اعتبر امحمد جبرون، صاحب كتاب “تاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار” الذي صدر مؤخرا، أن مكتبة الطفل بالمغرب تفتقر إلى نص أو نصوص تهم تاريخ بلده وتقدم له رواية شاملة وتكاملية عن هذا التاريخ. وقال جبرون في حديث مع موقع “لكم”، ان ما يدعو للأسف أن بلدا بحجم المغرب تاريخا وحضارة لا يتوفر أطفاله على مادة أو مواد تاريخية مكتوبة ومصورة، تليق بحجم وعظمة تاريخ المغرب، ومن ثم فأتمنى أن يكون هذا النص لبنة في البناء الصحيح والمتين. وأضاف مؤلف الكتاب الذي يتم تقديمه بطنجة هاته الأيام في عدد من المؤسسات الثقافية والإعلامية، أن السلسلة تغطي تاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار سنة 1912، وتتوزع حلقات هذه السلسلة على عشرة أجزاء، كل جزء يهم طورا تاريخيا معينا، فمثلا هناك حلقات تهم تاريخ الدول وهناك حلقات تهم المجتمع والاقتصاد والثقافة.. إلخ، مؤكدا على أن السلسلة كتبت بلغة بسيطة في متناول الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و16 سنة أي أطفال الاعدادي والثانوي. وأشار جبرون، إلى أن السلسلة أيضا اعتمدت سيناريو للحكي وجاءت في شكل حوار بين أب وأبنائه الستة، ومعززة أيضا بالصور، وذلك بهدف تكسير النص، وإراحة القارئ. وفيما يتعلق بالملاحظات المسجلة حول الكتاب، قال جبرون، أنه ربما أنه أول من ينتقد عمله، ويسجل عليه ملاحظات، فعلى سبيل المثال بعض الأسئلة تحتاج إلى مراجعة، كما نحتاج إلى اشتغال أفضل على الصور، وقد سجل بعض الأساتذة هذه الملاحظات، وعموما في الطبعة القادمة سنحاول تجاوز بعض هذه الملاحظات، شاكرا عبر “لكم”، كل القراء الصغار والآباء الذين احتفوا بهذه السلسلة واستحسنوها. دعوات إلى تشجيع الانتاجات الموجهة نحو الأطفال في ذات السياق، دعا مجموعة من الباحثين والفاعلين، تحدثوا مع موقع “لكم”، الجهات الوصية على حقل الثقافة إلى تشجيع الانتاجات الموجهة نحو الأطفال وتخصيص جوائز وتحفيزات لذلك. وفي هذا الصدد، طالب محمد عزيز الطويل الباحث في التاريخ، بإدماج كتاب حبرون ضمن المناهج المعتمدة في تدريس التاريخ، وكذا انفتاح الإنتاج التلفزي الموجه للأطفال على السلسلة لإنتاج محتوى بحمولة تاريخية وقيمية، سيكون لها بكل تأكيد على ترسيخ ثقافة المواطنة وتعزيز الهوية الوطنية، والافتخار بالشخصية المغربية كشخصية متفردة في المجال المتوسطي، تساهم بشكل حقيقي في عملية التبادل الثقافي، منذ القدم إلى الآن، مؤكدا على أن المتتبع لتطورات المجتمع المغربي يقف على تحولات كبرى، نتيجة عوامل متعددة، وهو ما كان له انعكاسات خطيرة على القيم بشكل عام. وأشار محمد عزيز الطويل، إلى أنه سبق لجبرون صاحب الكتاب، أن صرح لأكثر من مرة أن الكتابة التاريخية الخاصة بتاريخ المغرب تكرس الانهزامية وتعطي تصورات خاطئة عن تاريخ المغرب، حيث لا يعدو أن يكون تاريخ المغرب تاريخ الهزائم والانكسارات والمجاعات والأوبئة. وأضاف الباحث في ذات التصريح لموقع “لكم” أن من مميزات جبرون، أنه يرى أن