بالتأكيد أن النظام السوري نظام غير ديمقراطي، و ارتكب الكثير من الخطايا في حق الشعب السوري ... إلا أنّه يبقى مع ذلك هو النظام الوحيد المساند للمقاومة المسلحة في لبنان و فلسطين، عسكريا و سياسيا، في الوقت الذي لم يجرؤ فيه أي نظام رسمي "عربي" آخر حتى على تقديم الدعم السياسي، فمبالك بالدعم العسكري. هذا الموقف من جانب النظام السوري يجب أن يحسب لصالح هذا النظام، لكن دون أن يعني ذلك أي تبرير لاستبداده أو لتجاوزاته في حق الشعب السوري. إنّ هذه المساندة من طرف سوريا للمقاومة هي التي تفسر طبيعة التعامل الغربي معها، لأنّ حماية إسرائيل مسألة مهمة بالنسبة للدول الغربية و تندرج ضمن أولوياتها، و تعتبر أي تهديد لهذه الدولة خطيئة لا يجب أن تغتفر. وعلى هذا الأساس، يجب استحضار ملف إسرائيل في أي موقف للدول الغربية في هذه المنطقة، لأنه هو البوصلة التي توجه مواقف هذه الدول. في الأزمة السورية الحالية، يندرج موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية و الدول الأوروبية في مساندة بعض المعارضة السورية و مناهضة النظام، ضمن هدفها الاستراتيجي المتمثل في حماية أمن و وجود إسرائيل في المنطقة. إنّ الغرب لا يمكنه أن يقدم على مساندة دولة أو حركة في منطقة الشرق العربي، دون أن يضمن موقفا إيجابيا من هذه الدولة أو الحركة في ملف إسرائيل، بتأييد وجود هذه الدولة و عدم مساندة أية جهة مناهضة لها. و السؤال الذي يطرح فيما يخص الأزمة السورية هو: ما هو المقابل الذي حصل عليه الغرب من المعارضة السورية مقابل تقديم الدعم لها؟ بالتأكيد أن المعارضة السورية لا يمكن أن تجيب عن هذا السؤال، إلا أن المؤكد أن المقابل الذي حصل عليه الغرب من المعارضة السورية يشمل ملف إسرائيل، و موقفا إيجابيا منها اتجاه هذه الدولة و موقفا سلبيا اتجاه القوى المقاومة، لأن الغرب لا يمكنه أن يخاطر بمساندة طرف يشك في موقفه من إسرائيل. إنّ بعض المعارضة السورية، التي قبلت بالتحالف مع الغرب و تقديم ضمانات له في ملف إسرائيل، تُكرّس الرؤية الضيقة و القطرية لبعض حركات المعارضة، التي لا ترى قضايا المشرق العربي بشكل شمولي، يستحضر قضايا الأمة و على رأسها القضية الفلسطينية. و لعلّ التجربة العراقية، و ما خلفته من نتائج مأساوية على الشعب العراقي بعد تحالف المعارضة و الولاياتالمتحدةالأمريكية، تؤكد فشل هذا الخيار. و المفارقة الملاحظة في هذا الصدد هو أن بعض الحركات الإسلامية، التي تحمل شعار قضايا الأمة و على رأسها القضية الفلسطينية، تدعم خيار التحالف مع الغرب، رغم أن هذا الغرب أكثر إجراما من بعض الأنظمة العربية الرسمية. في الأزمة السورية، و قبلها في العراق، قبلت جماعة الإخوان المسلمين في البلدين الاصطفاف إلى جانب الأمريكيين، مكرسين بذلك رؤية ضيقة و أنانية على حساب القضايا الكبرى للأمة الإسلامية. ليس المطلوب من المعارضة أن تكف عن معارضتها للأنظمة الرسمية، و إنما يجب أن تمارس معارضتها باستقلال عن الغرب، هذا الغرب الذي أقام إسرائيل في على فلسطين التاريخية و دعّمها بالمال و السلاح، و احتلّ قبل ذلك العراق و أفغانستان و قتل الكثير في سبيل مصالحه ... فقط مصالحه و ليس مبادئه.