1- مشاركة الاسلاميين في ثورات الربيع العربي ما ان اندلعت الاحتجاجات الشعبية، سيما في تونس ومصر، حتى انخرط الإسلاميون، بمختلف توجهاتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية، في هذه الاحتجاجات، والتي سميت في ما بعد في ادبياتنا السياسية العربية بثورات الربيع العربي، ولم يتوانى الاسلاميون في تقديم الدعم المادي واللوجيستيكي لإنجاح ثورات الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والكرامة والعدل. وقد وجد الاسلاميون في هذه الثورات فرصة ذهبية ومواتية لاثبات ذواتهم وفرض وجودهم ولما لا قيادتهم للجماهير العربية، سيما وانهم عاشوا عقودا من الزمن حصار ا أمنيا واعلاميا ، وتعرضوا لاعتقالات السجون.وهمشوا من دائرة الفعل السياسي والمشاركة السياسية. وكانت الحصيلة أن قدم الاسلاميون، في هذه المواجهات غير المسبوقة في تاريخ المنطقة العربية والاسلامية، العديد من القتلى والجرحى والمعتقلين بلغت العشرات بل المئات. المهم هو ان هذه الثورات أظهرت الإسلاميين كقوة جماهيرية وتنظيمية، رغم الحصار الأمني والاعلامي الذي فرضه الحكام على الإسلاميين منذ عقود من الزمن، والاعتقالات التعسفية التي تعرضوا لها على فترات متتالية. وبالفعل، فقد أثبت "الربيع العربي" قوة الإسلاميين ليس فقط كقوة جماهيرية وتنظيمية، وإنما أيضا كقوة تغييرية تواقة لقيم الحرية والمساواة والديموقراطية. 2- الإسلاميون ومعركة الانتخابات بعد نجاح الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر، دخل الاسلاميون معركة "المرحلة الانتقالية"، وهي من أصعب المراحل في تاريخ الثورات الشعبية، سيما وان هناك احزابا وطوائف سياسية واجتماعية متعددة متصارعة ومتنافسة ولم تعتد على سلمية وتداول السلطة في إطار ديموقراطية تحترم صناديق الاقتراع ووعي الجماهير الشعبية واللحظة التاريخية. وقد تمكن معظم الإسلاميين، سواء في البلدان التي عرفت ثورات شعبية حقيقية كما هو الحال في تونس ومصر او تلك التي شهدت احتجاجات ضد السياسات الحكومية كما هو الحال في المغرب والاردن ..، من حصد مقاعد انتخابية هامة في المجالس النيابية، الأمر الذي جعلها تصل إلى سدة الحكم وممارسة السلطة الفعلية في تسيير الشأن العام ووضع الخطط والبرامج والسياسات العمومية. وفي هذا السياق، استطاع الإسلاميون في تونس أن يفوزوا بأغلبية المقاعد في المجالس النيابية، أما في مصر فقد تمكنوا من الحصول على الاغلبية في مجلس الشعب والفوز برئاسة الجمهورية، رغم العراقيل التي وضعها ويضعها المجلس العسكري والمضايقات والحملات الاعلامية الممنهجة التي تفرضها بعض “النخب السياسية" وازلام النظام البائد، كما لا ننسى الموقع الاقليمي والدولي المعقد لمصر. كما تمكن الإسلاميون في المغرب والجزائر وغيرها من البلدان التي شهدت انتخابات نيابية، الحصول على عدد محترم من المقاعد النيابية وأصوات الناخبين، مكن بعضهم من المشاركة في تدبير الشأن العام. وقد أبان الإسلاميون في هذه الانتخابات عن نضج كبير ليس فقط في احترام القواعد الديمقراطية وإرادة الجماهير الشعبية، وإنما أيضا عن وعي سياسي في التعايش مع القوى والأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية. وفي هذا الإطار، استطاع الإسلاميون أن يعقدوا مع القوى العلمانية والوطنية تحالفات سياسية لإنجاح المرحلة الانتقالية ولضمان الانسجام الحكومي والأغلبية النيابية كما حصل في تونس والمغرب. واعتقد ان هذه التحالفات هي إشارة قوية للداخل وتظهر ان الإسلاميين ليس لهم أية عقدة سياسية مع قواعد اللعبة الديموقراطية وانهم ليست لهم النية في الاستحواذ على السلطة والتفرد بها، بل هم قوة سياسية إلى جانب قوى المجتمع الاخرى وانهم يحترمون قواعد اللعبة الديموقراطة وأصوات الناخبين. وإشارة قوية إلى الخارج بان وجهوا رسالة طمأنة للقوى الدولية مفادها ان الإسلاميين قابلون للتعايش السلمي والتداول عل ممارسة السلطة واحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وان بإمكانهم المساهمة في تحقيق السلام العالمي، وانهم لا علاقة لهم بالارهاب والتطرف كما يروج له بعض الساسة والاعلام العالمي. 3- الإسلاميون على رأس الحكم بعد أن وصل الإسلاميون للحكم، كما هو الحال في تونس ومصر، وبشكل أقل في المغرب، هناك اليوم تحديات امامهم، وهذه التحديات يمكن إجمالها في: الجانب السياسي-الحقوقي والجانب الاجتماعي. في الجانب السياسي- الحقوقي: إن احترام الديموقراطية يقتضي ان تحترم حرية التعبير والرأي، وهنا على الإسلاميين توسيع هوامش الحرية والمساواة وترسيخ قواعدها بما يضمن حرية تأسيس الاحزاب والجمعيات وحرية الصحافة والاعلام والرأي والاعتقاد الديني هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، فالإسلاميون مدعوون اليوم الى احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها، بما يمكن من ترسيخ دولة الحق والقانون، وهذا من شانه ان يساهم في تكريس الديموقراطية والحرية والتداول على السلطة. ونعتقد ان الإسلاميين بإمكانهم ان يتغلبوا عن هذا التحدي، سيما وأنهم أبدوا مرونة اكبر لتجاوز سلبيات الوضع السياسي والحقوقي السابق. اما التحدي الاجتماعي والمرتبط أساسا بقضايا التشغيل والتعليم والصحة..، فسوف يكون موضوع اختبار حقيقي للإسلاميين خاصة وأن هذه القضايا تعاني منها فئات عريضة من المجتمعات العربية. إن رفع هذا التحدي يتطلب إعادة النظر في السياسات والبرامج السابقة بما يسمح استفادة الفئات الشعبية المعوزة والمهمشة .كما يتطلب ،إعادة النظر في ملفات الفساد المالي والاداري التي تورطت فيها “نخبة" من السماسرة ورجال الاعمال الفاسدين ، وتقديمهم للمحاكمة، سيما و أنهم راكموا ثروة ضخمة في المرحلة البائدة . * باحث ومهتم بقضايا الفكر الإسلامي