مرّ اعتراف وزير التربية الوطنية، محمد الوفا، المنتمي لحزب الاستقلال بأنّه طلب الإذن من القصر من أجل الترشح لمنصب الأمين العام لهذا الحزب، مرور الكرام و كأنّه حدث عادي، فلم يعتذر الرجل عن زلته هذه و لا انتفضت قواعد الحزب ضده. كما تحدّثت الصحافة عن أنّ "جهات عليا" !!؟ طلبت من عادل الدويري عدم الترشح لمنصب الأمين العام لحزب الاستقلال، فلم يؤكّد الرجلُ الخبرَ و لم ينفه مفضلا الصمت، و هو ما ينمّي الشكوك أكثر بصحة الخبر. إذا كانت من دلالة لهذين الحدثين، فهي أن حزب الاستقلال حزب غير مستقلّ، هذا الحزب الذي يقول بأنّه واجه الاستعمار الفرنسي، ينبطح أمام الدولة لتختار له زعامته، و كأنّه حزب قاصر رغم عمره الطويل و المديد الذي يقارب الثمانين عاما. لم يستنكر أيٌّ من قادة هذا الحزب هذا التدخل السافر في شؤون الحزب، و البعض منهم ممن هاجم الوزير الوفا لم يفعل ذلك لأنه ضدّ أن تختار الدولة زعيم حزب، و لكن فقط لأنّ الوفا لم تقع تزكيته فعلا، و لو كانت التزكية صحيحة لما نبس واحد منهم ببنة شفة. و قبل ذلك، قبل هذا الحزب بأن يتقلّد مجموعة من الوزراء (كريم غلاب، عادل الدويري، فؤاد الدويري) حقائب باسمه رغم عدم انخراطهم فيه أو على الأقل عدم نشاطهم فيه بشكل يجعلهم حاضرين على الساحة و معروفين بانتمائهم لهذا الحزب. لم يدفع بهؤلاء إلى الوزارة إلا رغبة الدولة في استوزارهم و علاقاتهم العائلية داخل الحزب، أمّا قرار الحزب فغير معني بمثل هذه القرارات. إنّ هذا الوضع يسري على كثير من الأحزاب المغربية، التي لا تنتظر إلا إشارة الدولة لتتحرك أو تزكية منها لتتوّج زعيمها، أحزاب فقدت استقلاليتها و أفلس خطابها و أضحت مجرد عنوان بلا معنى إلا معنى الانتهازية و التسابق على المناصب ... فقط المناصب. قبل المرجعية الفكرية و طبيعة البرنامج الانتخابي، تكمن قيمة أي حزب في مدى استقلال قراره، خصوصا في علاقته بالدولة، لأن هذه الاستقلالية هي التي تمنحه المصداقية في نظر المتلقّي، فإذا ما فقدها فقد معها مبرّرَ وجوده، و أصبح مجرد خراب يُرجع صدى ما تقوله الدولة. بعد كل هذا يستغرب البعض من نسبة انخراط الشباب في الأحزاب، التي لا تتجاوز 1 في المائة حسب المندوبية السامية للتخطيط، إنّها نسبة منطقية و طبيعية بالنّظر لطبيعة الأحزاب الموجودة على الساحة، التي لا تعدو كونها، في الغالب الأعمّ، مجرّد أدوات في يد الدولة، و ليست تعبيرا صادقا عن مطالب و تطلعات شرائح اجتماعية معينة.