قتلت قوات النظام السوري ثلاثة مواطنين فلسطينيين يوم الجمعة الماضية، في مخيم اليرموك بضواحي مدينة دمشق عقب خروج عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين للتظاهر نصرة لإخوانهم السوريين الثائرين في وجه نظام الإستبداد في كافة المدن و البلدات. و ليست المرة الأولى التي يقتل فيها فلسطينيون على يد قوات هذا النظام منذ اندلاع الحراك الشعبي أواسط مارس 2011. غير أن عملية قتل و استهداف فلسطينيين في أكبر مخيم لهم في سورية يكتسي أبعادا و دلالات لابد من التقاطها لمعرفة التأثير الذي قد يستهدف، آجلا أو عاجلا، الوجود الفلسطيني سواء في مخيم اليرموك بشكل خاص او على مستوى كافة المخيمات في سورية بشكل عام. في الفترة الأخيرة أعلن نايف حواتمة أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن اتفاق توصلت اليه كل من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حركة فتح و جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بهدف تحييد المنظمات الفلسطينية في سورية عن الصراع الداخلي الدائر بين الشعب السوري و نظامه السياسي بقيادة بشار الأسد الذي نهج سياسة أبيه. و وفق إعلان الزعيم حواتمة، فإن الغاية من هذه الخطوة الحيادية العقلانية هو تفادي المصير الذي تلقاه فلسطينييو الشتات الكويتي مباشرة بعد الخروج الإضطراري للقوات العراقية من الكويت قبيل دخول قوات التحالف الثلاثيني، حيث تعرض هؤلاء الفلسطينيون آنذاك على يد قوات الحكومة الكويتية للتنكيل و القتل و التشريد و مصادرة الممتلكات بسبب مساندة و وقوف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع العراق، و لذلك تكتسي خطوة التحييد أهمية كبرى تفاديا لبطش نظام البعث الأسدي الذي له سوابق في ارتكاب مجازر في حق الفلسطينيين بلبنان و في إذلالهم و تشديد الإستبداد و الخناق عليهم داخل سورية. و مباشرة بعد إعلان حواتمة لإتفاق خطوة تحييد المنظمات الفلسطينية، أعلن أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية - القيادة العامة للتلفزيون السوري، في تصريح مثير و مستفز للفلسطينيين و لشعب الثورة السوري، ان جبهته و إيران و حزب الله سيكونان جزءا من المعركة إلى جانب النظام السوري ضد الغرب، معتبرا ان ما يدور ليس حراكا داخليا بل هو تغيير في بنية هذه المنطقة لصالح شرق أوسط جديد(!؟). و ليس غريبا أن يكون الزعيم أحمد جبريل في خندق النظام السوري و مساندا له لأن الرجل منذ وطأت قدماه الأراضي الدمشقية قبل ثلاثين عاما و هو يمتثل و ينفذ أجندات هذا النظام. و كان في حل كامل من واجبات فصيله في تطبيق برامج منظمة التحرير الفلسطينية التي كان عضوا فيها، لما كانت تشكله من قواسم مشتركة يقررها المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره مؤسسة برلمانبة. و بهذا المعنى الصريح و الواقعي فإن إعلان احمد جبريل هو خدمة مباشرة للنظام ضمن خدمات كثيرة سابقة كانت تسيئ سواء للوجود الفلسطيني على الأراضي السورية او للقضية الفلسطينية و للعمل الوطني الفلسطيني التحرري. وكان على هذا الأساس، على غرار حركة فتح المنشقة بزعامة أبو موسى و فصائل اخرى قومجية ليس لها أي امتداد في الداخل الفلسطيني، يستعمله النظام السوري في اللعب في الساحة الفلسطينية لتمرير