أزيد من 1200 مؤتمر ومرافق ومدعو، من جميع هيئات المحامين بالمغرب السبعة عشر، حطوا الرحال يوم الخميس المنصرم بمدينة الانبعاث، للمشاركة في المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب الذي دام ثلاثة أيام، وتميز عن كل الدورات السابقة بنكهة خاصة، تميزت بانتفاضة حركة 25 ماي التي ولدت من رحم الهيئة، وأيضا افتتاح المؤتمر بحضور فعلي لوزير العدل محمد الطيب الناصري. مرة أخرى تستضيف مدينة أكادير أشغال المؤتمر، بعد انعقاده في دورته 11 سنة 1972، والمؤتمر 21 المنعقد سنة 1991، ثم الدورة 24 سنة 2002، وهذه السنة أيضا تم اختيار أكادير لاحتضان أشغال الدورة 27، ونظمته أعرق هيئة من هيئات المحامين لدى محكمتي الاستئناف بأكادير والعيون 2011 تحت شعار ” “إصلاح جهاز العدالة: إرادة سياسية وتغيير جذري”، وعرف مشاركة مهمة لذوي البذلة السوداء، طرحت خلاله مواضيع هامة سواء تعلق الأمر بالقضايا المهنية أو الوطنية أو الجهوية أو الدولية، وتميزت بسخونة الجلسات والورشات. افتتاح غير عادي تميز بوقفة احتجاجية لحركة 25 ماي للمحامون الشباب في أول ظهور لها رسمي، وأمسية شعرية مع المحامي الشاعر الأستاذ عبد الرفيع الجواهري، رافقه حفل توقيع عدد من المؤلفات والإبداعات الجديدة للمحامين المغاربة من مختلف هيئات المحامين بالمغرب...خلطة متنوعة جعلت المؤتمر ذو نكهة خاصة. حركة 25 ماي ... ولدت من رحم “المحاماة” لم يكن أول يوم دون مفاجآت، لم تكد تنته الجلسة الافتتاحية، حتى انطلقت عاليا أمام قاعة المؤتمر شعارات أزيد من 300 محام قدموا من مدينة الدارالبيضاء، انخرطوا في حركة شبابية عفوية، تعلن عن وجودها لأول مرة باسم ” حركة 25 ماي” ليس لها رئيس ولا مرؤوس بل تنتمي إلى الحركات العصرية. تستلهم بعض ركائزها من حركة 20 فبراير. ” يا محامي يا محامي يا محامية التغيير عليك وعليا مسؤولية”،” المحاماة نبيلة، ما تقبل الرذيل”... شعارات عكست مطالب الشباب بتخليق الحياة العامة. الحركة هي أول شكل احتجاجي عبر فيه المحامون الشباب عن ذواتهم كاحتجاج، الخامس والعشرون كان أول فرصة للإعلان الرسمي عن الحركة في ندوة عقدت بالدارالبيضاء. وحسب الأستاذ المهدي مساعد، محام بهيئة الدارالبيضاء وأحد الأعضاء المؤسسين للحركة، جاءت الحركة في إطار الحراك الشعبي الذي يعرفه المغرب “حركة 20 فبراير”. يؤكد مساعد : ” نحن كحركة 25 ماي للمحامون الشباب لا نعتبر أنفسنا بديلا عن مؤسساتنا المهنية سواء جمعية هيآت المحامون بالمغرب، أو مؤسسة النقيب ...حرصنا وغيرتنا على المهنة هي التي جعلتنا نقوم بهذه المبادرة التي تعمل على شقين: الشق المهني ومحاربة الفساد، الشق السياسي هو دعم حركة 20فبراير في مطالبها العادلة والمشروعة”. المحامون الشباب عبروا عند افتتاح المؤتمر عن عزمهم إنجاحه والمساهمة في نقاشات الورشات وليس إفشال المؤتمر. لكن العمل الحقيقي سيكون عند العودة إلى ردهات المحاكم وإلى جانب حركة 20 فبراير حيث سينصب اهتمام الحركة بمحاربة الفساد. “الحركة ديموقراطية، ولا تؤمن بالكوطا” يؤكد مساعد مضيفا: ” المعيار الوحيد هو معيار الاستحقاق، وهناك محامون قدماء انضموا إلى حركتنا في حين هناك محامون شباب أعرضوا عنها. هي حركة شبابية تعني التغيير وليس بالمعنى الإسمي”. تم الإعلان عن افتتاح أشغال المؤتمر بعد كلمة وزير العدل والنقيبين عبد السلام البقيوي، رئيس جمعية هيئات المحامين، وحسن وهبي نقيب هيئة المحامين لدى محكمتي الاستيناف بأكادير والعيون. وزير العدل...