انقطاع التيار الكهربائي .. الحكومة البرتغالية تستبعد حدوث هجوم إلكتروني    ملتقى في الصويرة يناقش "المواسم التقليدية رافعة للاقتصاد في الوسط القروي... زوايا ركراكة نموذجًا"    في الذكرى 17 لتأسيسها.. المندوبية العامة لإدارة السجون تشيد بمسار الإصلاح وتكرّم جهود موظفيها    القيدوم مصطفى العلوي يُكرَّم في منتدى الصحراء للصحافة بكلمة مؤثرة تلامس القلوب    الأوقاف تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    "المغرب ينير الأندلس" ويتحول إلى فاعل طاقي وازن في الضفة الجنوبية    البنك الدولي يتوقع انخفاض أسعار السلع الأولية إلى مستويات ما قبل كورونا    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    ربط المغرب بآسيا.. اتفاقية استراتيجية بين المكتب الوطني للسياحة وطيران الإمارات    شراكة تجمع التعليم العالي و"هواوي"‬    "البيجيدي" يطالب بتوسيع "الانفراج الحقوقي" ويؤكد أن البناء الديمقراطي بالمغرب شهد تراجعات    دول الساحل تُشيد بمبادرة المغرب لتمكينها من الولوج إلى الأطلسي وتؤكد تسريع تفعيلها    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    كارني يحقق فوزا تاريخيا في الانتخابات الكندية ويعد بمواجهة تهديدات ترامب    أورنج تهدي مشتركيها يوما مجانيا من الإنترنت تعويضا عن الانقطاع    حريق مطعم يودي بحياة 22 في الصين    إسبانيا.. ظهور السفينة الحربية المغربية "أفانتي 1800" في مراحل متقدمة من البناء    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الوزيرة بنعلي: جودة مياه الشواطئ المغربية ترتفع إلى 93 في المائة    كاميرات ذكية ومسرح في المدارس المغربية لمواجهة العنف    "المستشارين" يحتضن شبكة الأمناء العامين لمنتدى الحوار جنوب جنوب    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    أخبار الساحة    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    أزيد من 220 عاملًا بشركة "أتينتو Atento" بتطوان يواجهون الطرد الجماعي    نقابة الكونفدرالية بالمحمدية تطالب بعقد اجتماع عاجل مع السلطات الإقيليمية لإنقاذ عمال مجموعة "الكتبية"    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تسقط بوليفيا مرة أخرى في قبضة الإمبريالية؟
نشر في لكم يوم 14 - 11 - 2019

الاضواء مسلطة في الشهور الأخيرة على أمريكا اللاتينية، فعدوى الحراكات الاحتجاجية ومطمح الشعوب في الديمقراطية، والصراع على السلطة بين مختلف الفاعلين، و"الثورة والثورة المضادة" التي عرفتها المنطقة العربية وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة، وحركات المطالبة بتخفيض الضرائب وتحسين الأوضاع في بعض البلدان الأوروبية، لم تستثنى منها دول أمريكاالجنوبية(فينزويلا،الشيلي،بوليفيا..)، التي تعرف هي الأخرى موجة من التفاعلات والتطورات، والتي تنطوي على معادلة امتلاك الحكم والسيطرة عليه وتحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
إنها مثل هذه تفاعلات في واقع الأمر ليست بجديدة على دول أمريكا اللاتينية، لكنها تأتي في سياق مهم خاصة بعد تجارب "الانتقالات الديمقراطية" التي عرفتها دول أمريكا الجنوبية، بعد صراع مرير مع ديكتاتوريات سابقة، عاشتها هذه الدول في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتم القضاء عليها.
فبوليفيا تعتبر إحدى أكبر دول أمريكا الجنوبية، وإحدى معاقل اليسار ومن أبرز البلدان التي ناضل سيمون بوليفار ولعب دورا في تحريرها إلى جانب فنزويلا والاكوادور وبيرو… عرفت استقالة رئيس البلاد، إيفو موراليس،بعد بروز الاحتجاجات على إعادة انتخابه لولاية رابعة بعد إعلان المحكمة العليا فوزه في الانتخابات الرئاسية في 20 أكتوبر بفارق ضئيل عن منافسه.
