أصدر المعهد المغربي لتحليل السياسات، يوم الإثنين، بالرباط، تقريره السنوي الخاص بحالة الإندماج بين الدول المغاربية. وأشار التقرير أن المنطقة المغاربية هي من بين المناطق الأقل اندماجا سياسيا واقتصاديا، إذ تسجل نسبة المبادلات التجارية داخل المنطقة أقل من 5 في المائة، وهي نسبة أقل بكثير من جميع الكتل التجارية الإقليمية الاخرى في جميع أنحاء العالم.
واعتمد المعهد في إصداره لهذا التقرير على تقنية استطلاعات الرأي، مفسرا ذلك بأن هناك وفرة في الدراسات التي تسلط الضوء على أهمية التكامل الإقليمي، إلا أنها تشترك في كونها تركز على مقاربة فوقية للإندماج، أي التركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، مقابل النقص في الدراسات التي تدرس تمثلات المواطنين لموضوع التكامل والاندماج المغاربي. وكشفت نتائج الاستطلاع أن هناك روابط اجتماعية قوية تربط المغاربة مع الدول المغاربية، حيث عبر حوالي نصف المشاركين في الاستطلاع أن لديهم علاقات اجتماعية مع أحد المواطنين في الدول المغاربية. وقال 47 في المائة من المستجوبين بأن لديهم فعلا علاقة قرابة مع مواطنين مغاربيين، ولا تختلف نسبة النساء عن الرجال كثيرا على هذا المستوى. وكانت كل من الجزائروتونس كأكثر الدول التي يقول المستجوبون المغاربة بأن لديهم علاقات عائلية معهم، بنسبة تصل إلى 45 و 34 في المائة على التوالي. وهذا ما يعكس حسب التقرير العلاقات التاريخية بين المغرب والجزائروتونس، باعتبارها الدول التي ترتبط بعلاقات تاريخية وثقافية قريبة من المغرب. وعبر 16 في المائة فقط من مجموع المستجوبين بأنهم سافروا إلى أحد البلدان المغاربية، وتربعت تونس على قائمة البلدان التي تمت زيارتها من طرف المشاركين في الاستطلاع، بما يفوق نصف المستجوبين. ويرجع ذلك حسب التقرير إلى اعتبار تونس وجهة سياحية دولية ومغاربية، وكذا بانفتاحها خلال السنوات الأخيرة رغم بعض الصعوبات التي عرفها القطاع السياحي التونسي نتيجة الأحداث الإرهابية التي عانت منها البلاد. وأبدى المستجوبون المغاربة أفضلية واضحة للعيش في تونس بنسبة تصل إلى 53 في المائة، وذلك في حالة ما أتيحت لهم فرصة العيش في بلد مغاربي آخر غير المغرب. وعبر 31 في المائة من المستجوبين أن سبب سفرهم لأحد البلدان المغاربية يتعلق بلقاء أو مشاركة في ندوة أكاديمية، في حين عبر 20 في المائة أن السبب الرئيسي للرحلة هو السياحة و 18 في المائة من أجل ممارسة الأعمال. وأبرز التقرير أنه يصعب التنبؤ بمستقبل المنطقة المغاربية التي تعيش مخاضات داخلية، إلا أن نتائج الاستطلاع تظهر أن أغلب المواطنين المغاربة متفائلون بمستقبل المنطقة. وأبدى 95 في المائة من المغاربة المشاركين في الاستطلاع موافقتهم على أن التبادل الاقتصادي بين الدول المغاربية سيعزز الاندماح المغاربي. كما أكد 83 في المائة من المستجوبين المغاربة أن الصراع بين المغرب والجزائر هو العامل الأساسي الذي يعرقل الاتحاد المغاربي. وقال 89 في المائة من المستجوبين المغاربة إن الحدود بين المغرب والجزائر يجب أن يعاد فتحها. وعبر 95.5 في المائة من الفئة العمرية الأكبر (50 سنة فما فوق) عن رغبتهم في رؤية الحدود بين المغرب والجزائر مفتوحة، في حين تنخفض النسبة إلى 85 في المائة في الفئة العمرية 18-24 سنة. وأرجع 48 في المائة من المستجوبين أن الخلافات السياسية هي سبب إخفاق الاندماج المغاربي، وتأتي في الرتبة الثانية “رغبة بعض دول المنطقة في الهيمنة” بنسبة تصل إلى 23 في المائة. وأكد المشاركون في الاستطلاع أن التنافس السياسي ينبغي أن يستبدل بلغة المصالح الاقتصادية. من جهته، قال محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات إن هذا التقرير يصدر في سياق خاص يتميز بمرور بضعة أيام على الذكرى 31 لتأسيس المغرب العربي. وأشار مصباح أن الفترة التي تلت تأسيس المغرب العربي تميزت بالجمود، حيث إنها تعد من المناطق الأقل اندماجا في العالم. وأوضح أن المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية لا تتجاوز 4 في المائة وهي أقل نسبة مقارنة مع باقي المناطق الجغرافية في العالم. وأكد مصباح أن المقاربة التي اعتمدت في تأسيس المغرب العربي فشلت لانها مقاربة فوقية اعتمدت من اعلى وبرؤية سياسية فقط. ودعا مصباح إلى التفكير في بدائل أخرى للبناء المغاربي، وطرق جديدة لحلحلة هذا الملف خارج المقاربات الكلاسيكية التي تركز على مسألة الاندماج من فوق. وأبرز نفس المتحدث أنه تم في هذا التقرير استطلاع رأي المواطنين المغاربة على أساس توسيع الاستطلاع ليشمل كل المناطق المغاربية، حيث سيتحول التقرير إلى استطلاع سنوي يشمل كل دول المغرب الكبير. وشدد مصباح على أن تقوية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المغاربية سيأتي بالنفع على الجميع بغض النظر عن أي نقاش أو سجال سياسي.