خارطة طريق نحو الإصلاح الإصلاح...”مرحلة جديدة” أعلن عنها وزير العدل من خلال كلمته الافتتاحية، معتبرا نفسه قبل أن يكون وزيرا كزميل منتمي لمهنة المحاماة. كلمة مختصرة أعلن خلالها عن ” خارطة الطريق” التي وضعتها الوزارة والإصلاح العميق والشامل من خلال دعم استقلالية القضاء، تحديث المنظومة القانونية وتأهيل الهياكل القضائية، ترسيخ التخليق...ما يتطلب انخراط جميع الفاعلين في قافلة الإصلاح. الجديد الذي أعلن عنه الوزير هو الإصلاح الصادر على المستوى التنظيمي المتمثل أساسا في إحداث قضاء القرب الذي سيحل محل محاكم الجماعات والمقاطعات، وتفعيل اللاتمركز، تبسيط المساطر والإجراءات القضائية، ضمان مقومات المحاكمة العادلة وجودة الأحكام، بالإضافة إلى الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل. أما تشريعيا عملت وزارة العدل على إعداد 28 مشروعا من مشاريع القوانين تروم تفعيل التواصل ولانفتاح على كل الفاعلين، بالإضافة إلى الوزارة ستدشن مرحلة الإصلاح بإعداد النصوص العملية، ومراجعة النظام الأساسي للقضاة و وضع معايير ولوج سلك القضاء ومعايير التكوين... وغير ذلك من النصوص ذات الصلة بالميدان القضائي. ولم يغفل الوزير على التذكير بكون الوزارة عملت على تكريس ثقافة التشاور من خلال إصلاح مهنة المحاماة، ودراسة مشروع مؤسسة تعنى بتكوين المحامين وهو ما اعتبره الوزير من أهم مكونات إصلاح منظومة العدالة، إلى جانب ذلك أشاد الوزير أن تنظيم مؤتمر المحامين” يعكس مدى وعي نساء ورجال المحاماة بضرورة إصلاح المنظومة القضائية في انسجام تام مع الإرادة الملكية” مذكرا بخطاب 20 غشت الذي أكد فيه جلالة الملك ” على ضرورة جعل القضاء في خدمة المواطن، وهو ما يشكل منعطفا في تطوير عملية الإصلاح الفعلي للعدالة للارتقاء بالقضاء إلى مصاف السلطة التشريعية والتنفيذية وتكريس موقعه كسلطة قضائية مستقلة”. النقيب عبد السلام البقيوي...إعادة الثقة في المؤسسات كلمة رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب النقيب عبد السلام البقيوي اتسمت بالواقعية، مؤكدا بأن معركة المحامين من أجل الإصلاح وتأهيل العدالة وتقوية استقلالها مرهون ” بجعل المجلس الأعلى للقضاء سيد نفسه، ومتابعة تسريع وتيرة إصلاح القضاء، ومواصلة بناء تحديث المحاكم وتحفيز القضاة وتأهيلهم”. واعتبر البقيوي أن شعار المؤتمر لم يأت من فراغ، لكون “التجربة أثبتت أن عدم تفعيل الضمانات الدستورية والقانونية يجعلها مجرد واجهة دعائية، ما يجعل الشعب يفقد ثقته في الدستور والقانون والمؤسسات الدستورية، لذلك فإصلاح جهاز العدالة رهين بإرادة سياسية أولا وتغيير دستوري ثانيا”. كلمة مطولة تطرق النقيب خلالها لتراجع الحريات بالمغرب، مشيرا لما يتعرض له الصحفيون من محاكمات خارج القانون ومن ملاحقات واعتداءات من طرف قوات الأمن”. في الوقت الذي ركز على بعض المشاكل المهنية وطلب من المحامين إصلاح البيت من الداخل. النقيب حسن وهبي: “قدماء المحامين...