موراليس تقلد منصب رئيس البلاد منذ 2006، وهو المنتمي لشعب ايمارا من السكان الأصليين، كان مزارعا للكوكا قبل أن يصبح أول رئيس للبلاد من السكان الأصليين، ورغم دفاعه عن حقبته التي شهدت مكاسب رئيسية ضد الفقر والجوع في البلاد، وكذلك مضاعفة حجم اقتصاد البلاد ثلاثة اضعاف خلال حكمه الذي استمر نحو 14 عاما، فهذا لم يكن ليشفع له من استمرار المظاهرات، وذلك بتجييش من المعارضة الليبيرالية والمحافظين ،حول مزاعم بتزوير نتائج الانتخابات التي جرت الشهر الماضي. حيث ندّدت بوقوع تزوير في انتخابات أعادت و مددت لاستمرار موراليس في الحكم، وهو المعطى الذي أكدته منظمة الدول الامريكية بعدما أشارت إلى وقوع تجاوزات في كل مناحي الانتخابات التي راقبتها.
الزعيم اليساري في مواجهة غضب "الرأي العام" من نتيجة الانتخابات الرئاسية، وفي محاولة للتفاعل الايجابي مع ما صرحت به منظمة الدول الأمريكية التي طالبت بإلغاء نتيجة الانتخابات بدعوى حدوث تجاوزات، دعا إلى انتخابات جديدة(يوم الأحد10نونبر2019) ، لكنّ هذا التنازل لم يكن كافيًا لتهدئة غضب الشارع، مما أسفر عن حدوث مواجهات واصطدامات بين المؤيدين والمعارضين لموراليس أودت إلى وقوع قتلى وجرحى.
هذه الأحداث المتواصلة دفعت رئيس بوليفيا إلى تقديم الاستقالة عبر التلفزيون حيث قال " لقد قررت أن استمع إلى رفاقي وإلى الكنيسة وأن استقيل من منصبي كرئيس".
قرار رئيس بوليفيا الاستقالة من منصبه لم يكن مردّه الشارع فقط والمعارضة، بل استقالة جاءت بعد أن تخلى الجيش عنه وطلب منه التنحي "للحفاظ على "استقرار البلاد"، حيث تم الإعلان عن هذا القرار من طرفه بعد أن طالبه القائد العام للقوات المسلحة، وليامز كاليمان، وقائد الشرطة الوطنية، فلاديمير كالديرون، التنحي لنزع فتيل الأزمة السياسية والاجتماعية.
فقد صرّح قائد الجيش: "بعد تحليل الوضع الداخلي المتوتّر، نطلب من الرئيس التخلّي عن ولايته الرئاسيّة بهدف إتاحة الحفاظ على السلام والاستقرار، من أجل صالح بوليفيا". نفسها الشرطة سلك مسلك الجيش وعبرت عن ذلك عمليا في انضمام العديد من رجال الشرطة إلى احتفالات المعارضة في الشارع بعد اعلان الرئيس عن استقالته.
العديد من الأسئلة يطرحها المتتبع للأحداث الجارية في بوليفيا؛ هل موراليس أصبح ديكتاتوريا جاثما على صدر البوليفيين على امتداد أكثر من أربع عشرة سنة وهذا ما دفعهم للخروج إلى الشارع؟،أم أن الشعب البوليفي يؤمن بقدرات موراليس فأعاد انتخابه للمرة الرابعة وهذا فيه خطر على مصالح الأغنياء من الطبقة البورجوازية، وخاصة بعض الأقاليم التي يسيطر عليها الليبيراليين والتي تطالب بالحكم الذاتي؟.
أم أن القوى الخارجية هي التي خططت لإنهاء تواجد موراليس لأن استمراره يهدد مصالحها في بوليفيا،ويقوي التيار الممانع للسياسات الامبريالية في المنطقة؟ أم الحراكات الشعبية في كل من المنطقة العربية وفي بعض الدول الأوروبية غدت كموضة العصر لتنتقل إلى دول أمريكا اللاتينية؟.
أكيد أن الاحداث في بوليفيا يتداخل في صنعها الفعل الداخلي والعنصر الخارحي، فموراليس هو أول رئيس لبوليفيا من سكانها الأصليين،منذ استقلالها قبل 183 عاما،وعليه فمنذ 2005 حدث تحول سياسي كبير في البلاد،حيث أصبحت بوليفيا كأول دولة في تاريخ أمريكا اللاتينية تقر حق السكان الأصليين في حكم أنفسهم بأنفسهم.