لازمته المشروخة: «النظام السوري قلب العروبة النابض و مساند للمقاومة الفلسطينية....». و لن ينسى الفلسطينيون مواطنين و فصائل، و خصوصا في سورية، العداء الذي كان يكنه احمد جبريل للزعيم الراحل ياسر عرفات لمجرد ان الأخير كان حازما في الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني مستقلا من هيمنة الانظمة الاقليمية و رافضا تحويل منظمة التحرير الفلسطينية أداة في يد النظام السوري. و لذلك فقد اعتمد هذا النظام المستبد، ضرب الفلسطينيين بالفلسطينيين، حيث أمرت القيادة السورية عام 1982 قادة التيار القومي المغامر في حركة فتح بزعامة ابو موسى للإحتكام إلى السلاح في مواجهة ياسر عرفات و أتباعه في طرابلس اللبناينية ما تسبب في إراقة الكثير من الدماء الفلسطينية.. و في دمشق مكن النظام أتباع أبو موسى بكل الوسائل و الأسلحة لدحر أتباع عرفات و الإستيلاء على كافة مقراتهم، و عمل وفق خطط مسيئة للقضية الفلسطينية عندما بدأ بدفع أحمد جبريل و أبوموسى و عصام القاضي الزعيم القطري لحزب البعث الفلسطيني قبل وفاته للعمل على تأسيس إطار بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية أواسط الثمانينات يكون مقره دمشق. لكن الجبهتان الديمقراطية و الشعبية و الحزب الشيوعي الفلسطيني و جبهة التحرير الفلسطينية كانت كلها تقف سدا منيعا للحيلولة دون قيام بديل عن إطار منظمة التحرير الفلسطينية الذي قررته الشرعيتان الفلسطينية و العربية ممثلا شرعيا و وحيدا للشعب الفلسطيني. و كانت الخطوة الأولى لهذا السد المنيع هو إقامة الجبهة الديمقراطية و الجبهة الشعبية مؤسسة القيادة المشتركة فيما بينها و إصدار وثيقة الإصلاح الديمقراطي لتجاوز مضاعفات و تداعيات الإنشقاق المسلح داخل حركة فتح و إصلاح جذري لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية. و عندما فشل النظام السوري في تحقيق مبتغاه الاستراتيجي في خلق إطار فلسطيني بديل تابع ليكون خادما لسياساته الاقليمية و ورقة يستعملها في الساحة الدولية لتحقيق توازناته الاستراتيجية مع إسرائيل لنيل رضى الغرب على ما قدمه لهم من تجميد لكل جبهات المقاومة الفلسطينية كما فعل في الجولان التي منع بالمطلق أي فصيل فلسطيني من إطلاق و لو رصاصة واحدة انطلاقا من الجولان او جبل الشيخ تجاه إسرائيل، تحت التهديد و بمنطق الوصي و المزايد في نفس الوقت على دول الطوق و تحديدا مصر و الأردن برفضهما السماح للفلسطينيين بمقاومة العدو الاسرائيلي من أراضيهما، و هي مزايدة تحتمل الكثير من المفارقات حيث تكشف زيف الإدعاء بالمقاومة و الممانعة و مساندة الشعب الفلسطيني في قضيته. و كما عمل النظام السوري على محاولة خلق بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية و عجز، فإنه على المستوى الثقافي تمكن لفترة من شق اتحاد الكتاب الفلسطينيين و الصحفيين، حيث بات الإطار المنشق الذي كان مقره في منطقة الازبكية بدمشق بوقا للنظام السوري و لأدواته من الجماعات الفلسطينية الموالية على رأسها جماعة احمد جبريل و جماعة أبو موسى العسكرية التي ركزت في حملتهما على جملة افتراءات لتبرير شق الإطار الثقافي الفلسطيني. وكان أبرزها الإدعاء بان الشاعر الإستثنائي المرحوم محمود درويش و رفاقه من باقي الكتاب في المكتب