كشف النقيب حسن وهبي رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب عن خارطة طريق إصلاح القضاء بالمغرب، مؤكدا على أن الجمعية التي يرأسها "عبدتها تراكماتها عبر عقود من الزمن من نضالها المرير من أجل قيام سلطة قضائية مستقلة فعالة ونزيهة، وكان آخر محطات هذا العمل الدؤوب مقررات وتوصيات مؤتمرنا السابع والعشرين الذي انعقد بمدينة أكادير خلال شهر يونيو 2011"، مؤكدا على أن مشروعه يرتكز أيضا على "إعداد ميثاق وطني حول أخلاقيات المهنة". وأضاف نقيب المحامين المغاربة في حوار خص به موقع "لكم.كوم" أن "إقرار الدستور الجديد لبى مطلب الجمعية في إقرار القضاء سلطة مستقلة. وهذا الإقرار بسلطة القضاء المستقلة عن باقي السلط، وضع الجميع وفي مقدمتهم جمعيتنا أمام تحد كبير، وهو تأهيل قضائنا الذي عانى لعقود من كل أنواع المس بحرماته من طرف الأجهزة الإدارية ومن سلطة المال والنفوذ وغيرها، وهي مهمة ليست بالهينة، ولا بد لها كأية عملية بناء من وقت وجهد وتضحيات". وشدد النقيب حسن وهبي في معرض حديثه عن الوزراء المحامين المتعاقبين على تدبير قطاع العدل بالقول "لا تكفي النوايا الحسنة ولا الإرادات الطيبة لتغيير واقع عنيد، وفي وقت وجيز". وفي معرض تعليقه على واقع مهنة المحاماة، أوضح النقيب وهبي على أن "هناك عدد من الحالات كان فيها للمحامين ضلع، غير أن اللوم في مجمله يقع على القاضي الذي لو أغلق الباب دونه ما كان ليدخله المحامي أو غير المحامي، غير أن مسؤولية المحامي أيضا تبقى أكبر من مسؤولية غيره، وذلك بحكم طبيعة عمله وتكوينه وبحكم القسم التي على عاتقه، بل ومن أوجب واجباته التصدي لعملية الإفساد وليس المشاركة فيها". وعن دور القضاء الواقف، قال النقيب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب "إن النيابة العامة إذا كانت أسيرة القلم فهي حرة اللسان، ومع ذلك يمكن القول أنها كانت أسيرتهما معا حتى وقت قريب، خاصة في بعض القضايا الحساسة. ونقل النقيب وهبي عن وزير العدل قوله "إن هذا الأخير أكد لنا مؤخرا توجيهه لتعليمات إلى السادة ممثلي الحق العام بتحمل مسؤولياتهم في التدخل إيجابا كلما تبين لهم وجود إجحاف أو تطاول على القانون، والعمل من أجل مطالبة القضاء بالتدخل لإصلاح الوضع، ورد الأمور إلى نصابها، وليس لنا إلا أن نصفق لمثل هذه المبادرات المحمودة التي تجعل من الحق العام خصما شريفا، ينظر للحقوق الخاصة بنفس الغيرة التي ينظر بها للحق العام، ويطالب باحترامها على قدم المساواة". وبخصوص تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، قال النقيب وهبي "إن الأمر ما يزال في بداياته، واجتماع اللجنة بالأمس انصب فقط على مناقشة منهجية عملها، ومن السابق لأوانه إعطاء رأي شخصي حول عملها، غير أن ما يمكن تسجيله إيجابيا في ذلك، أن شأن العدالة وبكل مكوناتها أصبح موضوع الساعة ومعروضا للنقاش الموسع وعلى المجتمع بكل فئاته وأطيافه واهتماماته الشعبية والمهنية والحزبية والجمعوية وغيرها، والمقبل من الأيام والأعمال هو ما سيعطي الجواب على انتظارات الوطن وآمال المواطن في تحقيق عدالة مستقلة فعالة ونزيهة". وفيما يلي النص الكامل للحوار: . يسجل مراقبون لشأن المحامين بالمغرب أنه ما تزال هناك هيمنة تيار سياسي معين على قيادة جمعية هيئات المحامين بالمغرب. هل يرجع الأمر لطبيعة الجانب السياسي للنقباء أم لطبيعة مهنة النبلاء أم أن طبيعة المرحلة تقتضي ذلك؟ الأمر ليس بهذا ولا بذاك، الأمر مهني بالأساس والثقة التي حظيت بها كانت أيضا وبالأساس مرة أخرى بناء على مشروع برنامج العمل الذي تقدمت به إبان الحملة الانتخابية لاختيار رئيس الجمعية، والذي استعنت في إعداده بخبرات وكفاءات واقتراحات عدد من السادة الرؤساء السابقين للجمعية، ومن السادة النقباء الممارسين والسابقين، ومن والزميلات والزملاء أعضاء مجالس الهيئات خلال زياراتي لهم، ودون أي اعتبار سياسي أو غيره، وهو برنامج مهني حقوقي اجتماعي ثقافي وبامتياز، ولا وجود فيه لأي توجه سياسي معين، والجمعية بحكم طبيعة تكوينها تحتضن جميع القناعات السياسية والفكرية، غير أنها وبحكم طبيعة عملها أيضا تجمع بين جميع هذه المكونات في انسجام تام وتكامل قل نظيره، لأن آداب المهنة وتقاليدها تظل في الأخير هي البوصلة التي يسترشد بها الجميع. . ما يزال العديد من المحامين داخل هيئات بلا مكاتب ولا مقرات، كما أن ملف الضرائب ما يزال ملفا جاثما عجزت الجمعية عن إيجاد حل له منذ سنوات، وما يزال يقض مضجع المحامين، ما تصوركم لمواجهة الملفين؟ بالفعل ملف الضرائب ما يزال يراوح مكانه، ولا لوم في ذلك في نظري على إدارة الضرائب، فهي دائما تطالبنا بتقديم اقتراحات عملية من أجل التشاور حولها والوصول إلى حل يرضي مصالح الطرفين، غير أننا لم نفعل حتى الآن. وحل المشكل في اعتقادي تشريعي بالأساس، ونحن نطالب بحل يراعي خصوصية المهنة وطابعها الاجتماعي، لكن القاعدة الضريبية إلى جانب ضرورة استجابتها للخصوصيات التي نطالب بها، فإنها يجب أن لا تحيد كأي قاعدة قانونية عن مبدأي التجرد والعمومية. وسنعمل إن شاء الله وفي القريب العاجل على فتح هذا الملف مع الإدارة المعنية وبتشاور مع زملائنا البرلمانيين، ولن يعدم المحامون، إزاء تفهم الإدارة المعنية، حلا يرضي جميع الأطراف. أما بالنسبة للمحامين الشباب فواجب الأخذ بيدهم يقع بالأساس على عاتق الهيئات التي ينتمون إليها وقد بدأت تلوح في الأفق بوادر بهذا الخصوص من قبيل العمل على إعداد مكاتب جماعية لفائدتهم بدعم من هيئاتهم. وبخصوص وضعيتهم الضريبية، فإن من بين المطالب الرئيسية التي تعتزم الجمعية تقديمها لإدارة الضرائب في إطار الحوار المقبل معها، العمل على إعفاء المحامين المبتدئين من أداء الضرائب لمدة خمس سنوات على الأقل من تاريخ فتح مكاتبهم مساعدة لهم في مرحلة التأسيس. . الحديث عن القطاع يجرنا إلى السؤال عن طبيعة تصوركم لإصلاح حقيقي لجهاز القضاء بالمغرب أي ما خارطة طريق الرئيس النقيب وهبي خلال فترة انتدابه رئيسا للجمعية؟ خارطة الطريق في نظر جمعيتنا عبدتها تراكماتها عبر عقود من الزمن من نضالها المرير من أجل قيام سلطة قضائية مستقلة فعالة ونزيهة، وكان آخر محطات هذا العمل الدؤوب مقررات وتوصيات مؤتمرنا السابع والعشرين الذي انعقد بمدينة أكادير خلال شهر يونيو 2011. نعم بعد هذا المؤتمر تم إقرار الدستور الجديد الذي لبى مطلب الجمعية في إقرار القضاء سلطة مستقلة. وهذا الإقرار بسلطة القضاء المستقلة عن باقي السلط، وضع الجميع وفي مقدمتهم جمعيتنا أمام تحد كبير، وهو تأهيل قضائنا الذي عانى لعقود من كل أنواع المس بحرماته من طرف الأجهزة الإدارية ومن سلطة المال والنفوذ وغيرها، وهي مهمة ليست بالهينة، ولا بد لها كأية عملية بناء من وقت وجهد وتضحيات. . أقر وزير العدل الذي ينتسب إلى جهاز القضاء وتحديدا إلى المحاماة ببعض من معالم إصلاح جهاز العدالة. ما موقفكم من ذلك؟ وإلى أي حد سيكون الوزير المحامي قادرا على جعل السلطة القضائية تتمتع باستقلالية حقيقية عن باقي السلط؟ وزير العدل الحالي ليس أول محام يتقلد مسؤولية وزارة العدل، وقد لا يكون الأخير، وسابقه السيد النقيب الأستاذ محمد الطيب الناصري، الذي أنوه بالمناسبة بكل ما تحمله وبذله وناضل من أجله وفي طموح وصبر قل نظيرهما وفي صراع مرير مع الزمن، لم يكن يقل غيرة ومقدرة وكفاءة، غير أنه وفي أمور كبيرة من هذا القبيل لا تكفي النوايا الحسنة ولا الإرادات الطيبة لتغيير واقع عنيد، وفي وقت وجيز. . إلى جانب القضاة يتهم بعض المحامين بالتورط في إفساد جهاز القضاء. ما منهج الجمعية لمحاربة هاته الظواهر المشينة؟ هناك عدد من الحالات كان فيها للمحامين ضلع، غير أن اللوم في مجمله يقع على القاضي الذي لو أغلق الباب دونه ما كان ليدخله المحامي أو غير المحامي، غير أن مسؤولية المحامي أيضا تبقى أكبر من مسؤولية غيره، وذلك بحكم طبيعة عمله وتكوينه وبحكم القسم التي على عاتقه، بل ومن أوجب واجباته التصدي لعملية الإفساد وليس المشاركة فيها. يبقى على الجمعية أن تساهم بدورها، وفي إطار عملية التنسيق التي تضطلع بها بين الهيئات، أن تولي مسألة التخليق أهميتها البالغة، وهي نقطة أساسية لم تكن لتغيب عن مشروع برنامج عملها للثلاث سنوات القادمة، وسيكون السبق أولا لإعداد ميثاق وطني حول أخلاقيات المهنة. يبقى أن عملية إصلاح القضاء يجب أن تسير في شكل متواز مع إصلاح باقي مكونات جهاز العدالة ومساعديه. . لجمعية هيئات المحامين بالمغرب دور كبير في تحسين الأداء القضائي وتطهيره، ما مشروعكم المستقبلي في هذا الصدد؟ جمعية هيئات المحامين بالمغرب شريك أساسي لوزارة العدل في تتبع سير المحاكم، وتتم هذه الشراكة في إطار اتفاقية الشراكة والتعاون التي تربط في ما بيننا، والتي أنشئت في ظلها عدة لجن من بينها لجنة مواكبة سير عمل المحاكم، وفي هذا الإطار وأيضا في إطار أعمال اللجن الثلاثية، التي تجمع بين السادة الرؤساء الأولين والسادة الوكلاء العامين والسادة النقباء الممارسين على مستوى كل محكمة استئناف، نتقدم بملاحظاتنا واقتراحاتنا كما نعمل على حل جميع الإشكاليات التي تنشأ بحكم العمل اليومي وإكراهاته داخل المحاكم. وأود بهذه المناسبة أن أشير إلى ضرورة مراجعة هذه الاتفاقية التي مرت عليها عقود من الزمن بقصد تحيينها وبما يسمح بمشاركة أوسع من طرف الدفاع في إدارة العملية القضائية، بحكم اعتباره أي الدفاع جزء من أسرة القضاء، وهذا الاعتبار يوجب عليه المشاركة الفعلية في إدارة البيت لمشترك. . بصفتك رئيسا لجمعية هيئات المحامين بالمغرب. ماذا عن دور القضاء الواقف في الكثير من الأحيان لتبرير أو على الأقل إضفاء شرعية على بعض المحاكمات التي تفتقد إلى شروط المحاكمة العادلة؟ من الناحية النظرية الأمر ليس كذلك، فالنيابة العامة إذا كانت أسيرة القلم فهي حرة اللسان، ومع ذلك يمكن القول أنها كانت أسيرتهما معا حتى وقت قريب، خاصة في بعض القضايا الحساسة. أقول حتى وقت قريب لأن السيد وزير العدل أكد لنا مؤخرا توجيهه لتعليمات إلى السادة ممثلي الحق العام بتحمل مسؤولياتهم في التدخل إيجابا كلما تبين لهم وجود إجحاف أو تطاول على القانون، والعمل من أجل مطالبة القضاء بالتدخل لإصلاح الوضع، ورد الأمور إلى نصابها، وليس لنا إلا أن نصفق لمثل هذه المبادرات المحمودة التي تجعل من الحق العام خصما شريفا، ينظر للحقوق الخاصة بنفس الغيرة التي ينظر بها للحق العام، ويطالب باحترامها على قدم المساواة. بالأمس تم تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، وكنتم ضمن أعضائها ممثلا لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ما تصوركم لعمل هذه الهيئة. الأمر ما يزال في بداياته، واجتماع اللجنة بالأمس انصب فقط على مناقشة منهجية عملها، ومن السابق لأوانه إعطاء رأي شخصي حول عملها، غير أن ما يمكن تسجيله إيجابيا في ذلك، أن شأن العدالة وبكل مكوناتها أصبح موضوع الساعة ومعروضا للنقاش الموسع وعلى المجتمع بكل فئاته وأطيافه واهتماماته الشعبية والمهنية والحزبية والجمعوية وغيرها، والمقبل من الأيام والأعمال هو ما سيعطي الجواب على انتظارات الوطن وآمال المواطن في تحقيق عدالة مستقلة فعالة ونزيهة.