فالرئيس موراليس يتبنى قضية إنصاف سكان بوليفيا الأصليين الذي ظلوا عبر التاريخ مستبعدين على هامش المجتمع. وهذا المعطى في حد ذاته شكل أمرا نفسيا للنخبة التقليدية في بوليفيا ولم تستسيغه لكون أغلبية الشعب والمكونة من السكان الاصليين ستتقوى، وفعلا ازداد النفوذ السياسي للسكان الأصليين بشكل تدريجي في بوليفيا ونجحوا في جعل الدولة نموذجا بالنسبة للسكان الأصليين في عموم أمريكا اللاتينية.
فموراليس، عبر عن انتمائه بشكل واضح في خطاب الاستقالة، واعتبر هذا الانتماء من بين أهم الاسباب التي تجعل المعارضة تحرك الناس ضده، حيث قال "لست مضطرا للهرب لم أسرق أي شيء، خطيئتي أنني من السكان الأصليين، أني من مزارعي الكوكا".
وبناء عليه عملت المعارضة على عرقلت أي إصلاحات سياسية يقدم عليها إيفو موراليس( برزت أكثر مع رفض إعادة انتخابه لولاية رابعة حتى 2025)، خاصة وأنه كان يهدد بشكل مباشر مصالح البورجوازية البوليفية، والتي كانت لاتتردد في نعت خطواته بالشعبوية لتوصيف كل محاولاته لبلورة سياسات مغايرة للسياسات الليبرالية التقليدية.
فالنخبة السياسية الكلاسيكية كانت تصد أية محاولة تذهب في اتجاه تعزيز سلطات الرئيس اليساري الذي دخل منذ فترة في مواجهة مع الأقاليم الغنية في البلاد. والتي تسعى الحصول على الحكم الذاتي بعيدا عن الحكومة الوطنية، لكي تتاح لها الفرصة للسيطرة على الموارد الطبيعية وخاصة النفط في تلك الأقاليم.
فمنذ توليه مقاليد الحكم ، أطلق موراليس مجموعة من الإصلاحات الاشتراكية، بهدف مساعدة الفقراء من سكان البلاد الأصليين في كل البلاد. فعمل على سن تحول كبيرة يروم السعي من خلالها تأميم الشركات الكبرى وإعادة توزيع الثروات، بشكل يستفيد منه الفلاحون الفقراء. حيث قام بإجراءات عدة من قبيل؛ قيام الإدارة المالية للحكومة بخفض عائدات ضريبية على المحروقات من أجل إعادة توزيعها على المتقاعدين والمسنين، وتأميم الغاز وقطاع المناجم، والإصلاح الزراعي.
لذلك فمنذ تولي إيفو موراليس الحكم في بوليفيا والوضع بالنسبة للمعارضة السياسية والنخب الاقتصادية مقلق،فهي ترى في عمل الحكومة ومشاريعها تهديداً لنمط حياتها، لذلك كانت التفكر مليَّا من طرفها في وسيلة لتعويض ما خسرته في السياسة بالاقتصاد، خاصة وأن المناطق التي تتمركز فيها تمثل مكانا مهما للموارد ومحرك الاقتصاد البوليفي، وعليه كانت تتحين الفرصة للانقضاض على حكم إيفو موراليس وكانت تراكم لهذا الغرض، وهو ما تأتى لها بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث كان إعلان فوز موراليس بها بداية لشرارة إنطلاق الاحتجاجات.
الأحداث والتطورات الحاصلة في بوليفيا لا يمكن عزلها عن بقية التفاعلات التي تطرأ في معظم دول أمريكا الجنوبية، سواء في داخلها أو في علاقاتها مع بقية العالم، وبالخصوص مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن الارث التقدمي اليساري الذي لايزال العديد من رؤساء دول أمريكا اللاتينية يحاولون تجسيده، ولو نظريا في خطاباتهم، وفي بعض توجهاتهم الاقتصادية، -فالفكر الاشتراكية لا يزال يسم بعض من سياسات هذه البلدان-، وحاضرا في تقاطباتهم وفي صياغة مواقفهم الدولية.
كذلك وفي ظل تعقد العلاقات الدولية وتشابكها، لا يمكن أن نسبعد ما يقع من التنافس الدولي وتشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية، وإعادة بناء الاقطاب واحتلال للمواقع على المستوى الدولي، وتحقيق موازن قوى جديد على الصعيد العالمي، ولا يمكن إغفاله وفصله عن خريطة التفاعلات الاقليمية والصراعات على السلطة وتشكيل الانظمة السياسية والحكم في أمريكا اللاتينية ومن ضمنها الدولة البوليفية.