التنفيذي ما «هم إلا أتباع ياسر عرفات « الذي كانوا يخندقونه ضمن منطق تخويني بهدف تحقيق اهداف سياسية تخدم سياسة النظام الاقليمي في سورية. و إذا كانت تصريحات احمد جبريل الأسبوع الماضي مسيئة و محرجة للفلسطينيين في سورية كما هي مسيئة للحراك الثوري للشعب السوري لكونها إفتراء على حقيقة وجود هذا الحراك الاجتماعي و السياسي الذي يتواصل على الأرض بديناميكة غير مسبوق لها في ثورات الربيع العربي، فإن الزعيم حواتمة كان تصريحه متوازنا و فيه قراءة واضحة في مضمونها السياسي العقلاني لتجنيب المخيمات الفلسطينية و مؤسساتها الحزبية و الاجتماعية أي احتكاك مع قوات النظام او التموقع كطرف مع احد طرفي الصراع من دون ان ينسى توضيح مسألة أساسية قام بالإفتراء عليها احمد جبريل، إذ قال نايف حواتمة بالوضوح إن ما يجري في سورية ما هو إلا «حراك شعبي و انتفاضة تمثل الشعب السوري لنيل حقوقه في الحرية و الكرامة و الديمقراطية التعددية و التداول السلمي للسلطة تحت سقف دستور لدولة مدنية ديمقراطية»، و هذا تصريح مكثف لا لبس فيه إن لجهة توضيح ما يجري من ثورة شعبية او لجهة إعمال الفلسطينيين في سورية لمبدأ التحييد عن الصراع الداخلي حتى لا ينقض نظام الاستبداد على الفلسطينيين الذين نسب لهم عند انطلاق الشرارة الأولى للثورة في درعا مسؤولية إشعالها قبل أن يبدأ في استعمال مسميات اخرى مثل الارهاب و القاعدة. و لم يقف احمد جبريل عند حدود تصريحه انتظارا لليوم الذي ستنطلق فيه معركته القومية الدونكيشوتية مع إيران و حزب الله في مواجهة الغرب، بل تجاوز كافة الحدود في استخدام قوات فصيله، الجبهة الشعبية القيادة العامة، إلى جانب قوات الجيش السوري و رجال الامن و الشبيحة في قمع الفلسطينيين بمخيم اليرموك و المشاركة في قتل بعض الفلسطينيين بواسطة السلاح و هو الشئ الذي ينذر بتطورات خطيرة قد تشهدها المخيمات الفلسطينية انطلاقا من مخيم اليرموك الذي بات يخرج فيه الشباب الفلسطيني يوميا لدعم الثورة السورية و غير عابئ باتفاق الفصائل الفلسطينية الأربعة التي تريد إبعاد مشاكل المواجهات مع النظام السوري بطريقة هادئة اعتمادا على الحياد. و ليس مستبعدا أن يلجأ النظام إلى استخدام الجماعات الفلسطينية الموالية له لضرب الحراك الفلسطيني المتضامن في المخيمات لتأديبهم و معاقبتهم، لكن الفصائل الفلسطينية المستقلة على الرغم من إتفاقها و إعلانها الصريح بتحييد الفصائل الفلسطينية، سوف لن تظل مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء على الفلسطينيين خصوصا و أن لها قواتها داخل المخيمات و ستكون مضطرة لحماية مواطنيها من البطش و القتل تماما كما فعلت أواسط الثمانينات عندما هبت للدفاع عن سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان جراء الهجمة الشرسة التي مارستها عليهم حركة أمل بزعامة نبيه بري و بأمر من القيادة السورية بدافع أوهام استرتيجية تفتقت عنها عبقرية حافظ الأسد الذي أراد من خلالها فصل ملف القضية الفلسطينية عن ملف لبنان و لم يجد أي خطوة مناسبة لهذا الفصل سوى إجبار الفصائل الفلسطينية عن تجميد حركتهم السياسية و مقاومتهم المسلحة، و عندما كانت ترفض قيادتهم هذه الاوهام تمت معاقبتهم بالقصف و بالقتل، فضلا عن الحملات العنصرية التي شنت عليهم.