تاريخ المغرب تاريخ بطولات وأمجاد وفعل وتأثير في المجال المتوسطي، ويرى أن تكريس الانهزامية يبقى رهين بفترة مرتبطة بالإمبريالية والوقوع تحت الاستعمار، مستدلا بنفس الفكرة للمفكر والروائي المغربي محمد برادة الذي يرى إنّ “ثقافة الانهزام” تجتاح المجتمعات العربية، كما أدت إلى استحالة مواكبة التطور، وغيّبت معنى ومفهوم الانتصار عن العقلية العربية، التي هي انهزامية بطبعها”. التاريخ كمدخل لتشبع بثقافة الانتصار والافتخار في هذا الصدد، قال الطويل، إن من أكبر الصعوبات التي نقف عندها في هذه السلسلة كيفية توصيل الخطاب والحدث والواقعة التاريخية. لفئة عمرية لها خصوصياتها وتمثلاتها وواقعها المتميز بالاستقطاب الرقمي، والاستيلاب الحضاري، وغياب القدوة، وأزمة الأسرة المغربية وانشغالها بسبب ظروف العمل عن ترية أبنائهم، مشيرا إلى أن أي جيل لم يعي تاريخه لا يمكن له أبدا أن يبني حاضره فضلا عن مستقبله. فكيف السبيل إلى ترسيخ القيم والمواطنة الفاعلة، وتكوين جيل الغد المتشبع بقيم المواطنة. وأكد المتحدث، على أن مهمة تكريس ثقافة الافتخار بالماضي، وبناء القيم البانية، ليست بالأمر الهين، فالأستاذ جبرون اقتحم ميدان التأليف التاريخي الموجه للأطفال واليافعين رغم كل الصعاب، ولعل ما ساعده على ذلك بداياته الأولى كأستاذ للتاريخ والجغرافيا، ثم اشتغاله بعد دليل كإطار مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، وكذا ملازمته للبحث والتأليف في قضايا الإصلاح والفكر السياسي والتاريخ المغربي. واعتبر الباحث، أن كل هذه العوامل المشار إليها مجتمعة أتاحت للأستاذ جبرون التسلح بالنظريات البيداغوجية والنفسية والديداكتيكية، والنقل الديداكتيكي للمعرفة التاريخية العالمة ، نحو المعرفة التاريخية المتعلمة المدرسية. بل إن الرسالة التي تؤطر هذه السلسلة تقوم على "محاولة استعمال التاريخ من الناحية التربوية لبناء قيم أساسية نحتاج لها في الوقت الراهن، مثل المواطنة والدفاع عن الوطن والوحدة والهوية” حسب ما يؤكد عليه الأستاذ جبرون. بناء مواطن واع بتاريخه وحسب الباحث الطويل، فإن جبرون ينطلق من إشكالية مركزية تقوم على بناء مواطن واع بتاريخه، متفرد في شخصيته، له سلوكات وقيم بانية وليست اتكالية أو هدامة، تحارب ثقافة الانهزامية وتدعوا إلى الفعل. والإجابة عن هذه الإشكالية وتحقيقها، يكمن حسب المؤلف في “الفهم لعلم التاريخ ورسالته، والتعرف على تطوراته، وذلك من أجل فهم ذواتنا على نحو جيد” . الجزء الأول ص 5 و 6. ولعل أفضل إجابة عن هذه الإشكالية، يضيف الباحث، هو ما صرح به المؤلف في الكتاب الأصل “تاريخ المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال “بأنه استند في التأليف على فرضيات دقيقة وهي : التركيز على البعد الوطني في انتقاء المادة التاريخية، وتوظيفها، الدور المحوري للإسلام في ظهور المغرب الأقصى سياسيا وحضاريا؛ الدور المركزي للمغرب الأقصى في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط، تأثيرا