فالولايات المتحدة الأمريكية دائما ما تعتبر أمريكا اللاتينية حديقة خلفية لها ومجال حيوي واستراتبجي، له صلة مباشرة بمصالحها وبأمنها القومي، وبناء عليه لا تكون فقط متتبعة ومراقبة للأحداث فيما يقع بهذه الدول، بل كانت فاعلة فيها، سواء عبر التدخلات الاقتصادية الغير المباشر لتطبيق البرامج الرأسمالية والنيولبيرالية، أوعبر التدخلات العسكرية والشبه العسكرية(هايتي،نيكارغوا..)،لصياغة أنظمة وبنائها في هذه الدول وهندستها على مقاسها..وبما ينسجم وطموحات شركاتها المالية والاقتصادية.
لذلك فمجيئ موراليس إلى الحكم، لم يكن ليرتاح له صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية أو لنظر له بعين الرضى.
فمنذ أن برز نجم موراليس، المدافع عن مزارعي الكوكا خططت الولايات المتحدة لحرب منهجية تخاض بكل الوسائل لاستئصاله، وسخّرت الدولة البوليفية ضد الكوكاليروس، أي مزارعي نبتة الكوكا، ففي عام 2002، قارن السفير الأميركي الكوكاليروس بالطالبان، خاصة بعد وصول إيفو إلى المركز الثاني في انتخابات عام 2002 الرئاسية.
فخوان إيفو مورالس أيما ليس هو "غوني" الذي وصل إلى الرئاسة عام 1993 والذي كان يجسّد انتصار الليبرالية الكاسحة، والقادرة على أي شيء، بما فيها العمل على خصخصة الدولة ومنشآتها.
فموراليس لم يكن يوما من أصدقاء أمريكا، وجسد ذلك في العديد من المواقف،كتلك الذي كانت خلال إحدى جلسات مجلس الأمن سنة 2018،حيث اتهم الولايات المتحدة بصنع الانقلابات،حين قال "الولايات المتحدة لا تهتم بالديمقراطية، ولو كان الوضع عكس ذلك لما مولت الانقلابات ولما أيدت الديكتاتوريين ولما هددت الحكومات الديمقراطية بتدخلات عسكرية، كما يفعلون تجاه فنزويلا". واعتبر موراليس أن سياسات واشنطن يحركها "السعي لفرض هيمتها الجيوسياسية على العالم والسيطرة على الموارد الطبيعية لدول أخرى".
لذلك فرغم حالات المد والجزرة التي طبعت العلاقات الثنائية، خلال عهدة موراليس، بين بوليفيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الأخيرة كانت تبحث عن الفرصة للمساهمة في إعادة ترتيب المشهد السياسي في بوليفيا .
فذلك كان واضحا من كلام وزير الخارجية بومبيو حين قام بالإشادة بالعمل "الاحترافي" للبعثة الفنية لمنظمة الدول الأمريكية(ليؤسس لشرعية موقفه، وليوظف منظمة الدول الأمريكية فيما يجري)، والتي وجدت بحسبها "مخالفات مثيرة للقلق في انتخابات بوليفيا"، وقال إنه يتعين على جميع المسؤولين الحكوميين والمسؤولين في المؤسسات السياسية المتورطين في تلك الانتخابات التنحي عن العملية الانتخابية. وأشار أن "الشعب البوليفي يستحق انتخابات حرة ونزيهة".
إنه موقف يوضح أن الولايات المتحدة كانت عازمة على إنهاء نظام موراليس،ومن ثمة فهي ليس ببعيدة عما يجري من الأحداث في بوليفيا والمنطقة ككل، لذلك فالرئيس الأمريكي ترامب يرى في هذه الاستقالة( استقالة موراليس)إشارة قوية عن عدم شرعية بعض الأنظمة في أمريكا اللاتينية.
في نفس الاتجاه ذهبت مواقف العديد من الدول الغربية، فمسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أعربت عن أملها في أن "تتجه البلاد بشكل سلميّ وهادئ لانتخابات جديدة، أما البرازيل فلم يكن رئيسها (المعروف بآرائه السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية، وهو عضو في الحزب الليبرالي الاجتماعي اليميني المُحفاظ) ببعيد عن موقف التشكيك في تزوير الانتخابات حين قال" أن الدرس الذي نتعلمه هو الحاجة إلى نظام انتخابي شفاف..".
