في سابقة في تاريخ الإعلام الرسمي أقدمت وكالة المغرب العربي للأنباء، قبل أسبوع على نشر قصاصة عبارة عن تحليل اخباري للخطاب والآداء الإعلامي لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. وفي ثنايا التحليل ضمنه كاتبه انتقادات مبطنة للخطاب السياسي لبنكيران ولآدائه الإعلامي واصفا إياه بالشعبوية وبالارتجال ومشككا في مصداقيته ومدى فعاليته وقدرته على الإقناع. مسئولو الوكالة الرسمية للأخبار برروا هذه السابقة في الإعلام الرسمي بكون ما أقدموا عليه هو عمل مهني، وهو بالفعل كذلك لولا أنه صادر عن وكالة رسمية لم تعود المشتركين في خدماتها على المهنية وأبعد من ذلك على الموضوعية والنزاهة. فالوكالة، المفروض أنها جزء مما يسمى بالإعلام العمومي الذي يجب أن يكون في خدمة الرأي العام المغربي، هي جزء من آلة الإعلام الرسمي التي تضع خطها التحريري في خدمة القصر أولا وقبل كل شيء. والمقال التحليلي لخطابات بنكيران يندرج ضمن هذا الخط التحريري الرسمي، الذي يستهدف "الخرجات" الإعلامية لرئيس الحكومة، كما وصفتها بذلك وبنوع من القدح القصاصة الرسمية، التي باتت تحظى بإهتمام متزايد من قبل الرأي العام المغربي، وأحيانا على حساب الآداء الإعلامي للملك محمد السادس الذي يكاد يحتكر جل وسائل الإعلام الرسمية لأنشطته منذ أن وصل إلى الحكم قبل 13 سنة، حيث باتت هذه الوسائل تخصص فقرات كاملة لما تسميه ب "النشاط الملكي". فمنذ أن وصل عبد الإله بنكيران إلى رآسة الحكومة وخطاباته و"خرجاته الإعلامية" تحظى بإقبال كبير من طرف المتابعين، وهو ما أكدته قصاصة وكالة الأنباء الرسمية التي نشرت إحصائيات عن عدد متتبعي تلك الخطابات سواء على القنوات الرسمية المغربية أو على القنوات الأجنبية، وهي أعداد تقدر بالملايين. لكن ما لم تقله القصاصة الرسمية، وإن فهم من سياق تحليلها، هو ان "الخرجات" الإعلامية لرئيس الحكومة أصبحت تحظى بشعبية تفوق تلك التي تحضى بها "الأنشطة الملكية". فقد سبق لبنكيران أن حصد أكبر رقم قياسي لمشاهدي القنوات الرسمية في حواره الخاص مع القناتين الأولى والثانية، والذي تجاوز عدد مشاهديه 7 ملايين مشاهد حسب ما كتبته بعض المواقع الإلكترونية والصحف الورقية اعتمادا على احصاءات الجهة المكلفة برصد عدد متتبعي القنوات الرسمية. وهذا الرقم فاق بكثير عدد المشاهدين الذين تتبعوا أهم خطاب ألقاه الملك محمد السادس منذ توليه الملك، وهو خطاب 9 مارس 2011، الذي جاء في سياق الحراك المغربي المتأثر ب "الربيع العربي". قبل أيام نشر موقع "كود.ما"، خبرا مفاده أن القصر الملكي انشأ خلية إعلامية لتحسين صورة الملك والمؤسسة الملكية لدى الرأي العام، وتقوية حضورهما في وسائل الإعلام غير الرسمية وعلى المواقع الإجتماعية. والواضح أن الخط التحريري الجديد لوكالة الأنباء الرسمية يندرج ضمن هذه الخطة، فالمنافس الأول لرئيس الدولة في الإعلام الرسمي هو رئيس الحكومة، ومن هنا هذه "الخطة الهجومية"، ل "تشويه" صورة الخصم، فكما يقال أحسن أنواع الدفاع هو الهجوم على الخصم، وقد بدأت الوكالة الرسمية بالهجوم على بنكيران. وإذا كان هناك من يعتبر أن مثل هذا القول فيه مبالغة، وأن ما قامت به وكالة الأنباء الرسمية هو عمل مهني، فمتى ستسمح لمحرريها بالقيام بتحليل "مهني" لخطابات الملك و"أنشطته الإعلامية"، واستضافة خبراء ينتقدونه مثلما فعلت مع خطابات و"خرجات" بنكيران الإعلامية؟ وهل ستسمح "لاماب" لنفسها بنقل بعض التعليقات الساخرة على خطب الملك التي يكتبها متصفحو المواقع الاجتماعية مثلما فعلت مع بنكيران عندما قالت إن بعض الفيسبوكيين شبهوا حكومته بفرقة "عطا الله". للسخرية من فلسفته في محاربة الفساد التي لخصها في قوله "عفا الله عما سلف"؟ قبل وجود فرقة "عطا الله" وهذا عنوان مسلسل رمضاني من بطولة عادل إمام، وجدت في أرض الكنانة فرقة شعبية تراثية عريقة إسمها "فرقة حسب الله"، وهي فرقة من المزمرين والطبالين والغياطين كما يقال في المغرب، وهذه باتت تقوم بدورها "جوقة" من الإعلاميين الرسميين وغير الرسميين، من خلال التهجم على رئيس الحكومة والتهليل والتبجيل لرئيس الدولة. تعظيم سلام...!