سُئِل فيلسوف المنطق (أرسطو) ذات يومٍ، من يصنعُ الطغاة؟ فأجاب قائلا : "ضعف المظلومين". من يصنعُ الطغاة غير الجُبن؟ من يصنعُ الطغاة غير البيروقراطية الحقيرة؟ من يصنعُ الطغاة غير الجهل العَدُو؟ ومن يصنعُها غير تصديق أسطورة الطاغية العادل؟ من كان يعتقد أن شاعر الحرية في تونس، أبو القاسم الشابي، سيُحيَى بعد سنوات من رحيله مُجسداً في شِعرهِ ويجدَ ثواراً بُسطاء من الشعب يقولون للتاريخ سجل أيها التاريخ، سجل بمِداد من ذهب، تونس تتنفس الحرية، القدر أخيراً يستجيب عَبْرَ سَواعد الثوار البُسطاء وينكسرَ القيد وينجليَ الليل، وتُفتحُ أبواب التاريخ على مصراعيها ليُدخلهم الزمن تاريخ الأبطال الكبار من أبوابه الواسعة، ويَنقُشُوا بمِدَادِ الفخر إطاحتهم رمزاً من رُموز الطغيان العربي الخبيث. لقد أصبح من حق الثوار الشباب في تونس أن تزغرد أمهاتهم لهُم وليس لغيرهم ويُردِدُوا شعراً : زغردن يا أمهات، زغردن يا أمهات الثوار، بلد تونس حبلى بالأحرار، إفرحن يا أمهات، فالفجر دمٌ ونار، ها هو شباب تونس الغراء يمشي نحو الشمس، نحو الحرية بإصرار. لقد أتتِ الحرية على أيدي أحرار تونس من البُسطاء ولم تأتي على ظهُور دبابات الاحتلال. لقد ثار الشعب دفاعاً عن شيء نفيس اسمه الكرامة، لازال طغاة كثر يُرغِمُون الشعوب التنازل عليها، ووقفوا وقفة رجال واحد لحماية مُستقبل على شفى الهاوية اسمه الوطن. لقد اهتزت مشاعر بُسطاء العالم فرحاً قبل أن تهتز مَسَامات جُلود الطغاة العرب هلعاً وقشعريرةً من شظايا تونس. أدخل بُسطاء تونس فرحة في نفوس الشعوب المقهورة، شعوبٌ كان قد خاب أملها في تواجد ثوار في هذا المغرب الكبير، تيقنَ الفقير أنّ شمس الحرية الساطعة في تونس ستصْطعُ بعد ظلامٍ دامس في أقطار أخرى لا محالة، ترسخ لدى المقهور أنه لن يضلّ دوماً سجاداً مُنبسطا فوق الأرض تستخدمهُ الأنظمة مَعْبَراً لجبَرُوتِها، انجلى الكذب وتبيّن أن الصّبرَ لم يكُنْ مِهنةً للبُسطاء عبر التاريخ، بل أصبح الآن صفةً تقترن بحيوان اسمه الجمل فقط. وما عداهُ، فتيلٌ لانفجار قريب في وجه جبروت الطغاة العرب المتبقين يظهرُ في صورة صبرٍ محدود آخِذٌ في الذوبان. لقد وعى الأحرار الآن وأكثر من أي وقت مضى بأن هنالك شعوباً لا تزال رهن الإعتقال في سُجون هي أوطانها تنتظر تنفس هواء الانعتاق الذي أطلقه أحرارُ تونس. لن ينسى التاريخ خدمة قدمها الشهيد البوعزيزي للبشرية في الرابع عشر من يناير، لن ينسى كل فقير يجر عربة في بلاد الطغاة ان يوما سيجر الطغاة من اعناقهم ويفرون كالأنذال ولا يَجدُون مَن يَؤويهِم. لن يرحَمَ، دِكتاتورٌ، لا يَرْحم اسمه التاريخ، مُفكراً رهَنَ فِكرَهُ في كنف الطّغاة. فلا أسف ولا يأس بعد الآن لِحناجر البؤساء التي تمارس "حقاً"، اسمه الاحتجاج بلا أمل. *الطغاة والذكاء المكيافيلي لقد تبين أن ذكاء الطغاة يضل حبيس القصور، وينقضي بثورة بسيطة من البسطاء فيحين موعد المفر، وينجلي ذكاءهم الذي لم يكن غير ذكاء الأغبياء. فبن علي كما سائر الطغاة، استأنس بإنسانية البُسطاء لبسط جبروته، فمقولة مكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" لازمَت الطاغية بن علي، وجعل من قمع الشعب والقسوة والوحشية في التعذيب وسائله في الاحتفاظ بالسلطة. ومن اهتمامات مكيافيلي أيضا، التي يستنسخها الطغاة العرب، رسالته لابنه دعاه فيها، أن يكون أفضل من أبيه لِيُُسعِده ويجلب الشرف له لأن الناس سَيَهَابُونه. وهو م اطبقه طاغية تونس بتفريخ مليارديرات لا تتعدى أعمارهم الثلاثين من أصهاره وعائلة شريكته في الاستبداد، عقيلته. والغريب في أمر حاشية الطاغية المخلوع، بقاء اللصوص وسفاحي الدماء من وزراء ورؤساء عصابات الأحزاب التي نفذت أوامر التقتيل الجماعي بين الأحرار طيلة أيام، وأصبحت أكثر تعطشاً للحكم بل وسارع أحدها إلى تنصيب نفسه رئيساً قبل أن ينتفض الأحرار على الأمر مجدداً. وهو النضال المُتبقي الآن لاستكمال تحرير تونس من الطغاة. فبسطاء تونس بالمرصاد، وحاشية الطاغية من القتلة الوزراء والسياسيين من أزلام النظام مُتهمون لتقديمهم للعدالة يُحاكمهم الثوار الأحرار من أبناء الشعب ولا أحد سِواه.