بالمقابل فمواقف العديد من الحلفاء الدوليين تصب في اتجاه مصلحة موراليس ومواقفه، وتعتبر ما حدث في بوليفيا عبارة عن انقلاب مرتب له؛ فروسبا المطبوعة بنفس جديد إثر ما حققته من إجازات جيواسراتيجية(في سوريا،القرم..) ؛ تسعى إلى الحصول على موقع جد متقدم في صناعة الأوضاع عبر العالم، والتقرير في اتخاذ القرارات، لترسخ مكانتها الدولية كقوة عظمى، لذلك ما يكون في غالب الأحيان موقفها مناصرا لما تعارضه الولايات المتحدة من مواقف وسياسات عبر العالم،-إذا لم تكن تتقاسمها الارباح السياسية والاقتصادية-،هذا ما جعل الخارجية الروسية تصفت ما جرى في بوليفيا بأنه "انقلاب منظم ومعد مسبقا جرى إخراجه، بعد أن قدم الرئيس البوليفي إيفو موراليس استقالته".
التضامن الإيديولوجي والسياسي(للرفاق)، كان بيِّنا من مواقف رؤساء العديد من دول أمريكا اللاتينية التي نددت وأدانت الانقلاب على ‘الشرعية' في بوليفيا، كالرئيس الارجنتيني اليساري التقدمي ألبرتو فرنانديز الذي وصف الوضع الذي أدى إلى استقالة موراليس بأنه انقلاب،
وفي نفس الاتجاه ذهبت كل من كوبا والعديد من الدول الأخرى في أمريكا اللاتينية المعادية للسياسات الامبريالية في المنطقة،كمادورو الرئيس الفنزويلي الذي عبر عن سخطه جراء ما اعتبره انقلاب واضح على صديقه موراليس ودعا إلى العمل على حماية الشعب البوليفي الأصيل.
بعد هذه الأحداث غادر اليوم(12نونبر2019) موراليس البلاد، في اتجاه المكسيك، وأعلن أنه على استعداد للعودة إلى بلاده، حينما تزول "أوضاع الانقلاب"، وشكر موراليس المكسيك لحمايتها له ومنح له اللجوء، وتعهد بالعودة إلى بلاده أقوى وأكثر في المستقبل.
وبموجب الدستور، تنتقل السلطة إلى رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب على التوالي، لكنهما استقالا أيضا، مما يعني أن السلطة ستؤول انتقاليا إلى نائبة رئيس مجلس النواب ‘آنيز' ،التي ستتولى الرئاسة المؤقتة، ومن المرجّح أن يكلّفها الكونغرس بالإشراف على إجراء انتخابات جديدة وانتقال السلطات إلى حكومة جديدة.
ومع ذلك فرغم تعهد الجيش على مساعدة الشرطة بالتصدي لأعمال العنف، ورغم الإعلان عن تنظيم انتخابات جديدة، لإنهاء الأزمة، فالاعتقالات في صفوف أنصار موراليس ومناصرين له ينذر بآتون أزمة سياسية خطيرة ستدخلها البلاد، خاصة أمام التدخلات الأجنبية المتعددة ،والتي تسعى من خلالها كل القوى المتدخلة إلى توجيه الأحداث في بوليفيا، بما يناسب مصالحها في هذا البلد وفي أمريكا اللاتينية بشكل عام.
فقدر البلدان التي تتمركز ضمن هذا المجال الجغرافي(أمريكا الجنوبية)رغم محاولات الانفلات والخروج من دائرة العالم الثالث من طرف بعضها، فمؤشرات التنمية ومقاربات التحليل الجيوبوليتيكي لاتزال تموقعها في إطار دول الجنوب التي تعاني الفقر والتهميش وغياب الديمقراطية، والأخطر من هذا فهي تمثل مصدرا للثروة لا محيد عنه بالنسبة للقوى الكبرى، لذلك ما تحتل وباستمرار مكانة في استراتيجيات النهب التي تضعها الشركات العابرة للقارات وتحبكها مختلف القوى المسيطرة في المركز الرأسمالي، ناهيك عن كونها مختبرا دائما لتنفيذ سياساتها وبرامجها .
وعليه فالضرورة تفرض أن بوليفيا ما بعد موراليس من المتوقع أن تشهد اضطرابات سياسية متواصلة، ولن يحسمها راهنيا إلا مستوى التوافق الذي سيحصل بين القوى اللبيرالية المحافظة محليا بتواطؤ مع الجيش والشرطة، ومدى استجابتها وانسجامها مع ما تفرضه مصالح اللاعبين الاقليمين والقوى الفاعلة على الصعيد الدولي.
*أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.