وتأثرا. فالمغرب الأقصى كان عبر مختلف الفترات التاريخية فاعلا أساسيا في المجال المتوسطي بامتداداته الكبرى في العمق الإفريقي والأوربي والآسيوي. أسلوب يناسب فئة الأطفال واليافعين وأكد محمد عزيز الطويل، في حديثه مع موقع “لكم”، أن المؤلف اعتمد أسلوبا بسيطا يناسب فئة الأطفال واليافعين، واعتمد على أسلوب حواري سؤال- جواب ، ما بين أب وأبنائه الست، حيث ينتقل بنا من سؤال إلى سؤال آخر في احترام للتسلسل الكرونولوجي وتوالي الأحداث، مع اعتماد التبسيط في اللغة والمعنى، وتقديم شرح للمفردات التاريخية الصعبة. وأضاف الطويل، بدورنا نطرح سؤالا بديهيا: هل هناك فراغ أو نقص في التأليف التاريخي؟ فنجيب أن البحث التاريخي بالمغرب متطور وكل سنة تظهر مؤلفات تاريخية فردية وجماعية. لنخلص أن الأزمة مرتبطة بالوعي بالتاريخ الوطني وليس بالتأليف التاريخي. فمن خلال بحث صغير بشبكة الإنترنت لا نعثر عن مؤلفات أو سلسلات تاريخية موجهة للأطفال، وهو ما يسهم في ضعف معرفة الأطفال بتاريخ وطنهم وامتداداته الحضارية الكبرى. وهذا الأمر يجعلنا نصفق بحرارة للأستاذ جبرون باعتباره أول من اقتحم ميدان التأليف التاريخي الموجه للأطفال واليافعين. وخلص الباحث إلى “أننا أمام مؤلف من نوع خاص يجمع بين ثنايا سلسلته أربع تيمات أساسية وهي: التاريخ السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي للمغرب الأقصى، بخصوصية متفردة مضمونا ورسالة ومنهجا وأسلوبا، مشيرا إلى المتأمل والمتفحص لهذه السلسلة يجد نفسه أمام صنف جديد يدخل ضمن أدب الأطفال، أو التاريخ المدرسي. حيث أن المؤلف استهدف فئة عمرية خاصة محددة في الأطفال واليافعين. وهو ما يحيلنا على صعوبات متعددة تتعلق بنوع المعرفة والمنهج والأسلوب الخاص بهذه الفئة. بل ينتقل بنا إلى صنف آخر في التأليف يتجلى من خلال أدب الأطفال، وهو أدب له قواعده وشروطه التي لا ينبغي الخروج عنها، وأولها الأخذ بعين الاعتبار مختلف النظريات النفسية والبيداغوجية للطفل، مع استحضار لواقعه الاجتماعي والأسري، وكذا خصوصيات مجتمعه. جمعيات الآباء من جانبه، دعا حسن عبو رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بطنجة، الوزارة الوصية، إلى تشجيع الباحثين والمفكرين على هذا النوع من المؤلفات، مشيرا في حديث مع موقع “لكم”، أننا “نحن كآباء كنا في أمس الحاجة إلى مثل هاته الإصدارات، وخاصة في مثل هذه المادة الأساسية”. واعتبر عبو، أن مغامرة جبرون جاءت بأسلوب مبسط وحكائي، صعب على المؤلف وسهل على القارئ، مبرزا أن هذا الكتاب يوصل المعلومة ببساطة وبسهولة جدا، تساعد على أن تكرس في ذهن الأطفال، وهو موجه لفئة الأطفال واليافعين، ومكتبتنا الوطنية كانت في أمس الحاجة لهذا التأليف. وقال حسن عبو، إن أهم ما يميز الكتاب هو أنه يوصل التاريخ بشكل جميل إلى أبنائنا يحكي لهم عن البطولات والأمجاد، ويبتعد عن ثقافة الانهزام، نعم لأن في تاريخنا منذ الفتح الإسلامي إلى الآن، ما يكفي من البطولات التي نحتاج إلى يعرفها أبناءنا.