جميع الأصعدة, وما تعرفة منطقتنا العربية من نهظة قوية لمحاربة نظم الاستبداد وقيمه, وما يعرفه وطننا من حراك سياسي واجتماعي افتقدته الساحة السياسية المغربية ومنذ مدة طويلة, أصبح مطلوبا أكثر من أي وقت مضى. ولن يكون لهذا المشروع وقعا على الأرض ان لم يستطع الاجابة الوافية على الاختلالات التي أدت الى تراجع اليسار.
هذه بعض الأفكار والملاحظات المتواضعة التي يمكن الاستئناس بها في مناولة موضوع "لماذا إعادة البناء؟". ولنستعد لنضال أشمل وأطول, ولتضحيات ما أرخصها في سبيل مستقبل ديمقراطي متحرر لهذا الشعب العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.