عودوا إلى ردهات المحاكم حسن وهبي نقيب هيئة المحامين لدى محكمتي الاستئناف بأكادير والعيون، فضل تسليط الضوء على الشأن الداخلي للهيئة وأدبيات تخليق المهنة وإصلاحها، والشأن الاجتماعي للمنتسبين إليها، داعيا قدماء المحامين إلى العودة إلى ردهات المحاكم و قاعات الجلسات ومناصب المسؤولية بعدما فضل العديد منهم هجرها، والانزواء بعيدا عن واقع مهني لا يرضيهم، تاركين زملائهم الشباب يواجهون “المجهول”، مما نتج عنه أوخم العواقب على المهنة وأدبياتها، في حين أن الشباب الوافد على مهنة المحاماة كان من المفروض أن يتم توفير فضاء مهني سليم نقي ومعافى، يقيهم الزلل وشر الحاجة. الدفاع يريد إسقاط الفساد اعتبر المهدي مساعد أن الحركة لم تأت من عدم، فجمعية هيآت المحامين ناضلت منذ إنشائها لدفاع عن استقلال المهنة وحصانتها واستقلال القضاء، واعتبر أن حركة 25 ماي هي امتداد لنضالها: محاربة الرشوة، التعليمات... الشعب المغربي في حاجة إلى قضاء عادل وفعال، فيما أكد أن الأغلبية الساحقة من المحامون والقضاة شرفاء ونزهاء. لحركة 25 ماي للمحامون الشباب مؤاخذات، صنفها مساعد على التوالي : ” الجمعية كانت هيئات تناضل من أجل استقلال القضاء والملكية القضائية...لكن للأسف لم تكن في مستوى الأحداث التي عرفها العالم العربي خاصة منذ ظهور 20 فبراير، فمؤسستنا المهنية لم تكن في مستوى الانتظارات. يصرح المهدي مساعد: “نحن كحركة ومؤتمرون نحيي عاليا السادة النقباء وجميع المحاميات والمحامين الذين ساهموا في إنجاح المؤتمر، الذي نعتبره ناجحا على جميع المستويات بالنقاش الغني والتوصيات التي خرجت بها مختلف اللجان”. بالنسبة لملاحظات الحركة عن الورشات يضيف: ” شاركنا في نقاش ورشة في لجنة قانون المهنة ولجنة المهنة بصفة عامة، وهي أكبر لجان المؤتمر عرفت حضورا كبيرا، مما يدل على اهتمام المحامون وغيرتهم على المهنة”. مجموعة من المحامون من بينهم محاموا 25 ماي آخذوا اللجنة أن الاتجاه العام للنقاش تم حصره حول الفصل 57. واعتبر العضو المؤسس للحركة أن المؤتمر كان ناجحا بكل المقاييس، تم إغناء المواضيع المطروحة من طرف المحامون. لم يخف مساعد تخوفه من عدم تطبيق هذه التوصيات وبقائها حبرا على ورق، وعمل الحركة ينصب على المطالبة بإخراج التوصيات من بيانات إلى أرض الواقع: “هدفنا وعملنا المستقبلي سينصب على محاربة الفساد على أرض الواقع، إصلاح القضاء على أرض الواقع، حصانة الدفاع.....مهمتنا كحركة 25 ماي الخروج لتنفيذ وتفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع في المحاكم والمكاتب.حركة 25 ماي حسب تصريح المهدي مساعد ” ليست حركة احتجاجية اصطدامية، بل هي وسيلة لتغيير الواقع، هي من أجل الاصطدام مع الفساد والمفسدين ومستعدون لاستئصال الفساد من الداخل إذا اقتضى الأمر”. الحركة الشبابية لذووي البذلة السوداء نالت اعتراف جمعية هيئات المحامين، بل وباركتها بإصدار توصية خاصة ومباركة كل مطالبها وأهدافها الرامية إلى إعلان ثورة إصلاح حقيقي سواء في الوسط المهني أو القضائي، واعتبرت الجمعية أن هذه الحركة ” منبعثة من رحم المحاماة”. ورشة الشؤون المهنية...الفصل 57 يثير نقاشا حادا كانت أهم الورشات تلك الخاصة بالشؤون المهنية، والتي عرفت حضور حوالي نصف المؤتمرين، وخيم على أجواءها جو من التوتر الحاد عند مناقشة الفصل 57 من قانون المهنة، وانقسم الفريق إلى فريقين أحدهما اعتبر هذا الفصل يمس باستقلالية المحامي، في حين اعتبره الفريق الآخر فصل يحمي المحامي من الودائع التي تكون في حوزته. وصرحت مصادر من داخل الورشة، نظرا لمنع الصحافة من حضور الورشات، أن هذه الورشة كانت “ساخنة”، بعد تطرقها لفصول من قبيل رفع سن المحامي ليصبح مقبولا لدى المجلس الأعلى إلى 15 سنة، وهو اعتبره المحامون الشباب إقصاء لكفاءتهم، كما تمت إثارة موضوع الحد من هيمنة النقباء على سلطة القرار داخل المهنة.... التوصيات...ملكية برلمانية وتبني مطالب حركة 25 ماي رغم صدور خمسة اعتراضات من بينها اعتراض المحامي الرميد، أعلن النقيب حسن وهبي بنجاح المؤتمر بعد قراءته للتوصيات الصادرة عن المؤتمر، لتعم موجة من التصفيقات من طرف المحامون، وتكثل لأخذ صور جماعية مع رفع شعارات تمجد مهنة المحاماة وتطالب بإسقاط الفساد. هذه التوصيات قدمت صبيحة الأحد الأخير بالتفصيل خلال ندوة صحفية، كان في مقدمتها المطالبة بإقرار الملكية البرلمانية التي يسود فيها الملك ولا يحكم، باعتبارها أساسا لبناء دولة الحق والقانون. لكن المثير للإهتمام في هذه الوصيات طلب المحامون إبلاء الشباب أهمية خاصة بعد أن خرجت حركة شبابية جديدة من جسم المحاماة رفعت من سقف مطالبها، وأوصت التوصيات بإطلاق كافة معتقلي الرأي، خاصة ” نشطاء حركة 20 فبراير داعين إلى توفير حق التظاهر السلمي وتجاوز المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات”. المؤتمر أفرد في صفحة كاملة مستقلة توصية خاصة بحركة 20 فبراير نصت على دعم الحركة وانخراط المحامي في أشكالها النضالية، كما أدان ما اسماه القمع والعنف الذي طال أشكال الاحتجاج السلمي، وشدد المحامون على استقلالية القضاء، معبرين عن ” قلقهم من توظيف القضاء من أجل تصفية الحسابات السياسية وإدانة معتقلي حركة 20 فبراير”. وفي الصفحة التي تليها، بارك المؤتمر 27 للمحامين المغاربة ولادة حركة 25 ماي التي خرجت من بين جوانحه ونظمت أول وقفة لها أمام بوابة القاعة التي احتضنت المؤتمر، وقالت توصيات المؤتمر إنه ” يتبنى كل مطالب حركة 25 ماي للمحامين الشباب في سبيل القيام بثورة إصلاح حقيقي” وجدير بالذكر أن محاميي الدارالبيضاء عزفوا عن حضور مؤتمر المحامين لحسابات لم تكشف عنها ندوة أمس الأحد الصحفية المنظمة بأكادير. فعدد المحامين القادمين من الدارالبيضاء حدد في 55 أستاذا كلهم تقريبا من حركة 25 ماي، وقد شكل تلاحمها مع المؤتمر حسب متتبعين خلخلة ستقع لاحقا على مستوى جمعية هيئات المحامين، كما ستجعل صقور محاميي الدارالبيضاء يراجعون قرار مقاطعة الجمعية التي لعب محاموا أكادير دورا هاما في تشكيلها وتقوية المؤسسات الاجتماعية التابعة لها. توصيات المحامين جاءت متناغمة مع فورة الشباب فأوصت بمحاربة الفساد والقطع مع كل أشكال الريع، وعدم إفلات المفسدين وناهبي المال العام من العقاب، كما ألحت على تعديل قانون الأحزاب وتجريم الترحال السياسي، وحي المؤتمر عاليا نجاح الثورة في تونس ومصر معلنا ” مساندته المطلقة للحراك الاجتماعي بباقي الأقطار العربية”. المحامون طالبوا بإقرارا قانون جديد للصحافة والصحافة الإلكترونية بمشاركة المهنيين والفاعلين الإعلاميين، مع سن قانون يضمن الحق في الولوج إلى المعلومة. ولاحظ المحامون في توصياتهم حول القضاء، أن استمرار جل المسؤولين في المسؤولية محليا ومركزيا لمدة طويلة ساعد على تشكيل لوبيات فأصبح الولاء لها معيارا لتقييم المردودية في العمل والترقية مع استشراء المحسوبية والرشوة، كما طالبوا بدسترة القضاء وتوسيع وظائفه وفك ارتباطه بوزارة العدل، واقتصار مسؤوليات التسيير والتقرير على أعضائه المنتخبين، وأن تكون القرارات الصادرة عنه قابلة للطعن. أمينة مستاري